الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإجارة عقد يرد على المنافع بعوض؛ لأن الإجارة في اللغة بيع المنافع والقياس يأبى جوازه؛ لأن المعقود عليه المنفعة وهي معدومة، وإضافة التمليك إلى ما سيوجد لا يصح
ــ
[البناية]
يأتي على مفاعل.
قال صاحب " العناية " رحمه الله: تقول أجرته الدار أي أكريتها، والعامة تقول واجرتها والقائل يقول كما يجوز قلب أحد الواوين همزة إذا اجتمعتا في أول الكلمة التحقيق كما في أواقي فإن أصله وواقي جمع واقته فكذلك يجوز قلب إحدى الهمزتين واوا إذا اجتمعتا في أول الكلمة للتخفيف على أن الثقالة في اجتماع الهمزتين أكثر من الثقالة في اجتماع الواوين. وأما القبح الذي ذكروا فيه فهو أن العامة استعملوه في مواضع السبب والتعبير، ولهذا ذكر في باب التعزير من جملة ألفاظ التعزير وفسروه بأنه هو الذي يؤجر أهله للزنا، ثم هل تجيب هذه للغة تعزير، فإن كان المسبوب شريفًا أو فقيهًا يعزر وإن كان غيرها لا.
[تعريف الإجارة]
م: (الإجارة عقد يرد على المنافع بعوض) ش: هذا تفسير الإجارة بالمعنى الشرعي، وإنما قدمه على المعنى اللغوي لأن اللغوي هو الشرعي بلا مخالفة، وهو في بيان شرعيتها. فالشرعي أولى بالتقديم. وقال الأترازي: وينبغي أن يقال عقد على منفعة معلومة بعوض معلوم إلى مدة معلومة حتى يخرج النكاح؛ لأن التوقيت يعطله، أو يقال عقد على منفعة معلومة لا لاستباحة البضع بعوض معلوم.
قلت: زيادة لفظة الاستباحة تتعين في تفسير النكاح لا في تفسير الإجارة م: (لأن الإجارة في اللغة بيع المنافع) ش: قيل فيه نظر؛ لأن الإجارة اسم للأجرة وهي ما أعطت من كرى الأجير كما صرح به الشراح.
قلت: قد بينت لك عن قريب أن الإجارة تجوز أن تكون مصدرًا فيستقيم الكلام م: (والقياس يأبى جوازه) ش: أي جواز عقد الإجارة م: (لأن المعقود عليه المنفعة وهي معدومة) ش: حالة العقد.
م: (وإضافة التمليك إلى ما سيوجد لا يصح) ش: لأن المعاوضات لا تحتمل الإضافة كالبيع، قيل في كون القياس يأتي جوازه نظر، ولم يذكر على ذلك دليلًا إلا أن إضافة التمليك إلى ما سيوجد لا يصح، وهذا الذي جعله دليلًا يحتاج إلى دليل، وما سيوجد نوعان منافع وأحيان، وقياس أحدهما على الآخر فاسد لوجود الفارق بينهما، فإن المعنى الجامع بينهما وهو كون كل منهما يعارضه المعنى الفارق وهو أقوى منه، وهو أن هذا معدوم يمكن تأخير بيعه إلى زمن وجوده بخلاف المعدوم الآخر.
وقد أجرى الله العادة بحدوث هذه المنافع، فصارت متحققة الوجود، فإلحاق المعدوم المتحقق الوجود بالموجود أظهر من إلحاقه بالمعدوم المظنون الوجود أو ما لوجوده غاية يمكن تأخير
إلا أنا جوزناه لحاجة الناس إليه، وقد شهدت
ــ
[البناية]
العقد إلى أن يوجد، فإنما لوجده حال وجود وعدم في بيعه حال العدم مخاطرة وقمار، وبذلك علل النبي صلى الله عليه وسلم المنع حيث قال:«أرأيت إن منع الله الثمرة فهل يأخذ أحدكم مال أخيه بغير حق» . وأما ليس له إلا حالة واحدة، والغالب فيه السلامة فليس العقد عليه مخاطرة ولا قمارًا وإن كان فيه مخاطرة يسيرة، فالحاجة داعية إليه.
قلت: لا نسلم فساد القياس المذكور ولا معارضة المعنى الفارق للمعنى في الجامع، وكيف تكون هذه المنافع متحققة الوجود بجريان العادة بحدوثها وهي إعراض لا يبقى زمانين فتكون معدومة بهذا الاعتبار، وبيع المعدوم لا يجوز ولصحة القياس المذكور.
وقال شمس الأئمة السرخسي " رحمه الله: قيام العين المنتفع بها مقام المنفعة في حق إضافة العقد إليه ليترتب القبول على الإيجاب كقيام الذمة التي هي محل المسلم فيه مقام المعقود عليه في جواز السلم، وتنعقد ساعة فساعة على حسب حدوث المنفعة ليقترن الانعقاد بالاستيفاء فيستحق بهذه الطريق التمكن من الاستيفاء المعقود عليه.
وقد قيل في وجه إباء القياس جوازه أن موجب العقد التسليم في الحال، وليس في الإجارة ذلك وفيه نظر؛ لأن موجب العقد إما أن يكون ما أوجبه الشارع بالعقد أو ما أوجبه العاقدان مما يسوغ لهما أن يوجباه، وكلاهما متفق في هذه الدعوى.
أما الأول فظاهر.
وأما الثاني فكذلك؛ لأنهما تارة يعقدان على الوجه المذكور، وتارة يشترطان التأخير. إما في الثمن وإما في المثمن، وقد يكون للبائع غرض صحيح، ومصلحة في تأخير تسليم المبيع كما كان لجابر رضي الله عنه غرض صحيح في تأخير تسليم بعيره إلى المدينة.
واتفق العلماء على جواز تأخير التسليم إذا كان العرف يقتضيه، كما إذا باع مخزنًا له فيه متاع كثير لا ينقل في يوم ولا أيام فلا يجب عليه جمع دواب البلد ونقله في ساعة واحدة، بل قالوا هذا يستثنى بالعرف، وكذلك من اشترى ثمرة بدا صلاحها ليس عليه أن يجمع القطافين في أوان واحد لقطفها جملة واحدة، وإنما يقطفها كما جرت به العادة.
م: (إلا أنا جوزناه) ش: أي عقد الإجارة م: (لحاجة الناس إليه) ش: قد يحتاج إلى منافع الأعيان لإقامة المصالح، ولا يجد الثمن ليشتري العين، وصاحب الأعيان قد يحتاج إلى الدراهم ولا يتهيأ له البيع، والفقير يحتاج إلى المال والغني إلى الأعمال. فلو لم تجز الإجارة لضاق الأمر على الناس، ولهذا يترك القياس كما جاز السلم لحاجة المفاليس م: (وقد شهدت
بصحتها الآثار، وهي قوله عليه الصلاة والسلام:«أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» ،
ــ
[البناية]
بصحتها الآثار) ش: وهو جمع أثر بفتحتين، وهو اسم للخبر الذي ترويه عن غيرك.
ومنه عن قولهم حديث مأثور أي نقله الخلف عن السلف وأصله من أثر الحديث آثره أثرًا، إذا ذكرته عن غيرك. وفي الاصطلاح: يطلق على السنة المروية عن النبي صلى الله عليه وسلم قولًا وفعلًا وعلى الأخبار المروية من الصحابة رضي الله عنهم م: (وهي قوله عليه الصلاة والسلام: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» ش: التذكير في الضمير باعتبار ما بعده وهو قوله عليه الصلاة والسلام.
والحديث رواه عبد الله بن عمر وأبو هريرة وجابر وأنس رضي الله عنهم.
أما حديث ابن عمر فأخرجه ابن ماجه في " سننه " في كتاب الأحكام في باب أجر الأجير عن عبد الرحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أعطوا الأجير أجره قبل أن يجف عرقه» .
وأما حديث أبي هريرة فأخرجه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " حدثنا إسحاق بن إسرائيل حدثنا عبد الله بن جعفر أخبرني سهل بن أبي صالح عن أبيه عن أبي هريرة مرفوعًا نحوه سواء.
وأما حديث جابر فأخرجه الطبراني في " معجمه الصغير " حدثنا أحمد بن محمد بن الصلت البغدادي بمصر حدثنا محمد بن زياد الكلبي حدثنا شرقي بن القطامي عن أبي الزبير عن جابر قال " قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكره، وقال: تفرد به محمد بن زياد.
وأما حديث أنس فأخرجه أبو عبد الله الترمذي الحكيم في كتاب " نوادر الأصول " في الأصل الثاني عشر حدثنا موسى بن عبد الله بن سعيد الأزدي حدثنا محمد بن زياد الكلبي عن بشر بن الحسين الهلالي عن الزبير بن عدي عن أنس بن مالك مرفوعًا نحوه سواء. وأخرجه أبو أحمد بن زنجويه النسائي في كتاب " الأموال " مرسلًا قال حدثنا مسلم بن إبراهيم حدثنا عثمان بن عثمان الغطفاني عن زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «أعطوا الأجير أجره» إلى آخره.
وقوله عليه الصلاة والسلام: «من استأجر أجيرا فليعلمه أجره» .
ــ
[البناية]
وقد أعلوا حديث ابن عمر بعبد الرحمن بن زيد وحديث أبي هريرة بعبد الله بن جعفر، وعبد الله هذا هو والد علي بن المديني رحمه الله وليس بشيء في الحديث. وحديث جابر رضي الله عنه بشرقي بن القطامي وهو منكر الحديث، ولكن معنى الحديث في الصحيح أخرجه البخاري عن المقبري عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «ثلاثة أنا خصمهم يوم القيامة: رجل أعطى بي، ثم غدر، ورجل باع حرًا فأكل ثمنه، ورجل استأجر أجيرًا فاستوفى منه، ولم يعطه أجره» .
م: (وقوله عليه الصلاة والسلام «من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره» ش: هذا الحديث أخرجه عبد الرزاق في " مصنفه في البيوع " حدثنا معمر، والثوري عن حماد عن إبراهيم عن أبي هريرة وأبي سعيد الخدري رضي الله عنهما أو أحدهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من استأجر أجيرًا فليسم له أجرته» . قال عبد الرزاق: فقلت للثوري يومًا: سمعت حمادًا يحدث عن إبراهيم عن أبي سعيد أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استأجر أجيرًا فليسم له أجرته» قال: نعم وحدث به مرة أخرى فلم يبلغ به النبي صلى الله عليه وسلم.
ورواه الكرخي في " مختصره " حدثنا الحضرمي قال حدثنا محمد بن العلاء قال حدثنا يزيد بن الحباب عن سفيان عن حماد عن إبراهيم عن أبي هريرة، وأبي سعيد الخدري قالا: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره» . ورواه محمد بن الحسن في كتاب " الآثار " أخبرنا أبو حنيفة عن حماد بن أبي سليمان عن إبراهيم النخعي عن أبي سعيد الخدري وأبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من استأجر أجيرًا فليعلمه أجره» .
وعن عبد الرزاق رواه إسحاق بن راهويه في " مسنده " فقال أخبرنا عبد الرزاق حدثنا معمر عن حماد عن إبراهيم عن الخدري عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «من استأجر أجيرًا فليبين له أجرته» .