الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الهبة
الهبة عقد مشروع؛ لقوله عليه الصلاة والسلام: «تهادوا تحابوا» ،
ــ
[البناية]
[كتاب الهبة]
[تعريف الهبة]
م: (كتاب الهبة) ش: وجه المناسبة بين الكتابين من حيث إن كلا منهما مشتمل على التمليك، إلا أن العارية مفردة والهبة مركبة؛ لأن في العارية تمليك المنفعة فقط، وفي الهبة تمليك العين مع المنفعة، والهبة في اللغة مصدر من وهب يهب، وأصلها وهب لأنه معتل الفاء كالعدة أصلها وعدة، فلما حذفت الواو تبعا لفعله عوضت عنها الهاء، فقيل هبة وعدة ومعناها إيصال الشيء للغير بما ينفعه، سواء كانت مالا أو غير مال، يقال وهبت له مالا ووهب الله فلانا ولدا صالحا، ويقال وهبه مالا أيضا ولا يقال وهب منه، ويسمى الموهوب هبة وموهبة، والجمع هبات ومواهب واتهبه منه إذا قبله، واستوهبه إذا طلب الهبة، وفي الشرع هي تمليك لمال بلا عوض.
[حكم الهبة]
م: (والهبة عقد مشروع لقوله عليه الصلاة والسلام: «تهادوا تحابوا» ش: هذا الحديث رواه من الصحابة أبو هريرة وابن عمرو بن العاص وابن عمر وعائشة، رضي الله عنهم أجمعين.
أما حديث أبي هريرة فرواه البخاري في كتابه " المفرد في الآداب " حدثنا عمرو بن خالد ثنا ضمام بن إسماعيل سمعت موسى بن وردان عن أبي هريرة عن النبي عليه السلام قال: «تهادوا تحابوا» . وأخرجه النسائي في كتاب " الكنى " عن أبي الحسين محمد بن بكير الحضرمي عن ضمام بن إسماعيل به، وكذلك رواه أبو يعلى الموصلي في " مسنده " والبيهقي في " شعب الإيمان " وابن عدي في " الكامل " وأعله بضمام وقال: إن أحاديثه لا يرويها غيره.
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فرواه الحاكم في كتاب " علوم الحديث " فقال: سمعت أبا زكريا العنبري قال: سمعت أبا عبد الله البوشنجي ثنا يحيى بن بكير عن ضمام بن إسماعيل عن أبي قبيل المعافري عن عبد الله بن عمرو أن النبي عليه السلام قال: «تهادوا تحابوا» .
وأما حديث ابن عمر رضي الله عنهما فرواه أبو القاسم الأصبهاني في كتاب الترغيب والترهيب " من حديث إسماعيل بن إسحاق الراشدي ثنا محمد بن داود بن عبد الجبار عن أبيه
وعلى ذلك انعقد الإجماع. وتصح بالإيجاب والقبول والقبض، أما الإيجاب والقبول؛ فلأنه عقد، والعقد ينعقد
ــ
[البناية]
عن العوام بن حوشب عن شهر بن حوشب عن ابن عمر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا» .
وأما حديث عائشة رضي الله عنها فرواه الطبراني في " معجمه الأوسط " ثنا محمد بن يحيى بن محمد بن السكن ثنا ريحان بن سعيد ثنا عرعرة بن اليزيد ثنا المثنى أبو حاتم العطار عن عبيد الله بن العيزار عن القاسم بن محمد بن أبي بكر عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تهادوا تحابوا، وهاجروا تورثوا أولادكم مجدا وأقيلوا الكرام عثراتهم» وأخرجه مالك في " الموطأ " مرسلا عن عطاء الخراساني قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «تصافحوا يذهب الغل وتهادوا تحابوا وتذهب الشحناء» .
قوله: تهادوا - بفتح الدال وسكون الواو لأنه صيغة خطاب للجماعة من التهادي، وأصله تهادى؛ لأنك تقول تهاد تهاديا تهاديوا قلبت الياء ألفا لتحركها وانفتاح ما قبلها ثم حذفت لالتقاء الساكنين فصار تهادوا كما في مادة تعالوا وأصله تعاليوا. قال الله تعالى:{قُلْ يَاأَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ} [آل عمران: 64](آل عمران 64) . قوله: تحابوا بتشديد الباء المضمومة وهو أيضا صيغة خطاب للجماعة، وأصله تحابون ولكن سقطت النون لأنه جواب للأمر، وأصله تحابوا؛ لأنه من التحابب من المحبة، أدغمت الباء في الباء، وقال الحاكم: تحابوا إما بتشديد الباء من الحب، وإما بالتخفيف من المحاباة.
قلت: ترجيح الأول الذي هو المشهور ما أخرجه البيهقي في شعب الإيمان عن صفية بنت حرب عن أم حكيم بنت وداع أو قال: وادع قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «تهادوا تزيدوا في القلب حبا» .
م: (وعلى ذلك) ش: أي كون الهبة مشروعة م: (انعقد الإجماع) ش: أي إجماع الأمة.
م: (وتصح) ش: أي الهبة م: (بالإيجاب) ش: كقوله وهبت ونحوه، هذا بمجرده في حق الواهب م:(والقبول) ش: كقوله قبلت م: (والقبض) ش: بالجر، أي وبالقبض فلا يتم في حق الموهوب له إلا بالقبول والقبض كما يأتي؛ لأنه عقد تبرع فيتم بالتبرع، ولكن لا يملكه الموهوب له إلا بالقبول والقبض، وثمرة ذلك فيمن حلف لا يهب فوهب ولم يقبل الموهوب له يحنث. وعند زفر لا يحنث بلا قبول وقبض كما في البيع، فلا يتم، أو حلف على أن لا يهب فلانا فوهبه ولم يقبل يرد في يمينه عندنا.
م: (أما بالإيجاب والقبول فلأنه عقد) ش: أي فلأن الهبة عقد نحو سائر العقود، وذكر
بالإيجاب والقبول والقبض لا بد منه لثبوت المالك، وقال مالك رحمه الله يثبت الملك فيه قبل القبض اعتبارا بالبيع، وعلى هذا الخلاف الصدقة، ولنا قوله عليه الصلاة والسلام:«لا تجوز الهبة إلا مقبوضة» .
ــ
[البناية]
الضمير باعتبار العقد م: (والعقد ينعقد بالإيجاب والقبول) ش: لأن قيام العقد بهما م: (والقبض لا بد منه لثبوت الملك) ش: وبه قال الشافعي وأحمد وأكثر الفقهاء والتابعين، إلا أن أحمد يقول: إن كانت الهبة عينا تصح بدون القبض في الأصح، وفي المكيل والموزون لا يصح بدون القبض.
م: (وقال مالك رحمه الله: يثبت الملك فيه قبل القبض اعتبارا بالبيع) ش: لأنه عقد لازم يقبل الملك فلم يتوقف على القبض كالبيع، ولأنه إزالة ملك بغير عوض فلا يعتبر فيه القبض كالوصية والوقف، وبه قال أبو ثور والشافعي في القديم وابن أبي ليلى وفي كتاب " التفريع " لأصحاب مالك: وفيمن وهب شيئا من ماله لزمه دفعه إلى الموهوب له إذا طالبه به، فإن أبى ذلك حكم به عليه إذا أقر أو قامت عليه البيئة، وإن أنكر الهبة حلف عليها وبرئ منها، وإن نكل عن اليمين حلف الموهوب له وأخذها منه.
وإن مات الواهب قبل دفعها إلى الموهوب له فلا شيء له إذا كان قد أمكنه أخذها ففرط فيها، وإن مات الموهوب له قبل قبضها قام ورثته مقامه في مطالبة الواهب بهبته انتهى. وقال الخرقي من أصحاب أحمد: لا تصح الهبة والصدقة فيما يكال ويوزن إلا بقبضة، ويصح في غير ذلك بغير قبض إذا قبل كما يصح في البيع. م:(وعلى هذا الخلاف الصدقة) ش: فعندنا يشترط فيها القبض خلافا لمالك رحمه الله.
م: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام: «لا تجوز الهبة إلا مقبوضة» ش: هذا حديث منكر لا أصل له، والعجب من الكاكي حيث يقول: قيل: هذا الحديث غير مرفوع، بل قول علي وعمر رضي الله عنهما ولم يبين ذلك، وليس كذلك بل هذا الذي ذكره المصنف قول إبراهيم النخعي رواه عبد الرزاق في مصنفه وقال: أخبرنا سفيان الثوري عن منصور عن إبراهيم قال: لا تجوز الهبة حتى تقبض والصدقة تجوز قبل أن تقبض. وأما قول عمر رضي الله عنه فهو ما رواه البيهقي من حديث يزيد بن زريع نا سعيد عن قتادة عن يحيى بن يعمر عن أبي موسى قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا محال ميراث ما لم يقبض.
والأحسن أن يستدل على اشتراط القبض في الهبة بما أخرجه البيهقي من حديث عبد الله
والمراد نفي الملك؛ لأن الجواز بدونه ثابت ولأنه عقد تبرع، وفي إثبات الملك قبل القبض إلزام المتبرع شيئا لم يتبرع به وهو التسليم فلا يصح بخلاف الوصية؛ لأن أوان ثبوت الملك فيها بعد الموت
ــ
[البناية]
ابن وهب أنا مالك ويونس وغيرهما أن ابن شهاب أخبرهم عن عروة عن عائشة رضي الله عنهما " أن أبا بكر رضي الله عنه نحلها جذاذ عشرين وسقا من مال الغابة، فلما حضرته الوفاة قال: والله يا بنية ما من الناس أحد أحب إلي غنى بعدي منك ولا أعز علي فقرا بعدي منك، إلا أني كنت نحلتك من مالي جذاذ عشرين وسقا، فلو كنت جذذته واحترزت به كان لك ذلك، وإنما هم أخواك وأختاك فاقتسموه على كتاب الله عز وجل.. الحديث، كذا رواه الطحاوي في شرح الآثار وقال: حدثنا يونس أخبرنا ابن وهب أن مالكا حدثه
…
إلى آخره، فهذا أدل دليل على اشتراك القبض وبه استدل في " المبسوط " وأصحاب الشافعي في كتبهم.
قوله: نحلها، أي وهب لها، والجذاذ بكسر الجيم من جذذت الشيء أجذه بالضم جذا قطعته، وروي جاذ عشرين وسقا.
قال الخطابي: الجاذ بمعنى المجذوذ فاعل بمعنى مفعول والوسق ستون صاعا. والغابة بالغين المعجمة وبعد الألف باء موحدة مخففة وهو موضع مشهور بالمدينة، وفي رواية من ماله بالعالية، وهو أيضا موضع بالمدينة.
م: (والمراد نفي الملك) ش: أي المراد من قوله عليه السلام «لا تجوز الهبة إلا مقبوضة» عدم ثبوت حكم الهبة وهو الملك م: (لأن الجواز) ش: أي جواز الهبة م: (بدونه ثابت) ش: أي بدون الملك؛ لأن الجواز ثابت قبل القبض بالاتفاق.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن عقد الهبة م: (عقد تبرع، وفي إثبات الملك قبل القبض إلزام المتبرع شيئا) ش: وعقد التبرع لم يلزم به شيء م: (لم يتبرع به وهو التسليم) ش: أي الذي لم يتبرع به هو التسليم م: (فلا يصح) ش: لأن من ضرورات الملك التسليم، ورد بأن المتبرع بالشيء قد يلزمه ما لم يتبرع به إذا كان من تامة ضرورة تصحيحه كمن نذر أن يصلي وهو محدث لزمه الوضوء ومن شرع في صوم أو صلاة لزمه الإتمام.
وأجيب: بأنه مغالطة، فإن ما لا يتم الشيء إلا به فهو واجب إذا كان ذلك الشيء واجبا كما ذكرت في الصوم، فإنه يجب بالنذر أو الشروع، وما لا يتم الواجب إلا به فهو واجب، والهبة عقد تبرع ابتداء وانتهاء، فإنه لو وهب وسلم جاز له الرجوع فكيف قبل التسليم فلا يجب ما يتم به.
م: (بخلاف الوصية؛ لأن أوان ثبوت الملك فيها بعد الموت) ش: لما قاس مالك الهبة على