الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب المضارب يضارب قال: وإذا
دفع المضارب المال إلى غيره مضاربة ولم يأذن
له رب المال لم يضمن بالدفع ولا بتصرف المضارب الثاني حتى يربح، فإذا ربح ضمن الأول لرب المال، وهذا رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله، وقالا: إذا عمل به ضمن ربح أو لم يربح، وهذا ظاهر الرواية، وقال زفر رحمه الله: يضمن بالدفع عمل أو لم يعمل، وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله؛ لأن المملوك له الدفع على وجه الإيداع، وهذا الدفع على وجه المضاربة. ولهما أن الدفع إيداع حقيقة، وإنما يتقرر كونه للمضاربة بالعمل، فكان الحال مراعى قبله، ولأبي حنيفة رحمه الله أن الدفع قبل العمل إيداع وبعده إبضاع، والفعلان يملكهما المضارب فلا يضمن بهما، إلا أنه
ــ
[البناية]
[أحكام المضارب حال كونه يضارب]
[دفع المضارب المال إلى غيره مضاربة ولم يأذن]
م: (باب المضارب يضارب) ش: أي: هذا باب في بيان أحكام المضارب حال كونه يضارب. وقد علم أن المضارع المثبت إذا وقع حالا يكتفى فيه بالضمير.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا دفع المضارب المال إلى غيره مضاربة ولم يأذن) ش: والحال أنه لم يأذن م: (له رب المال لم يضمن بالدفع) ش: أي بمجرد الدفع. وقال زفر رحمه الله: والثلاثة يضمن بمجرد الدفع وهو رواية عن أبي يوسف، لأنه يصير مخالفا على ما يجيء الآن.
م: (ولا بتصرف المضارب الثاني) ش: أي ولا يضمن أيضا بتصرف المضارب الثاني م: (حتى يربح، فإذا ربح ضمن الأول) ش: أي فإذا ربح المضارب الثاني ضمن المضارب الأول م: (لرب المال، وهذا رواية الحسن عن أبي حنيفة رحمه الله وقالا: إذا عمل به ضمن ربح أو لم يربح، وهذا ظاهر الرواية وقال زفر رحمه الله: يضمن بالدفع) ش: أي بمجرد الدفع.
م: (عمل) ش: أي الثاني م: (أو لم يعمل، وهو رواية عن أبي يوسف رحمه الله لأن المملوك له) ش: أي للمضارب، أراد أن الذي يملكه المضارب هو م:(الدفع على وجه الإيداع، وهذا الدفع على وجه المضاربة) ش: فصار مخالفا فيضمن.
م: (ولهما أن الدفع إيداع حقيقة) ش: لأنه أمانة فلا تمليك وله ولاية الإيداع م: (وإنما يتقرر كونه للمضاربة العمل، فكان الحال مراعى) ش: أي موقوفا م: (قبله) ش: أي قبل العمل إن عمل ضمن وإلا فلا.
م: (ولأبي حنيفة رحمه الله أن الدفع قبل العمل إيداع وبعده إبضاع والفعلان يملكهما المضارب فلا يضمن بهما) ش: أي بالإيداع والإبضاع م: (إلا أنه) ش: أي أن المضارب الثاني.
إذا ربح فقد ثبت له شركة في المال فيضمن كما لو خلطه بغيره، وهذا إذا كانت المضاربة صحيحة، فإن كانت فاسدة لا يضمنه الأول وإن عمل الثاني لأنه أجير فيه، وله أجر مثله فلا تثبت الشركة به، ثم ذكر في الكتاب يضمن الأول ولم يذكر الثاني. وقيل: ينبغي أن لا يضمن الثاني عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما: يضمن بناء على اختلافهم في مودع المودع. وقيل: رب المال بالخيار إن شاء ضمن الأول، وإن شاء ضمن الثاني بالإجماع وهو
ــ
[البناية]
(إذا ربح فقد ثبت له) ش: أي فقد أثبت المضارب الأول لرب المال م: (شركة في المال فيضمن) ش: لاشتراك الغير في ربح مال رب المال وفي ذلك إتلاف فيوجب الضمان م: (كما لو خلطه بغيره) ش: مال المضاربة بغير مالها.
م: (وهذا) ش: أي وجوب الضمان على الأول أو عليهما بالربح والعمل على ما ذكرنا م: (إذا كانت المضاربة صحيحة) ش: أطلق المضاربة ولم يبين أن المراد بها المضاربة الأولى والثانية أو كلتيهما ليتناول كلا منهما، فإن الأولى إذا كانت فاسدة أو الثانية أو كلتيهما جميعا لم يضمن الأول، لأن الثاني أجير فيه وله أجر مثله فلم يثبت الشركة الموجبة للضمان، وكذا لو كانت الأولى جائزة والثانية فاسدة فلا ضمان لما ذكرنا، وكذا إذا كانت الأولى فاسدة والثانية جائزة، وإنما يجب الضمان عليهما إذا كانت المضاربتان جائزتين.
فإن قيل: إذا كانت الأولى فاسدة لم يتصور جواز الثانية، لأن مبناها على الأولى فلا يستقيم التقسيم.
أجيب: بأن المراد جواز الثانية حينئذ ما يكون جائزا بحسب الصورة بأن يكون المشروط الثاني من الربح مقدار ما يجوز به المضاربة في الجملة بأن كان المشروط للأول نصف الربح ومائة مثلا وللثاني نصفه.
م: (فإن كانت) ش: أي المضاربة م: (فاسدة لا يضمنه الأول) ش: أي المضارب الأول م: (وإن عمل الثاني) ش: أي المضارب الثاني م: (لأنه أجير فيه وله أجر مثله فلا تثبت الشركة به) ش: أي الشركة الموجبة للضمان للعمل.
م: (ثم ذكر في الكتاب) ش: أي مختصر القدوري م: (يضمن الأول ولم يذكر الثاني. وقيل ينبغي أن لا يضمن الثاني عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما يضمن بناء على اختلافهم في مودع المودع) ش: فإن مودع المودع لا يضمن عند أبي حنيفة رحمه الله خلافا لهما.
م: (وقيل رب المال بالخيار إن شاء ضمن الأول وإن شاء ضمن الثاني بالإجماع) ش: أي بإجماع أصحابنا لحصول التعدي منهما من الأول دفع مال الغير، ومن الثاني الأخذ، م: (وهو
المشهور، وهذا عندهما ظاهر، وكذا عنده. ووجه الفرق له بين هذه وبين مودع المودع: أن المودع الثاني يقبضه لمنفعة الأول، فلا يكون ضامنا، أما المضارب الثاني يعمل فيه لنفع نفسه فجاز أن يكون ضامنا، ثم إن ضمن الأول صحت المضاربة بين الأول وبين الثاني، وكان الربح بينهما على ما شرطا؛ لأنه ظهر أنه ملكه بالضمان من حين خالف بالدفع إلى غيره لا على وجه الذي رضي به، فصار كما إذا دفع مال نفسه، وإن ضمن الثاني رجع على الأول بالعقد؛ لأنه عامل له فيه
ــ
[البناية]
المشهور) ش: يعني هذا القول هو المشهور من المذهب م: (وهذا عندهما ظاهر) ش: لأنهما يضمنان مودع المودع م: (وكذا عنده) ش: أي عند أبي حنيفة رحمه الله على قول من يقول أنه يضمن عنده أيضا.
ولكن يحتاج إلى الفرق بين هذه المسألة ومسألة مودع المودع، أشار إليه بقوله م:(ووجه الفرق له) ش: أي لأبي حنيفة م: (بين هذه) ش: أي المسألة التي نحن فيها م: (وبين مودع المودع أن المودع الثاني يقبضه لمنفعة الأول) ش: لا لنفسه م: (فلا يكون ضامنا، أما المضارب الثاني يعمل فيه لنفع نفسه) ش: يعني لمنفعة نفسه من حيث شركته في الربح م: (فجاز أن يكون ضامنا ثم إن ضمن) ش: أي رب المال. م: (الأول) ش: أي المضارب الأول م: (صحت المضاربة بين الأول وبين الثاني، وكان الربح بينهما على ما شرطا، لأنه ظهر أنه ملكه) ش: أي لأن المضارب الأول ملك مال المضاربة م: (بالضمان من حين خالف بالدفع إلى غيره لا على الوجه الذي رضي به) ش: أي رب المال، فإنه لم يرض بدفع المال إلى غيره م:(فصار كما إذا دفع مال نفسه) ش: فصحت المضاربة.
م: (وإن ضمن الثاني) ش: أي وإن ضمن رب المال المضارب الثاني م: (رجع على الأول بالعقد) ش: أي بسببه، وبه قال الشافعي رحمه الله ومالك وأحمد رحمه الله في رواية إن لم يعلم بحال المضارب الأول، وإن علم لم يرجع عليه بشيء رواية واحدة. وفي بعض النسخ موضع بالعقد بالعهدة، أي بالضمان، لأنه التزم له سلامة المقبوض.
فإن قيل، ينبغي أن يفسد الدفع إلى الثاني لأنه في ضمن المضاربة الأولى فيفسد بفساده.
قلت: الدفع أمر حسي والاقتضاء لا يثبت في الحسي، وإنما هذا في أمر شرعي. م:(لأنه) ش: أي المضارب الثاني م: (عامل له) ش: أي للأول م: (فيه) ش: أي في ذلك العمل.
قيل: في كلامه تناقض، لأنه قال قبل هذا يعمل فيه لمنفعة نفسه، وهاهنا قال: لأنه عامل للمضارب الأول.
والجواب أن الجهة مختلفة، لأن الثاني عامل لنفسه بسبب شركته في الربح، وعامل لغيره بسبب أنه في الابتداء مودع وعمل المودع وهو الحفظ للمودع فاندفع التناقض لعدم اتحاد