الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الأجر متى يستحق قال: الأجرة لا تجب بالعقد وتستحق بإحدى معاني ثلاثة:
ــ
[البناية]
[باب وقت استحقاق الأجر في عقد الإجارة]
م: (باب الأجر متى يستحق) ش: لما كانت الإجارة موقوفة على إعلام الأجرة احتاج إلى بيان وقت وجوبها ولو بوب له بابا.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: (الأجرة لا تجب بالعقد) ش: أي بنفس العقد، قال تاج الشريعة: أراد وجوب الأداء. أما نفس الوجوب فثبت بنفس العقد. وقال السغناقي: لا تجب، معناه لا يجب تسليمها وأداؤها بمجرد العقد، وقال صاحب العناية: هذا ليس بواضح؛ لأن نفي وجوب التسليم لا يستلزم نفي التملك كالمبيع، فإنه يملكه المشتري بمجرد العقد، ولا يجب تسليمه ما لم يقبض الثمن. والصواب أن يقال معناه لا يملك لأن محمدا رحمه الله ذكر في الجامع أن الأجرة لا تملك وما لم يملك لم يجب إيفاؤها.
فإن قلت: فإذا لم يستلزم نفي الوجوب نفي التمليك كان أعم منه. وذكر الأعم وإرادة الأخص ليس بمجاز لعدم دلالة الأعم عليه أصلا.
قلت: أخرج الكلام مخرج الغالب وهو أن يكون الأجرة مما ثبت في الذمة ونفي الوجوب فيها وهو يستلزم نفي التمليك لا محالة، وعلى هذا كان قوله يستحق بمعنى يملك يدل على هذا كله قوله، وقال الشافعي رحمه الله: يملك بنفس العقد وإلا لم يكن محل الخلاف متحدا، انتهى.
قلت: ذكر في " الذخيرة " يجب أن يعلم أن الأجرة لا تملك بنفس العقد ولا يجب إيفاؤها إلا بعد استيفاء المنفعة إذا لم يشترط تعجيلها سواء كانت عينا أو دينا، هكذا ذكر محمد في " الجامع) وذكر في الإجارات إن كانت عينا لا تملك بنفس العقد وإن كانت دينا تملك بنفس العقد ويكون بمنزلة الدين المؤجل.
فعامة المشايخ على أن الصحيح ما ذكره في الجامع. وقال بعضهم ما ذكره في الإجارات قوله أولا وما ذكره في " الجامع " أخرى وهو الأصح؛ لأن الإجارة عقد معاوضة فيوجب المساواة بين البدلين ما أمكن ما لم يغير بالشرط. فلو قلنا أن إيفاءها يجب قبل استيفاء المنفعة تزول المساواة، وبه قال مالك.
م: (وتستحق بإحدى معاني ثلاثة) ش: وفي بعض النسخ بأحد معان ثلاثة، فوجهه أن يكون على تأويل العلل؛ لأن المراد من المعاني العلل، ولكن الفقهاء يكفون عن استعمال العلل
إما بشرط التعجيل، أو بالتعجيل من غير شرط، أو باستيفاء المعقود عليه. وقال الشافعي رحمه الله: تملك بنفس العقد؛ لأن المنافع المعدومة صارت موجودة حكما ضرورة تصحيح العقد، فيثبت الحكم فيما يقابله من البدل، ولنا أن العقد ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المنافع على ما بينا، والعقد معاوضة ومن قضيتها المساواة، فمن
ــ
[البناية]
لكونها من اصطلاحات الفلاسفة. وقال تاج الشريعة: المسموع من السلف بأحد معان إذ المراد من المعاني العلل م: (إما بشرط التعجيل أو بالتعجيل من غير شرط أو باستيفاء المعقود عليه) ش: وفي العيون أو بالتمكن من الاستيفاء.
قيل: شرط التعجيل شرطا فاسدا؛ لأنه يخالف مقتضى العقد ولأحد المتعاقدين فيه منفعة فيفسد العقد.
أجيب: بأن وجوب الأجرة من مقتضيات العقد، والعقد يقتضي ثبوت العقد عقيبه، إلا أن التعجيل سقط لمانع وقد زال المانع كالبيع يقتضي ثبوت الحكم عقيبه وبالخيار، ولا يثبت المانع فإذا ثبت ثبت مضافا إلى العقد السابق كذا هنا.
فإن قلت: كيف يستحق بالتعجيل من غير شرط، والمساواة بين البدلين شرط.
قلت: لأنه عجل بعد انعقاد سبب الوجوب؛ لأن سببه هو العقد، إلا أنه ما عمل عمله في إيجاب الملك في الأجرة للحال لتحقق المساواة، فإذ عجل فقد رضي ببطلان حقه في المساواة فصح كتعجيل الزكاة قبل حولان الحول، وتعجيل الدين المؤجل كالبائع إذا سلم المبيع قبل استيفاء الثمن، فإنه يصح؛ لأنه يعد سبب الوجوب.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: تملك بنفس العقد؛ لأن المنافع المعدومة صارت موجودة حكما ضرورة تصحيح العقد) ش: وهذا صحة الإجارة بأجرة مؤجلة ولو لم يجعل موجوده كان دينا بدين وهو حرام لا محالة، وإذا كانت موجودة وجب ثبوت الحكم بالعقد لوجود المقتضى وانتفاء المانع م:(فيثبت الحكم فيما يقابله من البدل) ش: ولهذا صح الإبراء عن الأجرة قبل استيفاء المنفعة بالإجماع وصح الارتهان به بالإجماع، وبه قال أحمد.
فإن قيل: الثابت بالضرورة لا يتعدى موضعها فلا يتعدى من صحة العقد إلى إفادة الملك.
فالجواب: أن الضروري إذا ثبت يتبع لوازمه وإفادة الملك من لوازم الوجود عند العقد.
م: (ولنا أن العقد ينعقد شيئا فشيئا على حسب حدوث المنافع على ما بينا) ش: يعني في أول هذا الكتاب م: (والعقد معاوضة) ش: أي عقد الإجارة معاوضة بلا خلاف م: (ومن قضيتها) ش: أي من قضية المعاوضة م: (المساواة) ش: أي من حكم عقد المعاوضة المساواة بين البدلين م: (فمن
ضرورة التراخي في جانب المنفعة التراخي في البدل الآخر، وإذ استوفى المنفعة يثبت الملك في الأجر لتحقق التسوية، وكذا إذا شرط التعجيل أو عجل من غير شرط؛ لأن المساواة تثبت حقا له وقد أبطله. وإذا قبض المستأجر الدار فعليه الأجر وإن لم يسكنها
ــ
[البناية]
ضرورة التراخي في جانب المنفعة التراخي في البدل الآخر) ش: وهو الإبراء تحقيقا للمساواة.
م: (وإذا استوفى المنفعة يثبت الملك في الأجر لتحقق التسوية، وكذا إذا شرط التعجيل أو عجل) ش: أي الأجرة م: (من غير شرط؛ لأن المساواة تثبت حقا له وقد أبطله) ش: أي المستأجر المستعجل.
فإن قلت: ما فائدة هذا الخلاف قد ذكر على والدين في طريقة الخلاف أن فائدته هي أنه لا يثبت لمؤجر ولاية المطالبة بتسليمها في الحال. ولو كانت الأجرة عبدا وهو قريبه لا يعتق عليه في الحال، وعنده ولاية المطالبة في الحال ويعتق عليه في الحال.
والجواب: عن قوله: " ولو لم يجعل موجوده كان دينا بدين وهو حرام " أن ذلك ليس بدين؛ لأن الدين ما يكون في الذمة والمنافع ليست كذلك على أنه أقيمت العين مقام المنفعة فلم يكن دينا بدين، وهذا طريق شائع يتابع لكونه إقامة السبب مقام المسبب. وأما جعل المعدوم موجودا فلم يعهد كذلك.
م: (وإذا قبض المستأجر الدار فعليه الأجر، وإن لم يسكنها) ش: ذكر هذان البابان أن التمكن من الاستيفاء يقوم مقام الاستيفاء، لا يقال فعلى هذا كان الواجب أن يقول بأحد معان أربعة، أو باستيفاء المعقود عليه أو بالتمكن منه يقوم مقامه أحيانا، ويدل أن الاقتسام لا يكون قسما بذاته، كذا قاله صاحب العناية وفيه نظر. لأنا لا نسلم أن التمكن من الاستيفاء بدل بل هو قسم بذاته، فلذلك عده البعض رابعا. ثم قول المصنف: فعليه الأجرة وإن لم يسكنها ليس على إطلاقه بل مقيد، وبه قال أكثر أهل العلم.
الثاني: أن تكون الإجارة صحيحة، ألا ترى إلى ما قال في تتمة الفتاوى لا يجب الأجرة في الإجارة الفاسدة بالتمكن من استيفاء المنفعة، وإنما تجب بحقيقة الاستيفاء، بخلاف الإجارة الصحيحة، فإن الأجرة تجب فيها بالتمكن من استيفاء المنفعة، ثم في الإجارة الفاسدة. وإنما تجب الأجرة، بحقيقة الاستيفاء إذا وجد التسليم إلى المستأجر من جهة الأجر. أما إذا لم يوجد التسليم إليه من جهة الأجر لا يجب الأجر وإن استوفى المنفعة. ونقله عن شروح " الجامع الكبير ".
والثالث: ما ذكره في الذخيرة وشرح " الأقطع " إن التمكن من المستأجر يجب أن يكون في المكان الذي وقع العقد في حقه، حتى إذا استأجر دابة إلى الكوفة فسلمها المؤجر فأمسكها
لأن تسليم عين المنفعة لا يتصور، فأقمنا تسليم المحل مقامه إذ التمكن من الانتفاع يثبت به، فإن غصبها غاصب من يده سقطت الأجرة؛ لأن تسليم المحل إنما أقيم مقام تسليم المنفعة للتمكن من الانتفاع، فإذا فات التمكن فات التسليم وانفسخ العقد فسقط الأجر.
ــ
[البناية]
المستأجر ببغداد حتى مضت مدة يمكنه المسير إلى الكوفة فلا أجر. وإن ساقها معه إلى الكوفة ولم يركب وجب الأجر. وقال الشافعي وأحمد - رحمهما الله - يجب الأجر في الوجهين؛ لأن المنافع بلغت تحت يده باختياره.
قلنا: العقد وقع على المسافة كان بالتسليم في غيرها لا يستحق البدل، وينبغي أن يكون التمكن من الاستيفاء من المدة، فإنه لو استأجر دابة إلى الكوفة في هذا اليوم وذهب إليها بعد مضي اليوم بالدابة ولم يركب لا يجب الأجر، وإن استأجر دابة إلى مكة فلم يركبها، بل مشى فإن كان بغير عذر في الدابة فعليه الأجر، وإن كانت لعلة في الدابة بحيث لم يقدر على الركوب لا أجر عليه.
ولو استأجر ثوبا ليلبسه كل يوم بدانق فوضعه في بيته ولم يلبسه حتى مضى عليه سنون فعليه لكل يوم دانق ما دام في الوقت الذي يعلم أنه لو كان لبسه لا ينخرق لتمكن اللبس، فإذا مضى وقت يعلم أنه لو كان يلبسه ينخرق سقط عنه الأجر لتعذر جعله منتفعا به.
وفي النوازل نظر لهذا بالمرأة إذا أخذت الكسوة من الزوج ولم تلبس ولبست ثوب نفسها إذا مضى وقت لو لبسته لبسا معتادا ينخرق كان لها ولاية المطالبة بكسوة أخرى وإلا فلا.
وفي " خلاصة الفتاوى ": إذا أجر دارا وسلمها فارغة إلا بيتا، كان مشغولا بمتاع الأجر أو سلم إليه جميع الدار ثم انتزع بيتا منها من الدار رفع عن الأجر بحصة البيت.
وسكوت المصنف عن هذه القيود للاختصار اعتمادا على دلالة الحال والعرف، فإن حال المسلم دالة على أن يباشر العقد الصحيح، وعلى أن العاقد يجب عليه تسليم ما عقد عليه فارغا عما يمنع من الانتفاع به، والعرف فاش في تسليم المعقود عليه في مدة العقد والمكان، فكان معلوما عادة، وعلى أن الإكراه والغصب مما يمنعان عن الانتفاع فاقتصر عن ذلك اعتمادا عليهما.
م: (لأن تسليم عين المنفعة لا يتصور فأقمنا تسليم المحل مقامه، إذ التمكن من الانتفاع يثبت به) ش: أي بتسليم المحل م: (فإن غصبها) ش: أي العين المستأجرة م: (غاصب من يده سقطت الأجرة؛ لأن تسليم المحل إنما أقيم مقام تسليم المنفعة للتمكن من الانتفاع، فإذا فات التمكن فات التسليم وانفسخ العقد) ش: وذكر الفضل قاضي خان في الفتاوى لا لتنفسخ الإجارة ولكن م: (فسقط الأجر) ش: ما دامت في يد الغاصب، وبه قال الشافعي، ولكن له حق الفسخ.