الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإن أعتق ثم حابى فهما سواء وقالا: العتق أولى في المسألتين. والأصل فيه: أن الوصايا إذا لم يكن فيها ما جاوز الثلث فكل من أصحابها يضرب بجميع وصيته في الثلث لا يقدم البعض على البعض إلا العتق الموقع في المرض، والعتق المعلق بموت الموصي كالتدبير الصحيح، والمحاباة في البيع إذا وقعت في المرض؛ لأن الوصايا قد تساوت، والتساوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق. وإنما قدم العتق الذي ذكرناه آنفا؛
ــ
[البناية]
مالك. ثم العتق يعتبر من الثلث عند الجمهور إلا ما حكي عن مسروق: أنه يعتبر من رأس المال وهو قول شاذ مخالف للأثر.
[أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بسدسه ولآخر بربعه]
م: (وإن أعتق ثم حابى فهما) ش: أي قوله أي هذه
…
إلخ، ولفظ الشارح على " الكنز " فإن حابى محرر، أي المحاباة أحق من التحرير بعكسه أي وبعكس الحكم المذكور وهو أن يعتق أولا ثم يحابي استويا، أي العتق والمحاباة، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله هذه والتي قبلها م:(سواء) ش: عند أبي حنيفة.
م: (وقالا: العتق أولى في المسألتين) ش: وبه قال الشافعي وأحمد، وهو قول الزهري والنخعي والثوري وقتادة وإسحاق، وقال الشافعي في قول وأحمد في رواية: يستوي بين كل الوصايا م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (أن الوصايا إذا لم يكن فيها ما جاوز الثلث) ش: مثل أن يوصي بالربع والسدس م: (فكل من أصحابها يضرب بجميع وصيته في الثلث لا يقدم البعض على البعض) ش: بلا خلاف بين العلماء.
وفي" المبسوط ": أوصى بثلث ماله لرجل ولآخر بسدسه ولآخر بربعه فأجازت الورثة يأخذ كل حقه كاملا؛ لأن في المال وفاء، ولو لم يجز وضرب كل واحد منهم في الثلث بوصيته فتكون القسمة بينهم على طريق العول بالاتفاق؛ لأن الوصايا كلها وقعت في الثلث واستوت في القوة، فيضرب كل بجميع حقه.
م: (إلا العتق الموقع في المرض) ش: هذا استثناء من قول لا يقدم، أي المعجز لا العوض إلى إعتاق الورثة، مثل أن يقول: اعتقوه م: (والعتق المعلق بموت الموصى) ش: مثل أن يوصي بعتقه بعد موته م: (كالتدبير الصحيح) ش: مثل أن يقول الرجل للمملوك: أنت حر بعد موتي أو أنت حر إذا مت أو إن مت، واحترز بالصحيح عن التدبير الفاسد، كما إذا قال أنت حر بعد موتي بيوم أو بشهر، فإنه لا يكون مقدما على سائر الوصايا، بل هو وسائر الوصايا سواء م:(والمحاباة) ش: بالرفع عطف على قوله: إلا العتق الموقع في المرض م: (في البيع إذا وقعت في المرض؛ لأن الوصايا قد تساوت) ش: تعليل لقوله لا يقدم البعض على البعض م: (والتساوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق، وإنما قدم العتق الذي ذكرناه آنفا) ش: وهو
لأنه أقوى، فإنه لا يلحقه الفسخ من جهة الموصي وغيره يلحقه، وكذلك المحاباة لا يلحقها الفسخ من جهة الموصي. وإذا قدم ذلك فما بقي من الثلث بعد ذلك يستوي فيه من سواهما من أهل الوصايا، ولا يقدم البعض على البعض. لهما في الخلافية: أن العتق أقوى؛ لأنه لا يلحقه الفسخ، والمحاباة يلحقها ولا معتبر بالتقديم في الذكر؛ لأنه لا يوجب التقدم في الثبوت. وله: أن المحاباة أقوى؛ لأنها تثبت في ضمن عقد المعاوضة، فكان تبرعا بمعناه لا بصيغته، والإعتاق تبرع صيغة ومعنى.
ــ
[البناية]
العتق الموقع في المرض م: (لأنه أقوى، فإنه لا يلحقه الفسخ من جهة الموصي وغيره) ش: أي غير العتق المنفذ م: (يلحقه) ش: أي الفسخ من جهة الموصي؛ لأنه يصح الرجوع عنه. ولا يصح الرجوع في العتق.
م: (وكذلك المحاباة لا يلحقها الفسخ من جهة الموصي) ش: لأنها تثبت في ضمن عقد المعاوضة ومن قضية المعاوضة اللزوم، فلزمه الوصية التي في ضمنها بمنزلة العتق م:(وإذا قدم ذلك) ش: أي العتق م: (فما بقي من الثلث بعد ذلك يستوي فيه من سواهما) ش: أي من سوى العتق المذكور، والذي له م:(من أهل الوصايا ولا يقدم البعض على البعض) ش: بل يكون بينهم على قدر وصاياهم.
م: (لهما) ش: أي لأبي يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (في الخلافية) ش: وهي التي قدم فيها المحاباة على العتق: م: (أن العتق أقوى؛ لأنه لا يلحقه الفسخ والمحاباة يلحقها) ش: أي الفسخ م: (ولا معتبر بالتقديم في الذكر؛ لأنه) ش: أي لأن التقديم في الذكر م: (لا يوجب التقديم في الثبوت) ش: كما إذا أوصى لفلان ولفلان بالثلث لا يكون المقدم بالذكر مقدما على غيره، بل يكون الثلث بينهم أثلاثا، كذا فيما نحن فيه لا يكون المحاباة أولى بالتقديم في الذكر.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - م: (أن المحاباة أقوى لأنها تثبت في ضمن عقد المعاوضة) ش: لأنها حصلت في البيع والبيع عقد ضمان؛ لأن المبيع مضمون عليه يطالب بتسليم المبيع، فصارت المحاباة بمنزلة الدين.
م: (فكان) ش: أي البيع بالمحاباة م: (تبرعا بمعناه) ش: يعني من حيث المعنى م: (لا بصيغته) ش: أي لا من حيث صيغته، فإن البيع بالمحاباة عقد تجارة، حتى يجب للشفيع الشفعة، فالشفعة تخصيص بالمعاوضات، ولهذا إن البيع بالمحاباة يصح من العبد المأذون والصبي المأذون والمرض لا يلحقه الحجر عن التجارة م:(والإعتاق تبرع صيغة ومعنى) ش: لا تجارة فيه.
فإذا وجدت المحاباة أولا دفع الأضعف، وإذا وجد العتق أولا وثبت وهو لا يحتمل الدفع كان من ضرورته المزاحمة، وعلى هذا قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا حابى ثم أعتق ثم حابى قسم الثلث بين المحاباتين نصفين لتساويهما، ثم ما أصاب المحاباة الأخيرة قسم بينها وبين العتق؛ لأن العتق مقدم عليها فيستويان. ولو أعتق ثم حابى ثم أعتق قسم الثلث بين العتق الأول والمحاباة نصفين. وما أصاب العتق قسم بينه وبين العتق الثاني وعندهما العتق أولى بكل حال. قال: ومن أوصى بأن يعتق عنه بهذه المائة عبد فهلك منها درهم لم يعتق عنه بما بقي عند أبي حنيفة رحمه الله، وإن كانت وصيته بحجة يحج عنه
ــ
[البناية]
م: (فإذا وجدت المحاباة أولا دفع الأضعف وإذا وجد العتق أولا وثبت وهو لا يحتمل الدفع كان من ضرورته المزاحمة) ش: يعني لما وجد العتق أولا ثم وجدت المحاباة لم ترفع المحاباة لقوة العتق الذي نفذ في الثلث؛ لأنه لا يحتمل الرفع. ولما ثبت كل واحد من الحقين ثبتت المزاحمة ضرورة، فيكونان سواء م:(وعلى هذا) ش: أي: وعلى هذا الأصل م: (قال أبو حنيفة رحمه الله: إذا حابى ثم أعتق ثم حابى قسم الثلث بين المحاباتين نصفين لتساويهما) ش: في وقوعهما في ضمن عقد المعاوضة.
م: (ثم ما أصاب المحاباة الأخيرة) ش: من نصف الثلث م: (قسم بينها وبين العتق؛ لأن العتق مقدم عليها فيستويان، ولو أعتق) ش: أولا م: (ثم حابى ثم أعتق قسم الثلث بين العتق الأول والمحاباة نصفين، وما أصاب العتق قسم بينه وبين العتق الثاني) ش: لتخاسرهما م: (وعندهما العتق أولى بكل حال) .
ش: فإن قلت ينبغي أن تقدم المحاباة الأولى على الثانية؛ لأن الأولى تقدم على العتق عنده والأخيرة من المحاباتين يساوي العتق عنده، وما قدم على أحد المتساويين يتقدم على المتساوي الآخر.
قلت: دل الدليل على تساوي المتحابين؛ لأنهما من جنس واحد والتساوي في سبب الاستحقاق يوجب التساوي في نفس الاستحقاق. ولهذا لو وجدنا متفاضلين متساويين ودل الدليل على تقدم الأول ما ذكرنا، فعملنا بهما، وقلنا بالتساوي بين المتحابين عملا بالدليل الأول، ثم ما أصاب الأخيرة يقسم بينهما وبين العتق بالدليل الثاني، فيكون عملا بالدليلين بقدر الإمكان.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن أوصى بأن يعتق عنه بهذه المائة عبد فهلك منها درهم لم يعتق عنه بما بقي عند أبي حنيفة رحمه الله، وإن كانت وصيته بحجة يحج عنه
بما بقي من حيث يبلغ، وإن لم يهلك منها وبقي شيء من الحجة يرد على الورثة. وقالا: يعتق عنه بما بقي؛ لأنه وصية بنوع قربة، فيجب تنفيذها ما أمكن اعتبار بالوصية بالحج، وله: أنه وصية بالعتق لعبد يشتري بمائة، وتنفيذها فيمن يشترى بأقل منه تنفيذ لغير الموصى له، وذلك لا يجوز. بخلاف الوصية بالحج؛ لأنها قربة محضة، وهي حق لله تعالى، والمستحق لم يتبدل، فصار كما إذا أوصى لرجل بمائة فهلك بعضها يدفع الباقي إليه. وقيل: هذه المسألة بناء على أصل آخر مختلف فيه، وهو أن العتق حق لله تعالى عندهما حتى تقبل الشهادة عليه من غير دعوى فلم يتبدل المستحق. وعنده حق العبد حتى لا تقبل البينة عليه من غير دعوى، فاختلف المستحق، وهذا أشبه. قال: ومن ترك ابنين ومائة درهم وعبدا قيمته مائة درهم، وقد كان أعتقه في مرضه فأجاز الوارثان ذلك لم يسع في شيء؛ لأن العتق في مرض الموت. وإن كان في حكم الوصية وقد وقعت بأكثر من الثلث إلا أنها تجوز بإجازة الورثة لأن الامتناع لحقهم وقد أسقطوه
ــ
[البناية]
بما بقي من حيث يبلغ، وإن لم يهلك منها وبقي شيء من الحجة يرد على الورثة، وقالا: يعتق عنه بما بقي لأنه وصية بنوع قربة فيجب تنفيذها ما أمكن اعتبارا بالوصية بالحج) ش: وهو قياس قول الأئمة الثلاثة، ولو فضل شيء من الحج يصرف أي الحج ولا يرد إلى الورثة عند الثلاثة.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة م: (أنه وصية بالعتق لعبد يشترى بمائة وتنفيذها فيمن يشترى بأقل منه تنفيذا لغير الموصى له، وذلك لا يجوز بخلاف الوصية بالحج؛ لأنها قربة محضة وهي حق لله تعالى، والمستحق لم يتبدل، فصار كما إذا أوصى لرجل بمائة فهلك بعضها يدفع الباقي إليه، وقيل: هذه المسألة بناء على أصل آخر مختلف فيه، وهو أن العتق حق لله تعالى عندهما حتى تقبل الشهادة عليه من غير دعوى، فلم يتبدل المستحق وعنده) ش: أي وعند أبي حنيفة رحمه الله م: (حق العبد حتى لا تقبل البينة عليه من غير دعوى، فاختلف المستحق، وهذا أشبه) ش: أي كون هذا الخلاف في عتق القسمة بناء على أن العتق حق الله عز وجل، أو حق المملوك أشبه بالصواب؛ لأنه ثبت بالدليل أنه حق العبد عنده.
فيحلف المستحق إذا هلك منه شيء وتبطل الوصية يرد المائة إلى ورثته، كذا قاله الأكمل.
م: (قال) ش: أي محمد في " الجامع الصغير ": م: (ومن ترك ابنين ومائة درهم وعبدا قيمته مائة درهم وقد كان أعتقه في مرضه فأجاز الوارثان ذلك لم يسع في شيء؛ لأن العتق في مرض الموت. وإن كان في حكم الوصية وقد وقعت بأكثر من الثلث إلا أنها تجوز بإجازة الورثة؛ لأن الامتناع لحقهم وقد أسقطوه) ش: فصار كما إذا أوصى لرجل بنصف ماله فأجازه الورثة سلم ذلك للموصى له، فكذا هذا.