الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب في المعادن والركاز
قال: معدن ذهب أو فضة أو حديد أو رصاص أو صفر وجد فيه أرض خراج أو عشر ففيه الخمس عندنا.
ــ
[البناية]
[باب في المعادن والركاز]
[حكم زكاة المعدن والركاز ومقدار الواجب فيه]
م: (باب في المعادن والركاز) ش: أي هذا باب في بيان أحكام المعادن والركاز وإنما أخر باب المعادن عن باب العاشر لأن العشر أكثر وجودا من الخمس الذي يؤخذ من المعادن، فكان بيانه أحوج لكثرة وقوعه لأن العشر أقل من الخمس والقليل يقدم على الكثير ذاتا، فقدم بيانه، والمعادن جمع معدِن بكسر الدال في عدَن يعدِن من باب ضرب يضرب عدونا إذا أقام، ومنه جنات عدن، ومعدن كل شيء ومركزه واحد، والمعدن خاص لما يكون في باطن الأرض خلقة، والكنز خاص لما يكون موضوعا، والركاز يصلح لهما في " جمع الغرائب "، قيل: الركاز المعادن، وقيل: هو كنوز الجاهلية، والأصل فيه من ركز رمحه في الأرض إذا ثبت أصله، والكنز يركز في الأرض كما يركز الرمح، وقال ابن الأثير: الركاز: كنوز الأرض الجاهلية المدفونة في الأرض، وهي المطالب في العرف عند أهل الحجاز، وهي المعادن عند أهل العراق والقولان يحتملهما اللغة، قال: والمعدن والركاز واحد، وقال أبو خيثمة اللغوي: أركز الرجل إذا أصاب قطعا من الذهب تخرج من المعادن، قال ابن بطال: وهو قول صاحب " العين " وأبي عبيد وقال النووي: الركاز بمعنى المركوز كالكتاب بمعنى المكتوب، وفي " شرح الطحاوي " المال المستخرج من الأرض له أسماء كثيرة كنز ومعدن وركاز، فالكنز اسم لما دفنه بنو آدم. والمعدن اسم لما خلقه الله في الأرض يوم خلقها. والركاز اسم لهما جميعا، فقد يذكر ويراد به الكنز، ويذكر ويراد به المعدن. ثم المراد من الركاز في الباب الكنز، لأن الباب يشتمل على بيان المعدن والكنز، فلو أريد به المعدن يلزم محض التكرار بلا فائدة، ولهذا لقب الباب التمرتاشي باب في بيان المعدن والركاز.
وقال تاج الشريعة: الجواهر المستخرجة من الأرض تتنوع إلى مخلوق الله تعالى وإلى مدفون الناس ويعرف النوعان بأسماء ثلاثة وبالمعدن والكنز والركاز.
م: (قال) ش: أي محمد رحمه الله في " الجامع الصغير " م: (معدن ذهب أو فضة أو رصاص أو حديد أو صفر) ش: بضم الصاد.
قال الجوهري: هو الذي تعمل منه الأواني، وفي " ديوان الأدب ": هو النحاس والحديد، وعن أبي عبيد جاء فيه كسر الصاد م:(وجد في أرض خراج أو عشر) ش: قيد بأرض خراج أو عشر، لأنه لو وجد في أرض مملوكة أو دار لا يجب فيه الخمس عند أبي حنيفة كما يجيء، وسواء كان الواجد مسلما أو ذميا أو صبيا أو امرأة أو عبدا أو مكاتبا م:(ففيه الخمس عندنا) ش: يعني يؤخذ الخمس من الواجد والباقي له، وبه قال الأوزاعي والثوري وأبو عبيد واختاره الزهري،
وقال الشافعي رحمه الله: لا شيء عليه فيه، لأنه مباح سبقت يده إليه كالصيد إلا إذا كان المستخرج ذهبا أو فضة فيجب فيه الزكاة، فلا يشترط الحول في قول لأنه نماء كله والحول للتنمية.
ــ
[البناية]
ويبنى على هذا مسائل وهي أن من حفر معدنا بإذن الإمام يخرج منه الخمس وباقيه له، وإن حفر فلم يصل إليه شيء، وجاء آخر فحفر ووصل إلى المعادن فهو له، لأنه الواجد، وإن اشتركا في الحفر فوجد أحدهما دون الآخر فهو للواجد، ومن تقبل من السلطان معدنا فاستأجر آخر واستخرجوا المعدن وتجب فيه الخمس والباقي للمتقبل، وإن عملوا بغير إذن المتقبل فأربعة أخماس لهم دون المتقبل، ولو باع الركاز فالخمس على المشتري ويرجع على الواجد البائع بخمس الثمن.
م: (وقال الشافعي: لا شيء عليه فيه) ش: وبه قال مالك م: (لأنه مباح سبقت يده إليه كالصيد) ش: فهو لمن أخذه م: (إلا إذا كان المستخرج) ش: بفتح الراء م: (ذهبا أو فضة فيجب فيه الزكاة) ش: وبه قال أحمد، لكن عند الشافعي في الوجوب في الذهب والفضة ثلاثة أقوال: أصحها أن الواجب فيه ربع العشر، وبه قال أحمد ومالك في رواية.
والثاني: أن الواجب فيهما الخمس مثل قولنا، وهو قول المزني.
والثالث: ما ناله بلا تعب ومؤنة ففيه العشر وما ناله بتعب ومؤنة كالمعالجة بالنار ونحوها ففيه ربع العشر، وبه قال مالك رحمه الله في رواية، وعن أحمد يجب في المعدن وفي كل ما يستخرج من الأرض حتى القير والكحل.
م: (فلا يشترط الحول في قول) ش: للشافعي وهذا هو الصحيح من مذهبه، وبه قال مالك وفي قول آخر: يشترط الحول لأنه كالزكاة، وفي "تتمتهم": إن قبلنا أن الواجب فيه الخمس لا يعتبر الحول قولا واحدا، وإن قلنا: إن الواجب فيه العشر فيه وجهان: أحدهما: أنه يعتبر لأنه حق يتعلق بالذهب والفضة فيعتبر فيه الحول كالزكاة.
والثاني وهو الصحيح: لا يعتبر لأنه من أموال الأرض فلا يعتبر فيه الحول كما في الحبوب المعشورة.
م: (لأنه) ش: أي لأن كل واحد من الذهب والفضة م: (نماء كله) ش: يعني النماء م: (والحول للتنمية) ش: يعني شرع الحول للتنمية، فالنماء عين النقدين فلا يجب اشتراط الحول.
فإن قلت: ذكر في جانب الشافعي عدم اشتراط الحول، ولم يذكر في جانبنا مع أن عندنا كذلك.
قلت: لأن الشافعي قائل بالزكاة، وكان عليه أن يشترط الحول فنفاه بما ذكر من الدليل، ونحن نقول بالخمس فلا يشترط فيه الحول.
ولنا قوله عليه السلام: «وفي الركاز الخمس»
ــ
[البناية]
م: (ولنا قوله عليه الصلاة والسلام) ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم: م: «وفي الركاز الخمس» ش: هذا رواه الأئمة الستة في كتبهم من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «العجماء جبار، والبئر جبار، والمعدن جبار، وفي الركاز الخمس» .
أخرجه مطولا ومختصرا، والركاز يطلق على المعدن وعلى المدفون كما ذكرنا.
وجه التمسك به أنه عليه الصلاة والسلام سئل عما يوجد في الطريق المار أو الخراب البادي فقال فيه: «وفي الركاز الخمس» ، فعطف الركاز على المدفون، فعلم أن المراد منه المدفون، وفي رواية أبي هريرة «سئل ما الركاز يا رسول الله؟، قال: " الذهب الذي خلقه الله في الأرض» .
فإن قلت: لو كان الموجود في المعدن ما دون النصاب، والواجد فقير ينبغي أن لا يجب الخمس، لما أن مصرف الخمس الفقير وهو فقير كما في اللقطة، وكذلك لو كان الموجود نصابا والواجد مديونا.
قلت: الحديث عام يتناول الفقير والمديون.
فإن قلت: لو كان الواجد ذميا ينبغي أن يؤخذ منه الكل كما لو كان حربيا لأنهما في الكفر سواء لا استحقاق لهما في الغنيمة.
قلت: لا بل للذمي حق في الغنيمة، فإن أهل الذمة لو قاتلوا أهل الحرب فإنه يرضخ لهم في الغنيمة، فجاز أن يكون لهم حظ فيما له حكم الغنيمة. أما الحربي فلا حظ له فيها سواء قاتل بإذن الإمام أو بغير إذنه، فلا يعطى له من الغنيمة شيء.
فإن قلت: الجنس التي لا تجب الزكاة في عينه كالحديد ونحوه، لا يجب حق المعدن كالفيروزج.
قلت: القياس ليس بصحيح لوجود الفارق وهو أن الفيروزج لا ينطبع.
فإن قلت: احتج الشافعي لربع العشر بأنه عليه الصلاة والسلام أقطع لبلال بن الحارث المعادن القَبَلية وهي مواضع بناحية المدينة وأخذ فيها الزكاة ربع العشر، فيؤخذ منها ربع العشر إلى يوم القيامة، رواه مالك وأبو داود، والقَبَلية بفتح القاف والباء الموحدة، وقال البكري: هي من ناحية الفُرُع بضم الفاء والراء من أعمال المدينة، والصفراء قالوا: أعمالها من الفرع ومضافة إليها.
قلت: قال ابن عبد البر: هذا منقطع، وقال أبو عبيدة: ومع انقطاعه ليس فيه أنه عليه الصلاة والسلام أمر بذلك، وإنما قال: يؤخذ منه.
وقال النووي في شرح "المهذب ": قال الشافعي: ليس هذا مما يثبته أهل الحديث ولو أثبتوه
وهو من الركز فأطلق على المعدن، ولأنها كانت في أيدي الكفرة حوتها أيدينا غلبة فكانت غنيمة، وفي الغنائم الخمس بخلاف الصيد لأنه لم يكن في يد أحد، إلا أن للغانمين يدا حكمية لثبوتها على الظاهر، وأما الحقيقية فللواجد فاعتبرنا
ــ
[البناية]
لم يكن فيه رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا انقطاعه، فإن الزكاة في المعدن دون الخمس ليست مروية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
قال البيهقي: هو كما قال الشافعي في رواية مالك، قيل: قد اعترف الشافعي أنه لا حجة فيه ولم يثبت رفعه عنده لذكره محتجا به، فكيف له أن يجعله مذهبه بعد إقراره بذلك بغير دليل.
فإن قلت: رواه الدراوردي عن كثير بن عبد الله بن عمرو بن عوف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم «أنه أخذ من المعادن القبلية الصدقة» موصولا. أخرجه البيهقي.
قلت: كثير مجتمع على ضعفه، لا يحتج بمثله، ذكره البزار وانفرد به أبو أشبرة، ولم يتابع على إسناده.
وقال يحيى بن معين: كثير ليس بشيء، وعن أحمد مثله، وعنه لا يساوي شيئا. وقال النسائي: متروك الحديث.
م: (وهو من الركز) ش: أي الركاز مشتق من الركز، وهو الإنبات، وهذا المعنى حقيقة في المعدن، ولأنه خلق فيها مركبا وفي الكنز مجاز للمجاوزة م:(فأطلق على المعدن) ش: لما ذكرنا فكانت إرادة المعدن من الركاز أحق للحقيقة.
م: (ولأنها) ش: أي ولأن أراضي المعدن م: (كانت في أيدي الكفرة حوتها) ش: بالحاء المهملة أي جمعتها وجازتها م: (أيدينا غلبة) ش: أي من حيث الغلبة م: (فكانت غنيمة وفي الغنائم الخمس) ش: أي الواجب أيضا في الغنائم الخمس بالنص م: (بخلاف الصيد) ش: جواب عما قاله الشافعي: أنه مال مباح سبقت يده إليه كالصيد م: (لأنه لم يكن في يد أحد) ش: أي لأن الصيد لم يكن في يد أحد فلم يدل على عدم الوجوب في الصيد على عدم الوجود في المعدن، وقياسه على الصيد قياس بالفارق وهو غير صحيح.
م: (إلا أن للغانمين يدا حكمية) ش: هذا جواب عن سؤال مقدر وارد على قوله كانت غنيمة تقديره أن يقال: لو كانت هذه غنيمة عنده حتى يجب فيها الخمس كانت أربعة أخماسه للغانمين لأن الحكم في الغنيمة هكذا، فأجاب بقوله: إلا أن للغانمين يدا حكمية لا حقيقية م: (لثبوتها على الظاهر) ش: أي لثبوت اليد الحكمية على ظاهر الأرض.
م: (وأما الحقيقية فللواجد) ش: أي وأما اليد الحقيقية فللواجد، وهذا ظاهر م: (فاعتبرنا