الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه
قال:
القصاص واجب بقتل كل محقون الدم
على التأبيد إذا قتل عمدا أما العمدية فلما بيناه.
وأما حقن الدم على التأبيد فلتنتفي شبهة الإباحة وتتحقق المساواة.
ــ
[البناية]
[باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه]
[القصاص واجب بقتل كل محقون الدم]
م: (باب ما يوجب القصاص وما لا يوجبه) ش: أي هذا باب في بيان ما يوجب القصاص، وفي بيان ما لا يوجب القصاص. ولما فرغ من بيان أقسام القتل وكان من جملتها العمد: وهو قد يوجب القصاص، وقد لا يوجبه، احتاج إلى التفصيل ذلك في باب على حدة.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (القصاص واجب بقتل كل محقون الدم) ش: من حقن دمه: إذا منعه أن يسفك من وجه دخل على التأبيد احترز به عن المستأمن، ولا يشكل بقتل الأب ابنه، فإنه قتل مسلم لمسلم محقون الدم، مع أنه لا يجب القصاص لأن ذلك من العوارض فلا يدخل تحت القواعد والكلام في الأصول.
م: (على التأبيد إذا قتل عمدا) ش: قيد به لأنه إذا قتل خطأ لا يجب القصاص.
م: (أما العمدية فلما بيناه) ش: في أوائل كتاب الجنايات من قوله عليه السلام: «العمد قود» ، وأن الجناية شامل بها.
م: (وأما حقن الدم على التأبيد) ش: احترز به عن المستأمن؛ لأن فيه شبهة الإباحة، والعود إلى دار الحرب أشار إليه بقوله م:(فلتنتفي شبهة الإباحة وتتحقق المساواة) ش: بين القاتل والمقتول.
وقال الأكمل رحمه الله: وفيه بحث من أوجه:
الأول: أن العفو مندوب إليه وذلك ينافي وصف القصاص بالوجوب.
الثاني: أن حقن الدم على التأبيد غير متصور لأنه انتهى ما يتصور منه أن يكون المسلم في دار الإسلام، وهو يزول بالارتداد والعياذ بالله.
الثالث: أنها منقوضة بمسلم قتل ابنه المسلم، فإنها موجودة فيه ولا قصاص.
الرابع: أن قيد التأبيد لثبوت المساواة، وإذا قتل المستأمن مسلما وجب القصاص ولا مساواة بينهما.
والجواب عن الأول: أن المراد بالوجوب ثبوت حق الاستيفاء. ولا منافاة بينه وبين العفو.
وعن الثاني: أن المراد بالحقن على التأبيد، ما هو بحسب الأصل والارتداد عارض لا يعتبر به، ورجوع الحزبي إلى داره أصل لا عارض.
قال: ويقتل الحر بالحر، والحر بالعبد للعمومات. وقال الشافعي رحمه الله: لا يقتل الحر بالعبد لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] . ومن ضرورة هذه المقابلة أن لا يقتل حر بعبد؛ ولأن مبنى القصاص على المساواة،
ــ
[البناية]
وعن الثالث: بأن القصاص ثابت، ولكنه انقلب ما لا شبهة الأبوة.
وعن الرابع: بأن التفاوت إلى نقصان غير مانع من الاستيفاء بخلاف العكس.
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (ويقتل الحر بالحر، والحر بالعبد للعمومات) ش: يريد به قوله: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178]، وقوله:{وَمَنْ قُتِلَ مَظْلُومًا فَقَدْ جَعَلْنَا لِوَلِيِّهِ سُلْطَانًا} [الإسراء: 33]، وقوله:{وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ} [المائدة: 45] وقوله صلى الله عليه وسلم: «العمد قود» .
وقال الكاكي رحمه الله: والحر بالعبد، وكذا بالأمة. ولكن لا يقتل بعبد نفسه عندنا.
وقال النخعي وداود: يقتل بعبد نفسه أيضا. لما روى الحسن رحمه الله عن سمرة رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال: «من قتل عبده قتلناه، ومن جدعه جدعناه» .
قلنا: الحسن ما سمع: " من قتل " من سمرة رضي الله عنه، ولئن صح كان محمولا على الزجر دون إرادة الإيقاع. وقيل: هذا منسوخ بدليل سقوط القصاص بين الحر والعبد بالإجماع.
م: (وقال الشافعي رحمه الله: لا يقتل الحر بالعبد) ش: وبه قال مالك رحمه الله، وأحمد: بل يضمن قيمته.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ} [البقرة: 178] ، ومن ضرورة هذه المقابلة) ش: وهي مقابلة: الحر بالحر، والعبد بالعبد م:(أن لا يقتل الحر بعبد؛ ولأن مبنى القصاص على المساواة) ش: بين القاتل
وهي منتفية بين المالك والمملوك، ولهذا لا يقطع طرف الحر بطرفه بخلاف العبد بالعبد؛ لأنهما يستويان، وبخلاف العبد حيث يقتل بالحر لأنه تفاوت إلى نقصان. ولنا: أن القصاص يعتمد المساواة في العصمة، وهي بالدين أو بالدار ويستويان فيهما، وجريان القصاص بين العبدين يؤذن بانتفاء شبهة الإباحة. والنص تخصيص بالذكر فلا ينفي ما عداه.
ــ
[البناية]
والمقتول م: (وهي) ش: أي المساواة م: (منتفية بين المالك والمملوك، ولهذا لا يقطع طرف الحر بطرفه) ش: أي بطرف العبد م: (بخلاف العبد بالعبد؛ لأنهما يستويان) ش: في المملوكة.
م: (وبخلاف العبد حيث يقتل بالحر لأنه تفاوت إلى نقصان) ش: أي لأن التفاوت بين العبد والحر تفاوت إلى نقصان، فيجوز أن يستوفي بالكل دون عكسه كما في الطرف.
م: (ولنا: أن القصاص يعتمد المساواة في العصمة، وهي) ش: أي العصمة م: (بالدين) ش: يعني عند الشافعي رحمه الله م: (أو بالدار) ش: يعني عندنا، م:(ويستويان) ش: أي الحر والعبد م: (فيهما) ش: أي في الدين والدار، فيجري القصاص بينهما م:(وجريان القصاص بين العبدين) ش: هذا جواب عما يقال للرق أثر الكفر، وحقيقة الكفر تورث شبهة الإباحة، ولهذا لا يقتل المسلم بالكافر مطلقا عند الشافعي رحمه الله، فكذا أثره تورث شبهة الإباحة، وتقدير الجواب أن يقال: لا يورث شبهة الإباحة، وهو معنى قوله: وجريان القصاص بين العبدين.
م: (يؤذن) ش: أي يعلم بإيفاء شبهة الإباحة، والدليل على ذلك: أنه لو كان كما قلتم لما جاز جريان القصاص بين العبدين، ولهذا لا يجري بين المستأمنين.
م: (بانتفاء شبهة الإباحة. والنص تخصيص بالذكر) ش: هذا جواب عما استدل من المقابلة في الآية، وجهه: أن النص الذي فيه المقابلة تخصيص بذكرها.
م: (فلا ينفي ما عداه) ش: أي ما عدا المنصوص، كما في قوله:{وَالْأُنْثَى بِالْأُنْثَى} [البقرة: 178] فإنه لا ينفي الذكر بالأنثى ولا العكس بالإجماع.
وفائدة التخصيص: الرد على من أراد قتل غير القاتل بالمقتول، ذلك أن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - روى: أن قبيلتين من العرب تدعي إحداهما مقتلا على الأخرى اقتتلتا، فقالت مدعية الفضل: لا نرضى إلا بقتل الذكر منهم بالأنثى، والحر منهم بقتل العبد منا. فأنزل الله تعالى هذه الآية ردا عليهم.
ولم يذكر الجواب عن الأطراف، وقد أجيب: بأن القصاص في الأطراف معتمد المساواة في الجزاء، فإنه لا يقطع اليد الصحيحة بالشلاء، ولا مساواة بينهما في ذلك لأن الرق ثابت في أجزاء الجسم بخلاف النفوس، فإن القصاص فيها يقعدها في العصمة، وقد تساويا فيها.