الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب الصلاة في الكعبة
الصلاة في الكعبة جائزة فرضها ونفلها، خلافا للشافعي رحمه الله فيهما.
ــ
[البناية]
[باب الصلاة في الكعبة]
[حكم الصلاة في الكعبة]
م: (باب الصلاة في الكعبة) ش: أي هذا باب في بيان أحكام الصلاة في الكعبة، وهي اسم للبيت الحرام، وسمي البيت الحرام بذلك لتربعه من قولهم: برد مكعب إذا كان فيه شيء مربع. ولما كانت الصلاة فيها مخالفة لسائر الصلوات من حيث جواز الصلاة فيها بالتوجه إلى الجهات الأربع قصدا، بخلاف غيرها، وصارت كأنها جنس آخر أجزأها عنهما، كذلك لقلة دورها بالنسبة إلى غيرها، ولكون مساس الحاجة إلى غيرها أكثر.
وأما وجه المناسبة في ذكرها عقيب باب الجنائز هو أن البيت ضامن الأمن من دخله بالنص، فكذلك القبر ضامن الميت.
م: (الصلاة في الكعبة جائزة فرضها ونفلها) ش: ارتفاع فرضها ونفلها بالبدلية من الصلاة بدل الاشتمال، وبقولنا: قال جماعة من السلف: منهم الثوري والشافعي أيضا، وقول المصنف م:(خلافا للشافعي فيهما) ش: أي في الفرض والنفل ليس كما ينبغي. قال السغناقي: كأن هذا اللفظ وقع سهوا من الكاتب، فإن الشافعي يرى جواز الصلاة في الكعبة فرضها ونفلها، كذا أورده أصحابه في كتبهم عن " الوجيز " و" الخلاصة " ،" والذخيرة " وغيرها، ولم يرد أحد من علمائنا أيضا هذا الخلاف فيما عندي من الكتب " كالمبسوط " و" الأسرار " و" الإيضاح " و" المحيط " و" شروح الجامع الصغير " وغيرها ما خلا أنه يشترط السترة المتصلة بالأرض اتصال قرار إذا كان المصلي في عرصة الكعبة كالحجر والشجر.
قلت: ذكر في " الوجيز " لو انهدمت الكعبة -والعياذ بالله- تصح صلاته خارج الكعبة متوجها إليها كمن صلى على جبل أبي قبيس والكعبة تحته، ولو صلى فيها لم يجز إلا أن يكون بين يديه شجرة أو يقيه حائط، والواقف على سطحها كالواقف في العرصة، فلو وضع شيئا لا يجزئه، ولو غرز خشبة فيه وجهان وفي " الخلاصة " للغزالي: تجوز الصلاة في الكعبة إلى بعض ثباتها. وقال الإمام برهان السمرقندي في جواب ما قاله السغناقي: بأن تزاد أصحاب الشافعي في كتبهم جواز الصلاة فيها لا يدل على أن عدم الجواز ليس قوله كما في كثير من المسائل، وعدم إيراد أصحابنا علمائنا لا يدل على ذلك أيضا، ومن له أدنى مسكة من العقل إذا تأمل ذلك لاح له بلا ريب بطلان قول هذا القائل.
وقال الشيخ الإمام عبد العزيز في الرد عليه: الصحيح ما ذكره السغناقي؛ فإن اتفاق أصحابه على إيراد الجواز في كتبهم وتعريفاتهم، واتفاق أصحابنا على عدم إيراد الخلاف في كتبنا يدل على عدم الخلاف مع اجتهاد كل فريق في بيان الخلاف، وجهدهم في بيان الأقوال لدفع شبهة
ولمالك رحمه الله في الفرض؛ «لأنه صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة يوم الفتح»
ــ
[البناية]
الخصوم بقدر الإمكان. وقال السروجي نصرة للمنصف: وما ذكر في الكتاب عن الشافعي محمول على ما إذا توجه إلى الباب وهو مفتوح، فإن كان الباب مردودا أو له عتبة قدر ثلثي ذراع يجوز. قال النووي: هذا هو الصحيح. وفي وجه يقدر بذراع. وقيل: كفى بحوجها. وقيل: يشترط قدر ما قامته طولا وعرضا، ولو وضع بين يديه متاعا واستقبله لم يجز، وأخذ الأكمل من كلامه فقال: وأجيب بأن مراده إذا توجه إلى الباب وهو مفتوح وليست العتبة مرتفعة قدر مؤخرة الرحل، وهو خير من الحمل على السهو.
قلت: كل هذا لا يخلو من تأمل ونظر [....
.....] عليه البيت.
م: (ولمالك في الفرض) ش: يعني خلافا لمالك في صلاة الفرض، فإنها لا تجوز في الكعبة، ويجوز النفل. وفي " الذخيرة " القرافية؛ فإن مالكا لا يصلي في البيت والحجر فريضة ولا ركعتا الطواف الواجبتان ولا الوتر ولا ركعتا الفجر، وذكر القرطبي في تفسره عن مالك أنه لا يصلي فيها الفرض ولا السنن، ويصلي التطوع، فإن صلى فيها مكتوبة أعاد في الوقت كمن صلى إلى القبلة بالاجتهاد. وعن ابن حبيب، وأصبغ يعيد أبدا، ويقول مالك: قال أحمد: وقال أبو عبد الحكم: لا يصلي فيه ومنع محمد بن جرير الطبري الجميع فيها. وجه قول مالك أن المصلي فيها مستدبر ومستقبل بوجه. فاجتمع ما يوجب الجواز وما يوجب عدمه، فعملنا على ما يوجب عدم الجواز في الفرض وعلى ما يوجب في النفل احتياطا وهو القياس في النفل أيضا، لأن بابه أوسع، ولهذا يجوز قاعدا وراكبا بلا عذر؛ ولأنه عليه السلام قال:" إن الطواف في جوفها لا يصح " فكذا الصلاة.
ولنا ما أشار إليه المصنف بقوله م: (لأنه صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة يوم الفتح) ش: أخرجه البخاري ومسلم عن أيوب عن نافع عن ابن عمر قال: «لما قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح بمكة ونزل بفناء الكعبة وأرسل إلى عثمان بن طلحة، فجاء بالمفتاح ففتح الباب، قال: ثم دخل النبي صلى الله عليه وسلم وبلال، وأسامة بن زيد، وعثمان بن طلحة، وأمر بالباب فأغلق عليه فلبثوا فيه مليا» وللبخاري «فمكثوا فيه نهارا طويلا، ثم فتح الباب قال عبد الله: فبادرت الباب فنفلت رسول الله صلى الله عليه وسلم خارجا، وبلال على أثره، قلت لبلال: وهل صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فيه؟ قال: صلى فيه رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: أين؟ قال: بين العمودين تلقاء وجهه، ونسيت أن أسأله كم صلى» .
وأخرجه عن سالم عن ابن عمر قال: «أخبرني بلال أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى في جوف الكعبة بين العمودين اليمانيين» وأخرج البخاري «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل الكعبة قال ابن عمر فأقبلت والنبي صلى الله عليه وسلم قد خرج، ووجد بلالا قائما بين البابين فسألت بلالا. قلت: هل صلى النبي صلى الله عليه وسلم في الكعبة، قال: نعم ركعتين بين الساريتين على يساره إذا دخلت ثم خرج من الكعبة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
فصلى في وجه الكعبة ركعتين» .
فإن قلت: أخرج البخاري ومسلم عن ابن جريج عن عطاء عن ابن عباس «أن النبي صلى الله عليه وسلم: دخل الكعبة قام عند سارية ودعا ولم يصل» وبه عن ابن عباس أخبرني أسامة بن زيد «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل البيت دعا فيه حتى خرج، فلما خرج ركع في قبل البيت ركعتين، وقال: هذه القبلة» .
قلت: أخذ الناس بحديث بلال رضي الله عنه لأنه ثبت، وقدموه على حديث ابن عباس؛ لأنه نُفي، وإنما يؤخذ بشهادة المثبت ومن تأول قول بلال أنه صلى، أي دعا فليس بشيء؛ لأن في حديث ابن عمر أنه صلى ركعتين. رواه البخاري رحمه الله.
ولكن رواية بلال ورواية ابن عباس صحيحتان، ووجهها أنه صلى الله عليه وسلم دخلها يوم النحر فلم يصل، ودخلها من الغد، وذلك في حجة الوداع، وهو حديث مروي عن ابن عمر، أخرجه الدارقطني في "سننه " بإسناد حسن عن يحيى بن جعدة عن ابن عمر قال:«دخل النبي صلى الله عليه وسلم البيت ثم خرج وبلال خلفه، فقلت لبلال: هل صلى؟ قال: لا. فلما كان من الغد دخل، فسألت بلالا: هل صلى؟ قال: نعم. صلى ركعتين» .
وأخرج الدارقطني أيضا، والطبراني في "معجمه " عن حبيب بن أبي ثابت عن سعيد بن جبير عن ابن عباس، قال:«دخل رسول الله صلى الله عليه وسلم البيت فصلى بين الساريتين ركعتين، ثم خرج فصلى بين الباب والحجر ركعتين، ثم قال: هذه القبلة ثم دخل مرة أخرى، فقام فدعا ثم خرج ولم يصل» . وأما حديث أسامة بن زيد فروى عنه خلافه أحمد في "مسنده "، وابن حبان في "صحيحه "، عن ابن عمر أخبرني أسامة بن زيد «أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة بين الساريتين» .
قلت: حاصل الكلام في هذا الباب أن المخلص بين هذه الروايات المختلفة ما ذكرناه أولا. مع أنه روي عن ابن عمر بن الخطاب، وعبد الله بن السائب أنه صلى الله عليه وسلم صلى في الكعبة، فحديث عمر رواه أبو داود في "سننه " من حديث مجاهد، عن عبد الرحمن بن صفوان، قال:«قلت لعمر بن الخطاب: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه وسلم حين دخل الكعبة؟ قال: صلى ركعتين» . وفي إسناده
ولأنها صلاة استجمعت شرائطها لوجود استقبال القبلة؛ لأن استيعابها ليس بشرط،
فإن صلى الإمام بجماعة فيها، فجعل بعضهم ظهره إلى ظهر الإمام جاز
ــ
[البناية]
يزيد بن أبي زياد، وفيه مقال، قاله الخصم.
قلت: روى له مسلم مقرونا بغيره، واحتجت له الأربعة والطحاوي، وحديث عبد الله بن السائب رواه ابن حبان في "صحيحه " قال:«حضرت رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الفتح وقد صلى في الكعبة، فخلع نعليه فوضعها على يساره، ثم افتتح سورة المؤمنون، فلما بلغ ذكر موسى وعيسى أخذته سعلة، فركع» .
وأما الجواب عن قول مالك فنقول: إنه استقبل شطر المسجد الحرام وهو المأمور، قال:{فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ} [البقرة: 144](البقرة: الآية 144) ، فيجزئه قياسا على ما لو صلى خارجها، فإنه حينئذ لا يتوجه إلى الكل، واستدبار البعض مع استقبال البعض لا يضر؛ لأنه ما أمر بالتوجه إلى الكل في حالة واحدة؛ لأنه غير ممكن، وإلا ينصرف إلى ما في الوسع، وفي وسعه توجه البعض، فيكون مأمورا بذلك لا غير، وليست الصلاة كالطواف؛ لأن الطواف بالبيت مأمور فيه، والطواف بالكل ممكن، فيجب الطواف خارج البيت؛ ليقع الكل، ألا ترى أن الطواف خارج المسجد الحرام لا يجوز، بخلاف الصلاة والاستدبار خارج البيت مفسد؛ لعدم استقبال ما هو مأمور لا الاستبدار، فوقع الفرق بين الاستدبارين، كذا في " المبسوط " و" الأسرار ". م:(ولأنها صلاة) ش: دليل عقلي، أي ولأن الصلاة في الكعبة صلاة م:(استجمعت شرائطها) ش: من الطهارة عن الحدثين، وطهارة الثوب والمكان والنية م:(لوجود استقبال القبلة) ش: لأنه استقبل جزءا من الكعبة، واستقبال الكل ليس بممكن، ولا هو شرط، وهو معنى قوله م:(لأن استيعابها ليس بشرط) ش: أي استيعاب أجزاء الكعبة.
م: فإن صلى الإمام بجماعة فيها) ش: أي في الكعبة م: (فجعل بعضهم) ش: أي بعض الجماعة م: (ظهره إلى ظهر الإمام جاز) ش: أي جاز فعله ذلك يعني صلاته. وفي " المرغيناني " و" جوامع الفقه " لو صلوا فيها بجماعة جازت صلاتهم، سواء كان المقتدي وجهه إلى ظهر الإمام أو إلى وجهه أو إلى جنبه أو ظهره أو إلى ظهره إلى جنبه، لكن يكره إذا كان وجهه إلى وجه الإمام، لاستقبال الصورة إلا بحائل، ولا يجوز صلاة ثلاثة من كان ظهره إلى وجه الإمام والثاني من كان وجهه إلى الجهة التي وجه الإمام إليها وهو عن يمينه. ويقدم عليه بأن كان أقرب إلى الحائط من الإمام، والثالث: عن يساره مثله لتقدمه على الإمام بذلك أو لم يعلم.