الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
كتاب الصلح
قال: الصلح على ثلاثة أضرب: صلح مع إقرار، وصلح مع سكوت، وهو: أن لا يقر المدعى عليه ولا ينكر، وصلح مع إنكار، وكل ذلك جائز؛ لإطلاق قَوْله تَعَالَى:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128](النساء: الآية 128) ،
ــ
[البناية]
[كتاب الصلح]
[تعريف الصلح]
م: (كتاب الصلح) ش: أي هذا كتاب في بيان أحكام الصلح بأنواعه، وجه المناسبة بين الكتابين من حيث إن في الإقرار ترك المخاصمة وهو صلح بعينه. قال الجوهري: الصلاح ضد الفساد، يقول صلح الشيء يصلح صلوحا مثل دخل يدخل دخولا.
قال الفراء رحمه الله: وحكى أصحابنا صلح أيضا بالضم، والصلاح بكسر الصاد مصدر المصالحة، واسم الصلح يذكر ويؤنث وقد اصطلحا وتصالحا وهما اصلحا أيضا مشددة الصاد، ويقال الصلح اسم للمصالحة، بخلاف المخاصمة.
وفي " اصطلاح الفقهاء ": عقد وضع لرفع المنازعة، وسببه تعلق البقاء المقدر بتعاطيه، وشرطه كون المصالح عنه يجوز الاعتياض عنه، وله تفصيل سيأتي إن شاء الله عز وجل، وركنه الإيجاب مطلقا والقبول فيما يتعين بالتعيين، وأما إذا وقع الدعوى في الدراهم والدنانير وطلب الصلح على ذلك الجنس فقد تم الصلح بقول المدعي قد فعلت ولا يحتاج فيه إلى قبول المدعى عليه، لأنه إسقاط لبعض الحق وهو يتم بالمسقط، وحكمه تملك المدعي المصالح عليه منكرا كان الخصم أو مقرا، وأنواعه مذكورة في الكتاب وجوازه بقوله تعالى:{وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128](النساء: الآية 128) والحديث المذكور في الكتاب.
[أقسام الصلح]
[الصلح مع الإقرار]
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله م: (الصلح على ثلاثة أضرب: صلح مع إقرار، وصلح مع سكوت، وهو أن لا يقر المدعى عليه ولا ينكر، وصلح مع إنكار، وكل ذلك جائز) ش: وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -، وقال الشافعي رحمه الله: لا يحوز إلا مع الإقرار.
وفي " التحفة ": الصلح مع إنكار لا يجوز عند ابن أبي ليلى، وهو قول الشافعي رحمه الله ويجوز الصلح أيضا عند سكوت المدعى عليه عند ابن أبي ليلى كمذهبنا، وقال الشافعي: لا يجوز م: (لإطلاق قَوْله تَعَالَى: {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] (النساء: الآية 128)) .
فإن قيل: النكرة إذا أعيدت معرفة كان الثاني غير الأول، فإن الآية سيقت في الصلح بين الزوجين بدليل سياق الآية {وَإِنِ امْرَأَةٌ خَافَتْ} [النساء: 128]
…
الآية
ولقوله عليه الصلاة والسلام: " كل صلح جائز فيما بين المسلمين، إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا ". وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز مع إنكار أو سكوت لما روينا، وهذا بهذه الصفة؛ لأن البدل كان حلالا على الدافع حراما على الآخذ فينقلب الأمر. ولأن المدعى عليه يدفع المال لقطع الخصومة عن نفسه، وهذا رشوة. ولنا ما تلونا من الآية وأول ما روينا وتأويل آخره.
ــ
[البناية]
قلت: قال في " الأسرار ": في قوله {وَالصُّلْحُ خَيْرٌ} [النساء: 128] كلام مستقل بذاته، فلا يربط بسببه.
م: (ولقوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي ولقول النبي صلى الله عليه وسلم، م:«كل صلح جائز فيما بين المسلمين إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا» ش: الحديث رواه الترمذي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف المزني عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال:«الصلح جائز إلى آخره» وزاد الترمذي: «والمسلمون على شروطهم إلا شرطا أحل حراما أو حرم حلالا» ، وقال: حديث حسن صحيح.
م: وقال الشافعي: (لا يجوز مع إنكار أو سكوت لما روينا) ش: وهو الحديث المذكور، وهو يستدل بآخر الحديث م:(وهذا) ش: أي الصلح على الإنكار م: (بهذه الصفة، لأن البدل كان حلالا على الدافع حراما على الآخذ فينقلب الأمر) ش: أي يصير حراما على الدافع حلالا على الآخذ.
م: (ولأن المدعى عليه يدفع المال لقطع الخصومة عن نفسه، وهذا رشوة) ش: وقد لعن الشارع الراشي والمرتشي.
م: (ولنا ما تلونا من الآية) ش: من غير فصل م: (وأول ما روينا) ش: وهو قوله عليه السلام: «كل صلح جائز بين المسلمين» فإنه بإطلاقه يتناول الصلح مع الإنكار والسكوت م: (وتأويل آخره) ش: أي آخر الحديث، وهو قوله:«إلا صلحا أحل حراما أو حرم حلالا» م: (أحل حراما بعينه
أحل حراما بعينه كالخمر أو حرم حلالا بعينه كالصلح على أن لا يطأ الضرة ولأن هذا صلح بعد دعوى صحيحة فيقضي بجوازه؛ لأن المدعي يأخذه عوضا عن حقه في زعمه، وهذا مشروع، والمدعى عليه يدفعه لدفع الخصومة عن نفسه، وهذا مشروع أيضا؛ إذ المال وقاية الأنفس، ودفع الرشوة لدفع الظلم أمر جائز. قال: فإن وقع الصلح عن إقرار اعتبر فيه ما يعتبر في البياعات إن وقع عن مال بمال لوجود معنى البيع، وهو مبادلة المال بالمال، في حق المتعاقدين بتراضيهما، فتجري فيه الشفعة إذا كان عقارا ويرد بالعيب ويثبت فيه
ــ
[البناية]
كالخمر، أو حرم حلالا بعينه كالصلح على أن لا يطأ الضرة) ش: أي كالصلح مع امرأته أن لا يطأ ضرتها أو أمته. وهذا النوع من الصلح باطل عندنا.
م: (ولأن هذا) ش: دليل آخر، أي ولأن هذا الصلح مع الإنكار م:(صلح بعد دعوى صحيحة) ش: ولهذا يستحلف المدعى عليه م: (فيقضي بجوازه، لأن المدعي يأخذه عوضا عن حقه في زعمه، وهذا مشروع) ش: لا حرج عينا.
م: (والمدعى عليه يدفعه لدفع الخصومة عن نفسه، وهذا مشروع أيضا؛ إذ المال وقاية الأنفس) ش: والناس يحتاجون إلى هذا الصلح لقطع المنازعات ودفع الخصومة.
ولهذا قال الشيخ أبو منصور الماتريدي: لم يعمل الشيطان في إيقاع العداوة والبغضاء بين الناس مثل من عمل في إبطال الصلح على الإنكار لما فيه من امتداد المنازعات بين الناس، كذا في " المحيط ".
م: (ودفع الرشوة) ش: هذا جواب عن قوله وهذا رشوة، تقريره أن دفع الرشوة إلى ظالم م:(لدفع الظلم أمر جائز) ش: لأن المال خلق لصيانة الأنفس.
وقال محمد: فهذا لا بأس به، وليس هذا سحت إلا على من أكله، فأما من أعطاه لمنفعة في دار الإسلام أيضا، أي رشا إنسانا يخاف ظلمه وحبسه فلا بأس بذلك، ويكره للمرتشي.
ونقل أبو الليث عن أبي يوسف رحمه الله جواز المصالحة للأوصياء في أموال اليتامى مخافة أخذ المتغلب، وبه يفتى.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (فإن وقع الصلح عن إقرار اعتبر فيه ما يعتبر في البياعات إن وقع) ش: أي الصلح م: (عن مال) ش: أي عن دعوى مال م: (بمال لوجود معنى البيع، وهو مبادلة المال بالمال في حق المتعاقدين بتراضيهما) ش: فإذا تحقق فيه معنى المبيع م: (فتجري فيه الشفعة إذا كان عقارا ويرد بالعيب ويثبت فيه) ش: إذا كان الصلح خيار الرؤية ويشترط، أي ويثبت فيه أيضا م:(خيار الشرط والرؤية ويفسده) ش: أي ويفسد الصلح م: (جهالة البدل، لأنها هي المفضية إلى المنازعة