الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: وللمودع أن يسافر بالوديعة وإن كان لها حمل ومؤنة عند أبي حنيفة رحمه الله وقالا: ليس له ذلك إذا كان لها حمل ومؤنة. وقال الشافعي رحمه الله: ليس له ذلك في الوجهين
ــ
[البناية]
[السفر بالوديعة]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وللمودع أن يسافر بالوديعة وإن كان لها حمل ومؤنة عند أبي حنيفة رحمه الله) ش: وفي " شرح الأقطع ": هذا الذي ذكره قول أبي حنيفة لا في موضع واحد، وهو أن يكون طعاما كثيرا فإنه يضمن استحسانا إن سافر به لا قياساً.
وقال الإمام الأسبيجابي في " طريقة الخلاف ": إذا كان له حمل ومؤنة فعند أبي حنيفة لا يضمن سواء كان السفر قريباً أو بعيداً. وقال محمد رحمه الله: يضمن سواء كان قريباً أو بعيداً. وقال أبو يوسف رحمه الله: إن كان بعيداً يضمن وإلا فلا، ثم قال وأجمعوا إن كان الطريق مخوفاً يضمن كيفما كان، ثم قال: وأجمعوا على أنه لو سافر بالوديعة في البحر يضمن.
وقال قاضي خان في شرح " الجامع الصغير ": وأجمعوا على أن الأب والوصي إذا سافر بمال اليتيم لا يضمن والوكيل بالبيع إذا سافر بما وكل ببيعه، قالوا إن قيده بمكان بأن قال له بعه بالكوفة فسافر به يضمن، وإن أطلق فسافر به لا يضمن إذا سرق أو ضاع فيما لا حمل له ويضمن فيما له حمل ومؤنة.
ثم الواو في قوله وإن كان لوصي والضمير في أوله يرجع إلى الوديعة باعتبار المودع بفتح الدال لأنه يطلق على الوديعة وعلى الذي يقبلها أيضاً كما علم من قبل. وقال الكاكي: بمال الوديعة وفيه نظر لا يخفى، والحمل بفتح الحاء مصدر حمل الشيء، يقال: ما له حمل ومؤنة ما له نقل يحتاج في حمله إلى ظهر أو خبرة حمال وفي الأصل ما له مؤنة في الحمل وهذا هو الأوجه.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (ليس له ذلك) ش: أي السفر بالوديعة م: (إذا كان لها حمل ومؤنة. وقال الشافعي رحمه الله ليس له ذلك في الوجهين) ش: أي فيما له حمل ومؤنة وفيما ليس له، وبه قال مالك، وإذا قدر أن يردها على صاحبها ووليه أو الحاكم أو أمين. فأما إذا لم يقدر على أحد منهم لا يضمن للضرورة.
وللشافعي في نقلها من قريته إلى قرية فيما دون مدة السفر إذا كانت المسافة آمنة وجهان، وهذا الخلاف إذا كان الطريق آمناً، فإن كان مخوفاً ضمن بلا خلاف، وإذا كان آمناً وله بد من السفر فكذلك، وإن لم يكن وسافر بأهله لا يضمن، وإن سافر بنفسه ضمن، لأنه أمكنه تركها في أهله، ثم إطلاق قولهما ليس بوضع " الجامع الصغير " ولا " المبسوط " فإنه ذكر في الجامع الصغير أن له أن يخرج خلافاً للشافعي رحمه الله.
لأبي حنيفة إطلاق الأمر، والمفازة محل للحفظ إذا كان الطريق آمنا، ولهذا يملك الأب والوصي في مال الصبي. ولهما أنه يلزمه مؤنة الرد فيما له حمل ومؤنة، فالظاهر أنه لا يرضى به فيتقيد به.
ــ
[البناية]
واختلف أصحابنا بعد، فقال أبو حنيفة: لا يضمن قصر الخروج أو طال، وكان له حمل ومؤنة أو لا. وقال أبو يوسف: إن قصر الخروج لم يضمن بكل حال، وإن طال لم يضمن إلا فيما له حمل ومؤنة. وقال كذلك إلا فيما له مؤنة فإنه له مؤنة فإنه لا يملك وأن يخرج به قصر وأطال.
وفي " المبسوط " بعدما ذكر قول أبي حنيفة قال: إذا قربت المسافة فله أن يسافر بها، وإذا بعدت ليس له ذلك.
م: (لأبي حنيفة إطلاق الأمر) ش: أي أمر الآمر، لأنه أمره بالحفظ مطلقا فلا يتقيد بمكان كما لا يتقيد بزمان م:(والمفازة محل للحفظ إذا كان الطريق آمناً) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال سلمنا أن إطلاق الأمر يقتضي الجواز، لكن المانع عنه متحقق، وهو كون المفازة ليس محلاً للحفظ.
فأجاب بقوله والمفازة إلى آخره قيد بقوله آمناً لأنه إذا لم يكن آمناً أوجب الضمان م: (ولهذا) ش: أي ولكون المفازة محلاً للحفظ م: (يملك الأب والوصي في مال الصبي) ش: أي يملك السفر الأب والوصي بمال الصغير، فلو كان التلف مظنوناً لما جاز لهما ذلك.
فإن قلت: مسافرتهما بمال الصغير، فلو كان التلف مظنوناً لما جاز لهما ذلك. فإن قلت: بمسافرتهما بمال الصغير للتجارة والناس يخاطرون بها تطمع الربح والمودع ليس كذلك، لأنه ليس له حق التصرف والاسترباح فيها، فلا يكون الاستدلال به على المودع صحيحاً.
قلت: هذا توضيح الاستدلال، ولئن كان استدلالاً فهو صحيح، لأن ولايتهما على مال الصغير نظرية وأولى وجوه النظر غايته عن مواضع التلف، فلو كان في وهم الستر وهم التلف لما جاز، وحيث جاز بالاتفاق انتفى وهم التلف.
هذا حاصل ما ذكره السغناقي وتبعه على ذلك صاحب " الغاية " وصاحب " العناية "، ولكن هو محل المناقشة.
فإن لقائل أن يقول: لا نسلم جواز سفر الأب أو الوصي بمال الصغير، لأن الله أمر بالأحسن في قربان مال اليتيم فأين الأحسن والحسن في المسافرة بماله، ولا نسلم عدم كون السفر وهم التلف، وكون السفر مظنة التلف ومتحقق لا ينكر خصوصا في قيام الفتن بين الخلف. م:(ولهما أنه يلزمه) ش: أي أن المالك يلزمه م: (مؤنة الرد فيما له حمل ومؤنة فالظاهر أنه لا يرضى به فيتقيد به) ش: أي سفره بما ليس له حمل ومؤنة، لأن فيما له حمل ومؤنة إضرار
والشافعي رحمه الله يقيده بالحفظ المتعارف وهو الحفظ في الأمصار وصار كالاستحفاظ بأجر. قلنا مؤنة الرد تلزمه في ملكه ضرورة امتثال أمره فلا يبالي به، والمعتاد كونهم في المصر لا حفظهم، ومن يكون في المفازة يحفظ ماله فيها، بخلاف الاستحفاظ بأجر؛ لأنه عقد معاوضة فيقتضي التسليم في مكان العقد، وإذا نهاه المودع أن يخرج بالوديعة فخرج بها ضمن؛ لأن التقييد مفيد إذ الحفظ في المصر أبلغ فكان صحيحا.
قال: وإذا أودع رجلان عند رجل وديعة فحضر أحدهما وطلب
ــ
[البناية]
عليه.
فإن قلت: كيف يلزمه مؤنة الرد فيما له حمل ومؤنة.
قلت: باعتبار موت المودع في طريق فإنه حينئذ يلزم المالك مؤنة الرد.
م: (والشافعي رحمه الله يقيده) ش: أي يقيد حفظ الوديعة م: (بالحفظ المتعارف وهو الحفظ في الأمصار) ش: أي أسباب الصيانة تتهيأ في الأمصار من كل وجه وفي غيرها من وجه دون وجه م: (وصار كالاستحفاظ بأجر) ش: أي صار حكم الوديعة في الحفظ، كما إذا استأجر رجلاً ليحفظ متاعه شهراً بدرهم فإنه لا يسافر، فلو سافر به يضمن.
م: (قلنا مؤنة الرد تلزمه في ملكه) ش: هذا جواب عن قولهما؛ يعني مؤنة الرد تلزم المالك في ملكه.
تقديره: سلمنا أن المؤنة تلحق المالك، لكنه ليس بمعنى من قبل المودع، بل إنما ذلك م:(ضرورة امتثال أمره) ش: فإنما أمره مطلقاً وهو لا يتقيد بمكان فهو لمعنى يرجع إلى المالك م: (فلا يبالي به) ش: أي يلحق المؤنة، لأنه ضروري وضمني م:(والمعتاد كونهم في المصر) ش: جواب عن قول الشافعي رحمه الله أي المتعارف كون أهل الأمصار في المصر، يعني المعتاد كون المودعين وقت الإيداع في المصر م:(لا حفظهم) ش: أي ليس المعتاد حفظ المودعين في المصر، ثم أوضح ذلك بقوله م:(ومن يكون في المفازة يحفظ ماله فيها) ش: كأهل الخيام والأخبية، فإنهم يحفظون أموالهم في المفازة ولا ينقلونها إلى الأمصار.
م: (بخلاف الاستحفاظ بأجر، لأنه عقد معاوضة فيقتضي التسليم في مكان العقد) ش: أشار بهذا إلى أن قياس الشافعي رحمه الله بالفارق فلا يجوز م: (وإذا نهاه المودع) ش: بكسر الدال إذا نهى المودع رب المال م: (أن يخرج بالوديعة فخرج بها ضمن، لأن التقييد مفيد، إذ الحفظ في المصر أبلغ فكان صحيحاً) ش: أي فكان تقييده صحيحاً.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا أودع رجلان عند رجل وديعة فحضر أحدهما وطلب