الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن المالك لم يرض بأمانة غيره فيكون الأول متعديا بالتسليم، والثاني بالقبض فيخير بينهما، غير أنه إذا ضمن الأول لم يرجع على الثاني؛ لأن ملكه بالضمان فظهر أنه أودع ملك نفسه. وإن ضمن الثاني رجع على الأول؛ لأنه عامل له فيرجع عليه بما لحقه من العهدة، وله أنه قبض المال من يد أمين؛ لأنه بالدفع لا يضمن ما لم يفارقه لحضور رأيه فلا تعدي منهما، فإذا فارقه فقد ترك الحفظ الملتزم فيضمنه بذلك، وأما الثاني فمستمر على الحالة الأولى ولم يوجد منه صنع فلا يضمنه، كالريح إذا ألقت في حجره ثوب غيره. قال: ومن كان في يده ألف فادعاها رجلان كل واحد منهما أنها له أودعها إياه وأبى أن يحلف لهما، فالألف بينهما وعليه ألف أخرى بينهما،
ــ
[البناية]
لوجه زمان الثاني م: (لأن المالك لم يرض بأمانة غيره فيكون الأول متعديًا بالتسليم، والثاني بالقبض فيخير) ش: أي المالك م: (بينهما) ش: أي بين تضمين الأول وبين تضمين الثاني م: (غير أنه إذا ضمن الأول لم يرجع) ش: أي الأول م: (على الثاني لأنه ملكه بالضمان فظهر أنه أودع ملك نفسه وإن ضمن الثاني رجع على الأول لأنه عامل له) ش: في القبض والحفظ م: (فيرجع عليه بما لحقه من العهدة) ش: وهو الضمان.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة رحمه الله م: (أنه) ش: أي أن المودع الثاني م: (قبض المال من يد أمين لأنه) ش: أي المودع الأول م: (بالدفع لا يضمن ما لم يفارقه لحضور رأيه فلا تعدي منهما) ش: أي من المودع الأول والمودع الثاني، ما داما مجتمعين م:(فإذا فارقه) ش: أي الأول الثاني م: (فقد ترك الحفظ الملتزم فيضمنه بذلك) ش: أي بسبب تركه الحفظ الملتزم م: (وأما الثاني) ش: أي المودع الثاني م: (فمستمر على الحالة الأولى) ش: وهو القبض من أمين م: (ولم يوجد منه صنع فلا يضمنه كالريح إذا ألقت في حجره ثوب غيره) ش: فهلكت حيث لا يضمن؛ لأنه لم يوجد منه صنع بخلاف مودع الغاصب؛ لأن الأول بمجرد الدفع متعد وللثاني بالأخذ.
[كان في يده ألف فادعاها رجلان كل واحد منهما أنها وديعة له]
م: (قال) ش: أي في " الجامع الصغير ": م: (وما كان في يده ألف فادعاها رجلان كل واحد منهما) ش: أي ادعى كل واحد منهما م: (أنها) ش: أي الألف م: (له أودعها إياه وأبى) ش: أي امتناع صاحب اليد م: (أن يحلف لهما فالألف بينهما) ش: وفي بعض النسخ فالألف لهما.
م: (وعليه) ش: أي على صاحب اليد م: (ألف أخرى بينهما) ش: أي بين المودعين. وصورة المسألة في " الجامع ": محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة في ألف درهم في يدي رجل ادعاها رجلان كل واحد منهما يدعى أنه أودعها إياه فأبى أن يحلف لهما قال تكون هذه الألف بينهما، ويغرم ألفًا أخرى فيكون بينهما نصفين انتهى.
وقال الفقيه أبو الليث في شرح " الجامع الصغير ": وفي قول ابن أبي ليلى رحمه الله لا يجب عليه إلا دفع الألف بعينها؛ لأنه لم يأخذ إلا ألفًا واحدة فلا يجب على ألف أخرى.
وشرح ذلك أن دعوى كل واحد صحيحة لاحتمالها الصدق فيستحق الحلف على المنكر بالحديث، ويحلف لكل واحد على الانفراد لتغاير الحقين، وبأيهما بدأ القاضي جاز لتعذر الجمع بينهما وعدم الأولوية، ولو تشاحا أقرع بينهما تطييبا لقلبهما ونفيا لتهمة الميل. ثم إن حلف لأحدهما يحلف للثاني، فإن حلف فلا شيء لهما لعدم الحجة، وإن نكل أعني للثاني يقضي له لوجود الحجة. وإن نكل للأول يحلف للثاني ولا يقضي بالنكول بخلاف ما إذا أقر لأحدهما؛ لأن الإقرار حجة موجبة بنفسه فيقضي به، أما النكول إنما يصير حجة عند القضاء فجاز أن يؤخره ليحلف للثاني فينكشف وجه القضاء.
ــ
[البناية]
م: (وشرح ذلك) ش: أي الحكم المذكور م: (أن دعوى كل واحد صحيحة لاحتمالها الصدق فيستحق الحلف على المنكر بالحديث) ش: وهو قوله عليه السلام: «البينة على المدعي واليمين على من أنكر» م: (ويحلف لكل واحد على الانفراد لتغاير الحقين) ش: لأن كل واحد منهما يدعي ألفًا م: (وبأيهما بدأ القاضي جاز لتعذر الجمع بينهما وعدم الأولوية) ش: لعدم المرجع.
م: (ولو تشاحا) ش: أي لو تنازعا في البداية بالحلف م: (أقرع بينهما تطييبًا لقلبهما ونفيًا لتهمة الميل) ش: أي ميل القاضي إلى أحدهما. م: (ثم إن حلف لأحدهما يحلف للثاني فإن حلف فلا شيء لهما لعدم الحجة) ش: يعني من جهة المدعين م: (وإن نكل أعني للثاني) ش: يعني بعدما حلف للأول م: (يقضي له) ش: أي للثاني م: (لوجود الحجة) ش: وهي النكول م: (وإن نكل للأول يحلف للثاني ولا يقضي بالنكول) ش: يعني للأول؛ لأن الثاني ربما يقول إنما نكل لأنك بدأت بالاستحلاف فلا تنقطع الخصومة بينهما.
فحاصل المسألة على أربعة أوجه؛ لأنه إما أن يحلف لكل منهما أو يحلف للأول منهما وينكل للثاني أو بالعكس، أو ينكل لهما فإن حلف لهما لا شيء لهما، وإن حلف للأول ونكل للثاني فالأول له ببدله أو بإقراره، وإن نكل للأول وحلف للثاني فالألف للأول ولا شيء للثاني، وإن نكل لهما فالألف بينهما وعليه ألف آخر بينهما؛ لأن نكوله أوجب لكل واحد منهما كل الألف ليس معه غيره.
م: (بخلاف ما إذا أقر لأحدهما؛ لأن الإقرار حجة موجبة بنفسه فيقضي به، أما النكول إنما يصير حجة عند القضاء) ش: بإنزاله مقرا أو باذلًا، فحين نكل الأول لم يثبت الحق له م:(فجاز أن يؤخره ليحلف للثاني فينكشف وجه القضاء) ش: فإنه لا يقضي بالألف للأول أو الثاني أو لهما جميعًا؛ لأنه حلف للثاني فلا شيء له والألف كله للأول، ولو نكل للثاني أيضًا كان الألف
ولو نكل للثاني أيضا يقضي بها بينهما نصفين على ما ذكر في الكتاب لاستوائهما في الحجة، كما إذا أقاما البينة ويغرم ألفا أخرى بينهما؛ لأنه أوجب الحق لكل واحد منهما ببذله أو بإقراره وذلك حجة في حقه وبالصرف إليهما صار قاضيا نصف حق كل واحد منهما بنصف حق الآخر، فيغرمه. ولو قضى القاضي للأول حين نكل، ذكر الإمام علي البزدوي رحمه الله في شرح " الجامع الصغير " أنه يحلف للثاني، وإذا نكل يقضي بها بينهما؛ لأن القضاء للأول لا يبطل حق الثاني؛ لأنه يقدمه إما بنفسه أو بالقرعة، وكل ذلك لا يبطل حق الثاني وذكر الخصاف رحمه الله أنه ينفذ قضاؤه للأول ووضع المسألة في العبد، وإنما نفذ
ــ
[البناية]
بينهما فلذلك يتوقف على القضاء حتى يظهر وجهه، وهذا بخلاف الإقرار لأحدهما فإنه يقضي بالألف للمقر له لأنه حجة موجبة بنفسه فلا يتوقف على القضاء.
م: (ولو نكل للثاني أيضًا يقضي بها بينهما نصفين على ما ذكره في الكتاب لاستوائهما في الحجة، كما إذا أقاما البينة ويغرم ألفًا أخرى بينهما؛ لأنه أوجب الحق لكل واحد منهما ببذله) ش: أي لأن المودع المنكر أوجب الحق لهما ببذله عند أبي حنيفة رحمه الله لأن النكول بذل عنده م: (أو بإقراره) ش: أي عندهما؛ لأن النكول إقرار عندهما م: (وذلك) ش: أي الإقرار أو البذل م: (حجة في حقه) ش: أي في حق المودع المنكر م: (وبالصرف إليهما) ش: أي يصرف المودع الألف إلى المدعيين م: (صار قاضيا نصف حق كل واحد منهما بنصف حق الآخر فيغرمه) ش: أي فيغرم الألف الذي صرف إليهما فيصير ألفان م: (ولو قضى القاضي للأول حين نكل) ش: مع أنه ليس له ذلك.
م: (ذكر الإمام علي البزدوي رحمه الله في شرح " الجامع الصغير " أنه يحلف للثاني) ش: أراد أنه لا ينفذ قضاؤه فيحلف الثاني م: (وإذا نكل يقضي بها بينهما) ش: بالألف ويغرم ألف أخرى بينهما م: (لأن القضاء للأول لا يبطل حق الثاني لأنه) ش: أي لأن القاضي م: (يقدمه) ش: أي يقدم الأول للحلف م: (إما بنفسه) ش: أراد باختياره لا لدليل أوجب ذلك م: (أو بالقرعة) ش: لتعذر الجمع بينهما م: (وكل ذلك) ش: أي من تقديمه الأول باختياره أو بالقرعة م: (لا يبطل حق الثاني) ش: لأنه فعل ما ليس له فعله، ثم إن الإمام علي البزدوي لم يذكر أنه إذا حلف للثاني ماذا حكمه وذكره أبو الليث في شرح " الجامع الصغير "، فإن حلف يقضي بنكوله للأول، وإن نكل له أيضًا يقضي بنكوله لهما.
م: (وذكر الخصاف رحمه الله أنه ينفذ قضاؤه للأول) ش: يعني يكون كل الألف له ولا يكون بينهما م: (ووضع) ش: أي الخصاف رحمه الله م: (المسألة في العبد) ش: بأن كان في يده عبد فادعاه رجلان كل واحد أنه له وأودعه إياه م: (وإنما نفذ) ش: أي قضاء القاضي الأول م:
لمصادفته محل الاجتهاد، ولأن من العلماء من قال يقضي للأول ولا ينتظر لكونه إقرار دلالة، ثم لا يحلف للثاني ما هذا العبد لي؛ لأن نكوله لا يفيد بعدما صار للأول، وهل يحلفه بالله ما لهذا عليك هذا العبد ولا قيمته وهو كذا وكذا ولا أقل منه، قال: ينبغي أن يحلفه عند محمد رحمه الله خلافا لأبي يوسف رحمه الله بناء على أن المودع إذا أقر بالوديعة ودفع بالقضاء إلى غيره يضمنه عند محمد رحمه الله خلافا له وهذه فريعة تلك المسألة.
ــ
[البناية]
(لمصادفته محل الاجتهاد؛ ولأن من العلماء من قال يقضي للأول) ش: أي بالنكول م: (ولا ينتظر) ش: أي القاضي م: (لكونه) ش: أي لكون النكول م: (إقرار دلالة) ش: لأن امتناعه عن اليمين يدل على الإقرار م: (ثم لا يحلف للثاني) ش: أي للمدعى الثاني م: (ما هذا العبد لي) ش: يعني لا يحلفه بالاقتصار على لفظ العبد لي، بل يضم إليه ولا قيمته م:(لأن نكوله لا يفيد بعد ما صار للأول) ش: أراد أنه لما أقر به للأول وثبت له حق الأول فلا يفيد إقراره به للثاني؛ لأنه لا يمكنه دفعه إلى الثاني بعد ذلك م: (وهل يحلفه بالله ما لهذا عليك هذا العبد ولا قيمته وهو كذا وكذا ولا أقل منه قال) ش: أي الخصاف: م: (ينبغي أن يحلفه) ش: على هذا الوجه م: (عند محمد رحمه الله خلافًا لأبي يوسف رحمه الله بناء على أن المودع إذا أقر بالوديعة) ش: لإنسان م: (ودفع بالقضاء إلى غيره) ش: أي غير المقر له م: (يضمنه عند محمد رحمه الله) ش: أي يضمن ما أقر من الوديعة؛ لأنه أقر بالتزام الحفظ، فمتى أقر به الإنسان فقد سلطه على الأخذ فصار تاركًا للحفظ الواجب عليه بالعقد فيضمن، كما لو دل على فاعل السرقة.
م: (خلافا له) ش: أي لأبي يوسف؛ لأن بمجرد الإقرار لم يفت على الثاني شيء، وإنما الفوت بالدفع بإكراه القاضي فلا يكون موجبًا للضمان، وهذا الخلاف كما علمت فيما إذا كان الدفع بالقضاء، وأما إذا كان بلا قضاء بأن أقر بالوديعة لإنسان ثم قال: أخطأت، بل هي هذا، كان عليه أن يدفعها إلى الأول؛ لأن إقراره بها صحيح ورجوعه بعد ذلك باطل ويضمن للآخر قيمتها لأنه صار مستهلكًا على الثاني لإقراره بها للأول، فيضمن قيمتها، وهذا بالاتفاق.
فإن قلت: ما وجه بناء المسألة المتقدمة على المسألة الثانية؟
قلت: لأن النكول إقرار فبالإقرار بالوديعة ضمن عند محمد رحمه الله، وكذا بالنكول فيأتي التحليف، وعند أبي يوسف: لا يضمن ثمة بالإقرار وكذا هنا بالنكول فلا فائدة في التحليف.
م: (وهذه) ش: أي هذه المسألة التي ذكرناها من تحليف القاضي المودع الثاني بعد قضائه للأول ما لهذا عليك هذا العبد ولا قيمته م: (فريعة تلك المسألة) ش: يعني المسألة التي اختلف أبو
وقد وقع فيه بعض الإطناب، والله أعلم
ــ
[البناية]
يوسف ومحمد - رحمهما الله - فيها في الضمان وعدمه، وإنما قال بالتصغير إشارة إلى اختصار تلك المسألة وكثرة فروع المسألة التي اختلف فيها أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله، وأشار إلى ذلك بقوله م:(وقد وقع فيه بعض الإطناب والله أعلم) ش: أي التطويل، يعني دفع الإطناب في الأصل في باب إقرار الرجل بالمال، وكان ينبغي أن يقول فيها؛ لأن مسألة مؤنث، ولكن التذكير إما باعتبار المذكور وإما تسامحًا، فإن الفقهاء يتسامحون في العبارات.
ومن جملة تفريعات تلك المسألة ما لو قال المودع أودعتها أحدكما ولا أدري أيكما، فالمدعيان إذا اصطلحا على أخذها فلهما ذلك، والألف بينهما وليس للمودع الامتناع عن تسليم الألف إليهما، وإن لم يصطلحا ويدعي كل أن الألف له فإنه يحلف لكل واحد.
وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله: يكفي يمين واحدة ثم إن حلف لهما قطع دعواهما في قول أبي يوسف، وفي قول محمد لهما أن يصطلحا بهذا الاستحلاف على أخذ الألف بينهما، ولو نكل قضى بألف بينهما وضمن ألفًا أخرى بينهما.
وعند الشافعي وأحمد - رحمهما الله: لا يضمن ألفًا أخرى، بل يقرع بينهما عند أحمد أو يصطلحا عند الشافعي رحمه الله، وإن حلف لأحدهما ونكل للآخر قضى بألف للذي نكل ولا يبيع للذي حلفه، وكذا لو قال: علي ألف هذا، أو هذا، أو كل واحد يدعيها فهو على هذه الوجوه والله أعلم.