الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لأن المنافع تملك شيئا فشيئا على حسب حدوثها، فالتمليك فيما لم يوجد لم يتصل به القبض فيصح الرجوع عنه.
قال: والعارية أمانة إن هلكت من غير تعد لم يضمن.
ــ
[البناية]
زيادة مبالغة في أن العارية مستحق الرد.
م: (لأن المنافع تملك شيئًا فشيئًا على حسب حدوثها، فالتمليك فيما لم يوجد لم يتصل به القبض) ش: لأن المنافع التي لم تحدث لا يتصور فيها القبض م: (فيصح الرجوع عنه) ش: أي عن ماله الموجود؛ لأن التمليك لا يكون إلا في الموجود.
[ضمان العارية]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (والعارية أمانة إن هلكت من غير تعد لم يضمن) ش: وفي بعض النسخ: لم يضمنها. وقيد بقوله: من غير تعد؛ لأن هلاكها بالتعدي يوجب الضمان بلا خلاف. ولو شرط الضمان في الدابة هل يصح؟ فالمشايخ مختلفون فيه، كذا في التحفة، وقال في خلاصة الفتاوى: رجل قال لآخر: أعرني ثوبك، فإن ضاع فأنا ضامن له، قال: لا يضمن، ونقله عن المنتقى.
وقال الكاكي رحمه الله: وبقولنا قال مالك. قلت: في مذهبه تفصيل، حيث قال: يضمن فيما يخلى هلاكه، ولا يضمن فيما لا يخلى.
وفي " الجواهر ": العارية نوعان: نوع يظهر هلاكه ولا يكاد يخفى كالرباع والحيوان، فهذا النوع يقبل قول المستعير في هلاكه ما لم يظهر كذبه، وإن لم يعلم ذلك إلا بقوله.
والنوع الثاني: يخفى هلاكه، ويعاب عليه، وهذا النوع يقبل قول المستعير في هلاك ما لم تقم بينة له.
فإن قامت فلا ضمان عليه فيه، وكذلك ما علم أنه مغير سببه كالسوس في الثوب صدقة فيه في كتاب محمد رحمه الله مع يمينه أنه ما أضاعه ولا أراد فسادًا، فقال أبو إسحاق: وكذلك الفأر على هذا يقرض الثوب، ووافق أشهب وعبد الحكم في النوع الأول، وخالفا في الثاني فرأيا أنه مضمون على المستعير على كل تقدير قامت بينة بهلاكه أم لا.
وقال القاضي أبو محمد: والصحيح أنه لا يضمن. قال الكاكي رحمه الله أيضًا: وهو قول علي رضي الله عنه يعني عدم الضمان قول على وابن مسعود والحسن والنخعي والشعبي والثوري، وعمر بن عبد العزيز وشريح والأوزاعي وابن أبي شبرمة وإبراهيم، وقضى شريح بذلك ثمانين سنة بالكوفة.
وحدث الكرخي في " مختصره " عن الرمادي عن عبد الرزاق عن إسرائيل عن عبد الأعلى عن محمد بن الحنفية أن عليًا رضي الله عنه قال: لا يضمن العارية، إنما هو المعروف إلا أن
وقال الشافعي رحمه الله: يضمن لأنه قبض مال غيره لنفسه لا عن استحقاق فيضمنه، والإذن ثبت ضرورة الانتفاع فلا يظهر فيما وراءه، ولهذا كان واجب الرد، وصار كالمقبوض على سوم الشراء.
ــ
[البناية]
تحالف، وحدث أيضا بإسناده إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: العارية بمنزلة الوديعة لا يضمن صاحبها، إلا أن يتعدى.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: يضمن لأنه قبض مال غيره لنفسه) ش: احترز به عن الوديعة؛ لأن قبض المودع فيها لأجل المودع لا لمنفعة نفسه م: (لا عن استحقاق) ش: أي لا عن استيجاب قبض بحيث لا ينقصد الآخر بدون رضاه، واحترز به عن المستأجر فإنه يقبض المستأجر لحق له ليس للمالك النقض قبل مضي المدة بدون رضاه م:(فيضمنه) ش: أي إذا كان كذلك يضمن العارية، وتذكير الضمير باعتبار المذكور م:(والإذن ثبت ضرورة الانتفاع) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: قبض بإذنه، ومثله لا يوجب الضمان.
وتحرير الجواب: أن الإذن يثبت ضرورة الانتفاع، والثابت بالضرورة يقدر بقدرها، والضرورة حالة الاستعمال.
فإن هلكت فيها فلا ضمان، وإن هلكت في غيرها لم يظهر فيه الإذن لكونه وراء الضرورة، وهو معنى قوله: م: (فلا يظهر فيما وراءه) ش: أي فلا يظهر الإذن فيما وراء الضرورة، وتذكير الضمير باعتبار المذكور.
م: (ولهذا) ش: أي ولكون الإذن ضروريًا م: (كان واجب الرد) ش: أراد أن مؤنة الرد واجبة على المستعير كما في الغصب م: (وصار كالمقبوض على سوم الشراء) ش: فإنه وإن كان بإذن لكن لما كان قبض مال غيره لنفسه لا عن استحقاق إذا هلك ضمن، فكذا هذا، وبقوله قال أحمد وهو قول ابن عباس وأبي هريرة وعطاء وإسحاق.
وقال قتادة وعبد الله بن الحسن العنبري: إن شرط ضمانها ضمن وإلا فلا، وقال ربيعة: كل العواري مضمونة، وفي الروضة: إذا تلفت العين في يد المستعير ضمنها سواء تلفت بآفة سماوية أم بفعله بتقصير أم بلا تقصير، هذا هو المشهور، وحكي قول أنها لا تضمن إلا بالتعدي وهو ضعيف، ولو أعار بشرط أن يكون أمانة بقي الشرط وكانت مضمونة.
وفي " حاوي " الحنابلة: إن شرط بقي ضمانها سقط الضمان، وإن تلف حروها باستعماله كحمل مشقة لم يضمن في أصح الوجهين وإن أركب منقطعًا دابته للثواب فتلفت لم يضمن.
ولنا أن اللفظ لا ينبئ عن التزام الضمان؛ لأنه لتمليك المنافع بغير عوض أو لإباحتها والقبض لم يقع تعديا لكونه مأذونا فيه، والإذن وإن ثبت لأجل الانتفاع فهو ما قبضه إلا للانتفاع فلم يقع تعديا، وإنما وجب الرد مؤنة كنفقة المستعار، فإنها على المستعير، لا لنقض القبض، والمقبوض على سوم الشراء مضمون بالعقد؛ لأن الأخذ في العقد له حكم العقد على ما عرف في موضعه
ــ
[البناية]
م: (ولنا أن اللفظ لا ينبئ عن التزام الضمان) ش: لأن الضمان إما أن يجب بالعقد أو بالقبض أو بالإذن وليس شيء من ذلك بموجب له، أما العقد فلأن اللفظ الذي تنعقد به العارية لا ينبئ عن التزام الضمان م:(لأنه لتمليك المنافع بغير عوض أو لإباحتها) ش: أي أو لإباحة المنافع على اختلاف القولين وما وضع لتملك المنافع أو باجتهاد ولإباحتها لا يتعرض ملك الغير حتى يوجب الضمان عند هلاكه م: (والقبض لم يقع تعديًا لكونه مأذونًا فيه) ش: وإنما يوجب القبض الضمان إذا وقع تعديًا م: (والإذن وإن ثبت لأجل الانتفاع) ش: هذا جواب عن قوله: والإذن يثبت ضرورة الانتفاع، وتقريره القول بالموجب يعني سلمنا أن الإذن لم يكن إلا لضرورة الانتفاع م:(فهو ما قبضه إلا للانتفاع، فلم يقع تعديًا) ش: فلا ضمان بدونه.
م: (وإنما وجب الرد مؤنة) ش: هذا جواب عن قوله: وهذا كان واجب الرد تقريره أن وجوب الرد لا يدل على أنه مضمون؛ لأنه واجب لمؤنة القبض الحاصل للمستعير م: (كنفقة المستعار، فإنها على المستعير لا لنقض القبض) ش: ليدل على أن القبض لا عن استحقاق فيوجب الضمان بخلاف الغصب، فإن الرد فيه واجب لنقض القبض لكونه بلا إذن، فإذا لم يوجب الرد وجب الضمان.
م: (والمقبوض على سوم الشراء مضمون) ش: هذا جواب عن قوله: وصار على المقبوض على سوم الشراء، تقريره أنه ليس بمضمون بالقبض بل بالعقد، وهو معنى قوله م:(بالعقد؛ لأن الأخذ في العقد له حكم العقد) ش: فصار كالمأخوذ بالعقد، وهو يوجب الضمان.
فإن قيل: سلمنا أن الأخذ في العقد، ولكن لا عقد هاهنا.
أجيب: بأن العقد وإن كان معدومًا حقيقة جعل موجودًا تقريرًا صيانة أموال الناس عن الضياع، إذ المالك لم يرض بخروج ملكه مجانًا، وأن المقبوض على سوم الشراء وسيلة إليه، فأقيم مقام الحقيقة نظرًا له، إلا أن الأصل في ضمان العقود هو القيمة لكونها مثلًا كاملا، وإنما يصار إلى الثمن عند وجوب العقد حقيقة، وإذا لم يوجد صير إلى الأصل.
م: (على ما عرف في موضعه) ش: قيل: يريد به نسخ طريقة الخلاف، وقيل: كتاب الإجارات من " المبسوط ". وقال الحاكم في " كافيه ": رجل استعار من رجل سلاحًا ليقاتل به فضرب بالسيف فانقطع نصفين أو طعن بالرهن فحينئذ انكسر، قال: لا ضمان عليه لأنه هلك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
من عمل مأذون فيه. وفي " فتاوى الولوالجي ": رجل دخل الحمام واستعمل قضاع الحمام فانكسرت لا ضمان عليه، وكذا إذا كور الفقاع ليشرب سقط وانكسر لا ضمان عليه؛ لأنه عارية في يده.
فإن قلت: ما تقول في قوله صلى الله عليه وسلم: «بل عارية مضمونة» وقد مر في أول الكتاب بتمامه، وقوله صلى الله عليه وسلم:«أد الأمانة إلى من ائتمنك ولا تخن من خانك» . أخرجه الترمذي عن شريك وقيس بن الربيع عن أبي حصين عن أبي صالح عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال
…
الحديث، وقوله صلى الله عليه وسلم:«على اليد ما أخذت حتى تؤديه» أخرجه البيهقي من حديث قتادة عن الحسن عن سمرة عنه صلى الله عليه وسلم قال: ثم إن الحسن نسي حديثه، فقال: هو أمينك فلا ضمان عليه.
قلت: الحديث الأول فيه اضطراب سندًا ومتنًا، وجميع وجوهه لا تخلو عن نظر، ولهذا قال صاحب " التتمة ": الاضطراب فيه كثير ولا حجة فيه عندي في تضمين العارية، ثم على تقدير صحة قوله: مضمونة المراد عليك بدليل قوله: حتى يؤديها إليك، ويحتمل أن يريد اشتراط الضمان والعارية يشترط الضمان مضمونة في رواية للحنفية.
وأخرج النسائي عن يعلى بن أمية، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أتتك رسلي فأعظم ثلاثين درعًا وثلاثين مغفرًا» .
فإن قلت: يا رسول الله صلى الله عليه وسلم أعارية مؤداة، قال: بل عارية مضمونة. قال ابن حزم: حديث حسن ليس في شيء مما روي في العارية خبر صحيح غيره، وأما ما سواه فليس بمساوي الاشتغال به، وقد فرق بين الضمان والأداء، وقيل: إنما قال صلى الله عليه وسلم: «بل عارية مضمونة» ؛ لأنه عليه السلام أخذ دروع صفوان بغير رضاه بدليل قوله: أغصبًا، إلا أنه عليه السلام كان محتاجًا إلى السلاح، فكان الأخذ له حلالًا، ولكن يشترط الضمان كتناول مال الغير في حالة المخمصة بشرط الضمان.
وقال الأترازي: وقيل: كان هذا اشتراط الضمان على نفسه، وبه أخذ قتادة، وعندنا