الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
كتاب الجنايات
قال: القتل على خمسة أوجه عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطأ، والقتل بسبب. والمراد بيان قتل تتعلق به الأحكام.
ــ
[البناية]
[كتاب الجنايات]
[الجناية عند الفقهاء]
م: (كتاب الجنايات) ش: أي هذا كتاب بيان أحكام الجنايات، وهي جمع جناية، وهي لغة: اسم لما يجنيه من شر أي يكسبه، تسميته بالمصدر إذ هي في الأصل مصدر جنى عليه شرا، وأصله من جني الثمر وهو أخذه من الشجر، وهو عام، إلا أنه خص بما يحرم من الفعل شرعا سواء جنى بنفس، أو بمال.
ويراد بإطلاق اسم الجناية عند الفقهاء، فعل حل في النفس أو الطرف. وقال شيخ الإسلام الجناية على النفس يسمى قتلا. وفيما دون النفس قطعا وجرحا.
والقتل فعل مضاف إلى العباد بحيث يزول به الحياة، وزوال الحياة بدون قتل العباد يسمى موتا. وسببها سبب الحدود، وشرطها كون المحل حيوانا ولما كان ملاك الولاية الدينية والدنيوية والرياسة الإحسان أتى إلى العدل والسياسة.
فإن بالإحسان يستعبد الإنسان ويرفع التباغض والعدوان. وبالسياسة تزجر السفهاء عن الطغيان، وبالعدل يستقيم الملك وتعمر البلدان.
كان شرع أحكام الجنايات من معظم معاقد الأمور، فأتبعها المصنف رحمه الله بالعبادات والمعاملات وأخرجها لأنها ترجع إلى العارض. فأوردها عقيب الرهن إذ كل واحد للوقاية والصيانة، فإن الرهن وثيقة لصيانة المال عن الهلاك. فكذا حكم الجناية مشروعة لصيانة المكلف عن الهلاك.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (القتل على خمسة أوجه: عمد، وشبه عمد، وخطأ، وما أجري مجرى الخطأ، والقتل بسبب) ش: إلى هنا لفظ القدوري، وقال المصنف: م: (والمراد) ش: أي مراد القدوري م: (بيان قتل تتعلق به الأحكام) ش: قيد به لأن أنوع القتل أكثر من خمسة: وقد ذكر في " مبسوط شيخ الإسلام ": أنوع القتل أكثر من خمسة، من رجم وقصاص، وقتل حربي، وقتل لقطع الطريق، وقتل المرتد. فعلم أن المراد به القتل الموجب للضمان وهو خمسة، وفي الأصل: القتل على ثلاثة أوجه: عمد، وشبه عمد، وخطأ.
ونقل الطحاوي والكرخي في " مختصريهما " هذه العبارة. وقال صاحب " النافع ": القتل
قال: فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح كالمحدود من الخشب وليطة القصب والمروة المحددة والنار لأن العمد هو القصد ولا يوقف عليه إلا بدليله، وهو استعمال الآلة القاتلة، فكان متعمدا فيه عند ذلك.
ــ
[البناية]
على أربعة أوجه: عمد، وشبه عمد، وخطأ، والقتل بسبب.
قيل: وجه الانحصار: أن القتل لا يخلو إما أن يكون بسلاح أو بغيره. فإن صدر بسلاح فلا يخلو إما أن يكون به قصد القتل أو لا، فالأول عمد، والثاني خطأ. وإن صدر بغير سلاح، فأما إن كان معه قصد التأديب أو الضرب أم لا، فإن كان فهو شبيه العمد وإلا فلا يخلو إما أن يكون جاريا مجرى الخطأ أو لا فإن كان فهو، وإن لم يكن فهو القتل بالسبب، وقيل: وجه الحصر الاستقراء التام، ونسب هذا إلى أبي بكر الرازي رحمه الله.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (فالعمد ما تعمد ضربه بسلاح أو ما أجري مجرى السلاح) ش: يعني في تفريق الأجزاء م: (كالمحدود من الخشب وليطة القصب) ش: الليطة بكسر اللام قشر القصب م: (والمروة المحددة) ش: وهي القطعة من الحجر الصوان، يكون لها أطراف تقطع ما أصابته.
م: (والنار) ش: التي هي أسرع للهلاك، وفي " المغني ": الحدة ليست بشرط إذا كانت الآلة من الحديد، فقال: العمد، أن يتعمد الإنسان في قتل من لا يحل قتله بالحديد سواء كان سلاحا نحو السيف، والسكين، والرمح أو لم يكن سلاحا كالإبرة والأشفار، سواء كان له حد ينصع أو لا، كالعمود وصنجة الميزان، وسواء كان الغالب منه الهلاك أو لم يكن، هذا كله على رواية الأصل. وذكر الطحاوي عن أبي حنيفة رحمه الله: لو قتله بصنجة عمود أو حديد لا حد له فهو ليس بعمد محض، فلا يجب القصاص، بل هو خطأ وعمد.
وفي " فتاوى قاضي خان " رحمه الله: في ظاهر الرواية في الحديد وما يشبه الحديد كالنحاس والصفر، والرصاص، والذهب والفضة، والإبريز لا يشتط الجرح لوجوب القصاص.
وفي " المبسوط " عن أبي حنيفة رحمه الله: قتله بعمود أو صنجة حديد لا حد له فليس بعمد عنده، بل هو خطأ وعمد عندهما، إن كان الغالب منه الهلاك، فعمد محض وإلا فخطأ عمد. م:(لأن العمد هو القصد ولا يوقف عليه إلا بدليله) ش: أي بدليل العمد م: (وهو) ش: أي دليله م: (استعمال الآلة القاتلة فكان متعمدا فيه) ش: أي في عمده باستعمال الآلة القاتلة.
م: (عند ذلك) ش: أي عند وجود العمد باستعمال الآلة القاتلة؛ لأن القاتلة إرقاق للحياة،
وموجب ذلك المأثم لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الآية، وقد نطق به غير واحد من السنة،
ــ
[البناية]
وهو غير محسوس. فيكون القصد إلى إرقاق الحياة بالضرب بالسلاح الذي هو خارج عامل في الظاهر والباطن جميعا م: (وموجب ذلك) ش: أي مقتضى العمد الموصوف بتلك الأوصاف م: (المأثم) ش: أي حصول الإثم العظيم. وروي عنه صلى الله عليه وسلم: «لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل امرئ مسلم» هذا حديث ذكره غالب الشراح. ولم يذكروا من رواه، ولا من أخرجه.
قلت: هذا أخرجه الترمذي والنسائي - رحمهما الله - من حديث عبد الله بن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لزوال الدنيا»
…
" الحديث.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ} [النساء: 93] الآية) ش: (النساء: الآية 93) ويكفي هذه الآية موعظة في قتل النفس بغير حق م: (وقد نطق به غير واحد من السنة) ش: أي السنة فيه أكثر من أن يحصى، وأظهر من أن يخفى منها ما رواه الترمذي رحمه الله عن أبي الحكم، عن أبي سعيد الخدري، وأبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا -، يذكران عن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«لو أن أهل السماء وأهل الأرض اشتركوا في دم مؤمن لأكبهم الله في النار» .
ومنها: ما رواه البخاري رحمه الله عن ابن عمر - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «لا يزال المؤمن في فسحة من دينه ما لم يصب دما حراما» .
ومنها: ما رواه النسائي عن أبي إدريس الخولاني عائذ الله، عن معاوية: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «كل ذنب عسى الله أن يغفره إلا الرجل يموت كافرا، أو الرجل يقتل مؤمنا متعمدا» .
ومنها: ما رواه ابن ماجه من حديث سعيد بن المسيب رحمه الله عن أبي هريرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «من أعان على قتل مؤمن بشطر كلمة لقي الله تعالى مكتوب بين عينيه آيس من رحمة الله عز وجل» . والأحاديث في هذا الباب كثيرة جدا.
وعليه انعقد إجماع الأمة. قال: والقود لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178](البقرة: الآية 178) إلا أنه تقيد بوصف العمدية لقوله عليه الصلاة والسلام: «العمد قود»
ــ
[البناية]
م: (وعليه انعقد إجماع الأمة) ش: أي وعلى التحريم إجماع أمة النبي صلى الله عليه وسلم على الوجه المذكور.
م: (قال والقود) ش: عطف على قوله المأثم أي وموجبة أيضا وجوب القود أي القصاص.
م: (لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصَاصُ فِي الْقَتْلَى} [البقرة: 178] (البقرة: الآية 178) ش: وما كتب على عباده فهو فرض. م: (إلا أنه تقيد بوصف العمدية) ش: يعني أن الآية بظاهرها لم تفرق بين العمد والخطأ، إلا أنه، أي غير أن القتل تقيد بوصف العمدية. م:(لقوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم: م: «العمد قود» ش: هذا الحديث رواه ابن أبي شيبة في " مسنده " من حديث طاوس، عن ابن عباس - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا - قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العمد قود إلا أن يعفو ولي المقتول» .
ورواه أبو داود والنسائي وابن ماجه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أيضا طويلا، وفيه:«من قتل عمدا فهو قود» . والحديث مشهور زيد به على الكتاب، فما بقي الكتاب على إطلاقه فصار كالمجمل. فيجوز عندنا أن يكون الحديث بيانا له وإن كان خبرا واحدا كما في بيان قدر مسح الرأس. وفسر المصنف رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم:«العمد قود» بقوله: م: (أي موجبة) ش: أي موجب العمد أي الذي يقتضيه قود. أي قصاص لأن غير العمد ليس بقصاص.
أي موجبة؛ ولأن الجناية بها تتكامل وحكمة الزجر عليهما تتوفر، والعقوبة المتناهية لا شرع لها دون ذلك. قال: إلا أن يعفو الأولياء أو يصالحوا لأن الحق لهم، ثم هو واجب علينا، وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل، وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله إلا أن له حق العدول إلى المال من غير مرضاة القاتل؛ لأنه تعين مدفعا للهلاك فيجوز بدون رضاه.
ــ
[البناية]
م: (ولأن الجناية بها) ش: أي بالعمدية م: (تتكامل) ش: ليجب القصاص لأن قتل الخطأ ليس بجناية محضة. م: (وحكمة الزجر) ش: مبتدأ م: (عليهما) ش: أي على الجناية، م:(تتوفر) ش: خبر مبتدأ من توفر على الشيء إذا ادعى حرماته ووفر عليه حقه توفيرا، واستوفره إذا استوفاه كاملا، وحاصل المعنى: أن العمدية تحصل بالجناية الكاملة، كل ما تتكامل به الجناية كانت حكمة الزجر عليها أكمل؛ لأن حكمة الزجر المنع عن الإقدام على الجنايات، لمراعاة حرمتها لا للمجاراة المحضة إذ الدنيا ليست بدار الجزاء ودار الجزاء هي الآخرة.
م: (والعقوبة المتناهية لا شرع لها) ش: هذه حجة أخرى، وأراد بالعقوبة المتناهية القصاص. قوله م:(دون ذلك) ش: أي دون قيد العمدية. وقال تاج الشريعة رحمه الله: العقوبة المتناهية إزالة حياة لا تشرع بدون تكامل الجناية.
م: (قال) ش: أي القدوري م: (إلا أن يعفو الأولياء) ش: هذا لفظ القدوري رحمه الله وقوله م: (أو يصالحوا) ش: لفظ المصنف رحمه الله يعني إذا عفا الأولياء عن القصاص أو يصالحوا على مال فيسقط القصاص م: (لأن الحق لهم) ش: أي للأولياء. م: (ثم هو) ش: أي القصاص م: (واجب علينا) ش: أي من حيث التعين من الشارع. ونتيجته تظهر من قوله: م: (وليس للولي أخذ الدية إلا برضا القاتل) ش: لأن حقه القصاص بتعيين الشارع، وليس هو المخير بين أخذ الدية والقصاص.
م: (وهو أحد قولي الشافعي رحمه الله) ش: وبه قال مالك رحمه الله في رواية. وهو قول إبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، والحسن بن حي، وابن شبرمة رحمهم الله.
م: (إلا أن له) ش: أي للولي م: (حق العدول إلى المال من غير مرضاة القاتل؛ لأنه) ش: أي المال م: (تعين مدفعا للهلاك) ش: وصيانة النفس عن الهلاك فرض بقدر الإمكان.
وقال تاج الشريعة: قوله: من غير مرضاة القاتل م: (فيجوز بدون رضاه) ش: أي يجوز بغير رضاه لأنه ملكه ما يجيء، به نفسه، فيلزم هذا التمليك شاء القاتل أو أبى، كمن أصابه مخمصة، فبذل له إنسان طعاما بثمن المثل، يلزمه هذا التمليك. وهذا لأن إحياء النفس فرض على الإنسان ما أمكن.