الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكذا إذا قال عمرى سكنى أو نحلى سكنى أو سكنى صدقة أو صدقة عارية أو عارية هبة لما قدمناه.
ولو قال: هبة تسكنها فهي هبة؛ لأن قوله تسكنها مشورة وليس بتفسير له وهو تنبيه على المقصود. بخلاف قوله هبة سكنى؛ لأنه تفسير له.
قال: ولا يجوز
الهبة فيما يقسم
إلا محوزة مقسومة
ــ
[البناية]
ذكره في " المبسوط " حيث قال: لأن السكنى محكم.
وأجيب: بأن السكنى لا يحتمل إلا العارية فأطلق عليه اسم العارية م: (وكذا إذا قال عمرى سكنى أو نحلى سكنى) ش: بضم النون وسكون الحاء وهي العطية م: (أو سكنى صدقة) ش: بأن قال داري لك سكنى صدقة م: (أو صدقة عارية) ش: بأن قال داري لك صدقة م: (أو عارية هبة لما قدمناه) ش: ليحمل على المحكم.
م: (ولو قال هبة تسكنها فهي هبة) ش: ذكر في " المبسوط ". ولو قال: داري لك هبة تسكنها، أو قال عمرى لتسكنها وسلمها إليه فهي هبة م:(لأن قوله هبة تسكنها مشورة) ش: بفتح الميم وضم الشين بمعنى الشورى، وهي استخراج رأي على غالب الظن م:(وليس بتفسير له) ش: لأن الفعل لا يصلح تفسيرا للاسم م: (وهو تنبيه على المقصود) ش: بأن قال ملكه الدار عمره ليسكنها وهو معلوم، وإن لم يذكره فلا يتغير به حكم التمليك بمنزلة قوله هذا الطعام تأكله وهذا الثوب تلبسه فإن شاء قبل مشورته وفعل ما قال، وإن شاء لم يقبل.
م: (بخلاف قوله هبة سكنى لأنه تفسير له) ش: لأن قوله سكنى اسم فجاز أن يكون تفسيرا لاسم آخر، فيتغير به أول الكلام كما في الاستثناء والشرط فيكون عارية.
[الهبة فيما يقسم]
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (ولا يجوز الهبة فيما يقسم إلا محوزة) ش: أي مفرغة عن إملاك الواهب، حتى لا تصلح هبة الثمر على الشجر والزرع في الأرض بدون الشجر والأرض، وكذا العكس عندنا م:(مقسومة) ش: احترز به من المشاع، قيل في الفرق بين ما يقسم وبين ما لا يقسم كل شيء يضره التبعيض ويوجب نقصانا في ماليته، فإنه لا يحتمل القسمة كالدراهم والدنانير فهبة بعضه جائز بلا خلاف
وقيل: كل ما يفوت بالقسمة منفعته أصلا كالعبد أو جنس منفعته كالحمام والرجى فهو لا يحتمل القسمة.
وقيل: كل مشترك بين اثنين لو طلب أحدهما قسمة، وإلى الآخر فالقاضي لا يجبره على القسمة، وهو مما لا يحتمل القسمة، ثم الشيوع المقارن للهبة فيما يحتمل القسمة مفسد لا الطارئ، حتى لو وهب شيئا فرجع في بعضه تصح الهبة.
وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزة. وقال الشافعي رحمه الله يجوز في الوجهين؛
ــ
[البناية]
والعبرة في الشيوع وقت القبض لا وقت العقد، حتى لو وهب مشاعا وسلم مقسوما يجوز، وكذا لو وهب نصف الدار ولم يسلم، ثم وهب النصف الآخر وسلمه جازت الهبة، أو وهب تمرا في نخل أو زرعا في أرض، ثم سلم بعد ذلك مفرزا يجوز، كذا في " الذخيرة " وغيره فعلم من هذا أن معنى قوله لا يجوز الهبة فيما يقسم إلا مجوزة مقسومة لا تثبت الملك فيه لا يجوزه مقسومة؛ لأن الهبة في نفسها فيما يقسم تقع جائزة، ولكن غير مثبتة للملك. قبل تسلمه مفرزا نظيرا، نظيره البيع بشرط الخيار.
وفي " الحائط " قال علماؤنا رحمهم الله: هبة المشاع فيما يحتمل القسمة لا يتم، ويفيد الملك قبل القسمة. وقال الشافعي رحمه الله إنها تامة، وبعض أصحابنا رحمهم الله قالوا إنها فاسدة، والأصح ما قلناه كالهبة قبل القبض، ولا يقال إنها فاسدة بل غير تامة، كذا هذا.
وأجمعوا على أن هبة المشاع فيما لا يحتمل القسمة كالعبد والدابة تامة، كذا قال علاء الدين رحمه الله العالم في طريقة الخلاف. وقال في الطريقة البرهانية قال علماؤنا رحمهم الله وهبة المشاع فيما يحتمل القسمة يفيد الملك بالتخلية. وقال شيخ الإسلام أبو بكر رحمه الله المعروف بخواهر زاده في " مبسوطه ": قال علماؤنا: إذا وهب مشاعا يحتمل القسمة لا يجوز سواء كان وهب في الأجنبي أو من شريكه.
وقال الشافعي - رضى الله عنه -: يجوز من الأجنبي ومن الشريك، وقال ابن أبي ليلى رحمه الله: إن وهب من الأجنبي لم يجز، وإن وهب من الشريك جاز وأجمعوا على أنه إذا وهب ما لا يحتمل القسمة فإنه يجوز.
م: (وهبة المشاع فيما لا يقسم جائزة) ش: معناه هبة المشاع لا يحتمل القسمة جائزة؛ لأن المشاع غير مقسوم، فيكون المعنى ظاهرا ووهبت النصيب غير المقسوم فيما هو غير مقسوم، وذلك مستنكر ودفعه بما ذكرنا، فافهم.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: يجوز في الوجهين) ش: أي فيما يحتمل القسمة وفيما لا يحتمل، وبه قال مالك وأحمد -رحمهما الله -. وفي " الروضة ": يجوز هبة المشاع سواء المنقسم وغيره سواء وهبه للشريك أو غيره، ويجوز هبة الأرض المزروعة مع زرعها وعكسه. وفي " الجواهر " للمالكية: ولا يمتنع بالشيوع، وإن كان قبل القسمة، وتصح هبة المجهول والآبق والكلب.
وفي " فتاوى الحنابلة ": وتصح هبة المشاع وإن تعذرت قسمته، ويصح من الشريك
لأنه عقد تمليك فيصح في المشاع وغيره كالبيع بأنواعه، وهذا لأن المشاع قابل لحكمه وهو الملك، فيكون محلا له، وكونه تبرعا لا يبطله الشيوع كالقرض والوصية، ولنا أن القبض منصوص عليه في الهبة فيشترط كماله، والمشاع لا يقبله إلا بضم غيره إليه.
ــ
[البناية]
وغيره سواء كان مما ينقل ويحول أو لم يكن، سواء كان مما ينقسم أو مما لا يأتي قسمته كالشقص في العبد والدابة والجوهرة والسرخي م:(لأنه عقد تمليك فيصح في المشاع وغيره كالبيع بأنواعه) ش: من الصحيح والفاسد والصرف والسلم وغيره فإن الشيوع لا تمنع تمام القبض في هذه العقود بالإجماع.
م: (وهذا) ش: أي جوازه م: (لأن المشاع قابل لحكمه) ش: أي لحكم عقد الهبة م: (وهو الملك فيكون محلا له) ش: كالمبيع والإرث وكل ما هو قابل لحكم عقد يصلح أن يكون محلا له؛ لأن المحلية غير القابلية أو لازم من لوازمها، فكان العقد صادرا من أهله مضافا إلى محله، ولا مانع ثمة فكان جائزا.
م: (وكونه تبرعا لا يبطله الشيوع) ش: جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال البيع لا يفتقر إلى القبض، بخلاف الهبة فإنه عقد تبرع ومحتاج إلى القبض.
فلو قلنا بجوازه: في المشاع يلزم في ضمنه وجوب ضمان القسمة وهو لم يتبرع به.
فأجاب بقوله: وكونه أي وكون الهبة والتذكير باعتبار الوهب أو المذكور تبرعا لا يبطله الشيوع، يعني لم يعهد ذلك مبطلا في التبرعات.
م: (كالقرض) ش: بأن دفع ألف درهم إلى رجل على أن يكون نصفه قرضا يعمل في النصف الآخر شرك، فإنه يجوز مع أن القبض شرط لوقوع الملك في القرض، ثم لا يشترط القسمة م:(والوصية) ش: بأن أوصى لرجلين بألف درهم فإن ذلك صحيح، فدل على أن الشيوع لا يبطل التبرع حتى يكون مانعا.
م: (ولنا أن القبض منصوص عليه في الهبة) ش: أراد به ما ذكره من قوله عليه السلام: «لا تجوز الهبة إلا مقبوضة» وفيه نظر؛ لأنه قد تقدم أن هذا الحديث لا أصل له ولم يثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم في اشتراط القبض في الهبة شيء.
ولو ثبت اشتراط قبض فقبض كل شيء بحسبه م: (فيشترط كماله) ش: أي كمال القبض؛ لأن التنصيص عليه يدل على الاعتناء بوجوده، حتى لو استقبل الحطيم لا تجوز صلاته؛ لأنه بالبيت بالسنة، وهذا؛ لأن الثابت من وجه دون وجه لا يكون ثابتا مطلقا، وبدون الإطلاق لا يثبت م:(والمشاع لا يقبله) ش: أي القبض م: (إلا بضم غيره إليه) ش: الموهوب إلى الموهوب م:
وذلك غير موهوب، ولأن في تجويزه إلزامه شيئا لم يلتزمه وهو مؤنة القسمة، ولهذا امتنع جوازه قبل القبض لئلا يلزمه التسليم. بخلاف ما لا يقسم؛ لأن القبض القاصر هو الممكن فيكتفى به، ولأنه لا تلزمه مؤنة القسمة والمهايأة تلزمه، فيما لم يتبرع به وهو المنفعة والهبة لاقت العين.
ــ
[البناية]
(وذلك) ش: أي الغير م: (غير موهوب) ش: وغير ممتاز عن الموهوب، فصارت الحيازة ناقصة فلا ينتهض لإفادة الملك.
م: (ولأن في تجويزه) ش: عقد الهبة في المشاع م: (إلزامه) ش: أي إلزام الواهب م: (شيئا لم يلتزمه وهو مؤنة القسمة) ش: لأنه لو ملكه قبل القسمة لطالبه بالقسمة، فيصير عقد التبرع موجبا ضمان المقاسمة عليه وهو خلاف موضع التبرع.
فإن قيل: هذا ضرر مرضي؛ لأن إقدامه على هبة المشاع يدل على التزامه ضرر القسمة والصائر من الضرر ما لم يكن مرضيا.
أجيب بأن: المرضي منه ليس القسمة، ولا ما يستلزمها لجواز أن يكون راضيا بالملك المشاع، وهو ليس بقسمة ولا يستلزمها، قيل: هذه العلة غير مطردة؛ لأنهم قالوا: لا تجوز الهبة من الشريك وليس ثمة ضرر القسمة، وكذلك قال أبو حنيفة رحمه الله: لا تجوز هبة واحد من اثنين وليس في ضرر القسمة.
قلت: وجود العلة تراخي في جنس الحكم لا في كل صورة.
م: (ولهذا) ش: أي ولأن تجويز هذا العقد إلزام ما لم يلتزم م: (امتنع جوازه) ش: أي جواز ثبوت الملك م: (قبل القبض لئلا يلزمه التسليم) ش: وهو لا يتحقق بدون مؤنة القسمة م: (بخلاف ما لا يقسم؛ لأن القبض القاصر هو الممكن فيكتفى به) ش: ضرورة م: (ولأنه لا تلزمه مؤنة القسمة) ش: وقد قيل إن هذا الذي ذكره كله مرتب على اشتراط كمال القبض، وفي اشتراط أصله نظر، فكيف باشتراط كماله.
والصحيح جواز هبة المشاع ورهنه وإجازته ووقفه كما يجوز بيعه وقرضه والوصية به، ولا زال الناس على ذلك ولم يرد في رده كتاب ولا سنة ولا إجماع، فإن طلب الموهوب له القسمة وألزم بها الواهب فهو كما إذا ألزم بها البائع وقد باع حصة عما يملكه، فكان أن ذلك لا يمنع من صحة البيع وإن كان فيه إلزام بما لا يلتزمه، فكذلك لا يمنع من صحة الهبة.
م: (والمهايأة تلزمه) ش: هذا جواب سؤال يرد علينا، تقديره أن يقال ينبغي أن لا يجوز فيما لا يحتمل القسمة؛ لأنه يلزم المهايأة، وفي إيجابها إلزام ما لم يلتزم. وتقرير الجواب أن المهايأة تلزمه م:(فيما لم يتبرع به وهو المنفعة والهبة لاقت العين) ش: فلم يكن ذلك زمانا في عين
والوصية ليس من شرطها القبض، وكذا البيع الصحيح وأما البيع الفاسد والصرف والسلم فالقبض فيها غير منصوص عليه، ولأنها عقود ضمان فتناسب لزوم مؤنة القسمة، والقرض تبرع من وجه وعقد ضمان من وجه، فشرطنا القبض القاصر فيه دون القسمة.
ــ
[البناية]
ما تبرع، بل هذه من ضرورات الانتفاع يملكه.
ولقائل أن يقول: إلزام ما لم يلتزم الواهب بعقد الهبة إن كان مانعا عن جوازها فقد وجد وإن حصصتم بعودة إلى ما تبرع به كان محكما.
والجواب: بتحصيصه بذلك وبدفع الحكم بأن في عوده إلى ذلك إلزام زيادة عين هي أجرة القسمة على العين الموهوبة بإخراجها عن ملكه وليس في غيره ذلك؛ لأن المهايأة لا تحتاج إليها ولا يلزم ما إذا أتلف الواهب الموهوب بعد التسليم فإنه يضمن قيمته للموهوب له، وفي ذلك إلزام زيادة عين على ما تبرع به؛ لأن ذلك بالإتلاف لا بعقد التبرع.
م: (والوصية ليس من شرطها القبض) ش: هذا جواب عن قوله كالقبض بالوصية. تقريره أن الشيوع مانع فيما يكون القبض من شرطه لعدم تحققه في المشاع والوصية ليست كذلك م: (وكذا البيع الصحيح وأما البيع الفاسد والصرف والسلم فالقبض فيها) ش: يعني وكذا حكم البيع.. إلى آخره.
أراد به وإن كان القبض فيها شرطا للملك، ولكنه م:(غير منصوص عليه) ش: فلا يصح نفيه. قلنا: كلامنا فيما يكون القبض منصوصا عليه لثبوت الملك ابتداء، وفي الصرف لبقائه في ملكه فليس فيما نحن فيه، وكذا الكرام في السلم، فإن اشتراط قبض رأس المال للاحتراز وهو النسيئة بالنسيئة، وكذا فسره أبو عبيد القاسم بن سلام رحمه الله، وروى الحديث أيضا وقال: حدثني زيد بن الحباب عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن ابن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه نهى عنه.
م: (ولأنها) ش: أي ولأن الأشياء المذكورة م: (عقود ضمان فتناسب لزوم مؤنة القسمة) ش: يعني تناسب تعلق ضمان القسمة بها، بخلاف الهبة (والقرض تبرع) ش: هذا من تتمة الجواب عن قوله كالقرض والوصية أي القرض تبرع م: (من وجه) ش: بدليل أنه لا يصح من الصبي والعبد م: (وعقد ضمان من وجه) ش: فإن المستقرض مضمون بالمثل م: (فشرطنا القبض القاصر فيه) ش: أي إذا كان كذلك فلشبهة التبرع شرطنا القبض كما في الهبة والشبهة بعقد الضمان لم يشترط القسمة، وهو معنى قوله م:(دون القسمة) ش: كما في البيع، فاكتفى فيه بالقبض