الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في اعتبار حالة الوصية
قال: وإذا أقر المريض لامرأة بدين أو أوصى لها بشيء أو وهب لها ثم تزوجها ثم مات جاز الإقرار وبطلت الوصية والهبة؛ لأن الإقرار ملزم بنفسه وهي أجنبية عند صدوره. ولهذا يعتبر من جميع المال ولا يبطل الدين إذا كان في حالة الصحة أو في حالة المرض، إلا أن الثاني يؤخر عنه. بخلاف الوصية لأنها إيجاب عند الموت وهي وارثة عند ذلك ولا وصية للوارث، والهبة وإن كانت منجزة صورة
ــ
[البناية]
[فصل في اعتبار حالة الوصية]
م: (فصل في اعتبار حالة الوصية)
ش: أي: هذا فصل في بيان اعتبار حالة الوصية، ولما ذكر الحكم الكلي في الوصية شرع في بيان أحكام ما يتعلق بالأحوال المتغيرة من وصف إلى وصف، أن الأحوال بمنزلة العوارض والأحكام المتعلقة بثلث المال بمنزلة الأصول، والأصلي مقدم على العارض.
م: (قال) ش: أي محمد رحمه الله في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أقر المريض لامرأة بدين أو أوصى لها بشيء أو وهب لها ثم تزوجها ثم مات جاز الإقرار وبطلت الوصية والهبة؛ لأن الإقرار ملزم بنفسه) ش: فلا يتوقف على شرط زائد كتوقف الوصية إلى الموت، فصح إقراره بالدين؛ لأن إقراره حصل لأجنبية وهو معنى قوله م:(وهي أجنبية عند صدوره) ش: أي صدور الإقرار م: (ولهذا) ش: أي ولكون الإقرار ملزم بنفسه من غير توقف على شرط م: (يعتبر من جميع المال ولا يبطل بالدين) ش: بخلاف الوصية فإنها تمليك مضاف إلى الموت والمرأة عند الموت وارثة ولا وصية للوارث، فالحديث على ما يأتي م:(إذا كان) ش: أي الإقرار م: (في حالة الصحة أو في حالة المرض) ش: يعني الإقرار لا يبطل بسبب الدين سواء كان في الصحة أو في المرض.
م: (إلا أن الثاني) ش: وهو الإقرار الواقع في المرض م: (يؤخر عنه) ش: أي عن الإقرار الواقع في الصحة، حتى إن المال يصرف إلى ما أقر به في حالة الصحة، فإن فضل منه شيء يصرف إلى ما أقر به في حالة المرض وإلا فلا. وعند ابن أبي ليلى والشافعي: الإقراران يستويان وقد مر في إقرار المريض.
م: (بخلاف الوصية) ش: بيان لقوله: وبطلت الوصية م: (لأنها) ش: أي لأن الوصية. وفي بعض النسخ: " لأنه "، أي لأن الإيصاء م:(إيجاب عند الموت وهي) ش: أي المرأة م: (وارثة عند ذلك) ش: أي عند موت الموصي م: (ولا وصية للوارث) ش: بالحديث المذكور، وفيما مضى م:(والهبة) ش: بالجر عطف على قوله: بخلاف الوصية، أي بخلاف الهبة الواقعة من المريض المذكور يعني لأنها لا تبطل م:(وإن كانت منجزة) ش: واصلة بما قبلها م: (صورة) ش: أي من
فهي كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما لأن حكمها يتقرر عند الموت. ألا ترى أنها تبطل بالدين المستغرق للتركة، وعند عدم الدين تعتبر من الثلث. قال: وإذا أقر المريض لابنه بدين وابنه نصراني أو وهب له أو أوصى له فأسلم الابن قبل موته بطل ذلك كله، أما الهبة والوصية فلما قلنا: إنه وارث عند الموت. وهما إيجابان عنده أو بعده، والإقرار وإن كان ملزما بنفسه كما مر، ولكن سبب الإرث وهو البنوة قائم وقت الإقرار، فيعتبر في إيراث تهمة الإيثار. بخلاف ما تقدم؛ لأن سبب الإرث الزوجية وهي طارئة، حتى لو كانت الزوجية قائمة وقت الإقرار وهي نصرانية ثم أسلمت قبل موته لا يصح الإقرار لقيام السبب حال صدوره. قال: وكذا لو كان الابن عبدا أو مكاتبا فأعتق لما ذكرنا،
ــ
[البناية]
حيث الصورة، يعني لا تتوقف على شيء بحسب الصورة م:(فهي) ش: أي الهبة م: (كالمضاف إلى ما بعد الموت حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (لأن حكمها يتقرر عند الموت) ش: وأوضح ذلك بقوله: م: (ألا ترى أنها) ش: أي أن الهبة م: (تبطل بالدين المستغرق للتركة، وعند عدم الدين تعتبر من الثلث) ش: لأنها تبرع بتقرر حكمه عند الموت ألا ترى أن من وهب عبدا في مرض موته لأجنبي وما له غيره وسلم صحت الهبة وصارت للموهوب له، فإذا مات من ذلك المرض وجب الفسخ من الثلثين للورثة. وفي الكل حقا للغرماء أو صارت كالمتعلق بالموت.
م: (قال) ش: أي محمد رحمه الله في " الجامع الصغير ": م: (وإذا أقر المريض لابنه بدين وابنه نصراني أو وهب له أو أوصى له فأسلم الابن قبل موته بطل ذلك كله) ش: أي الإقرار م: (أما الهبة والوصية فلما قلنا) ش: يعني في المسألة الأولى م: (إنه) ش: أي أن الابن م: (وارث عند الموت، وهما) ش: أي الهبة والوصية م: (إيجابان عنده) ش: أي عند الموت م: (أو بعده) ش: أي بعد الموت م: (والإقرار وإن كان ملزما بنفسه كما مر. ولكن سبب الإرث وهو البنوة قائم وقت الإقرار، فتعتبر في إيراث تهمة الإيثار) ش: يعني صار باعتبار التهمة ملحقا بالوصايا.
م: (بخلاف ما تقدم) ش: من الإقرار والهبة والوصية لامرأة م: (لأن سبب الإرث الزوجية كانت الزوجية وهي طارئة) ش: لأن الزوجية حصلت بعد الإقرار لها بدين فلا يبطل الإقرار م: (حتى لو كانت الزوجية قائمة وقت الإقرار وهي نصرانية ثم أسلمت قبل موته لا يصح الإقرار لقيام السبب) ش: وهو الزوجية وقت الإقرار م: (حال صدوره) ش: أي صدور الإقرار ونظيرها من أقر لأخي وله ابن ثم هلك الابن ثم هلك المقر له وإرثه يبطل الإقرار للأخ لقيام سبب الإرث وهو الأخوة وقت الإقرار.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (وكذا) ش: يبطل الإقرار م: (لو كان الابن عبدا أو مكاتبا فأعتق) ش: قبل الموت م: (لما ذكرنا) ش: وهو قيام المسبب للإرث وقت الإقرار
وذكر في كتاب الإقرار إن لم يكن عليه دين يصح؛ لأنه أقر لمولاه وهو أجنبي، وإن كان عليه دين لا يصح؛ لأنه إقرار له وهو ابنه، والوصية باطلة لما ذكرنا أن المعتبر فيها وقت الموت. وأما الهبة فيروى أنها تصح لأنها تمليك في الحال وهو رقيق. وفي عامة الروايات هي في مرض الموت بمنزلة الوصية فلا تصح. قال: والمقعد والمفلوج والأشل والمسلول إذا تطاول ذلك ولم يخف منه الموت فهبته من جميع المال؛ لأنه إذا تقادم العهد صار طبعا من طباعه. ولهذا لا يشتغل
ــ
[البناية]
م: (وذكر) ش: أي محمد رحمه الله م: (في كتاب الإقرار إن لم يكن عليه) ش: أي على العبد م: (دين يصح) ش: أي الإقرار م: (لأنه أقر لمولاه) ش: يعني يكون الإقرار لمولاه م: (وهو أجنبي) ش: أي والحال أنه أجنبي.
م: (وإن كان عليه) ش: أي على العبد م: (دين لا يصح) ش: أي الإقرار م: (لأنه إقرار له) ش: أي العبد م: (وهو ابنه) ش: أي والحال أنه ابنه م: (والوصية باطلة لما ذكرنا) ش: والذي ذكره فيما مضى ذكره هنا بقوله م: (أن المعتبر فيها) ش: أي في الوصية م: (وقت الموت) ش: لأنها تمليك مضاف إلى بعد الموت والعبد حينئذ وارث ولا وصية للوارث.
م: (وأما الهبة فيروى أنها تصح لأنها تمليك في الحال وهو رقيق) ش: فتكون الهبة للمولى فتصح م: (وفي عامة الروايات هي) ش: أي الهبة م: (في مرض الموت بمنزلة الوصية فلا تصح) ش: والتفصيل المذكور في العبد لا يتأتى في المكاتب؛ لأن المولى لا يملك كسبه في الحالين.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (والمقعد والمفلوج) ش: من فلجت الشيء فلجين أي شققته نصفين، كذا في " المغرب "، ومنه المفلوج لأنه ذهاب النصف. والفالج ذهاب الحس والحركة من أحد شقي البدن وسلامة الشق الآخر م:(والأشل) ش: من الشلل بالشين المعجمة وهو فساد في اليد يقال: شلت يده فشل، ورجل أشل م:(والمسلول) ش: بالسين المهملة.
قال الجوهري: السلال بالضم السل، يقال: أسله الله فهو مسلول من السول. وقال المطرزي: المسلول الذي سل أنثياه، أي نزعت خصيتاه، وهذا لا يناسب هنا؛ لأن الكلام فيما إذا تطاول المرض ولم يحل منه موت، والذي نزعت خصيتاه بعد تطاول الزمان لا يسمى مريضا، وقال الأكمل: المسلول الذي به مرض السل، وهو عبارة عن اجتماع المرة في الصدر وبعثها، وقال الكاكي: قيل السل نوع من الدق م: (إذا تطاول ذلك فلم يخف منه الموت فهبته من جميع المال؛ لأنه إذا تقادم العهد صار طبعا من طباعه، ولهذا) ش: أي وأجل ذلك م: (لا يشتغل
بالتداوي. ولو صار صاحب فراش بعد ذلك فهو كمرض حادث. وإن وهبه عندما أصابه ذلك ومات من أيامه فهو من الثلث إذا صار صاحب فراش؛ لأنه يخاف منه الموت، ولهذا يتداوى فيكون مرض الموت. والله أعلم بالصواب
ــ
[البناية]
بالتداوي) ش: ولأنه صار طبيعة فلا يحتاج إلى الدواء فكان حكمه حكم الأصحاء، فيعتبر تصرفه في جميع المال، ويصح إقراره للوارث.
م: (ولو صار صاحب فراش بعد ذلك المال فهو كمرض حادث) ش: إذا مات في أيامه يكون حكمه حكم المريض يعتبر تصرفه في ثلث المال ولا يصح إقراره للوارث م: (وإن وهبه) ش: أي الذي صار صاحب فراش بعد المال م: (عندما أصابه ذلك ومات من أيامه فهو من الثلث إذا صار صاحب فراش؛ لأنه يخاف منه الموت، ولهذا يتداوى فيكون مرض الموت) ش: يكون حكمه حكم المريض الذي مات فيه. والحامل إذا ضربها المخاض وهو الطلق يكون تبرعها من الثلث، وبه قال الشافعي والنخعي والأوزاعي والثوري ويحيى الأنصاري ومكحول وابن المنذر. وقال مالك وأحمد: إذا صار لها ستة أشهر عطيتها من الثلث، وبه قال ابن المسيب وعطاء وقتادة. قال الحسن والزهري: عطيتها كعطية الصحيح، وبه قال الشافعي في قول.
ولو اختلطت الطائفتان للقتال وكل منهما غير كافية للأخرى أو مقهورة في حكم مرض الموت، وبه قال مالك وأحمد والأوزاعي والثوري، ونحوه عن مكحول إذا لم يختلطوا سواء كان بينهما رمي بالسهام أو لا. وعن الشافعي قولان: أحدهما: كقول الجماعة، والثاني: ليس مخوف؛ لأنه ليس بمرض.
وراكب البحر فإن كان ساكنا فليس مخوف، وإن هبت الريح أو اضطرب البحر فهو مخوف. والأسير والمحبوس إذا كان من عادته القتل فهو خائف وإلا فلا، وبه مالك وأحمد والشافعي في قول.
والمجذوم وصاحب حمى الربع، وحمى العنب إذا صار صاحب فراش يكون في حكم المريض مرض الموت، وبه قال مالك وأحمد وأبو ثور والأوزاعي والثوري. وقال الشافعي: الأمراض الممتدة عطية من كل المال؛ لأنه لا يخاف تعجيل الموت فيه، وإن كان لا يبرأ كالمهر م:(والله أعلم بالصواب) .