الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولأن الكفارة من المقادير، وتعينها في الشرع لدفع الأدنى لا يعينها لدفع الأعلى، ومن حكمه حرمان الميراث لقوله عليه الصلاة والسلام:«لا ميراث لقاتل» .
قال: وشبه العمد عند أبي حنيفة رحمه الله: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح
ــ
[البناية]
م: (ولأن الكفارة) ش: جواب عن قياس الشافعي رحمه الله يعني إلحاقه العمد بالخطأ. تقديره أن الكفارة م: (من المقادير وتعينها في الشرع لدفع الأدنى لا يعينها لدفع الأعلى) ش: وهو القصاص، فلا يمكن إلحاق العمد بالخطأ؛ لأنه لا مدخل للرأي في تقدير العقوبات والجناية.
فإن قلت: يشكل بكفارة قتل صيد الحرم، فإنه كبيرة محضة. ومع هذا يجب فيه الكفارة؟
قلت: هو جناية على المحل، ولهذا لو اشترك حلالان في قتل صيد الحرم يلزم جزاء واحدا. ولو كان جناية الفعل، لوجب جزاء. والجناية على المحل يستوي فيها العمد والخطأ.
م: (ومن حكمه) ش: أي حكم القتل العمد م: (حرمان الميراث لقوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم م: «لا ميراث لقاتل» ش: هذا أخرجه ابن ماجه، من حديث عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - مطولا، وفيه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ليس لقاتل ميراث» .
ورواه مالك في " الموطأ "، وعن مالك رواه الشافعي في " مسنده "، وعبد الرزاق في " مصنفه "، وأخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«القاتل لا يرث» .
وقال الترمذي رحمه الله: هذا حديث لا يصح لا نعرفه إلا من هذا الوجه. وفيه إسحاق عن عبد الله بن أبي فروة تركه بعض أهل العلم، منهم أحمد بن حنبل رضي الله عنه.
[القتل شبه العمد]
م: (قال) ش: أي القدوري رحمه الله: م: (وشبه العمد عند أبي حنيفة رحمه الله: أن يتعمد الضرب بما ليس بسلاح ولا ما أجري مجرى السلاح) ش: سواء كان الدلالة به غالبا كالحجر والعصا الكبيرين ومدقة القصار أو لم يكن كالعصا الصغيرة.
وقال أبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي رحمهم الله: إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة، فهو عمد، وشبه العمد: أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا؛ لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لما أنه يقصد بها غيره كالتأديب ونحوه، فكان شبه العمد، ولا يتقاصر باستعمال آلة لا تلبث؛ لأنه لا يقصد به إلا القتل كالسيف، فكان عمدا موجبا للقود
ــ
[البناية]
وفي " المبسوط " سمي به هذا الفعل الذي لا يوجب القود ويشبه العمد أي خطأ يشبه العمد لما فيه من معنى العمد بالنظر إلى قصد الفاعل إلى الضرب. ومعنى الخطأ باعتبار انعدام قصد القتل وبالنظر إلى الآلة التي استعملها هي آلة الضرب للتأديب دون القتل والعاقل إنما يقصد إلى كل فعل بآلته، فكان ذلك خطأ يشبه العمد بلا خلاف.
وعن مالك رحمه الله في رواية إن قصد القتل يجب القود، والخلاف في تفسير شبه العمد وفي " الأوضح ": شبه العمد عند أبي حنيفة رحمه الله: أن يتعمده بكل آلة لم توضع للقتل.
م: (وقال أبو يوسف ومحمد وهو قول الشافعي رحمهم الله: إذا ضربه بحجر عظيم أو بخشبة عظيمة فهو عمد، وشبه العمد: أن يتعمد ضربه بما لا يقتل به غالبا؛ لأنه يتقاصر معنى العمدية باستعمال آلة صغيرة لا يقتل بها غالبا لما أنه يقصد بها غيره) ش: أي غير القتل م: (كالتأديب ونحوه) ش: كالتحريق م: (فكان شبه العمد، ولا يتقاصر باستعمال آلة لا تلبث؛ لأنه لا يقصد به إلا القتل كالسيف، فكان عمدا موجبا للقود) ش: أي القصاص.
وقال صاحب (" المجتبى ": يشترط عند أبي حنيفة رحمه الله أن يقصد التأديب دون الإتلاف، وعندهما: إن كان متعمدا بما كان الإتلاف غالبا فعمد محض.
وعند الشافعي ومالك وأحمد: بكل آلة لا تصلح للقتل، فلو ضربه بسوط صغير، سوطا أو سوطين فمات فهو شبه العمد عند الكل، ولو والى في الضربات إلى أن مات. فإن كان جملة ما والى بحيث يقتل مثله غالبا، فهو عمد محض عندهما. وبه قالت الأئمة الثلاثة رحمهم الله، وقال بعضهم هو شبه العمد على قولهما، كقول أبي حنيفة رحمه الله ولو خيفة فمات، فهو شبه عمد لا قصاص فيه، إلا أن يكون معروفا بذلك.
وعند الأئمة الثلاثة رحمهم الله: يجب القود. وقال بعضهم: شبه العمد عند أبي حنيفة رحمه الله أن يتعمده بكل آلة لم توضع للقتل. وعندهما: بكل آلة لا تقتل غالبا. وقد ذكرنا هذا.
وله قوله عليه الصلاة والسلام: «ألا إن قتيل خطأ العمد، قتيل السوط والعصا وفيه مائة من الإبل» ، ولأن الآلة غير موضوعة للقتل ولا مستعملة فيه إذ لا يمكن استعمالها على غرة من المقصود قتله، وبه يحصل القتل غالبا، فقصرت العمدية نظرا إلى الآلة
ــ
[البناية]
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة رحمه الله: م: (قوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم م: «ألا إن قتيل خطأ العمد قتيل السوط والعصا وفيه مائة من الإبل» ش: هذا الحديث رواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالعصا مائة من الإبل منها أربعون في بطونها أولادها» .
وروي أيضا عن عبد الله بن عمر بن الخطاب - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، أخرجه الثلاثة المذكورون عنه:«أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب يوم الفتح بمكة، الحديث. وفيه: " ألا إن دية الخطأ شبه العمد ما كان بالسوط أو العصا مائة من الإبل، منها أربعون في بطونها أولادها» .
ورواه أحمد والشافعي وإسحاق في " مسانيدهم "، ورواه ابن أبي شيبة وعبد الرزاق في " مصنفيهما " والتمسك به أنه صلى الله عليه وسلم لم يقصد بين الصغير والكبير، وعليهما عملا بالإطلاق.
وقال تاج الشريعة رحمه الله: في إعراب حديث الباب أي " قتله " بالنصب على البدل. وخبر إن " فيه مائة من الإبل ". وروي بالرفع فيكون هو خبر المبتدأ. ويكون قوله: " فيه مائة " كلاما مستأنفا.
م: (ولأن الآلة) ش: سواء كانت كبيرة أو صغيرة م: (غير موضوعة للقتل ولا مستعملة فيه، إذ لا يمكن استعمالها) ش: أي في القتل لأنه لا يمكن استعمال هذه الآلة م: (على غرة) ش: بكسر الغين المعجمة، وتشديد الراء على غفلة. م:(من المقصود قتله، وبه) ش: أي وبالاستعمال على غرة م: (يحصل القتل غالبا، فقصرت العمدية نظرا إلى الآلة) ش: يعني القصد إلى القتل أمر باطن لا يوقف الأمر عليه، فأقام الشرع الضرب بآلة وضعت للقتل مقام القصد إلى القتل، وأقام الضرب بآلة وضعت للتأديب مقام عدم القصد، فسقط اعتبار حقيقة القصد، واعتبر السبب القائم مقامه. كذا في " مبسوط شيخ الإسلام ".
فكان شبه العمد كالقتل بالسوط والعصا الصغيرة. قال وموجب ذلك على القولين الإثم لأنه قتل وهو قاصد في الضرب والكفارة لشبهه بالخطأ والدية مغلظة على العاقلة والأصل أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء لا بمعنى يحدث من بعد فهي على العاقلة اعتبارا بالخطأ، وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتجب مغلظة، وسنبين صفة التغليظ من بعد إن شاء الله تعالى. ويتعلق به حرمان الميراث لأنه جزاء القتل، والشبهة تؤثر في سقوط القصاص
ــ
[البناية]
م: (فكان شبه العمد كالقتل بالسوط والعصا الصغيرة) ش: لأن تتقاصر الآلة بتقاصر معنى العمدية. فيكون شبه العمد م: (قال وموجب ذلك) ش: أي موجب شبه العمد م: (على القولين) ش: أي على قول أبي حنيفة رحمه الله وقولهما: م: (الإثم لأنه قتل وهو قاصد في الضرب) ش: قتل على صيغة فعل الماضي، والواو في وهو للحال.
م: (والكفارة) ش: بالرفع عطفا على قوله: " الإثم ". أي وموجبه أيضا وجوب الكفارة م: (لشبهه بالخطأ) ش: أي بالنظر إلى الآلة. وبه قالت الأئمة الثلاثة.
وفي " الإيضاح ": وجدت في كتب أصحابنا أن لا كفارة في شبه العمد عند أبي حنيفة رحمه الله لأن الإثم كامل متناه. وتناهيه يمنع شرع الكفارة لأن ذلك من باب التخفيف.
وفي " الكافي ": والصحيح أنها تجب عنده. ذكره الطحاوي والجصاص.
م: (والدية) ش: بالرفع أيضا. أي وموجب ذلك أيضا وجوب الدية حال كونها م: (مغلظة) ش: أي دية مغلظة وسيجيء تفسيرها إن شاء الله تعالى م: (على العاقلة والأصل) ش: أي في هذا الباب م: (أن كل دية وجبت بالقتل ابتداء) ش: يعني كل دية يوجبها القتل من الابتداء م: (لا بمعنى يحدث من بعد) ش: احترز به بما يصالحوا فيه على الدية، وعن قتل الوالد ولده عمدا وعن إقرار القاتل بالقتل خطأ، وقد كان قتله عمدا. فإن في هذه الصور تجب الدية على القاتل في ماله.
وقوله: " من بعد " بضم الدال لأنه لما بعد من الكسر بالإضافة بني على الضم. وقوله م: (فهي على العاقلة) ش: خبر أن. وسيجيء تفسير العاقلة في باب مستقبل م: (اعتبارا بالخطأ) ش: أي قياسا عليه. م: (وتجب في ثلاث سنين لقضية عمر بن الخطاب رضي الله عنه وتجب مغلظة) ش: أي الدية حال كونها مغلظة. م: (وسنبين صفة التغليظ من بعد إن شاء الله تعالى) ش: في كتاب الديات.
م: (ويتعلق به) ش: أي شبه العمد م: (حرمان الميراث لأنه جزاء القتل، والشبهة تؤثر) ش: أي لأن حرمان الميراث م: (في سقوط القصاص) ش: كان ينبغي أن يؤثر أيضا في حرمان الميراث.