الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في صدقة الخيل
إذا كانت الخيل سائمة ذكورا وإناثا فصاحبها بالخيار، إن شاء أعطى عن كل فرس دينارا، وإن شاء قومها وأعطى عن كل مائتين خمسة دراهم، وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله وهو قول زفر وقالا: لا زكاة في الخيل
ــ
[البناية]
[فصل في صدقة الخيل]
[كيفية إخراج زكاة الخيل]
م: (فصل في صدقة الخيل) ش: أي هذا الفصل في بيان أحكام صدقة الخيل، وهو اسم جمع للعراب والبرازيين؛ ذكروها وإناثها، كالركب ولا واحد لها من لفظها، وواحدها فرس، وقال الجوهري: يذكر ويؤنث ويصغر بغير تاء، وهو شاذ والخيل الفرسان، قال الله تعلى:{وَأَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ} [الإسراء: 64](الإسراء: آية 46) ، والخيل أيضا الخيول.
والثاني: جمع اسم الجمع كالقوم والأقوام، والخيالة: أصحاب الخيل، وقال ابن الأثير في " النهاية ":"يا خيل الله اركبي" أي يا فرسان خيل الله اركبي، بحذف المضاف. قيل: لا حاجة إلى حذف المضاف؛ لأن الخيل هي الفرسان كما قال الجوهري، ويدل عليه قوله: اركبي، وإنما ذكر فصل الخيل إلحاقا بفصل السوائم؛ إذ هي سائمة أيضا، وأخره عن الفصول الثلاثة؛ لأن الاحتياج إليها أكثر من فصل الخيل، وتقدم الخلاف فيها بخلاف فصل الخيل.
م: (إذا كانت الخيل سائمة ذكورها وإناثها فصاحبها بالخيار إن شاء أعطى عن كل فرس دينارا، إن شاء قومها وأعطى عن كل مائتي درهم خمسة دراهم) ش: إنما قال: صاحبها بالخيار احترازا عن قول الطحاوي فإنه جعل الخيار إلى العامل في كل ما يحتاج إلى حماية السلطان، ولم يذكر نصاب الخيل كم هو، ولا ذكره في أكثر كتب الأصحاب غير أن صاحب " تحفة الملوك " قال: إن نصاب الخيل قيل: اثنان، وقيل ثلاثة. وعن الطحاوي: خمسة، هذا على قول أبي حنيفة رضي الله عنه والأصح أن لا تقدير لعدم النقل به.
م: (وهذا) ش: أي هذا المذكور هو م: (عند أبي حنيفة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ -) ش: وبه قال حماد بن أبي سليمان، واسمه سليم، وهو شيخ أبي حنيفة رضي الله عنه، وبه قال النخعي: حكاه عنه في " الروضة " وهو قول زيد بن ثابت من الصحابة رضي الله عنهم ذكره شمس الأئمة السرخسي كما ذكره في الكتاب م: (وهو قول زفر رحمه الله) ش: أي قول زفر بن الهذيل هو قول أبي حنيفة رضي الله عنه.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد - رحمهما الله - م: (لا زكاة في الخيل) ش: وبه قال عطاء بن أبي رباح ومالك والشافعي وأحمد، ويروى ذلك عن عمر وعلي رضي الله عنهما -
لقوله صلى الله عليه وسلم: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة» وله قوله صلى الله عليه وسلم «في كل فرس سائمة دينارا أو عشرة دراهم»
ــ
[البناية]
واختاره الطحاوي، وقال الخطابي: اختلف الناس في زكاة الخيل، وذكر عن عمر رضي الله عنه أنه قال: لا زكاة فيها، وقال ابن المنذر وابن قدامة من الحنابلة: الخلفاء الراشدون لم يكونوا يأخذون منها صدقة.
وقال السروجي: هذا باطل ذكر أبو عمر بن عبد البر بإسناده أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال ليعلى بن أمية: تأخذ من كل أربعين شاة شاة، ألا تأخذ من الخيل شيئا، خذ من كل فرس دينارا، فضرب على الخيل دينارا دينارا، فقرر علي رضي الله عنه في الخيل دينار دينارا.
وقال أبو عمر: الخبر في صدقة الخيل عن عمر رضي الله عنه صحيح من حديث الزهري عن السائب بن زيد أن عمر رضي الله عنه أمر أن يؤخذ عن الفرس شاتان أو عشرون درهما، وقال ابن رشد المالكي في " القواعد ": قد صح عن عمر رضي الله عنه أنه كان يأخذ الصدقة عن الخيل.
م: (لقوله صلى الله عليه وسلم: «وليس على المسلم في عبده، ولا في فرسه صدقة» ش: أي لقول النبي صلى الله عليه وسلم وهذا الذي أخرجه الأئمة الستة في كتبهم، عن عراك بن مالك، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ليس على المسلم في عبده ولا في فرسه صدقة» .
وأخرجه ابن حبان أيضا في "صحيحه " وزاد فيه: إلا صدقة الفطر، وهذه الزيادة عند مسلم أيضا، وقال ابن حبان: ففيه دليل على أن العبد لا يملك؛ إذ لو ملك لوجبت عليه صدقة الفطر، وعن أبي حنيفة رضي الله عنه فيه روايات ستأتي، وقال الأترازي: والمشهور عن أبي حنيفة رضي الله عنه أنه لا يجب فيها شيء.
وفي " فتاوى قاضي خان " و" الخلاصة " والفتوى على قولهما، ورجح في الأسرار قولهما فقال: لا يجب في عينهما شيء، ومبنى زكاة السائمة على أن الواجب جزء من العين وللإمام فيه حق الأخذ، ولا يأخذ الإمام صدقة الخيل بالإجماع.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة رضي الله عنه م: (قوله صلى الله عليه وسلم: في كل فرس سائمة دينارا أو عشرة دراهم) ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم، هذا الحديث أخرجه الدارقطني ثم البيهقي في "سننهما" عن الليث بن حماد الإصطخري: حدثنا أبو يوسف عن غورك بن الحصرم أبي عبد الله، عن جعفر بن محمد، عن أبيه، عن جابر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الخيل السائمة: «في كل فرس دينار» ، وقال الدارقطني: تفرد به غورك وهو ضعيف جدا ومن دونه ضعفاء، وقال البيهقي: ولو كان هذا الحديث صحيحا عند أبي يوسف لم يخالف، وقال ابن
وتأويل ما رويناه فرس الغازي وهو المنقول عن زيد بن ثابت رضي الله عنه
ــ
[البناية]
القطان في كتابه: وأبو يوسف هذا هو أبو يوسف يعقوب القاضي وهو مجهول عندهم.
قلت: غورك معروف؛ مولى جعفر بن محمد، يعرفه أهل المعرفة بالرجال، وقول ابن القطان لم يصدر عن عاقل، وهل يقال في مثل أبي يوسف مجهول؟ وهو أول من سمي بقاضي القضاة، وعلمه شاع في ربع الدنيا الذي هو محل الإسلام، وهو إمام ثقة حجة، ونحن نترك الاستدلال بالحديث المذكور عن أبي حنيفة رضي الله عنه ونستدل بما رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر الخيل فقال:«رجل ربطها تغنيا تعففا، ثم لم ينس حق الله في رقابها ولا في ظهورها، فهي لذلك ستر» .
فإن قلت: قالوا: حقها إعارتها، وحمل المنقطعين عليها إذا كان واجبا، ثم نسخ بدليل قوله:«قد عفوت لكم عن صدقة الخيل» ؛ إذ العفو لا يكون إلا عن شيء لازم.
قلت: ثبت أنه صلى الله عليه وسلم قال: «ولم ينس حق الله في رقابها» ، وهي الزكاة؛ لأنهم اتفقوا على سقوط سائر الحقوق غير الزكاة، وأنه لا حق في المال غير الزكاة، وما ورد فيها من إطراق فحولها، وإعارة ذكورها وغيرهما، منسوخ بالزكاة عند الجمهور، وقد ذكرنا عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ما يساند قول أبي حنيفة رضي الله عنه.
م: (وتأويل ما رويناه فرس الغازي وهو المنقول عن زيد بن ثابت رضي الله عنه) ش: هذا جواب من جهة أبي حنيفة رضي الله عنه عن الحديث الذي رواه أبو يوسف ومحمد -رحمهما الله- من قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث المذكور ولا فرسه، وأن تأويله أن المراد منه فرس الغازي؛ لأن الخيل كانت عزيزة في ذلك الوقت لقلتها وما كانت إلا معدة للجهاد، ثم كثرت بعد ذلك، ولا سيما في غير بلاد العرب خصوصا في بلاد الدشت، فإن الخيل عند أهلها سائمة في البراري ترعى ولا يعرفون العلف، فمنهم من يملك منها ألف رأس وأقل وأكثر، فصارت كالإبل والبقر والغنم؛ لأن الرقيق إذا كان للتجارة تجب فيه الزكاة، فكذلك الخيل إذا كانت سائمة؛ لأن التجارة والإسامة يؤثران في معنى النماء، وسبب وجوب الزكاة هو المال النامي، وأيضا لما قرن النبي صلى الله عليه وسلم الفرس بالعبد كان ذلك قرينة على أن المراد عبد الخدمة وفرس الركوب، فإنهما إذا كانا للتجارة تجب فيهما الزكاة بالإجماع.
وفي " المبسوط ": نص على أنه لا يؤخذ من عينها؛ لأن مقصود الفقير لا يحصل بذلك لأن عينها غير مأكول اللحم عنده، ولم يثبت أبو حنيفة رضي الله عنه للإمام ولاية الأخذ؛ لأن الخيل مطمع كل واحد من أهل الطمع فإنها سلاح، والظاهر أن الأئمة إذا علموا به لا يتركوه،
والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور عن عمر رضي الله عنه
وليس في ذكورها منفردة زكاة؛ لأنها لا تتناسل وكذا في الإناث المنفردات في رواية وعنه الوجوب فيها؛ لأنها تتناسل بالفحل المستعار، بخلاف الذكور
ــ
[البناية]
لصاحبه.
قوله: هو المنقول عن زيد بن ثابت الصحابي وهذا غريب، وقد ذكره أبو زيد الدبوسي في كتاب " الأسرار " فقال: إن زيد بن ثابت رضي الله عنه لما بلغه حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم إنما هذا فرس الغازي، ومثل هذا لا يعرف بالرأي، [بل] إنه مرفوع.
وروى أحمد بن زنجويه في كتاب " الأموال " حدثنا علي بن الحسن، حدثنا سفيان بن عيينة، عن ابن طاوس، عن أبيه، أنه قال: سألت ابن عباس رضي الله عنهما أَوَفِيهَا صدقة؟ فقال: ليس على فرس الغازي في سبيل الله صدقة.
م: (والتخيير بين الدينار والتقويم مأثور، عن عمر رضي الله عنه) ش: هذا الأثر غريب، وأخرجه الدارقطني في "سننه "، عن أبي إسحاق، عن حارثة بن مضرب، قال: جاء ناس من أهل الشام إلى عمر رضي الله عنه فقالوا: إنا أصبنا أموالا: خيلا ورقيقا، وإنا نحب أن نزكيها فقال: ما فعله صاحباي قبلي فأفعله أنا، ثم استشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالوا: حسن، وسكت علي رضي الله عنه، فسأله فقال: هو حسن لو لم يكن جزية راتبة يؤخذ بها بعدك، فأخذ عن الفرس عشرة دراهم ثم أعاده قريبا منه بالسند المذكور والقصة، وقال فيه: يوضع على كل فرس دينار، وقيل: هذا في أفراس العرب؛ لتفاوت قيمتها، وأما في أفراسنا فالتقويم والأداء عن كل مائتي درهم خمسة دراهم.
م: (وليس في ذكورها منفردة) ش: أي وليس في ذكور الخيل حال كونها منفردة م: (زكاة لأنها لا تتناسل) ش: هذا على الرواية المشهورة وذلك لعدم النماء بالتناسل والتوالد.
وفي " المبسوط ": لا تجب في الذكور، إلا في رواية شاذة، وفي " المحيط ": المشهور عدم الوجوب.
م: (وكذا في الإناث المنفردات في رواية) ش: أي وكذا لا تجب الزكاة في الخيل الإناث المنفردات في رواية عن أبي حنيفة رضي الله عنه لعدم النماء بالتوالد.
م: (وعنه الوجوب فيها) ش: أي وعن أبي حنيفة رضي الله عنه الوجوب للزكاة في الإناث المنفردات م: (لأنها تتناسل بالفحل المستعار) ش: أي لأنها يوجد فيها النماء بالفحل المستعار، فيكون النماء لصاحبها م:(بخلاف الذكور) ش: المنفردة، لعدم التناسل.
وعنه أنها تجب في الذكور المنفردة أيضا، ولا شيء في البغال والحمير لقوله صلى الله عليه وسلم لم ينزل علي فيهما شيء والمقادير تثبت سماعا إلا أن تكون للتجارة
ــ
[البناية]
م: (وعنه أنها) ش: أي عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن الزكاة م: (تجب في الذكور المنفردة أيضا) ش: لإطلاق الحديث، وفي " الإيضاح ": باعتبار أنها سائمة م: (ولا شيء في البغال والحمير لقوله صلى الله عليه وسلم: «لم ينزل علي فيهما شيء» ش: أي في البغال والحمير.
والحديث رواه البخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه ولكن ليس فيه ذكر البغال، ولفظ الحديث طويل فأوله: الخيل ثلاثة، وفي آخره فسئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الحمر فقال:«ما أنزل علي فيها شيء إلا هذه الآية الجامعة الفاذة: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ - وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ} [الزلزلة: 7 - 8] » (الزلزلة: آية 7، 8) .
قوله: الفاذة بتشديد الذال المعجمة أي المنفردة في معناها، والفذ الواحد، وقد أفذ الرجل عن أصحابه إذا شذ عنهم وبقى منفردا. وقيل: معناه جامعة لاشتمال اسم الخير على أنواع الطاعات والشر على أنواع المعاصي، ودلالة الآية على الجواب من حيث إن سؤالهم كان الحمار له حكم الفرس أم لا؟
فأجاب: بأنه إن كان بخير فلا بد أن يرى خيره وإلا فبالعكس، والدليل الصريح في عدم وجوب الزكاة في الحمير ما رواه البيهقي من حديث سعيد بن المسيب عن أبي هريرة رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «عفوت لكم عن صدقة الجبهة والكسعة والنخة» .
قال بقية أحد رواته: الجبهة الخيل، والكسعة البغال والحمير، والنخة المربيات في البيوت.
والحديث ضعيف؛ لأن فيه سليمان بن أرقم، هو متروك الحديث، لا يحتج به، قاله البيهقي، وقال في " ديوان الأدب ": الجبهة: الخيل، والكسعة: الحمير، والنخة: البقر العوامل.
قلت: الكسعة بضم الكاف، وسكون السين المهملة، وقال ابن الأثير: النخة بفتح النون وضمها هي الرقيق، وقيل: الحمير، وقيل: البقر العوامل، وقيل: هي كل دابة استعملت، وقيل: البقر العوامل بالضم وغيرها بالفتح، وقال الفراء: النخة أن يأخذ المصدق دينارا بعد فراغه من الصدقة.
م: (والمقادير تثبت سماعا) ش: كان ينبغي أن يقال والمقدرات تثبت من جهة السماع؛ لأن القياس لا دخل له في جهة المقدرات الشرعية م: (إلا أن تكون للتجارة) ش: استثناء من
لأن الزكاة حينئذ تتعلق بالمالية كسائر أموال التجارة، والله أعلم.
ــ
[البناية]
قوله: ولا شيء في البغال والحمير، يعني إذا كانت للتجارة يجب فيها الزكاة.
م: (لأن الزكاة حينئذ) ش: أي حين كونها للتجارة م: (تتعلق بالمالية كسائر أموال التجارة) ش: لوجود النماء بالتجارة كما في عروض التجارة، وغير ذلك من الأحكام.