الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل قال: وإذا
اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال
سقط القصاص، ووجب المال قليلا كان أو كثيرا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الآية، على ما قيل: نزلت الآية في الصلح. وقوله عليه الصلاة والسلام: "من قتل له قتيل " الحديث،
ــ
[البناية]
[فصل في بيان أحكام الصلح في القصاص وفي بيان العفو عنه]
[اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال]
م: (فصل) ش: أي: هذا فصل في بيان أحكام الصلح في القصاص، وفي بيان العفو عنه، وأخر ذكرهما عن بيان القصاص لأنهما لا يتبعانه إلا بعد وجوب القصاص.
م: (قال: وإذا اصطلح القاتل وأولياء القتيل على مال سقط القصاص، ووجب المال قليلًا كان أو كثيرا) ش: هذا لفظ القدوري رحمه الله. وقال المصنف رحمه الله: م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] الآية، على ما قيل: نزلت الآية في الصلح) ش: يعني الآية نزلت على قول ابن عباس رضي الله عنهما، والحسن البصري، والضحاك - رحمهما الله -، ومجاهد في الصلح، أي فمن أعطى على سهولة ويريد به ولي القتيل، يقال: خذ ما أتاك عفوا أي سهلًا.
وقوله: {مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ} [البقرة: 178] : أي من جهة أخيه المقتول، وقوله شيء: أي شيء من المال بطريق الصلح وتكره لأنه بحصول القدر فإنه يتعذر بما تراضيا عليه.
وقَوْله تَعَالَى: {فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] : أي: فله اتباع، أي: فلولي القتيل اتباع المصالح بالمعروف، أي: مطالبة بدل الصلح على مماثلة وحسن معاملة.
وقَوْله تَعَالَى: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] أي: على المصالح إذا أدى إلى ولي القتيل بإحسان في الأداء، وقال جماعة وهو مروي عن عمر وابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -: الآية نزلت في عفو بعض الأولياء.
ويدل عليه قوله: شيء، فإنه يراد به البعض، وتقديره: فمن عفي عنه وهو القاتل من أخيه في الدين، وهو المقتول شيء من القصاص، بأن كان للقتيل أولياء فعفا بعضهم فقد بقي نصيب الباقين مالا، وهو الدية على قدر حصصهم في الميراث، وهو قوله:{فَاتِّبَاعٌ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة: 178] أي فليتبع الذين لم يعفوا عن القاتل بطلب حصصهم بالمعروف أي بقدر حقوقهم من غير زيادة.
وقوله: {وَأَدَاءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسَانٍ} [البقرة: 178] أي القاتل إلى غير الموفي حقه وافيا غير ناقص.
م: (وقوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي وقول النبي صلى الله عليه وسلم: م: «من قتل له قتيل» الحديث)
والمراد - والله أعلم - الأخذ بالرضا على ما بيناه، وهو الصلح بعينه، ولأنه حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا، فكذا تعويضا لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل فيجوز بالتراضي والقليل والكثير فيه سواء؛
ــ
[البناية]
ش: هذا الحديث أخرجه الأئمة الستة رحمهم الله في كتبهم، عن يحيى بن كثير رحمه الله، عن أبي سلمة رضي الله عنه، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال:«لما فتح الله على رسوله صلى الله عليه وسلم مكة، قام في الناس فحمد الله وأثنى عليه، الحديث بطوله، وفي آخره: "ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يعطى الدية، وإما أن يقاد أهل القتيل» .
هذا لفظ مسلم في كتاب الحج.
ولفظ البخاري في كتاب العلم: «إما أن يعقل، وإما أن يقاد لأهل القتيل» ، ولفظه في [موضع آخر] :" إما أن يفدي، وإما أن يقيد ". ولفظه في الديات: «إما أن يؤدي، وإما أن يقاد» .
ولفظ الترمذي: «وإما أن يعفو، وإما أن يقتل» .
ولفظ النسائي في القود: " إما أن يقاد، وإما أن يفدي ".
ولفظ ابن ماجه: «إما أن يقتل، وإما أن يفدي» .
م: (والمراد والله أعلم الأخذ بالرضا) ش: أي برضا القاتل م: (على ما بيناه) ش: أي في أول الكتاب، أي عندها ليس لولي القتيل أخذ الدية إلا برضا القاتل.
م: (وهو الصلح بعينه) ش: أي أخذ الدية هو الصلح بعينه؛ لأن الصلح عبارة عن قطع النزاع، ففي أخذ الدية قطع النزاع م:(ولأنه) ش: أي ولأن القصاص م: (حق ثابت للورثة يجري فيه الإسقاط عفوا، فكذا تعويضًا) ش: من حيث أخذ العوض وهو الدية م: (لاشتماله على إحسان الأولياء وإحياء القاتل) ش: أي الاشتراك بأخذ العوض على شيئين: أولهما: الإحسان إلى أولياء المقتول، والثاني: فيه إحياء القاتل لأنه كان قد تعين للقتل وأشرف عليه في الصلح، استمرت فيه الحياة، والإضافة في كل من قوله:"على إحسان الأولياء"، "وإحياء القاتل" إضافة المصدر إلى المفعول.
م: (فيجوز بالتراضي) ش: أي فإذا كان الأمر كذلك، فيجوز الصلح وأخذ المال بالتراضي من الجانبين م:(والقليل والكثير فيه) ش: أي في أخذ العوض م: (سواء) ش: يعني يجوز أخذ العوض سواء كان قليلًا أو كثيرا، لكن الصلح على مال يجوز على أكثر من الدية في القصاص في النفس وفيما دونها، وهو حال في حال الجاني، ولا يكون ذلك على العاقلة.
لأنه ليس فيه نص مقدر فيفوض إلى اصطلاحهما كالخلع وغيره. وإن لم يذكروا حالا ولا مؤجلا فهو حال لأنه مال واجب بالعقد، والأصل في أمثاله الحلول نحو المهر والثمن بخلاف الدية لأنها ما وجبت بالعقد. قال: وإن كان القاتل حرا أو عبدا فأمر الحر ومولى العبد رجلا بأن يصالح عن دمهما على ألف درهم ففعل، فالألف على الحر ومولى العبد نصفان لأن عقد الصلح أضيف إليهما. وإذا عفا أحد الشركاء من الدم أو صالح من نصيبه على عوض، سقط حق الباقين عن القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية وأصل هذا
ــ
[البناية]
وأما الصلح على أكثر من الدية في القتل الخطأ، لا يجوز إذا كان الصلح على جنس ما تعرضت فيه الدية، وإذا كان الصلح خلاف على الجس يجوز، وإن جاز زاد على قدر الدية، نص عليه الكرخي رحمه الله في كتاب - الصلح ".
م: (لأنه ليس فيه) ش: أي في أخذ المعوض م: (نص مقدر) ش: بكسر الدال من التقدير، فإذا كان كذلك م:(فيفوض) ش: أي التقدير م: (إلى اصطلاحهما) ش: أي اصطلاح القاتل وولي المقتول م: (كالخلع) ش: على مال فإنه ليس فيه شيء مقدر، بل يرجع ذلك إلى رضا الزوجين عن القليل والكثير.
م: (وغيره) ش: أي وغير الخلع وهو الإعتاق على مال الكتابة م: (وإن لم يذكروا) ش: أي أولياء المقتول والقاتل، وإن لم يذكروا مالا م:(حالًا ولا مؤجلًا فهو حال لأنه مال واجب بالعقد) ش: أي بعقد الصلح م: (والأصل في أمثاله) ش: أي أمثال الصلح م: (الحلول نحو المهر والثمن) ش: فإن الأصل فيهما حلول الحال، وإن كان التأجيل جائزا.
م: (بخلاف الدية) ش: في قتل الخطأ، حيث لا تجب حالة م:(لأنها) ش: أي لأن الدية والتذكير على تأويل المال م: (ما وجبت بالعقد) ش: العارض على القتل، بل وجب القتل ابتداء، فوجبت مؤجلة إلى ثلاث سنين.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير " م: (وإن كان القاتل حرا أو عبدا) ش: يعني اشترك حر وعبد في قتل شخص م: (فأمر الحر ومولى العبد رجلًا بأن يصالح عن دمهما على ألف درهم ففعل، فالألف على الحر، ومولى العبد نصفان لأن عقد الصلح أضيف إليهما) ش: أي إلى الحر والعبد فيجب على الحر خمسمائة وعلى مولى العبد خمسمائة.
م: (وإذا عفا أحد الشركاء من الدم أو صالح من نصيبه على عوض، سقط حق الباقين عن القصاص، وكان لهم نصيبهم من الدية) ش: هذا لفظ القدوري رحمه الله في "مختصره".
وقال المصنف رحمه الله: م: (وأصل هذا) ش: أي أصل هذا الحكم الذي ذكره
أن القصاص حق جميع الورثة. وكذا الدية خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله - في الزوجين. لهما أن الوراثة خلافة وهي بالنسب دون السبب لانقطاعه بالموت. ولنا: أنه عليه الصلاة والسلام أمر بتوريث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم
ــ
[البناية]
القدوري في هذه المسألة م: (أن القصاص حق جميع الورثة) ش: من الذكر والأنثى، والزوج والزوجة، نص عليه الكرخي رحمه الله في "مختصره ".
م: (وكذا الدية) ش: حق الورثة م: (خلافا لمالك والشافعي - رحمهما الله - في الزوجين) ش: هذا اللفظ يدل على أنه ليس للزوجين حق في القصاص والدية، والمشهور عن مالك رحمه الله: أن القصاص موروث للعصبات خاصة. وبه قال بعض أصحاب الشافعي. وقال بعض أصحابه: لذوي الأنساب دون الزوجين. وقال الليث، والزهري، وابن سيرين، والأوزاعي، والحسن، وقتادة: ليس للنساء عفو.
وقال بعض أهل المدينة: القصاص لا يسقط بعفو بعض الورثة. وقيل: هو رواية عن مالك رحمه الله، وفي " شرح الكافي ": القصاص والدية تصير ميراثا لكل الورثة عندنا بالسبب والنسب جميعا.
وقال الشافعي: وهو قول ابن أبي ليلى: يورث بالنسب ولا يورث بالسبب، هو الزوجية، حتى لا يورث الزوج من قصاص زوجته لو قتلت، وكذا من ديتها، وكذا الزوجة من قصاص زوجها ولا من ديته.
م: (لهما) ش: أي لمالك والشافعي - رحمهما الله - م: (أن الوراثة خلافة وهي بالنسب دون السبب لانقطاعه) ش: أي لانقطاع السبب م: (بالموت) ش: لأن الزوجية تقطع بالموت.
م: (ولنا: أنه عليه السلام والسلام) ش: أي أن النبي صلى الله عليه وسلم م: «أمر بتوريث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم» ش: هذا الحديث أخرجه أصحاب السنن الأربعة، عن سفيان بن عيينة، عن الزهري، عن سعيد بن المسيب، «عن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه كان يقول: الدية للعاقلة، لا ترث المرأة من دية زوجها شيء، حتى قال الضحاك بن سفيان: كذب، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم ورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها، فرجع عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -» وقال الترمذي. حديث حسن صحيح.
وأخرجه الدارقطني في " سننه" عن محمد بن عبد الله الشعثي، عن زفر بن وثيمة، عن
ولأنه حق يجري فيه الإرث حتى إن من قتل وله ابنان، فمات أحدهما عن ابن، كان القصاص بين الصلبي وابن الابن فيثبت كسائر الورثة. والزوجية تبقى بعد الموت حكما في حق الإرث أو يثبت بعد الموت مستندا إلى سببه وهو الجرح، وإذا ثبت للجميع فكل منهم يتمكن من الاستيفاء والإسقاط عفوا وصلحا. ومن ضرورة سقوط حق البعض في القصاص سقوط حق الباقين فيه؛ لأنه لا يتجزأ، بخلاف
ــ
[البناية]
المغيرة بن شعبة، أن سعد بن زرارة الأنصاري قال لعمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -:«إن رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتب إلى الضحاك بن سفيان أن يورث امرأة أشيم الضبابي من دية زوجها» .
وقال الطبرانى: وسعد بن زرارة صحابي يكنى أبا أمامة، توفي على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم في السنة الأولى من الهجرة. قلت: قد ذكره الذهبي في " تجريد الصحابة " - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -، وقال: أشيم الضبابي الذي قتل فورث النبي صلى الله عليه وسلم زوجته من ديته، وذكر عليه علامة أحمد بن حنبل - يعني أخرجه في" مسنده ".
والضبابي: بكسر الضاد، وبالبائين الموحدتين، نسبة إلى ضباب، بطن من العرب، ذكره ابن دريد.
م: (ولأنه) ش: أي ولأن القصاص م: (حق يجري فيه الإرث أن من قتل وله ابنان، فمات أحدهما عن ابن، كان القصاص بين الصلبي) ش: وهو ابن الميت وبين م: (وابن الابن فيثبت كسائر الورثة) ش: فمن كان وارثا فله حق في القصاص.
م: (والزوجية تبقى) ش: هذا جواب عما قال مالك والشافعي من قولهما. لانقطاعه بالموت، تقريره: أن الزوجية تبقى م: (بعد الموت حكما) ش: أي من حيث الحكم م: (في حق الإرث) ش: فإذا كانت الزوجية باقية في حق الإرث كموت أحدهما لكل من الزوجين حق من قصاص الميت. م: (أو يثبت بعد الموت) ش: الإرث دليل آخر، أي ويثبت الإرث حال كونه م:(مستندا إلى سببه وهو الجرح) ش: فصار له كمال آخر في ثبوته قبل الموت. ألا ترى لو أنه أوصى بثلث ماله دخلت ديته في الوصية وقضى من ديونه.
م: (وإذا ثبت للجميع) ش: أي جميع الورثة م: (فكل منهم يتمكن من الاستيفاء والإسقاط عفوا وصلحا) ش: فقوله عفوا: يرجع إلى الإسقاط. وقوله: "صلحا " يرجع إلى الاستيفاء.
م: (ومن ضرورة سقوط حق البعض في القصاص سقوط حق الباقين فيه) ش: يعني في القصاص م: (لأنه) ش: أي لأن القصاص م: (لا يتجزأ) ش: استيفاء وينقل حق الباقين إلى المال. م: (بخلاف