الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتعليق بالشرط يختص بالإسقاطات المحضة التي يحلف بها كالطلاق والعتاق فلا يتعداها.
قال: والعمرى جائزة للمعمر له حال حياته ولورثته من بعده لما رويناه، ومعناه أن يجعل داره له مدة عمره، وإذا مات ترد عليه.
ــ
[البناية]
الرد في المجلس وغيره سواء، وهذه الرواية عن السلف إلا ما روي عن الأعمش والإسكاف من وجوب الرد في مجلس الإبراء والهبة.
م: (والتعليق بالشرط يختص بالإسقاطات المحضة التي يحلف بها كالطلاق والعتاق) ش: لأن التعليق بالشرط يمين فما لا يجوز أن يحلف به لا يحتمل التعليق بالشرط كالعفو عن القصاص والإقرار بالمال والحجر على المأذون وعزل الوكيل. وأما الإبراء وإن كان إسقاطا من وجه ولكن ليس من جنس ما يحلف بها فلا يصح تعليقه بالشرط بخلاف ما لو قال أنت بريء من النصف على أن تؤدي إلي النصف الآن؛ لأن ذلك ليس بتعليق بل هو تقييد. ألا ترى أنه لو قال لعبده أنت حر على أن تؤدي إلي ألف درهم فقيل فإنه لا يعتق قبل الأداء، كذا ذكره قاضي خان والمحبوبي م:(فلا يتعداها) ش: أي فلا يتعدى الإسقاطات المحضة إلى ما فيه تمليك.
[حكم العمرى]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (والعمرى جائزة للمعمر له حال حياته ولورثته من بعده لما رويناه) ش: وهو قوله عليه السلام العمرى
…
وأبطل شرط العمر وقد بيناه عن قريب، وبقولنا قال الشافعي وأحمد وهو قول جابر بن عبد الله وعبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر وعلي رضي الله عنهم.
وروي عن شريح ومجاهد وطاووس والثوري وقال مالك والليث والشافعي في القديم: العمرى تمليك المنافع لا تمليك العين، ويكون للمعمر السكنى، فإذا مات عادت إلى المعمر، وإن قال له ولعقبه كان سكناها لهم فإذا انقرضوا عادت إلى المعمر، وفي " الجواهر ": أما العمرى فصورتها أن يقول أعمرتك داري أو ضيعتي فإنه قد وهب له الانتفاع بذلك مدة حياته حكما، فإذا مات رجعت الرقبة إلى المالك الذي هو المعمر.
فإن قال: أعمرتك وعقبك فإنه قد وهب له ولعقبه الانتفاع ما بقي منهم إنسان، فإذا لم يبق منهم أحد رجعت الرقبة إلى المالك الذي هو المعمر؛ لأنه وهب له المنفعة ولم يملك الرقبة، وكذلك إذا قال أسكنتك هذا الدار عمرك أو وهبتك سكناها عمرك، أو قال هي لك سكنى أو لك ولعقبك سكنى، فإذا مات المعمر أو انقرض عقبه بعد وفاة المعمر الواهب رجعت الرقبة إلى وارث المعمر يوم مات، انتهى.
م: (ومعناه) ش: أي معنى العمرى أراد تفسيره م: (أن يجعل داره له مدة عمره) ش: أي مدة عمره م: (وإذا مات) ش: أي المعمر بفتح الميم الثانية م: (ترد عليه) ش: أي على المعمر بكسر الميم
فيصح التمليك ويبطل الشرط لما روينا، وقد بينا أن الهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة، والرقبى باطلة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله - وقال أبو يوسف رحمه الله جائزة؛ لأن قوله داري لك تمليك، وقوله رقبى شرط فاسد.
ــ
[البناية]
الثانية وقيل صورته أن يقول أعمرتك داري هذه، أو هي لك عمرى أو ما عشت أو مدة حياتك أو ما حييت، فإذا مت فهي رد علي أو نحو هذا سميت عمرى لتقييدها بالعمر.
فإن قلت: روي عن ابن الأعرابي: لم يختلف العرف في العمرى والرقبى والمنحة والعرية والعارية والسكنى إنها على ملك أربابها ومنافعها من جعلت له، ونقل إجماع أهل المدينة على ذلك.
قلت: دعوى إجماع أهل المدينة غير صحيحة لاختلاف كثير من الصحابة رضي الله عنهم. وقوله: إنها عند العرب تمليك المنافع لا يضر إذا نقلها الشارع إلى عدم تمليك الرقبة كما في الصلاة والزكاة.
م: (فيصح التمليك ويبطل الشرط لما روينا، وقد بينا أن الهبة لا تبطل بالشروط الفاسدة والرقبى باطلة عند أبي حنيفة ومحمد - رحمهما الله -) ش: وبه قال مالك وهي أن يقول: أرقبتك هذه الدار وهي لك حياتك على أنك إن مت قبلي عادت إلي، وإن مت قبلك فهي لك ولعقبك، فكأنه يقول: هي لآخرنا موتا سميت رقبى. لأن كل واحد يرقب موت صاحبه، وقال الحسن بن زياد في " المجرد ": وإن قال قد أرقبتك داري هذه، كانت عارية، وإن قال: هي لك رقبى كانت هبة إذا دفعها إليه.
وقال الكرخي في " مختصره ": وقال محمد رحمه الله في " إملائه " قال أبو حنيفة إذا قال الرجل لرجل: هذه الدار لك رقبى، ودفعها إليه وقال: هذه الدار لك حبيس، ودفعها إليه فهي عارية في يده إذا شاء أن يأخذهما. قال محمد: وهذا قولنا أيضا، ثم قال: وقال أبو يوسف وأنا أرى أنه إذا قال هي لك حبيس فهي له إذا قبض.
وقوله: حبيس باطل وكذلك إذا قال هي لك رقبى. وقال شيخ الإسلام خواهر زاده في " مبسوطه ": إذا قال داري لك رقبى أو داري لك هذا حبيس، قال أبو حنيفة ومحمد - رحمهما الله - لا تكون هبة، وروى الحسن عن أبي حنيفة ومحمد أنه يكون عارية، وقال أبو يوسف: يكون هبة.
م: (وقال أبو يوسف رحمه الله: جائزة) ش: وبه قال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - م: (لأن قوله داري لك تمليك، وقوله رقبى شرط فاسد) ش: فكأنه قال رقبة داري لك فصار م:
كالعمرى، ولهما أنه عليه الصلاة والسلام أجاز العمرى ورد الرقبى
ــ
[البناية]
" كالعمرى " ش: في الجواز.
م: (ولهما) ش: أي لأبي حنيفة ومحمد م: (أنه عليه الصلاة والسلام «أجاز العمرى ورد الرقبى» ش: وقال ابن قدامة في " المغني ": وحديثهم أنه صلى الله عليه وسلم «أجاز العمرى ورد الرقبى» لا نعرفه. وقال الأترازي: هذا لا يوجب الطعن فإن الثقات مثل ذلك وأبو حنيفة تمسكوا به.
قلت: هذا الكلام لا يرضى به الخصم ولا يقنع به. وكيف ولم يبين فيه من هم رواته وما حالهم وعن أي صحابي أخرجه ومن خرجه من أهل هذا الشأن. وفي " المبسوط " حديثه مروي عن أبي الزبير عن جابر وحديثهما مروي عن الشعبي عن شريح، والحديثان صحيحان فلا بد من التوفيق بينهما.
فنقول: الرقبى قد تكون بمعنى الإرقاب، وقد تكون بمعنى الترقب فحيث قال أجاز الرقبى كان بمعنى الإرقاب بأن يقول رقبة داري لك، وحيث قال رد الرقبى كان من الترقب وهو أن يقول أراقب موتك وتراقب موتي، فإن مت فهي لك، وإن مت فهي لي فيكون هذا تعليق التمليك بالخطر وهو موت المالك قبله وذلك باطل. ثم لما احتمل المعنيان والملك لذي اليد فيها ثابت بيقين، فلا يزيد له بالشك.
والجواب عن قوله داري لك تمليك وذلك إنما يصح إذا لم يفسر هذه الإضافة بشيء أما إذا فسره بقوله رقبى أو حبيس تبين به أنه ليس بتمليك كما في قوله داري لك سكنى تكون عارية. وقوله إنه من الإرقاب بمعنى الرقبة داري لك الاشتقاق من الرقبة مما لم يقله أحد، وإيداع الشيء في اللغة ليس بمستحسن. والصواب أنه بمعنى المراقبة والترقب. وأما قوله الحديثان صحيحان، فإن كان كذلك فالتأويل ظاهر وهو أن يراد بالرد والإبطال شرط الجاهلية وبالإجارة أن يكون ذلك تمليكًا مطلقًا، ويدل عليه ما روى جابر أنه صلى الله عليه وسلم قال:«أمسكوا عليكم أموالكم لا تعمروها، فمن أعمر شيئًا فهي له» . ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم نهى ثم أجاز على اختلاف العرضين ويبقى الاشتقاق على أصل واحد كما هو القياس مع سلامة المعنى، انتهى.
قلت: قول أبي يوسف رحمه الله أقوى وهو مذهب أحمد والثوري وذلك لأن حديث جابر رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال «العمرى جائزة لأهلها، والرقبى جائزة لأهلها» ،
ولأن معنى الرقبى عندهما إن مت قبلك فهو لك، واللفظ من المراقبة كأنه يراقب موته، وهذا تعليق التمليك بالخطر فبطل. وإذا لم تصح تكون عارية عندهما؛ لأنه يتضمن إطلاق الانتفاع به.
ــ
[البناية]
رواه أبو داود والنسائي وحسنه الترمذي.
وأخرج النسائي أيضًا عن حجاج بن أرطاة عن أبي الزبير عن طاوس عن ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعًا: «من أعمر عمرى فهي لمن أعمرها جائزة، ومن أرقب رقبى فهي لمن أرقبها جائزة» .
وقال ابن المنذر: وروينا عن علي رضي الله عنه أنه قال: الرقبى والعمرى سواء.
وقوله الاشتقاق من الرقبة مما لم يقله أحد فيه نظر؛ لأنه لا يلزم في صحة الاشتقاق النص عليه من جهة أحد، بل كل موضع يوجد فيه حد الاشتقاق وشرائطه يصح أن يقال هذا مشتق من ذلك، وهاهنا كذلك على ما لا يخفى.
م: (ولأن معنى الرقبى عندهما إن مت قبلك فهو لك واللفظ من المراقبة) ش: يعني مشتق منها م: (كأنه يراقب موته، وهذا تعليق التمليك بالخطر فبطل) ش: أراد بالخطر موت المملك قبله م: (وإذا لم تصح) ش: أي الرقبى م: (تكون عارية عندهما؛ لأنه يتضمن إطلاق الانتفاع به) ش: وذلك لأنه أطلق له الانتفاع.
وحاصل اختلافهم راجع إلى تفسير الرقبى مع اتفاقهم أنها من المراقبة، فحمل أبو يوسف هذا اللفظ على أنه تمليك للحال، والرجوع إلى الواهب منتظر فيكون كالعمرى.
وقال: المراقبة في نفس التمليك؛ لأن معناه لآخرنا موتًا، فكان هذا تعليقًا للتملك بالخطر، وذا باطل.
وفي " الأسرار ": حمل أبو يوسف حديث بطلان الرقبى على أنه صلى الله عليه وسلم سئل عن الرقبة التي بمعنى المراقبة يعني راقب موتي إن مت قبلك فهي لك، فعلى هذا الوجه لا يصح بالاتفاق، وعلى الوجه الأول كالعمرى فيصح بالاتفاق.