الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب المضاربة
المضاربة مشتقة من الضرب في الأرض، سمي به؛ لأن المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله، وهي مشروعة للحاجة إليها فإن الناس بين غني بالمال غبي عن التصرف فيه،
ــ
[البناية]
[كتاب المضاربة]
[تعريف المضاربة ومشروعيتها]
م: (كتاب المضاربة)
ش: وجه المناسبة بين الكتابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على الاسترباح. أما المضاربة فإن مبناها على هذا، وأما الصلح فإن المصالح سعي المدعى عليه مستربح، سواء كان الصلح عن إقرار أو عن إنكار أو عن سكوت.
م: (المضاربة) ش: على وزن مفاعلة م: (مشتقة من الضرب في الأرض) ش: وهو السير فيها، قال الله عز وجل:{وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ} [المزمل: 20](المزمل: الآية 20) .
أعني بالضرب السفر للتجارة سمي هذا العقد لأن المضارب يسير في الأرض غالبًا طلبا للربح.
وتسمية أهل المدينة هذا العقد معاوضة وقراضا مشتقا من القرض وهو القطع، وصاحب المال يقطع قدرًا من المال عن تصرفه ويجعل التصرف فيه للعامل بهذا العقد، واختار هذا أصحاب الأئمة الثلاثة، وقالوا: كتاب القراض واختار أصحابنا لفظ المضاربة لموافقة الكتاب.
وفي الاصطلاح: هي إعارة المال إلى من يتصرف فيه ليكون الربح بينهما على ما شرطا م: (سمي به) ش: ذكر الضمير في الموضعين باعتبار العقد أي سمي عند المضاربة بهذا اللفظ م: (لأن المضارب يستحق الربح بسعيه وعمله) ش: وفيه مناقشة، لأن المضارب لا يستحق الربح بسعيه وعمله حتى لو سعى وعمل ولم يظهر ربح لا يستحق شيئًا، والكلام الموجه أن يقال لأن المضارب يسير في الأرض طلبًا للربح كما ذكرنا.
م: (وهي مشروعة للحاجة إليها) ش: أشار بهذا إلى مشروعية بيان هذا النوع من التصرف وذلك بالكتاب: وهو قَوْله تَعَالَى {وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} [المزمل: 20](المزمل: الآية 20) ، أعني بالضرب السفر للتجارة، وبالسنة على ما يأتي.
ولأجل احتياج الناس إلى هذا التصرف وبين هذا بالفاء التفسيرية لقوله م: (فإن الناس بين غني بالمال غبي عن التصرف فيه) ش: أي في المال و " الغبي " بفتح الغين المعجمة وكسر الباء الموحدة على وزن فعيل من الغباوة وهي: قلة الفطنة.
وبين مهتد في التصرف صفر اليد عنه فمست الحاجة إلى شرح هذا النوع من التصرف لينتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني، وبعث النبي صلى الله عليه وسلم والناس يباشرونه فقررهم عليه وتعاملت به الصحابة رضي الله عنهم
ــ
[البناية]
م: (وبين مهتد في التصرف صفر اليد عنه) ش: أي عن المال والصفر بكسر الصاد المهملة وسكون الفاء الخالي، يقال بيت صفر من المتاع، ورجل صفر اليدين م:(فمست الحاجة) ش: أي إذا كان الأمر كذلك مست الحاجة م: (إلى شرح هذا النوع من التصرف لينتظم مصلحة الغبي والذكي والفقير والغني) ش: لأن الله تعالى خلق الخلق أطواراً مختلفة الطبائع مباين التصرفات والحرف، مشتملين على الفقير والغني، محتاجين إلى إعانة بعضهم بعضاً، فلا جرم شرع هذا التصرف ونحوه ليقوم بها معاشهم وتحصل بها أغراضهم.
م: «وبعث النبي صلى الله عليه وسلم والناس يباشرونه فقررهم عليه» ش: الواو في والناس للحال والضمير المنصوب في يباشرونه والمجرور عليه يرجعون إلى عقد المضاربة لا إلى المضاربة لفظها.
وقد ذكر السغناقي ناقلاً عن " المبسوط ": ثم جواز هذا العقد عرف بالسنة والإجماع:
وتبعه على ذلك الكاكي وصاحب " العناية " وغيرهما، ولم أر واحداً منهم بين أصل الحديث، وحاله ومن خرجه. فأقول: هذا الحديث أخرجه البيهقي عن يونس بن أرقم حدثنا أبو الجارود وعن حبيب بن يسار عن ابن عباس، قال:«كان العباس رضي الله عنه إذا دفع مالا مضاربة اشترط على صاحبه أن لا يسلك به بحرا ولا ينزل به واديا ولا يشتري به ذات كبد رطبة، فإن فعل فهو ضامن فوقع شرطه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأجازه» وأبو الجارود: زياد بن المنذر كذبه ابن معين.
م: (وتعاملت به الصحابة رضي الله عنهم) ش: أي بعقد المضاربة كما ذكرنا، روى مالك في الموطأ عن العلاء بن عبد الرحمن عن أبيه عن جده أنه عمل في مال لعثمان رضي الله عنه على أن الربح بينهما، وروى البيهقي من حديث ابن وهب أخبرني ابن لهيعة عن أبي الزبير عن جابر رضي الله عنه أنه سأله عن الرجل يعطي المال رجلا قراضاً فيشترط له كما
ثم المدفوع إلى المضارب أمانة في يده لأنه قبضه بأمر مالكه لا على وجه البدل والوثيقة،
ــ
[البناية]
أعطى نحو يوم أخذ، قال: لا بأس بذلك.
وأخرج الدارقطني عن ابن لهيعة قال: حدثنا أبو الأسود عن عروة بن الزبير وغيره أن حكيم بن حزام صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يشترط على الرجل إذا أعطاه مالا مقارضة فضرب له به أن لا تجعل مالي في كبد رطبة ولا تحمله في بحر ولا تنزل به في بطن مسيل، فإن فعلت شيئاً من ذلك فقد ضمنت مالي.
وأخرج البيهقي في " المعرفة " من طريق الشافعي رحمه الله أنه بلغه عن حميد بن عبد الله بن عبيد الأنصاري عن أبيه عن جده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أعطى مال يتيم مضاربة وكان يعمل به بالعراق ولا يدري كيف قاطعه على الربح، وأخرج أيضاً عن حماد عن إبراهيم أن ابن مسعود رضي الله عنه أعطى زيد بن خليدة مالاً مقارضة.
وأخرج هذا أيضاً الحسن بن زياد في كتاب " المجرد " وقال: أخبرنا أبو حنيفة عن حماد عن إبراهيم عن عبد الله بن مسعود أنه أعطى زيد بن خليدة البكري مالا مضاربة فأسلم زيد بن خليدة المضاربة إلى رجل من بني شيبان يقال له عتريس بن عرقوب في قلائص إبل فحلت فأدى بعضها فذكر ذلك لعبد الله فقال: خذ منه رأس مالك فلا تسلم في شيء من الحيوان م: (ثم المدفوع إلى المضارب أمانة في يده) ش: وليس فيه خلاف.
وفي " شرح الطحاوي ": أن يصير المال مضموناً عند المضارب أن يقرض من المضارب ويشهد عليه ويسلمه إليه، ثم يأخذه منه مضاربة بالنصف أو بالثلث ثم يدفع إليه يستعين به في العمل حتى لو هلك به هلك كالقرض وإذا ربح ولم يهلك يكون الربح بينهما على الشركة.
وحيلة أخرى أن يقرض جميع المال من المضارب إلا درهما واحدا ويسلمه إليه ثم إنهما يشتركان في ذلك شركة عنان، على أن يكون رأس مال المقرض درهماً، ورأس مال المستقرض جميع ما استقرض، على أن يعملا جميعا وشرطا على أن الربح بينهما، ثم بعد ذلك يعمل المستقرض خاصة في المال فإن هلك المال في يده فالقرض عليه، ولو ربح فالربح بينهما على الشرط.
م: (لأنه) ش: أي لأن المضارب م: (قبضه بأمر مالكه لا على وجه البدل) ش: احترز عن المقبوض على سوم الشراء والقرض، فإنه مضمون م:(والوثيقة) ش: أي ولا على وجه الوثيقة
وهو وكيل فيه لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه. وإذا ربح فهو شريك فيه لتملكه جزءا من المال بعمله، فإذا فسدت ظهرت الإجارة حتى استوجب العامل أجر مثله، وإذا خالف كان غاصبا لوجود التعدي منه على مال غيره،
قال: المضاربة عقد يقع على الشركة بمال من أحد الجانبين ومراده الشركة في الربح وهو يستحق بالمال من أحد الجانبين والعمل من الجانب الآخر ولا مضاربة بدونها، ألا ترى أن الربح لو شرط كله لرب المال كان بضاعة، ولو شرط جميعه للمضارب كان قرضا.
ــ
[البناية]
واحترز به عن الرهن فإنه مضمون بالأقل من قيمته ومن الدين م: (وهو وكيل فيه) ش: أي المضارب وكيل في المدفوع إليه، وقال الأترازي: وكيل في العمل والأول أقرب وأصوب. م: (لأنه يتصرف فيه بأمر مالكه) ش: ولهذا يرجع عليه بما لحقه من العهدة على رب المال كالوكيل.
م: (وإذا ربح فهو شريك فيه) ش: أي في الربح وليس المراد أنه شريك في رأس المال مع الربح، لأنه لم يشركه في رأس المال وإنما شركه في الربح م:(لتملكه جزءا من المال بعمله) ش: أي لتملك المضارب جزءا من المال وهو الربح الشائع فيه وذلك بسبب عمله وسعيه.
م: (فإذا فسدت) ش: المضاربة م: (ظهرت الإجارة) ش: لأنه يعمل لرب المال في ماله فيصير ما شرط من الأجر كالأجرة على عمله م: (حتى استوجب العامل أجر مثله) ش: لأنه يكون في الإجارات م: (وإذا خالف كان غاصبا لوجود التعدي منه على مال غيره) ش: فيصير المال مضمونًا عليه وبه قالت الثلاثة وأكثر أهل العلم.
وعن علي رضي الله عنه لا ضمان على من شركه في الربح، وبه قال الحسن والزهري - رحمهما الله -.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (المضاربة، عقد يقع على الشركة بمال من أحد الجانبين) ش: هذا تفسير للمضاربة على الاصطلاح، ولكن لما كان فيه نوع حقار لأنه قال عقد على الشركة ولم يبين أن الشركة فيما إذا فسر المصنف بقوله م:(ومراده) ش: أي مراد القدوري رحمه الله من قوله عقد على م: (الشركة في الربح) ش: لا في رأس مال مع الربح، لأن رأس المال لرب المال.
م: (وهو) ش: أي الربح م: (يستحق بالمال من أحد الجانبين، والعمل من الجانب الآخر) ش: وهو المضارب وقوله: يستحق على صيغة المجهول م: (ولا مضاربة بدونها) ش: أي بدون الشركة وأشار به إلى أن العقد ينتفي بانتفائها.
م: (ألا ترى) ش: إيضاح لقوله: عقد على الشركة وقوله: لا مضاربة بدونها م: (أن الربح لو شرط كله لرب المال كان بضاعة، ولو شرط جميعه للمضارب كان قرضًا) ش: وقال مالك: يكون مضاربة صحيحة في الوجهين. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله -: إذا قال: خذه