الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والمطيع والعاصي في سفره في الرخصة سواء. وقال الشافعي رحمه الله سفر المعصية لا يفيد الرخصة، لأنها تثبت تخفيفا فلا تتعلق بما يوجب التغليظ، ولنا إطلاق النصوص ولأن نفس السفر ليس بمعصية، وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره فصلح متعلق الرخصة والله أعلم.
ــ
[البناية]
[ترخص العاصي]
م: " والمطيع " ش: هو الذي يخرج للحج، أو الجهاد م:(والعاصي) ش: هو الذي يخرج لقطع الطريق، أو الإباق م:(في سفره في الرخصة سواء) ش: وفي بعض النسخ في سفرهما.
م: (وقال الشافعي: سفر المعصية لا يفيد الرخصة) ش: وبه قال مالك، وأحمد م:(لأنها) ش: أي لأن الرخصة م: (تثبت تخفيفا) ش: أي لأجل التخفيف على المكلف م: (فلا يتعلق بما يوجب التغليظ) ش: أي الذي يوجب التغليظ هو المعصية، المعنى: أن الحكم تنجيز السبب، والمعصية سبب التغليظ فكيف يثبت بها التخفيف؟
م: (ولنا إطلاق النصوص) ش: منها قَوْله تَعَالَى: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ} [البقرة: 184](البقرة: آية 184) .
ومنها قوله صلى الله عليه وسلم: «فرض المسافر ركعتان» ، كل ذلك مطلقة فيقتضي ثبوت الأحكام في كل مسافر م:(ولأن نفس السفر ليس بمعصية) ش: لأنه عبارة عن خروج بريد، وهو يقوي المعصية لإمكان المفارقة بينهما م:(وإنما المعصية ما يكون بعده) ش: أي بعدما صار مسافرا كما في قطع الطريق م: (أو يجاوره) ش: أي ويجاور السفر كما في الإباق وعقوق الوالدين م: (فصلح) أي السفر م: (متعلق) ش: أي سبب م: (الرخصة والله أعلم) ش: لأن القبح المجاوز لا يتقدم المشروعية، كالصلاة في أرض مغصوبة، والبيع وقت النداء.
اعلم: أن السفر خمسة: واجب، ومندوب، ومباح، ومكروه، وحرام.
فالواجب: سفر الحج. ومندوب: مثل حج النفل، وطلب العلم، وزيارة قبر النبي صلى الله عليه وسلم في مسجده، والصلاة في المسجد الأقصى، وزيارة الوالدين.
والمباح: سفر التجارة، والتنزه، والمكروه: السفر من بلد إلى بلد، لا لغرض صحيح. والحرام: السفر لقطع الطريق، أو الإباق، ونحوهما.
فعندنا يقصر في كل سفر، وفرقت المالكية بين العاصي بسفره، فجوزوا الرخص للثاني دون الأول، وبقولنا قال الأوزاعي، والثوري، وداود، وأصحابه والمزني، وبعض المالكية، وعن زياد بن عبد الرحمن إلا أنه نسي أن العاصي بسفر يقصر ويفطر، لكن المشهور عن مالك المنع بسفر المعصية، وهو قول الشافعي، وأحمد.
وقال النووي: وما يلحق بسفر المعصية أن يتعب نفسه ويعذب دابته بالركض بغير
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
غرض، ولو انتقل من بلد إلى بلد لغير غرض صحيح، لم يترخص، والسفر لمجرد رؤية البلاد ليس بغرض صحيح فلا يترخص.
وعن مالك: لا يقصر الصائد المتلذذ، وعن ابن مسعود رضي الله عنه لا يقصر إلا في السفر الواجب كالحج والجهاد، وقال عطاء: أرى أن لا يقصر إلا في سبيل من سبل الخير، ومنهم من قال: لا يقصر إلا في الخوف، وكان الأدنى من الشافعية يقول: إن العاصي بسفره لا يأكل الميتة، فإذا قيل له في المنع: قتل نفسه وهو حرام، قال الله تعالى:{وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ} [النساء: 29](النساء: آية 29)، يقول: لكن توبة مظهر الانقطاع.
قال أبو بكر الرازي: لا يجوز له قتل نفسه وإن لم يتب، لأن ترك التوبة لا يبيح له قتل نفسه إذ فيه جمع بين معصيتين.
وقال أبو بكر الرازي [.....] : إن العاصي في سفره يأكل الأطعمة المباحة من غير منع، ويتوصل به إلى غرضه المحرم ويتقوى عليه بذلك، وقال ابن العربي: عجبا ممن يبيح ذلك مع التمادي على المعصية، وما أظن أحدا يقوله، فإن قاله فهو مخطئ، قال القرطبي: هذا تحامل، والصحيح خلاف هذا، فإن إتلاف المرء نفسه في سفر المعصية أشد معصية كما هو فيه، ولعله يتوب في أثناء الحال فتمحو التوبة عنه ما كان منه، وليس أكل الميتة رخصة في حال المخمصة، بل هو عزيمة واجبة حتى لو امتنع من أكلها كان عاصيا.
فروع: الخليفة إذا سافر يصلي صلاة المسافرين كغيره، وقيل: إذا طاف في ولايته لا يصير مسافرا، ذكره في " الذخيرة "، وفي " المنتقى " حمل كل رجل فذهب به ولا يدري أين يذهب به، قال: يتم حتى يسير ثلاثا فيقصر، واعلم أن للباقي بعدها شيئا يسيرا، ولو كان صلى ركعتين من جملة أجزأته، فإن سار به أقل من ثلاث أعاد ما صلى.
وفي " المبسوط ": ولو ترك القراءة فيهما فلا تنقلب صحيحة، ولو ترك القعدة الأولى ثم نوى الإقامة تجوز صلاته، لأنها سنة في الفرائض، ذكره الزهري في "شرحه" يصح سفر الكافر، وكذا الصبي عند أبي إبراهيم، وعند أبي سهيل لا يصح، ولا يصح السفر منهما عند محمد من القصر، ولا يصح من الحائض في الصحيح.
قال السرخسي في " المبسوط " والمرغيناني: لا يقصر في السنن، وتكلموا في الأفضل في حالة الزوال والترك في حالة السير. قال هشام: رأيت محمدا كثيرا لا يتطوع في السفر قبل الظهر، ولا بعدها ولا يدع ركعتي الفجر والمغرب وما رأيته تطوع قبل العصر ولا قبل العشاء ويصلي العشاء ثم يوتر. في " قنية المنية ": تزوج المسافر في بلد لا يصير مقيما به وهو قول الشافعي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
وفي " فتاوى خواهر زاده ": يصير به مقيما، ولو كان له أهل ببلدتين فأتاها دخلها صار مقيما فيما ذكر في "جوامع الفقه ".
وفي " المحيط ": فإن ماتت زوجته في إحداهما وبقي له فيها دور وعقار قيل: لا يبقى وطنا له إذ المعتبر الأهل دون الدار كما لو تأهل ببلدة واستوت سكنا له وليس له فيها دار، وقيل يبقى كما إذا حلف لا يسكن هذه الدار، وانتقل عنها بأهله وبقي فيها ثقله، والمسافرة تصير مقيمة بنفس التزوج.
مسافر ومقيم اشتريا عبدا يصلي العبد صلاة المقيم قاله علاء الدين أبو الحسن الضاري وظهير الدين المرغيناني.
وقال علاء الدين الحمالي: الأصح أنه يصلي المسافر، قيل: إن كانت بينهما مهاباة في الخدمة يعتبر حالة بهما فيتم عند المقيم ويقصر عند المسافر، ذكره المرغيناني، المعتبر في الإقامة نية الأصل دون التبع كنية الخليفة والأمير دون الجند، ونية الزوج مع الزوجة والمولى مع عبده، ورب الدين مع مديونه إن كان معسرا، ذكره في " التحفة "، وكذا المحمول مع حامله والأجير مع مستأجره، والتلميذ مع أستاذه، ذكره في " الذخيرة ".
وفي " المحيط ": قيل: إن كانت استوفت مهرها، وفي " قنية المنية ": السفر والإقامة إلى الزوج إن استوفت مهرها وإلا فإليها، وكذا بعد الدخول في حق المعجل وكذا الجندي إن كان يرزق من الأمير وإلا فلا.
وفي " المحيط ": جعله قوله - وكذا الغريم مع مديونه إن كان مفلسا - لأنه يحبسه أو يلازمه، وكذا لو انحصر غيره ظلما لأنه عاد عليه، وكذا الميتة إلى الأعمى إذا قاده أحد وإلا فلا، وفي "الذخيرة ": المطاوع بالجهاد لا يكون تبعا للمولى فيكون حقا على حاله.
قلت: الأليق الوالي بخلاف العبد والمرأة.
وفي " المحيط ": مسافر دخل مصر الجند عزيمة، إن كان معسرا يقصر لأنه لم ينو الإقامة وإن كان موسرا وعزم أن يقضي دينه أو لم يعزم شيئا قصر، وإن عزم أن لا يقضي دينه أتم، فكأنه نوى الإقامة.
وفي " الذخيرة ": ذكر ابن سماعة عن أبي يوسف إذا حبس المسافر بالدين وهو معسر يتم الصلاة، وكذا إن كان موسرا إلا أن يكون وطن نفسه على أدائه فيقصر.
وفي " المنتقى ": مسلم أسره العدو وإن كان مقصده ثلاثة أيام قصر، وإن لم يعلم سأله كأن لم يخبره. وكان العدو مقيما أتم، وإن كان مسافرا يقصر لأنه تحت قهره كالعبد مع سيده فإنه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
يسأله، فإن لم يخبره أتم.
وفي " الذخيرة ": إن انفلت الأسير من العدو فوطن نفسه على إقامة شهر اختيارا أو نحوه قصر، لأنه محارب العدو، وكذا إذا أسلم فهرب منهم وطلبوه ليقتلوه فخرج هاربا مسيرة السفر، ثم إذا لم يعلم التابع نية المتبوع للإقامة لا يلزم الإتمام حتى يعلم كما في توجه الخطاب، وهو الأصح، وقيل: يلزمه الإتمام لأنه ضمني كعزل الوكيل والمكره بالسفر كالأسير يقصر، وبه قال مالك وأحمد، وقال الشافعي: لا يقصر لعدم النية.
صبي وكافر سافرا، ثم أسلم الكافر وبلغ الصبي، فإن بقي إلى مقصدهما مسيرة سفر قصرا وإن لم يبق فالكافر يقصر دون الصبي، لأن نيته صحيحة، لأنه من أهله، بخلاف الصبي، وقال الفضلي: حكمهما حكم المقيم، وقال بعض المشايخ: حكمهما حكم المسافر، والمختار الأول.
ولو طهرت الحائض في السفر، وبينهما وبين المقصد أقل من مسيرة سفر تتم، هو الصحيح، ارتد في السفر ثم أسلم من ساعته، وبينه وبين المقصد أقل من مسيرة سفر يقصر، وكذا المرأة لو طلقها زوجها بائنا، أو رجعيا، وانقضت عدتها وبينها وبين المقصد أقل من مدة السفر، فأما قبل انقضاء العدة فحكمها في الرخصة حكم الزوج. ولا يكره الخروج للسفر يوم الجمعة قبل الزوال وبعده.
وقال الشافعي: يكره قبل الجمعة. وقبل الزوال له قولان، أصحهما أنه يكره وهو قول أحمد، وقال في " القديم ": لا يكره وهو قول مالك، ولو سافر في رمضان لا يكره من دخل دار الحرب مستأمنا ونوى الإقامة في دارهم في موضع الإقامة صحت نيته.