الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب المكاتب
قال: وإذا كاتب المولى عبده أو أمته على مال شرطه عليه وقبل العبد ذلك صار مكاتبا.
ــ
[البناية]
[كتاب المكاتب]
م: (كتاب المكاتب) ش: المناسبة بين الكتابين كون كل منهما عقد يستفاد به المال بمقابلة ما ليس بمال على وجه يحتاج فيه إلى ذكر العوض بالإيجاب والقبول بطريق الأصالة يخرج النكاح والطلاق والعتاق على مال، فإن ذكر العوض فيها ليس بطريق الأصالة قبل ذكره عقب العتاق كان أنسب، لأن في الكتابة الولاء، والولاء حكم من أحكام العتق.
ورد بأن العتق إخراج الرقبة عن الملك بلا عوض، والكتابة ليست كذلك، بل فيها ملك الرقبة لشخص ومنفعته لغيره وهو أنسب للإجارة؛ لأن نسبة الذاتيات أولى من العرضيات، وقدم الإجارة لشبهها بالبيع من حيث التمليك والشرائط، فكان أنسب بالتقديم.
ثم الكتابة مأخوذ من الكتاب وهو الجمع، يقال كتبت البغلة إذا جمعت بين شفريها بحلقة، ومنه كتبت الكتاب؛ لأنه جمع الحروف، وسمي هذا العقد كتابة لما فيه من جمع النجم إلى النجم. وقيل: سمي كتابة لما يكتب فيه من الكتاب على العبد للمولى وللمولى على العبد.
فإن قيل: سائر العقود يوجد فيها معنى الكتابة فلم لا يسمى بهذا الاسم؟
أجيب: بأنه لا يبطل التسمية كالقارورة سميت بهذا الاسم لقرار المائع فيها، ولم يسم الكوز ونحوه قارورة وإن كان يقر المائع فيه لئلا تبطل الأعلام.
وشرعا هو عقد بين المولى وعبده بلفظ الكتابة أو ما يؤدي معناه من كل وجه يوجب التحرير يدا في الحال، ورقبة في المآل، ولا يلزم عليه تعليق العتق على مال، لأنه لا يحتاج فيه إلى لفظ الكتابة، بل يحصل بقوله أعتقتك على كذا.
والفرق بينهما في الحكم أن الكتابة عقد يقال ويفسخ، بخلاف العتق، لأنه من جانب المولى يمين والمكاتب بملك كتابة عبد أو المعتق على مال.
[مشروعية الكتابة وما تنعقد به]
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا كاتب المولى عبده أو أمته على مال شرطه عليه وقبل العبد ذلك صار مكاتبا) ش: إنما استعمل هذا من باب المفاعلة التي تقتضي الاشتراك بين الاثنين، لأن المولى كتب على نفسه العتق والعبد الأداء فاشتركا في أصل الفعل فالمولى مكاتب بكسر التاء، والعبد مكاتب بفتحها، ويأتي الآن بيان القيود التي فيه.
أما الجواز فلقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33](النور: الآية 33) ، وهذا ليس أمر إيجاب بإجماع بين الفقهاء، وإنما هو أمر ندب هو الصحيح، وفي الحمل على الإباحة إلغاء الشرط، إذ هو مباح بدونه. أما الندبية فمعلقة به، والمراد بالخير المذكور على ما قيل أن لا يضر بالمسلمين بعد العتق، فإن كان يضر بهم فالأفضل أن لا يكاتبه وإن كان يصح لو فعله.
ــ
[البناية]
م: (أما الجواز) ش: أي جواز الكتابة يعني الدليل على جوازها م: (فلقوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] (النور: الآية 33) ش: أي كاتبوا الذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم ودلالة هذا على مشروعية العقد لا تخفى على عارف بلسان العرب، سواء كان الأمر للوجوب أو لغيره.
ولما كان مقصود المصنف رحمه الله بيان أن عقد الكتابة أمر مندوب أو واجب تعرض لذلك بقوله م: (وهذا ليس أمر إيجاب بإجماع بين الفقهاء) ش: أي قوله {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] ليس أمر إيجاب، واحترز بقوله الفقهاء عن داود الظاهري ومن تابعه، وعمرو بن دينار وعطاء ورواية صاحب التقريب عن الشافعي رحمه الله ورواية عن أحمد رحمه الله فإنهم قالوا تجب الكتابة إذا سئل العبد، وكان ذا أمانة وذا كسب، لأن الأمر للوجوب.
ونفى المصنف ذلك بقوله: م: (وإنما هو أمر ندب هو الصحيح) ش: احترز به عن قوله بعض مشايخنا إن الأمر للإباحة ثم بين ما يلزم من المحذور من هذا القول بقوله: م: (وفي الحمل على الإباحة إلغاء الشرط) ش: وهو قوله تعالى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33](النور: الآية 33) .
م: (إذ هو) ش: أي عقد الكتابة م: (مباح بدونه) ش: أي بدون شرط. تقريره أن في الحمل على الإباحة ألغى الشرط، لأنها ثابتة بدونه بالاتفاق، وكلام الله تعالى منزه عن ذلك. وفي الحمل على الندب إعمال له، لأن الندبية معلقة به، وهو معنى قوله م:(أما الندبية فمعلقة به) ش: أي بالشرط، وبين ذلك بقوله م:(والمراد بالخير المذكور) ش: يعني في قَوْله تَعَالَى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} [النور: 33] .
م: (على ما قيل: أن لا يضر بالمسلمين بعد العتق، فإن كان يضر بهم فالأفضل أن لا يكاتبه) ش: بأن كان غير أمين ولا مشتغل بالكسب م: (وإن كان يصح لو فعله) ش: واصل بما قبله، يعني وإن كان يضر بهم لو فعل المولى عقد الكتابة صح، وفسرت الثلاثة الخيرية بمثل قولنا وهي الأمانة والكسب، وبه قال عمرو بن دينار.
وعن ابن عباس رضي الله عنهما وابن عمر، وعطاء: الخير الكسب خاصة. وعن الثوري والحسن البصري أنه الأمانة والدين خاصة، وقيل هو الوفاء والأمانة والصلاح. وإذا فقد الأمانة فالكسب لا يكره عندنا. وبه قال الشافعي ومالك - رحمهما الله -. وقال أحمد
وأما اشتراط قبول العبد فلأنه مال يلزمه فلا بد من التزامه. ولا يعتق إلا بأداء كل البدل لقوله عليه الصلاة والسلام: «أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد» وقال عليه الصلاة والسلام: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» .
ــ
[البناية]
وإسحاق وأبو الحسين بن القطان من أصحاب الشافعي رحمه الله يكره.
م: (وأما اشتراط قبول العبد فلأنه مال يلزمه، فلا بد من التزامه) ش: وبه قالت الثلاثة رحمهم الله م: (ولا يعتق إلا بأداء كل البدل) ش: وهذا قول جمهور الفقهاء م: (لقوله عليه الصلاة والسلام: «أيما عبد كوتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد» ش: هذا الحديث أخرجه الأربعة: وأبو داود والنسائي في العتق والترمذي في " البيوع "، وابن ماجه في " الأحكام " عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أيما عبد كاتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق فهو عبد وإذا عبد كاتب على مائة دينار فأداها إلا عشرة دنانير فهو عبد» هذا لفظ أبي داود
ولفظ الترمذي سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «من كاتب عبدا على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق، أو قال عشرة دراهم ثم عجز فهو رقيق» ، وقال: غريب.
ولفظ ابن ماجه «أيما عبد كوتب على مائة أوقية فأداها إلا عشرة أواق ثم عجز فهو رقيق» . وأخرجه الدارقطني في سننه عن ابن عباس الحريري، عن عمرو بن شعيب به وكذلك الحاكم في المستدرك وقال: صحيح الإسناد ولم يخرجاه كلاهما بلفظ أبي داود.
م: (وقال عليه الصلاة والسلام: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» ش: هذا أخرجه أبو داود في العتاق عن إسماعيل بن عياش عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «المكاتب عبد ما بقي من كتابته درهم» ، وفيه إسماعيل بن عياش لكنه عن شيخ شامي وهو ثقة.
وأخرجه ابن عدي في " الكامل " عن سليمان بن أرقم عن الزهري عن أبي سلمة بن عبد الرحمن عن أم سلمة أنها قالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم أو أوقية» ، وسليمان بن أرقم ضعيف.
وفيه اختلاف الصحابة رضي الله عنهم وما اخترناه قول زيد رضي الله عنه.
ــ
[البناية]
وعن أحمد وأبي داود والنسائي وابن معين أنه متروك. وقال ابن عدي: ولعل البلاء فيه من المسيب بن شريك وهو الذي رواه عن سليمان، فإنه أشر من سليمان.
وروى مالك رحمه الله في " الموطأ " عن نافع عن ابن عمر موقوفا: «المكاتب عبد ما بقي عليه شيء من كتابته» ، وأخرجه ابن أبي شيبة موقوفا على عمر وابن عمر وعلي وزيد بن ثابت وعائشة رضي الله عنهم لم يروه مرفوعا أصلا. والعجب من الأترازي رحمه الله بقوله: وقوله قال صلى الله عليه وسلم: «المكاتب عبد ما بقي عليه درهم» من كلام زيد بن ثابت.
ثم نقول ولكن روى الشيخ أبو جعفر الطحاوي رحمه الله في " شرح الآثار " وقال حدثنا الخطاب بن عثمان قال حدثنا إسماعيل بن عياش عن سليمان بن سليم عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «المكاتب عبد ما بقي عليه من كتابته درهم» ، فنفى أولا أن يكون هذا مرفوعا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، ثم استدرك وقال: رواه الطحاوي.
م: (وفيه اختلاف الصحابة رضي الله عنهم) ش: أي وفي وقت عتق المكاتب اختلاف الصحابة رضي الله عنهم، فعند ابن عباس رضي الله عنهما يعتق كما أخذ الصحيفة من مولاه يعني يعتق بنفس العقد وهو غريم المولى بما عليه من بدل الكتابة.
روى عبد الرزاق في " مصنفه " عن عكرمة بن عمار عن يحيى بن أبي كثير أن ابن عباس رضي الله عنه قال: إذا بقي عليه خمس أواق أو خمسة أوسق فهو غريم، وعند ابن مسعود يعتق إذا أدى قيمة نفسه، وروى عبد الرزاق أيضا عن المغيرة عن إبراهيم عن ابن مسعود قال: إذا أدى قدر ثمنه فهو غريم، وعند زيد بن ثابت لا يعتق ولو بقي عليه درهم، وهو الذي اختاره أصحابنا، أشار إليه بقوله: م: (وما اخترناه قول زيد رضي الله عنه) ش: أي زيد بن ثابت رضي الله عنه، وإنما اختاره لأنه مؤيد بالأحاديث التي ذكرناها آنفا، وبه قال الثلاثة أيضا.
وحديث زيد أخرجه الشافعي رحمه الله في " مسنده " اخبرناه ابن عيينة عن ابن نجيح عن مجاهد أن زيد بن ثابت رضي الله عنه قال في المكاتب: هو عبد ما بقي عليه درهم، ورواه عبد الرزاق في " مصنفه " أخبرنا سفيان الثوري عن ابن نجيح به سواء ومن طريق الشافعي رحمه الله رواه البيهقي في " سننه "، ورواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " أخبرنا ربيع عن سفيان به وذكره البخاري في " صحيحه " تعليقا فقال: وقال زيد بن ثابت: هو عبد
ويعتق بأدائه، وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر
ــ
[البناية]
ما بقي عليه درهم.
وعند علي رضي الله عنه يعتق بقدر ما أدى، وبه قالت الظاهرية عن عبد الرزاق أخبرنا سفيان الثوري عن طارق بن عبد الرحمن عن الشعبي أن عليا رضي الله عنه قال: في المكاتب يعجز قال يعتق، وبمثل ما ذهب إليه زيد روي عن عمر وعثمان وابن عمر وعائشة وأم سلمة رضي الله عنهم، روى ابن أبي شيبة في " مصنفه " حدثنا خالد الأحمر عن ابن أبي عروبة عن قتادة عن معمر الجهني عن عمر رضي الله عنه قال:" المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ".
وأخرج أيضا عن يزيد بن هارون عن عباد بن منصور عن حماد بن إبراهيم عن عثمان رضي الله عنه قال: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وأخرج عبد الرزاق عن ابن جريح أخبرني عبد الكريم بن أبي المحارق أن زيد بن ثابت وابن عمر وعائشة رضي الله عنهم كانوا يقولون: المكاتب عبد ما بقي عليه درهم. وأخرج أيضا عن ابن معشر عن سعيد المقبري عن أم سلمة زوج النبي صلى الله عليه وسلم قالت: " المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ".
م: (ويعتق بأدائه) ش: أي يعتق المكاتب بأدائه جميع بدل الكتابة م: (وإن لم يقل المولى إذا أديتها فأنت حر) ش: الضمير في أديتها يرجع إلى الألف مثلا أو نحوها، ويرجع إلى المال، ولكن التأنيث باعتبار المكاتبة، فإن المكاتبة قد تطلق على البدل، وبه قال مالك وأحمد - رحمهما الله -.
وقال الشافعي رحمه الله: لا يعتق ما لم يقل كاتبتك على كذا إن أديته فأنت حر. وفي " شرح الوجيز ": ولو لم يصرح بتعليق العتق بالأداء ولكن نواه عليه في كاتبتك على كذا صحت الكتابة، وإن لم يصرح بالتعليق ولا نواه لم يحصل العتق ولم تصح الكتابة.
وعن بعض الصحابة إن كان الرجل فقيها صحت كتابته بمجرد لفظ كاتبتك على كذا وإلا فلا بد من تعليق الحرية أو بيته، وأصلا لاختلاف راجع إلى تفسير الكتابة شرعا، فعند ضم نجم إلى نجم فلو صرح وقال: ضربت عليك ألفا على أن تؤديها إلي في كل شهر كذا لا يعتق.
وكذا إذا قال: كاتبتك ولم يقل: إن أديت إلي فأنت حر لا يعتق، فكذا هنا. وعندنا هو ضم حرية اليد إلى حرية الرقبة عند الأداء فلا يحتاج إلى تعليق العتق بالأداء كما في " مبسوط " شيخ الإسلام.
لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح به كما في البيع
ــ
[البناية]
م: (لأن موجب العقد يثبت من غير التصريح به) ش: أي بالشرط، وهو قوله: إن أديت أو إذا أديت، وقد حققنا أصلا الخلاف الآن. وفي شرح " الكافي ": والحاصل أنه إذا قال لعبده: كاتبتك على ألف درهم على أن تؤدي إلي كل شهر كذا فأنت حر، فإنه يكون كتابة، لأن معنى الكتابة ليس إلا الإعتاق على مال مؤجل بنجم بنجوم معلومة ولكن إنما يجوز إذا قبل الكتابة، لأنه عقد معاوضة فلا بد من الإيجاب والقبول.
وكذلك لو قال كاتبتك على ألف درهم ونجمه وسمى النجوم وقبل العبد فإنه يكون كتابة وإن لم يعلق المعتق بالأداء ولم يقل على أنك إن أديت إلي ألفا فأنت حر، لأنه عقد معاوضة فيعتق بحكم المعاوضة لا بحكم الشرط. وعلى قول الشافعي لا بد من التعليق بشرط الأداء. ولو قال لعبده: إن أديت إلي ألفا فأنت حر فأداه يعتق، لأن المعتق معلق بالأداء فقد وجد شرطه. قال الكرخي: ولا يكون هذا كتابة وإن كان ثمة معنى الكتابة من وجه، حتى إن العبد إذا جاء بالبدل فإنه يجبر على قبوله.
أي يصير المولى قابضا له بالتخلية كما في الكتابة وإن لم يقبل المولى استحسانا عندنا، خلافا لزفر، فبيان التفرقة بين التعليق والكتابة في مسألة فإنه إذا مات العبد هنا قبل الأداء فترك مالا فالمال كله للمولى ولا يؤدي عنه فيعتق، بخلاف الكتابة. وكذا لو مات المولى وفي يد العبد كسب فالعبد رقيق يورث عنه مع اكتسابه، بخلاف الكتابة ولكانت هذه أمة فولدت ثم أدت فعتقت يعتق ولدها.
ولو قال العبد للمولى حط عني مائة فحطه المولى عنه فأدى تسعمائة فإنه لا يعتق، بخلاف الكتابة. ولو أبرأ المولى عن الألف العبد لم يعتق. ولو أبرأ الكاتب عن بدل الكتابة يعتق. ولو باع هذا العبد ثم اشتراه وأدى إليه يجبر على القبول عند أبي يوسف. وقال محمد في " الزيادات ": لا يجبر على قبولها، فإن قبلها عتق، وكذلك لو رد إليه بخيار أو عيب.
وأما الإعتاق على مال فهو خلاف الكتابة وخلاف تعليق العتق بالأداء، فإنه إذا قال لعبده: أنت حر على ألف درهم فقبل العبد فإنه يعتق من ساعته ويكون البدل واجبا في ذمته. وكذا إذا قال أنت حر على قيمة رقبتك وقبل ذلك فإنه يعتق من ساعته ويكون البدل واجبا في ذمته. وكذا إذا قال أنت حر على قيمة رقبتك، وقبل ذلك فإنه يعتق كذا في " التحفة " وغيره.
م: (كما في البيع) ش: يعني كما يحتاج ثمة إلى قول البائع للمشتري إن ملكتني الثمن ملكت المبيع إن دخول هذا لا لمعنى في مقتضى لفظ البيع، يعني عن التصريح به بكذا، هذا لا يحتاج إلى التصريح بقوله إن أديت كذا فأنت حر.
ولا يجب حط شيء من البدل اعتبارا بالبيع
ــ
[البناية]
م: (ولا يجب حط شيء من البدل) ش: أي من بدل الكتابة عن العبد، بل هو مندوب وبه قال مالك والثوري. وقال الشافعي وأحمد: يجب به.
وقال أصحاب الظاهر: وفي وقت وجوبه وجهان: أحدهما بعد العتق، والثاني بعد أداء أكثر البدل، وقدره الشافعي بما يقع عليه اسم المال لاختلاف أقوال الصحابة في قدر المحطوط والاقل يتنفر، وكذا قال صاحب " العناية ". وقال الشافعي: يستحق عليه ربع البدل وهو قول عثمان رضي الله عنه.
قلت: نص الشافعي ما ذكرناه وحط ربع البدل هو قول أحمد وأسند الشافعي رحمه الله بقوله تعالى {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: 33](النور: الآية 33) ، ومطلق الأمر للوجوب.
ولنا ما أشار إليه بقوله م: (اعتبارا بالبيع) ش: أراد أن عقد الكتابة عقد معاوضة فلا يجب الحط فيه، كما لا يجب في البيع، والأمر في الآية للندب؛ لأنه معطوف على الأمر بالكتابة، لأن الأصل أن يكون المعطوف في حكم المعطوف عليه، كذا في " المبسوط " و" الزيادات " هذه جملة تامة فلا يوجب المشاركة كما في قَوْله تَعَالَى:{وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43](البقرة: الآية 43) .
وأجيب: بأن هذا ليس مثل تلك الجملة، لأن الثانية مرتبطة بالأولى برجوع الضمير إليها، فلم تكن مستبدة بنفسها فصح الاستدلال بالعطف، وفيه نوع تأمل، والتحقيق أن دلالة الآية على ما ادعاه حقيقة جدا، لأنه قال من مال الله وهو يطلق على أموال القرب كالصدقات والزكاة، فكأن الله أمرنا أن نعطي المكاتبين في صدقاتنا ليستعينوا به على أداء الكتابة والمأمور به الإيتاء وهو الإعطاء والحط لا يسمى إعطاء، والمال الذي آتانا الله هو في أيدينا لا الوصف الثابت في ذمة المكاتبين، فحمله على حط شيء من بدل الكتابة عمل بلا دليل.
وقال ابن حزم في " المحلى ": ناقض الشافعي في قوله حيث حمل قَوْله تَعَالَى: {فَكَاتِبُوهُمْ} [النور: 33] على الندب، وقوله {وَآتُوهُمْ} [النور: 33] على الوجوب وهذا محكم انتهى.
وقال ابن جرير الطبري في " التهذيب ": وفي حديث بريرة أيضا الدلالة على صحة قولنا في قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ} [النور: 33](النور: الآية 33)، يعني من أهل الأموال الذين وجبت في أموالهم الصدقات فأمرهم الله تعالى بإعطاء المكاتبين منها ما فرض لهم فيها بقوله تعالى:{وَفِي الرِّقَابِ} [التوبة: 60] ولولا ذلك لم تكن بريرة تسأل عائشة رضي الله عنها، ولا ضرورة له مع إمكان عجزها عن الكتابة إذا لم تجد سبيلا لا إلى الأداء والرجوع إلى ما كانت عليه من وجوب