الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
على ما قررناه. ومن دفع إلى خياط ثوبا ليخيطه قميصا بدرهم فخاطه قباء فإن شاء ضمنه قيمة الثوب، وإن شاء أخذ القباء وأعطاه أجر مثله ولا يجاوز به درهما. قيل: معناه القرطق الذي هو ذو طاق واحد؛ لأنه يستعمل استعمال القباء. وقيل هو مجرى على إطلاقه لأنهما يتقاربان في المنفعة، وعن أبي حنيفة أنه يضمن من غير خيار؛ لأن القباء خلاف جنس القميص. وجه الظاهر أنه قميص من وجه؛ لأنه يشد وسطه، وينتفع به انتفاع القميص فجاءت الموافقة والمخالفة
ــ
[البناية]
[دفع إلى خياط ثوبا ليخيطه قيمصا بدرهم فخاطه قباء]
م: (ومن دفع إلى خياط ثوبا ليخيطه قيمصا بدرهم فخاطه قباء فإن شاء ضمنه قيمة الثوب) ش: ويكون القباء للخياط، لأنه ملك الثوب بأداء الضمان م:(وإن شاء أخذ القباء وأعطاه أجر مثله ولا يجاوز به درهما) ش: لأن المنافع عندنا لا تتقوم إلا بالعقد، وليس فيما وراء المسمى عقد كما لو شرط على النساج أن ينسجه صفيقا فحاكه رقيقا، أو على العكس حيث يلزمه أجر مثله لا يجاوز به ما سمى م:(قيل معناه) ش: أي المراد من القباء هو م: (القرطق الذي هو ذو طاق واحد) ش: وهو تعريب - كرته وبك ناهي - والقرطق الذي يلبسه الأتراك مكان القميص، يقال له بالفارسية - بكهتي - وقال الأترازي: وكان سماعنا بفتح الطاء في القرطق، وهكذا كان تصحيح الإمام حافظ الدين الكبير البخاري، ولكن حفظناه في كتاب مقدمة الأدب سماعا عن الثقات بضم الطاء، ولهما وجه؛ لأنه لما كان معربا تلاعبت به الألسنة كما شاءت.
قلت: ينبغي أن يكون بالفتح، لأنه تعريب - كرته - كما ذكرنا وهو مفتوح التاء، فلما عربوه قلبوا التاء طاء، ولا يلزم منه تغيير الحركة أيضا فافهم. وفي " المغرب " القرطق ذو طاق واحد. وقال الإمام ظهير الدين: القميص إذا قد من قبل كان قباء طاق، واذا خيط جانباه كان قميصا، وهو المراد من القرطق، كذا في " الحياوتة " م:(لأنه يستعمل استعمال القباء) ش: أي لأن القرطق يستعمل استعمال القباء، لأنه يلبس مثل ما يلبس القباء ويدخل اليدان في الكمين فيه كما في القباء.
م: (وقيل: هو مجرى على إطلاقه) ش: أي القباء مجرى على إطلافه من غير أن يأذن أن معناه القرطق م: (لأنهما) ش: أي لأن القميص والقباء م: (يتقاربان في المنفعة) ش: أي في منفعة اللبس من دفع الحر والبرد وستر العورة. م: (وعن أبي حنيفة أنه يضمن من غير خيار) ش: لصاحب الثوب، وهذه الرواية رواها الحسن عن أبي حنيفة وهي قياس قول الثلاثة م:(لأن القباء خلاف جنس القميص) ش: فكان مخالفا من كل وجه، فكان غاصبا من كل وجه، وحكم الغاصب من كل وجه هذا.
م: (وجه الظاهر) ش: أي ظاهر الرواية م: (أنه) ش: أي القباء م: (قميص من وجه، لأنه يشد وسطه وينتفع به انتفاع القميص) ش: من دفع الحر والبرد وستر العورة م: (فجاءت الموافقة والمخالفة)
فيميل إلى أي الجهتين شاء، إلا أنه يجب أجر المثل لقصور جهة الموافقة، ولا يجاوز به الدراهم المسمى كما هو الحكم في سائر الإجارات الفاسدة على ما نبينه في بابه إن شاء الله تعالى. ولو خاطه سراويل وقد أمر بالقباء، قيل: يضمن من غير خيار للتفاوت في المنفعة، والأصح أنه يخير للاتحاد في أصل المنفعة، وصار كما إذا أمر بضرب طست من شبه فضرب منه كوزا فإنه
ــ
[البناية]
ش: الموافقة من حيث إن القباء يشبه القميص من الوجه المذكور. وأما المخالفة فظاهرة، لأنه أمره قميصا وخاطه قباء م:(فيميل) ش: أي إذا كان الأمر كذلك فيميل صاحب الثوب م: (إلى أي الجهتين شاء) ش: فإن مال إلى الخلاف ضمنه قيمة ثوبه وترك القباء عليه. وإن مال إلى الوفاق أخذ الثوب وأعطاه أجر مثله، وهو معنى قوله م:(إلا أنه يجب أجر المثل لقصور جهة الموافقة) ش: لأنه ما رضي بهذه الصفة وإنما رضي بتلك الصفة المخصوصة. ألا ترى أنه لو خاطه قميصا مخالفا لما وضعه لم يجب المسمى لفوت وصف يقابله المسمى، فهنا أحق.
م: (ولا يجاوز به الدراهم المسمى، كما هو الحكم في سائر الإجارات الفاسدة على ما نبينه في بابه إن شاء الله تعالى) ش: وعند الثلاثة يجب أجر المثل بالغا ما بلغ.
ثم اعلم أن هذا كله إذا تصادق على الأمر بخياطة القميص. ولو قال رب الثوب: أمرتك بخياطة القميص. وقال الخياط بل أمرتني بخياطة القباء فالقول لرب الثوب، وبه قال مالك وأحمد وابن أبي ليلى وأبو ثور.
وعن أحمد في رواية: القول للخياط.
واختلف أصحاب الشافعي، فمنههم من قال: في المسألة قولان كالمذهبين، ومنهم من قال: الصحيح أن القول لرب الثوب. ومنهم من قال: إنهما يتحالفان كالمتبايعين يختلفان في الثمن، فإن أقاما البينة فالبينة بينة الخياط. وإن اختلفا في الأجر فالقول للمالك لأنه منكر الزيادة، والبينة بينة الخياط، لأنها تثبت الزيادة.
م: (ولو خاطه سراويل وقد أمر بالقباء) ش: أي والحال أنه قد أمر بخياطة القباء م: (قيل يضمن من غير خيار للتفاوت في المنفعة) ش: وبه قالت الثلاثة م: (والأصح أنه يخير) ش: إن شاء ضمن الخياط قيمة الثوب ولا أجر عليه. وإن شاء أخذ المخيط وأعطاه أجر مثله ولا يجاوز به المسمى م: (للاتحاد في أصل المنفعة) ش: أي منفعة اللبس وستر العورة م: (وصار) ش: أي حكم هذه المسألة م: (كما إذا أمر بضرب طست من شبه) ش: بفتح الشين المعجمة والباء الموحدة وهو ضرب من النحاس.
قال أبو عمر: والطست والطستة والطس لغات في الطست والجمع طسوس وطساس وطسس وطسات، قال [....] عن أبي عبيد: الطست معربة م: (فضرب منه كوزا فإنه) ش: أي
يخير، كذا هذا.
ــ
[البناية]
فإن الأمر م: (يخير) ش: بين أن يأخذ الكوز وإعطاءه أجر مثله، وبين أن يضمن المأمور قيمة الشبه ولا أجر عليه م:(كذا هذا) ش: أي فيما إذا خاطه سراويل وقد أمر بالقباء. وقال شمس الأئمة البيهقي في " الكفاية ": قالوا: لو قطعه سراويل لم يجب له أجره إلا أن الرواية تخالف هذا. وقال في " الإيضاح ": كانوا يقولون لو قطعه سراويل لم يجب له أجر من المنفعة فلم يوجد المعقود عليه. قال: والرواية تخالف هذا، فإنه روي عن محمد أنه لو دفع شبها إلى رجل ليُضرب له طست إلى آخر ما ذكره المصنف.