الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قال: ويجوز للموصي
الرجوع عن الوصية
؛ لأنه تبرع لم يتم فجاز الرجوع عنه كالهبة، وقد حققناه في كتاب الهبة. ولأن القبول يتوقف على الموت، والإيجاب يصح إبطاله قبل القبول كما في البيع. قال: وإذا صرح بالرجوع أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعا.
ــ
[البناية]
[الرجوع عن الوصية]
م: (قال) ش: أي القدوري م: (ويجوز للموصي الرجوع عن الوصية؛ لأنه) ش: أي لأن الوصية على تأويل الإيصاء. وفي بعض النسخ: لأنها، فلا يحتاج إلى التأويل م:(تبرع لم يتم) ش: لأنه مضاف إلى ما بعد الموت، والتبرع النافذ وهو الهبة يحتمل الرجوع، فالمضاف أولى واجتمع أهل العلم على جواز الرجوع للموصي في جميع ما أوصى كله أو بعضه م:(فجاز الرجوع عنه كالهبة، وقد حققناه في كتاب الهبة) ش: أي قد حققنا هذا في كتاب الهبة، إلا أن الكلام في الإعتاق إذا أوصى به فالأكثرون على جواز الرجوع في الوصية، وهو قول الأئمة الأربعة وعطاء وجابر بن زيد والزهري وقتادة وإسحاق وأبي ثور. وروي عن عمر رضي الله عنه أنه قال: يعين الرجل ما شاء من وصيته، ولم يعلم له مخالف حل الإجماع. وعن الشعبي وابن سيرين وابن شبرمة والنخعي: يعين منها ما شاء إلا العتق.
م: (ولأن القبول) ش: في الوصية م: (يتوقف على الموت) ش: أي موت الموصي م: (والإيجاب يصح إبطاله قبل القبول كما في البيع) ش: فإنه يجوز فيه رجوع البائع قبل قبول المشتري.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإذا صرح بالرجوع) ش: بأن قال: رجعت من وصيتي لفلان م: (أو فعل ما يدل على الرجوع كان رجوعا) .
ش: وفي " الذخيرة ": الرجوع ثلاثة أنوع: أحدهما استهلاك الموصي به حقيقة أو حكما كما أوصى بثوب فقطعه وخاطه قميصا أو بقطن فغزله ونسجه، أو بحديدة فصنعها سيفا فهذه التصرفات، استهلاك حكما، ألا ترى أن حق المغصوب منه ينقطع بهذه التصرفات ونوع من ذلك أن يخلطه بغيره خلطا، أي لا يمكن التمييز أصلا كالسويق إذا لته بسمن ونوع من ذلك أن يحدث نقصانا فيه حتى خرج عن هيئة الادخار والبقاء إلى يوم الموت بأن كان شاة فذبحها.
وأما الرجوع ضرورة بأن يتغير الموصى به ويتميز اسمه؛ لأنه لا يبقى بهذا موصى به بذلك إلى يوم الموت، كما لو أوصى بحنطة فهبت الريح في طاحونة فصارت دقيقا قبل موت الموصي بطلب الوصية أو أوصى بالكفوى في نخلة فصارت رطبا، أو أوصى بعنب فصار زبيبا، أو أوصى ببيض فحضنت دجاجة عليها فأخرجت فراريج بطلت الوصية.
ولو كان التغير في هذه المسألة بعد موت الموصي قبل قبول الوصية أو بعده لا تبطل الوصية؛ لأن التغير حصل بعد تمام الوصية فلا يوجب بطلانها.
أما الصريح فظاهر، وكذا الدلالة لأنها تعمل عمل الصريح، فقام مقام قوله قد أبطلت، وصار كالبيع بشرط الخيار، فإنه يبطل الخيار فيه بالدلالة. ثم كل فعل لو فعله الإنسان في ملك الغير ينقطع به حق المالك، فإذا فعله الموصي كان رجوعا وقد عددنا هذه الأفاعيل في كتاب الغصب، وكل فعل يوجب زيادة في الموصى به ولا يمكن تسليم العين إلا بها فهو رجوع إذا فعله، مثل السويق يلته بالسمن، والدار يبني فيه الموصي، والقطن يحشو به، والبطانة يبطن بها، والظهارة يظهر بها؛ لأنه لا يمكنه تسليمه بدون الزيادة ولا يمكنه نقضها؛ لأنه حصل في ملك الموصي من جهته، بخلاف تجصيص الدار الموصى بها وهدم بنائها؛
ــ
[البناية]
م: (أما الصريح فظاهر، وكذا الدلالة) ش: أي وكذا الرجوع بالدلالة م: (لأنها تعمل عمل الصريح، فقام مقام قوله: قد أبطلت، وصار كالبيع بشرط الخيار) ش: للمشتري، فإنه إذا فعل فعلا مما يدل على إبطال خياره تبطل.
م: (فإنه يبطل الخيار فيه بالدلالة) ش: كما يبطل بالصريح م: (ثم كل فعل لو فعله الإنسان في ملك الغير ينقطع به حق المالك) ش: نحو قطع الثوب وخياطته بعد قصه، فإنه يضمن قيمته وينقطع حق المالك عنه م:(فإذا فعله الموصي) ش: أي فإن فعل هذا الفعل الذي ينقطع به حق المالك م: (كان) ش: فعله هذا م: (رجوعًا) ش: عن الوصية.
م: (وقد عددنا هذه الأفاعيل في كتاب الغصب) ش: الأفاعيل جمع فعل على غير القياس. وكأنه جمع أفعولة كأنه كالأباطيل جمع باطل. وفي الحقيقة كأنه جمع أبطولة.
م: (وكل فعل يوجب زيادة في الموصى به) ش: بحيث لا يمكن تمييزها م: (ولا يمكن تسليم العين إلا بها) ش: أي إلا بتلك الزيادة م: (فهو رجوع) ش: عن الوصية م: (إذا فعله) ش: أي إذا فعل ذلك الفعل ثم ذكر لها صور بقوله م: (مثل السويق يلته بالسمن) ش: أي يخلطه.
م: (والدار) ش: أي ومثل الدار الموصى بها م: (يبني فيه الموصي، والقطن يحشو به) ش: أي مثل قطن الموصي به يحشو به جبة ونحوها م: (والبطانة) ش: أي ومثل البطانة الموصى بها م: (يبطن بها ، والظهارة) ش: أي ومثل الظهارة الموصى بها م: (يظهر بها) ش: أي يجعلها تحت الظهارة م: (لأنه لا يمكنه) ش: أي لا يمكن م: (تسليمه) ش: أي تسليم شيء من هذه الأشياء.
م: (بدون الزيادة) ش: وهو ظاهر م: (ولا يمكنه نقضها) ش: أي ولا يمكن نقض هذه الأشياء م: (لأنه حصل في ملك الموصي) ش: وتصرف في ملكه م: (من جهته) ش: لا من جهة غيره.
م: (بخلاف تجصيص الدار الموصى بها) ش: أي تبيضها بالجص م: (وهدم بنائها) ش: حيث
لأنه تصرف في التابع، وكل تصرف أوجب زوال ملك الموصي فهو رجوع. كما إذا باع العين الموصى به ثم اشتراه أو وهبه ثم رجع فيه؛ لأن الوصية لا تنفذ إلا في ملكه، فإذا أزاله كان رجوعا، وذبح الشاة الموصى بها رجوع؛ لأنه للصرف إلى حاجته عادة، فصار هذا المعنى أصلا أيضا. وغسل الثوب الموصى به لا يكون رجوعا؛ لأن من أراد أن يعطي ثوبه غيره يغسله عادة، فكان تقريرا. قال: وإن جحد الوصية لم يكن رجوعا. كذا ذكره محمد رحمه الله. وقال: أبو يوسف رحمه الله: يكون رجوعا؛ لأن الرجوع نفي في الحال والجحود نفي في الماضي والحال، فأولى أن يكون رجوعا. ولمحمد رحمه الله أن الجحود نفي في الماضي والانتفاء في الحال ضرورة ذلك. وإذا كان ثابتا في الحال كان الجحود لغوا ،
ــ
[البناية]
، لا يكون رجوعا عندنا، وعند الأئمة الثلاثة يكون رجوعا؛ لأنه تصرف أوجب بغير الموصى به، ودليلنا هو قوله: م: (لأنه تصرف في التابع) ش: وهو البناء والتصرف في التابع لا يدل على إسقاط الحق على الأصل في التجصيص؛ لأنه بناء، والبناء تبع.
وكذا لو غسل الثوب الموصي به م: (وكل تصرف أوجب زوال ملك الموصي فهو رجوع) ش: عن الوصية. م: (كما إذا باع العين الموصى به ثم اشتراه أو وهبه ثم رجع فيه) ش: أي فيما وهبه؛ لأن البيع والهبة أوجبا زوال ملكه، فمحال أن تبقى الوصية معه م:(لأن الوصية لا تنفذ إلا في ملكه، فإذا أزاله كان رجوعا، وذبح الشاة الموصى بها رجوع؛ لأنه) ش: أي لأن ذبحه م: (للصرف إلى حاجته عادة، فصار هذا المعنى أصلا أيضًا) ش: أراد بهذا المعنى هو التصرف لحاجته.
م: (وغسل الثوب الموصي به لا يكون رجوعا؛ لأن من أراد أن يعطي ثوبه غيره يغسله عادة، فكان تقريرا) ش: أي فكان تقريرا، أي فكان غسل الثوب الموصى به تقريرا للوصية. وفي وجه للشافعية يكون رجوعا، وهذا هو الأقرب؛ لأن التعليل المذكور ضعيف؛ لأن من أراد أن يوصي ثوبا جديدا ويعطي الآخر ثوبا جديدا لا يغسله عادة على ما لا يخفى.
م: (قال) ش: أي القدوري: م: (وإن جحد الوصية لم يكن رجوعا، كذا ذكره محمد رحمه الله. وقال أبو يوسف رحمه الله: يكون رجوعا؛ لأن الرجوع نفي في الحال) ش: أي نفي للوصية في الحال.
م: (والجحود نفي في الماضي والحال، فأولى أن يكون رجوعا. ولمحمد رحمه الله: أن الجحود نفي في الماضي والانتفاء في الحال ضرورة ذلك) ش: يعني أن الجحود لما كان نفيا في الماضي والانتفاء في الحال ضروري، فيكون النفي في الماضي تضمنا للانتفاء في الحال ضرورة م:(وإذا كان ثابتا في الحال كان الجحود لغوا) ش: لكونه كاذبا جحوده أن الفرض أنه أوصى ثم جحد وكان النفي في الماضي باطلا، فيبطل ما هو من ضرورة وهو الانتفاء في الحال. فكان الجحود لغوا.
أو لأن الرجوع إثبات في الماضي ونفي في الحال، والجحود نفي في الماضي والحال فلا يكون رجوعا حقيقة، ولهذا لا يكون جحود النكاح فرقة. ولو قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهو حرام وربا لا يكون رجوعا. لأن الوصف يستدعي بقاء الأصل. بخلاف ما إذا قال: فهي باطلة. لأنه الذاهب المتلاشي ولو قال: أخرتها لا يكون رجوعا: لأن التأخير ليس للسقوط كتأخير الدين.
ــ
[البناية]
واعلم أن القدوري لم يذكر الخلاف في " مختصره" في هذا المسألة ولم يذكر خلاف محمد أيضًا في كتبه، ولكن جعل الجحود رجوعا في كتاب الوصايا ولم يجعله رجوعا في " الجامع الكبير "، فمن هذا اختلف المشايخ فيه، فمنهم من قال: في المسألة روايتان، ومنهم من قال: ما ذكره في " الجامع " جواب القياس.
وما ذكره في كتاب الوصايا جواب الاستحسان " كذا ذكر الشيخ أبو المعين النسفي في " شرح الجامع الكبير ".
م: (أو لأن الرجوع) ش: دليل آخر، أي ولأن الرجوع عن الوصية م:(إثبات في الماضي) ش: أي إثبات الوصية في الماضي م: (ونفي في الحال) ش: أي نفي للوصية في الحال م: (والجحود نفي في الماضي والحال جميعا فلا يكون رجوعا حقيقة) ش: للمنافاة بين الإثبات والنفي م: (ولهذا) ش: أي ولأجل كون الجحود نفيا في الماضي والحال.
م: (لا يكون جحود النكاح فرقة) ش: أي طلاقا؛ لأن الطلاق يعني في الحال دون الماضي. وقال الأكمل: لا يكون جحود النكاح فرقة يعني مستعارا للطلاق، لأن الجحود يقتضي عدم النكاح في الماضي، والطلاق يقتضي وجوده فكانا متقابلين فلا يجوز استعارة أحدهما للآخر.
م: (ولو قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهو حرام وربا لا يكون رجوعا) ش: هذه المسألة مع ما بعدها إلى الباب من مسائل " الجامع الكبير " لا مسألة تأخير الوصية م: (لأن الوصف يستدعي بقاء الأصل) ش: يعني وصف الوصية بأنها حرام اقتضى ربا يقتضي كون أصل الوصية باقيا؛ لأنه لا وجود للصفة بدون قيامها بالموصوف، فلما اقتضى الوصف بقاء الأصل لم يكن الوصف بالحرمة أو الربا دليل الرجوع.
م: (بخلاف ما إذا قال: فهي باطلة) ش: بأن قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهي باطلة دليل الرجوع م: (لأنه الذاهب المتلاشي. ولو قال: أخرتها لا يكون رجوعا) ش: أي ولو قال: كل وصية أوصيت بها أخرتها لا يكون رجوعا عن الوصية م: (لأن التأخير ليس للسقوط) ش: يعني لا يدل على السقوط م: (كتأخير الدين) ش: فإنه لا يسقط به.
بخلاف ما إذا قال: تركت؛ لأنه إسقاط. ولو قال: العبد الذي أوصيت به لفلان، فهو لفلان كان رجوعا؛ لأن اللفظ يدل على قطع الشركة. بخلاف ما إذا أوصى به لرجل ثم أوصى به لآخر؛ لأن المحل يحتمل الشركة واللفظ صالح لها. وكذا إذا قال: فهو لفلان وارثي يكون رجوعا عن الأول لما بينا. ويكون وصية للوارث وقد ذكرنا حكمه. ولو كان فلان الآخر ميتا حين أوصى فالوصية الأولى على حالها؛ لأن الوصية الأولى إنما تبطل ضرورة كونها للثاني، ولم تتحقق فبقي للأول. ولو كان فلان حين قال ذلك حيا ثم مات قبل موت الموصي فهي للورثة لبطلان الوصيتين الأولى بالرجوع، والثانية بالموت، والله أعلم بالصواب.
ــ
[البناية]
م: (بخلاف ما إذا قال: تركت) ش: بأن قال: كل وصية أوصيت بها تركت م: (لأنه) ش: أي لأن الترك م: (إسقاط) ش: ألا ترى أنك لو قلت لرجل لك عليه دين: تركت عليك ديني كان تركا م: (ولو قال: العبد الذي أوصيت به لفلان فهو لفلان، كانت رجوعا؛ لأن اللفظ يدل على قطع الشركة) ش: قيل لأنه لم يذكر بينها حرف الاشتراك، وإنما جعل تلك الوصية بعينها لغيره.
م: (بخلاف ما إذا أوصى به لرجل، ثم أوصى به لآخر) ش: بأن قال: أوصيت بهذا العبد لهذا الرجل. ثم قال: أوصيت به لهذا الرجل ولرجل آخر لا يكون رجوعا م: (لأن المحل يحتمل الشركة، واللفظ صالح لها) ش: لأنه يجوز أن يجتمع حقان في عبد واحد.
م: (وكذا إذا قال: فهو لفلان وارثي) ش: بأن قال: كل وصية أوصيت بها لفلان فهي لفلان وارثي م: (يكون رجوعا عن الأول لما بينا) ش: أشار به إلى التعلل المذكور بقوله لأن اللفظ يدل على قطع الشركة إلى آخره م: (ويكون وصية للوارث وقد ذكرنا حكمه) ش: وهو أن يكون للوارث إذا أجازها الورثة، وإن لم تجز الورثة يكون ميراثا.
م: (ولو كان فلان الآخر ميتا حين أوصى فالوصية الأولى على حالها) ش: يعني لو قال كل وصية أوصيت بها لفلان الآخر حين أوصى له ميتا لم يصح الرجوع؛ لأنه لم يصح النقل عن الوصية الأولى لأن الوصية للميت باطلة، فصار كأنه لم يوص لأحد بعد الوصية الأولى م:(لأن الوصية الأولى إنما تبطل ضرورة كونها للثاني، ولم تتحقق فبقي للأول. ولو كان فلان حين قال ذلك حيا ثم مات قبل موت الموصي فهي للورثة) ش: أي لورثة الموصي م: (لبطلان الوصيتين الأولى بالرجوع) ش: أي برجوع الوصي عنها م: (والثانية بالموت) ش: أي بموت الموصى له الثاني قبل موت الموصي م: (والله أعلم بالصواب) .