الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الجنين
قال: وإذا
ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا
ففيه غرة وهي نصف عشر الدية. قال رضي الله عنه: معناه دية الرجل، وهذا في الذكر، وفي الأنثى عشر دية المرأة، وكل منهما خمسمائة درهم، والقياس: أن لا يجب شيء لأنه لم يتيقن بحياته، والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق
ــ
[البناية]
[فصل في الجنين]
[تعريف الجنين]
م: (فصل في الجنين) ش: أي هذا فصل في أحكام الجنين هو على وزن فعيل بمعنى مفعول مجنون، أي مستور من جنه إذا ستره من باب طلب، والجنين اسم الولد في بطن الأم ما دام فيه، والجمع أجنة، فإذا ولد يسمى ولدا ثم رضيعا، إلى غير ذلك على ما عرف في موضعه، ولما ذكر أحكام القتل المتعلقة بالآدمي من كل وجه شرع في بيانها في الآدمي من وجه دون وجه وهو الجنين.
وقال السرخسي: الجنين ما دام في بطن أمه ليست له ذمة صالحة لكونه في حكم جزء من الأم، ولكنه منفرد بالحياة بعد ليكون نفسا له ذمة، فباعتبار هذا الوجه يكون أهلا لوجوب الحق له من عتق أو إرث أو نسب أو وصية ولا اعتبار للوجه الأول يكون أصلا لوجوب الحق عليه، فأما بعدما يولد فله ذمة صالحة، ولهذا لو انقلب على مال إنسان فأتلفه كان ضامنا له ويلزمه مهر امرأته بعقد الولي عليه.
[ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (وإذا ضرب بطن امرأة فألقت جنينا ميتا: ففيه غرة وهي نصف عشر الدية) ش: إلى هنا لفظ القدوري.
م: (قال رضي الله عنه: معناه دية الرجل، وهذا في الذكر) ش: أي في الجنين الذكر م: (وفي الأنثى عشر دية المرأة، وكل منهما خمسمائة درهم) ش: لأن كل واحد من نصف عشر دية الرجل ومن عشر دية المرأة خمسمائة درهم أو بغرة بضم الغين المعجمة وتشديد الراء وهو خيار المال كالفرس والبعير النجيب والعبد والأمة الفارهة، كذا في " المغرب ". وفي " مبسوط شيخ الإسلام ": سمي بدل الجنين غرة لأن الواجب عبد والعبد يسمى غرة. وقيل: لأنه أول مقدار ظهر في باب الدية، وغرة الشيء أوله كما سمي أول الشهر غرة، وسمي وجه الإنسان غرة؛ لأن أول شيء يظهر منه الوجه.
م: (والقياس أن لا يجب شيء) ش: أي في الجنين م: (لأنه لم يتيقن بحياته) ش: لأنه يحتمل أنه مات في بطن أمه بفعله، ويحتمل أنه كان ميتا قبل ذلك فلا يجب الضمان بالشك، ولهذا لا يجب شيء في أجنة البهائم، ألا ترى أنه من ضرب شاة فزلقت جنينا ميتا كان عليه نقصانها ولا شيء عليه في الجنين م:(والظاهر لا يصلح حجة للاستحقاق) ش: هذا جواب عما يقال:
وجه الاستحسان: ما روي أن النبي- عليه الصلاة والسلام قال: «في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة» ويروى " أو خمسمائة " فتركنا القياس بالأثر، وهو حجة على من قدرهما بستمائة نحو مالك والشافعي وهي على العاقلة عندنا إذا كانت
ــ
[البناية]
الظاهر أنه حي أو معد للحياة، فأجاب بقوله: والظاهر لا يصلح أن يكون حجة لاستحقاق شيء كما في جنين البهيمة كما ذكره، يعني لا يصلح حجة للإلزام على الغير، وإنما قيد به لأن الظاهر يعتبر إذا لم يكن فيه إلزام الغير كما في رضيع أحد أبويه مسلم أعتقه عن كفارة القتل، فأجاب: لأن الظاهر به سلامة الأعضاء من ذلك في أول كتاب الديات، وبالقياس قال زفر، ذكره في " الذخيرة ".
م: (وجه الاستحسان ما روي أن النبي- عليه الصلاة والسلام قال: «في الجنين غرة عبد أو أمة قيمته خمسمائة» ،) ش: هذا غريب م: (ويروى أو خمسمائة) ش: هذا رواه الطبراني في معجمه، من حديث أبي المليح عن أبيه مطولا وفيه:«غرة عبد أو أمة أو خمسمائة» . والحديث في " الصحيحين " عن أبي بكر رضي الله عنه: «أن النبي صلى الله عليه وسلم قضى في جنين امرأة من بني لحيان بغرة عبد أو أمة وليس فيه ذكر الخمسمائة» . وروى محمد بن الحسن في " موطئه " عن مالك عن ابن شهاب عن سعيد بن المسيب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قضى في الجنين يقتل في بطن أمه بغرة عبد أو وليدة، فقال الذي قضى عليه: كيف أغرم من لا شرب ولا أكل ولا استهل ومثل ذلك، بطل؟ ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما هذا من إخوان الكهان» ، قوله: غرة عبد أو أمة بالرفع، لأنه صفة الغرة وتغيرها، ويروى بالإضافة، والأول أحسن م:(فتركنا القياس بالأثر) ش: أي بالحديث من النبي صلى الله عليه وسلم وبالأثر من غيره.
وروى ابن أبي شيبة في (مصنفه) حدثنا إسماعيل بن عياش عن زيد بن أسلم: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قوم الغرة خمسمائة دينار. وأخرج أبو داود في " سننه - عن إبراهيم النخعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: الغرة خمسمائة، يعني درهما.
م: (وهو) ش: أي الحديث المذكور م: (حجة على من قدرهما) ش: عشر الدية لا اختلاف فيه بيننا وبينهم في ذلك بحسب الاختلاف في الدية، فعندهم أن الدية اثنا عشر ألفا، فالغرة م:(بستمائة نحو مالك والشافعي) ش: عندنا عشرة آلاف بغرة خمسمائة.
م: (وهي) ش: أي الغرة م: (على العاقلة) ش: أي على عاقلة الضارب م: (عندنا إذا كانت
خمسمائة درهم. وقال مالك تجب في ماله لأنه بدل الجزء. ولنا: «أنه عليه الصلاة والسلام: قضى بالغرة على العاقلة» ، ولأنه بدل النفس، ولهذا سماه، عليه الصلاة والسلام دية، حيث قال:" دوه " وقالوا: «أندي من لا صاح ولا استهل» . الحديث.
ــ
[البناية]
خمسمائة درهم) ش: يحترز به عن جنين الأمة إذا كان لا يبلغ خمسمائة، ولكن هذا لا يصلح لأنها تجب في جنين الأمة في مال الضارب، ذكره في " الإيضاح " و " الذخيرة " وغيرهما. وقال الأترازي: وقوله إذا كان خمسمائة كأنه سهو القلم، وينبغي أن يكون إذ بسكون الذال بلا ألف بعدها، يعني أنها إنما تجب على العاقلة، لأنها مقدرة بخمسمائة، والعاقلة تعقل بخمسمائة ولا تعقل ما دونها، ثم قال: ويكلف بعضهم في توجيه ذلك، وقال: إنه احتراز عن جنين الأمة إذا لم يبلغ خمسمائة فذاك ليس بشيء، لأن ما يجب في جنين الأمة فهو في مال الضارب حالا ولا تتحمله العاقلة، وبه صرح الكرخي في " مختصره " وقال الكرخي أيضا: ولا كفارة على الضارب والغرة ورثة الجنين ولا يرث الضارب منها شيئا إن كان من ورثة الجنين، ونقل الأكمل كلام الاثنين في " شرحه " م:(وقال مالك تجب) ش: أي الغرة م: (في ماله لأنه بدل الجزء) ش: أي الجزء الآدمي، فصار كقطع أصبع من أصابعه.
م: (ولنا أنه عليه الصلاة والسلام «قضى بالغرة على العاقلة» ش: أي النبي صلى الله عليه وسلم «حكم بوجوب الغرة على عاقلة الضارب» ، رواه ابن أبي شيبة في " مصنفه " من حديث الشعبي عن جابر رضي الله عنه «أن النبي صلى الله عليه وسلم جعل الجنين غرة على عاقلة القاتل» ، م: (ولأنه بدل النفس) ش: أي، ولأن الغرة بدل النفس، وذكر الضمير باعتبار المذكور م:(ولهذا) ش: أي ولكونه بدل النفس م: (سماه عليه الصلاة والسلام، دية حيث قال: " دوه ") ش: أي أدوا ديته، وهو أمر للجماعة، وأصله أرديوه، لأنه من راده يدية إذا أدى ديته، وأصل بديه يوديه، فحذفت الواو لوقوعها بين الياء والكسرة كما حذف في يعد، أصله يوعد حذفت منه الواو، ولذلك حذفت من الأمر تبعا لفعله، فلما حذفت استغنت عن الهمزة، فحذفت منها فصار دون على وزن غرة.
م: «وقالوا: أندي» ش: أي قال الذي أمره النبي صلى الله عليه وسلم بالدية أندي م: «من لا صاح ولا استهل. . .» الحديث) ش: أي أقر الحديث بتمامه، وتمامه ما رواه الطبراني في " معجمه ": حدثنا محمد بن عبد الله الحضرمي حدثنا محمد بن أبي عبد الله بن ليلى حدثني ابن أبي ليلى عن الحكم عن
إلا أن العواقل لا تعقل ما دون خمسمائة وتجب في سنة. وقال الشافعي رحمه الله: في ثلاث سنين لأنه بدل النفس، ولهذا يكون موروثا بين ورثته. ولنا ما روي عن محمد بن الحسن رحمه الله أنه قال: بلغنا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام جعل على العاقلة في سنة. ولأنه إن كان بدل النفس من حيث إنه نفس.
ــ
[البناية]
مجاهد عن «حمل بن مالك بن النابغة الهذلي: أنه كانت عنده امرأة فتزوج عليها أخرى فتغايرتا، فضربت إحداهما الأخرى بعمود فسطاط فطرحت ولدا ميتا، فقال لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: " دوه "، فجاء وليها فقال: أندي من لا شرب ولا أكل ولا استهل، فمثل ذلك بطل، فقال: " رجز الأعراب؛ نعم دوه، فيه غرة عبد أو أمة أو وليدة» ، انتهى. وحمل بفتح الحاء المهملة وبفتح الميم واللام اسم إحدى المرأتين: مليكة، والأخرى: أم غطيف، وقال أبو موسى المدني الحافظ في كتاب " الأمالي " في باب الغين المعجمة: أم غطيف الهذلية هي التي ضربتها أم مليكة فأسقطت.
م: (إلا أن العواقل لا تعقل ما دون خمسمائة) ش: قال الأترازي: هذا يتعلق بقوله: " وهي على العاقلة عندنا إذا كانت خمسمائة "، وكأنه يقول إذا كانت الغرة أقل من خمسمائة درهم لا تعقل العاقلة كما في جنين الأمة، وقال الأكمل: قوله: " إلا أن العواقل " جواب عما يقال الحديث يدل على أن الدية على العاقلة قليلة كانت أو كثيرة، وأنتم قيدتم بقولكم:"إذا كان خمسمائة درهم "، وقد علمتم ما يرد عليه من النظر، انتهى.
قلت: أراد به ما نقلناه عن الكاكي وعن الأترازي: أنها م: (وتجب في سنة) ش: أي تجب الغرة على العاقلة في سنته.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: في ثلاث سنين) ش: أي تجب في ثلاث سنين.
فإن قلت: ذكر في " وجيزهم ": أن غرة الجنين تجب في سنته كمذهبنا. وأجيب بأنه يحتمل أن يكون عن الشافعي رحمه الله روايتان فليتأمل م: (لأنه) ش: أي لأن الغرة م: (بدل النفس) ش: أي نفس الجنين، وما وجب في قتل النفس مؤجل إلى ثلاث سنين م:(ولهذا) ش: أي ولكونها بدل النفس م: (يكون موروثا بين ورثته) ش: أي ورثة الجنين سوى الضارب. م: (ولنا ما روى عن محمد بن الحسن رحمه الله أنه قال بلغنا أن رسول الله عليه الصلاة والسلام «جعل على العاقلة في سنة» ش: هذا غريب م: (ولأنه إن كان بدل النفس من حيث إنه نفس
على حدة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم، فعملنا بالشبه الأول في حق التوريث، وبالثاني في حق التأجيل إلى سنة؛ لأنه بدل العضو إذا كان ثلث الدية أو أقل أو أكثر من نصف العشر يجب في سنة، بخلاف أجزاء الدية؛ لأن كل جزء منها على من وجب يجب في ثلاث سنين. ويستوي فيه الذكر والأنثى لإطلاق ما روينا، ولأن في الحيين إنما ظهر التفاوت لتفاوت معاني الآدمية، ولا تفاوت في الجنينين فيقدر بمقدار واحد وهو خمسمائة
ــ
[البناية]
على حدة فهو بدل العضو من حيث الاتصال بالأم) ش: حاصل الكلام: أن الجنين له شبهان بالنفس وبالعضو من حيث إنه حي بحياة ونفسه نفس على حدة، ومن حيث إنه متصل بالأم فهو كعضو من أعضائها م:(فعملنا بالشبه الأول في حق التوريث، وبالثاني) ش: أي وعملنا بالشبه الثاني م: (في حق التأجيل إلى سنة؛ لأنه بدل العضو إذا كان ثلث الدية أو أقل أو أكثر من نصف العشر يجب في سنة) ش: أي تجب الغرة في سنة واحدة، وقوله: بدون الواو العاطفة في أوله هو الصحيح من النسخ، وفي بعضها أو أكثر وكلاهما غير صحيح، لأن المراد أن يكون الأقل من ثلث الدية أكثر من نصف العشر، وإنما يكون إذا كان أكثر صفة لأقل أو بدلا منه.
وقال الأكمل: وهل العطف بالواو يقيد ذلك أيضا؟ ولكن لم يبين وجهه. وقال الأترازي: ولنا التقييد بالأكثر فيه نظر، لأنه إذا لم يكن أكثر من نصف عشر الدية بل كانت قدر نصف عشر الدية تجب في سنة، وكان ينبغي أن يقول: إذا كان بدل العضو نصف عشر الدية، أي ثلثها تجب في سنة.
م: (بخلاف أجزاء الدية؛ لأن كل جزء منها على من وجب يجب في ثلاث سنين) ش: صورته: أن يشترك عشرون رجلا في قتل رجل خطأ، فإنه يجب على كل واحد منهم نصف عشر الدية في ثلاث سنين م:(ويستوي فيه) ش: أي في وجوب قدر الغرة م: (الذكر والأنثى) ش: ولا يفضل الذكر على الأنثى في إيجاب الغرة م: (لإطلاق ما روينا) ش: وهو قوله صلى الله عليه وسلم «في الجنين غرة عبد أو أمة» ، وبه قال الشافعي وأحمد وعامة أهل العلم.
م: (ولأن في الحيين) ش: هذا دليل معقول على التساوي بين الذكر والأنثى في الغرة، وقوله:" الحيين " بالحاء المهملة تثنية حي وإرادتهما للذكرين المنفصلين الحيين أو أحدهما ذكر والأخرى أنثى م: (إنما ظهر التفاوت لتفاوت معاني الآدمية) ش: بأن كان دية الذكر ألف دينار، ودية الأنثى خمسمائة دينار م:(ولا تفاوت في الجنينين) ش: تثنية جنين بالجيم ومالكية التصرفات والشهادة وغيرها في الذكر ولا وجود هذا في الجنين حتى يتصور فيه معنى التفضيل، فينبغي وصف الآدمية فحسب، فإذا كان كذلك م:(فيقدر بمقدار واحد وهو خمسمائة) ش: لأنهما سواء في وصف الآدمية فقط به.