الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزكاة واجبة
ــ
[البناية]
قولنا: الزكاة واجبة، والوجوب من صفات الأفعال لا من صفات الأعيان. كذا في " المبسوط ". ثم قال: يجوز أن يقال: إن الزكاة في اصطلاح الشرع عبارة: عن إخراج الحر البالغ المسلم العاقل إذا ملك نصابا ملكا تاما طائفة من المال إلى المصرف؛ لرضا الله تعالى لإسقاط الفرض عن وجه ينقطع نفع المؤدى من المؤدي.
وقال تاج الشريعة: الزكاة في الشرع عبارة عن إيتاء جزء من النصاب الحولي إلى الفقير؛ لأنها توصف بالموجود الذي هو من صفات الفعل، ثم أطلقت على القدر المخرج إلى الفقير مجازا؛ إما لأنه يوصف بطهر المخرج من الذنوب، أو لأنه ينمي ماله ويبارك له ويقع مدفعا لتلف أصل المال المذكور في قوله صلى الله عليه وسلم:«ما خالطت الصدقة مالا إلا أهلكته» .
والأحسن في هذا: ما قاله الشيخ حافظ الدين النسفي: الزكاة تمليك المال من فقير مسلم غير هاشمي ولا مولاه، بشرط قطع المنفعة عن المالك من كل وجه لله تعالى.
قلت: ولو قال: تمليك جزء من المال لكان حسنا. وبقي الكلام في صفتها وسبب وجوبها وشروطها وحكمها.
أما صفتها: فهي فريضة محكمة يجب تكفير جاحدها على ما يجيء بيانه عن قريب إن شاء الله تعالى، وفي السنة الثانية من الهجرة فرضت الزكاة.
وأما سبب وجوبها فالمال، ولهذا تضاف إلى المال، فيقال: زكاة المال والواجبات تضاف إلى أسبابها، ولكن المال سبب باعتبار غنى المالك، والغنى لا يحصل إلا بمال مقدر وهو النصاب، وأما شروطها فسبعة: أربعة في المالك: وهو أن يكون حرا بالغا عاقلا مسلما وليس عليه دين، وثلاثة في الملوك: وهو أن يكون النصاب كاملا، حوليا، ومساما أو منجزا تعلقه أو نفلا.
وأما حكمها فالخروج عن عهدة التكليف في الدنيا، والنجاة عن العقاب، ووصول الثواب في الآخرة، كذا في " المبسوط ".
[حكم الزكاة وشروط وجوبها]
م: (الزكاة واجبة) ش: قال الكاكي: أراد بالوجوب الفرض، وفي " الكافي " و" البدرية " وصفت بالوجوب مع أنها فريضة؛ لأنه أريد به الثبوت والإلزام، فيكون واجبا قطعا، أو لأن أصلها ثبت بالدليل القطعي، ولكن مقدارها ثبت بأخبار الآحاد، فإن قَوْله تَعَالَى:{وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43](البقرة: الآية 43) ، مجمل في حق المقدار، ولعل صاحب الكتاب نظر إلى هذا وعدل عن لفظ الفرض، والواجب والفرض يلتقيان في حق العمل، فيصح إطلاق أحدهما على الآخر مجازا.
وقال السغناقي: وفي عكسه والوتر فرض، وبدأ بذكره كما أن الأصح من مذهب أبي حنيفة رضي الله عنه أن الوتر واجب، والأولى أن يقال فيه: أراد بالوجوب اللزوم
على الحر العاقل البالغ المسلم
إذا ملك نصابا كاملا ملكا تاما، وحال عليه الحول،
أما الوجوب فلقوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43](البقرة: الآية 43) ؛ ولقوله صلى الله عليه وسلم: «أدوا زكاة أموالكم» .
ــ
[البناية]
والثبوت؛ لأنه ينبني عنه لغة. وقال السروجي: وفي " البدائع " و" التحفة " وغيرها: إنهما فريضة، ثم أراد بالوجوب التحقق والثبوت، وقال عليه الصلاة والسلام:"وجبت" أي ثبتت وتحققت، أو لأنه لو قال: فرضا لتبادر الذهن إلى الفرض الذي هو التقدير، وهو الغالب في باب الزكاة؛ لأنها جزء مقدر في جميع أصناف الأموال.
م: (على الحر العاقل البالغ المسلم) ش: الجار والمجرور يتعلقان بقوله: واجبة، ذكر أربعة أشياء. الأول: الحرية فلا تجب على العبد.
والثاني: العقل فلا تجب على المجنون.
والثالث: البلوغ، فلا تجب على الصبي.
والرابع: الإسلام فلا تجب على الكافر.
وسيجيء بيان كل واحد منها عن قريب؛ لأن هذا الكتاب شرح القدوري في نفس الأمر.
م: (إذا ملك نصابا كاملا ملكا تاما وحال عليه الحول) ش: الملك بالاختصاص المطلق الحاجز، وقيل: هو القدرة على التصرف على وجه لا يتعلق بذلك تبعة في الدنيا ولا غرامة في الآخرة. والنصاب الأصل، وهو كل مال لا تجب فيما دونه الزكاة، والملك التام الذي يكمل جميع آثار الملك، واحترز به عن مال المديون، والمكاتب، ومال الضمان، وبدل الخلع، والمهر قبل القبض.
وقال السغناقي: صاحب الدين يستحقه عليه ويأخذه من غير قضاء ولا رضا، وذلك لأنه عدم الملك كما في الوديعة والمغصوب، قال: ولا يلزم على هذا الواهب فيما وهب، حيث كان له الرجوع في هبته، وهو لم يمنع تمام الملك للموهوب له حتى تجب عليه الزكاة، لأنا نقول: إنه لا يتملكها عليه إلا بقضاء أو رضا.
وأما الصداق قبل القبض، فإن بالعقد يحصل أصل الملك، وتمام المقصود لا يحصل إلا بالقبض، وصيرورته نصابا للزكاة بناء على تمام المقصود، لا على حصول أصل الملك، حتى لا تجب الزكاة في مال الضمان، وإن وجد أصل الملك وكذا في " المبسوط ". وقيل: يحتمل أن يكون قوله: "ملكا تاما"، احترازا عن البيع قبل القبض حيث لا زكاة فيه؛ لأن ملكه لم يتم، ولهذا لا يجوز تصرفه فيه، والملك: عبارة عن مطلق التصرف فيكون الملك فيه ناقصا، فلا يلزم عليه مال ابن السبيل؛ لأن يده ثابتة.
م: (أما الوجوب فلقوله تعالى: {وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] ، وقوله صلى الله عليه وسلم: «أدوا زكاة أموالكم» ش: أي أما وجوب الزكاة فلقوله عز وجل: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ} [البقرة: 43] (البقرة: الآية 43) ، وقد أمر
وعليه إجماع الأمة
ــ
[البناية]
الله تعالى بإيتاء الزكاة، والأمر المطلق للوجوب على المختار عند الأصوليين والفقهاء. وقال المروزي وغيره من الشافعية: الآية مجملة. قال البندنيجي: هو المذهب وبينتها السنة لكن أصل الوجوب ثابت بها. وقال بعضهم: ليست مجملة بل كل ما يتناول اسم الزكاة. فالآية تقتضي وجوبه والزيادة عليه تعرف بالسنة، والأمر المطلق موقوف على البيان عند بعض الشافعية ذكره السرخسي.
قوله: "وقوله عليه الصلاة والسلام: «أدوا زكاة أموالكم» . أي ولقوله عليه الصلاة والسلام.. إلخ، وهذا جزء من حديث أخرجه الترمذي في آخر أبواب الصلاة عن سليم بن عامر قال: سمعت أبا أمامة يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب في حجة الوداع فقال: «اتقوا الله ربكم وصلوا خمسكم وصوموا شهركم وأدوا زكاة أموالكم وأطيعوا ذا أمركم تدخلوا جنة ربكم» . وقال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح، ورواه ابن حبان في "صحيحه "، والحاكم في "مستدركه "، وقال: حديث صحيح على شرط مسلم، ولا نعرف له علة ولم يخرجاه.
وقد احتج مسلم بأحاديث سليم بن عامر وسائر رواته متفق عليهم، وروي هذا أيضا عن أبي الدرداء رواه الطبراني في كتاب " مسند الشاميين " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«أخلصوا عبادة ربكم، وصلوا خمسكم، وأدوا زكاة أموالكم، وصوموا شهركم، وحجوا بيت ربكم، تدخلوا جنة ربكم» وفيه قصة.
م: (وعليه إجماع الأمة) ش: أي على وجوب الزكاة إجماع أمة محمد صلى الله عليه وسلم من الصدر الأول إلى زماننا حتى كفروا جاحدها، وفسقوا تاركها، وكذا في " شرح المبسوط ". وقال الكاساني في " البدائع ": الدليل على فرضية الزكاة الكتاب والسنة والإجماع والمعقول.
واعترض عليه بأن السنة لا يثبت بها الفرض، إلا أن تكون متواترة أو مشهورة لا سيما فرضا يكفر جاحده، والزكاة جاحدها يكفر، والسنة الواردة فيها أخبار آحاد صحاح وبها يثبت الوجوب دون الفرض، والعقل لا يثبت به وجوب الزكاة والصلاة وغيرها من الأحكام الشرعية، وإن أراد بالمعقول المقاييس المستنبطة لا يثبت بها الفرضية.
وقال الكاساني: أما المعقول فمن وجوه ثلاثة: الأول أنه من باب إعانة الضعيف وتقويته على أداء ما فرض الله تعالى عليه من التوحيد والعبادة، والوسيلة إلى أداء المفروض مفروض. ورد بأنه يمكن حصول التوحيد وغيره بغير هذه الوسيلة فلا يكون فرضا.