الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومنها الخطبة: لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلاها بدون الخطبة في عمره وهي قبل الصلاة بعد الزوال، به وردت السنة.
ــ
[البناية]
وقال السغناقي: لأنهما يختلفان بدليل تخير العبد إذا أذن له مولاه بأن يصلي الجمعة بين أن يصلي الظهر والجمعة مع تعين الوقت في الجمعة بالعلة، ولو لم يكونا مختلفين لما خير العبد كما في جناية المدبر حيث يجب الأقل على مولاه من الأرش، والقيمة من غير خيار لاتحادهما في المالية، ثم إنه لو دخل وقت العصر وهو في الجمعة وقد تشهد يجزئه الجمعة عند أبي يوسف وأحمد ومحمد، وتبطل جمعته عند أبي حنيفة، ويستقبل قضاء الظهر، وعند الشافعي يصليها ظهرا.
وقال ابن القاسم: يصليها جمعة ما لم تغب الشمس بناء على أن وقت الظهر والعصر واحد، وفي " الواقعات ": لو قام المؤتم ولم ينتبه حتى خرج وقت الظهر فسدت الجمعة، لأنه لو أتمها صار قاضيا في غير وقتها، وإن انتبه قبل خروج الوقت جازت صلاته، وعند الشافعية لو سلم الإمام والقوم في الوقت ثم خرج الوقت وعلى المسبوق ركعة ففي أحد الوجهين لا تصح جمعته لوقوع بعض صلاته خارج الوقت، والثاني تصح تبعا للإمام.
[الخطبة من شرائط الجمعة]
[شروط الخطبة وسننها]
م: (ومنها الخطبة) ش: أي من شرائط الجمعة الخطبة، وهو مذهب عطاء والنخعي وقتادة والثوري ومالك والشافعي وأحمد وإسحاق وأبي ثور رضي الله عنهم، وعن عمر رضي الله عنه قال: قصرت الصلاة لأجل الخطبة، وعن عائشة مثله، وعن سعيد بن جبير قال: كانت الجمعة أربعا فجعلت الخطبة، فكان ركعتين، وقال ابن قدامة: لا نعلم في هذا مخالفا إلا الحسن البصري، فإنه قال: يجزئهم جمعتهم خطب الإمام أو لم يخطب. وذكر النووي معه داود وعبد الملك المالكي. وقال القاضي عياض: وروي ذلك عن مالك، وقال ابن حزم في " المحلى ": الخطبة ليست بفرض، تجوز الجمعة بدونها.
م: (لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما صلاها بدون الخطبة في عمره) ش: ذكره البيهقي، وذكر أيضا عن الزهري أنه قال: بلغنا أنه قال: "لا جمعة إلا بخطبة "، واستدل أيضا بحديث ابن عمر:«كان عليه السلام يخطب يوم الجمعة خطبتين بينهما جلسة» .
قلت: هذا استدل بمجرد الفعل فلا يتم إلا إذا ضم إليه قوله صلى الله عليه وسلم: «صلوا كما رأيتموني أصلي» ، رواه البخاري، فلو لم تكن واجبة لتركها مرة تعليما للجواز.
م: (وهي) ش: أي الخطبة. م: (قبل الصلاة بعد الزوال) ش: لأنها شرط فتقدم كسائر الشروط، بخلاف العيد فإنه لو لم يخطب فيه أصلا يجوز، ولو خطب فيه يجوز. م:(وبه وردت السنة) ش:
ويخطب خطبتين يفصل بينهما بقعدة وبه جرى التوارث.
ــ
[البناية]
أي بكون الخطبة قبل الصلاة وردت السنة عن النبي صلى الله عليه وسلم، يمكن أخذ هذا في حديثين، أحدهما حديث السائب بن زيد، رواه البخاري عنه قال:«كان الأذان على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما يوم الجمعة حين يجلس الإمام، فلما كان عثمان رضي الله عنه وكثر الناس أمر بالأذان الثاني على الزوراء،» ووجهه أن الأذان لا يكون إلا قبل الصلاة، فإذا كان حين يجلس الإمام على المنبر للخطبة دل على أن الصلاة بعد الخطبة.
والآخر «حديث أبي موسى الأشعري أخرجه مسلم عنه قال لي ابن عمر رضي الله عنه: أسمعت أباك يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن ساعة الجمعة، قال: قلت: نعم، سمعته يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "هي ما بين أن يجلس الإمام إلى أن يقضي الصلاة» ، قال أبو بردة: يعني على المنبر.
م: (ويخطب خطبتين يفصل بينهما بقعدة) ش: مقدار ثلاث في ظاهر الرواية، وقال الطحاوي مقدار ما سمي موضع جلوسه على المنبر. م:(وبه جرى التوارث) ش: أي بالفصل بين الخطبتين بقعدة جرى التوارث، يعني هكذا فعل النبي صلى الله عليه وسلم والأئمة من بعده إلى يومنا هذا، ولفظ التوارث إنما يستعمل في أمر له خطر وشرف، يقال توارث المجد كابرا عن كابر، أي كبيرا عن كبير في القدر والشرف، وقيل: هي حكاية العدل عن العدل، فإن القيام فيها، والفصل بين الخطبتين بقعدة متوارث.
وقال ابن المنذر: اختلفوا فيه، «وكان عطاء بن أبي رباح يقول: ما جلس رسول الله صلى الله عليه وسلم على المنبر حتى مات، وما كان يخطب إلا قائما» وأول من جلس عثمان رضي الله عنه في آخر عمر زمانه حين كبر، فكان يجلس هنيهة ثم يقوم، وكان المغيرة بن شعبة إذا فرغ المؤذن قام فخطب ولا يجلس حتى ينزل.
قال: والذي عليه عمل الناس ما تفعله الأئمة اليوم، ثم هذه القعدة عندنا للاستراحة وليست بشرط، وقال الشافعي: إنها شرط. وقال شمس الأئمة السرخسي: الدليل على أنها للاستراحة لا للشرط حديث جابر بن سمرة «أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب قائما خطبة واحدة، فلما أسن جعلها خطبتين بينهما جلسة» ففي هذا دليل على أنها للاستراحة لا للشرط.
قلت: هذا الحديث غريب، وهو عن ابن عباس برواية الحسن بن عمارة، وقال ابن العربي: وهو ضعيف.
ثم الخطبة الواحدة تجوز عندنا وهو مذهب عطاء ومالك والأوزاعي وإسحاق وأبي ثور. وقال ابن المنذر: أرجو أن تجزئه خطبة واحدة، وقال أحمد: لا تكون الخطبة إلا كما خطب النبي صلى الله عليه وسلم.
ويخطب قائما على طهارة؛ لأن القيام فيهما متوارث
ثم هي شرط الصلاة فيستحب فيها الطهارة كالأذان،
ــ
[البناية]
وقال الشافعي: يجب أن يخطب خطبتين قائما يجلس بينهما مع القدرة عليها، وحكى الرافعي وجها آخر أنه لو خطب قائما كفاه الفصل بسكتة من غير جلوس. قال النووي: وهذا شاذ مردود، وقال النووي: القيام والجلوس بينهما سنة عند جمهور العلماء، حتى إن الطحاوي رحمه الله قال: لم يقل أحد باشتراط الجلوس بينهما غير الشافعي.
م: (ويخطب قائما على طهارة) ش: أي ويخطب الإمام حال كونه قائما وحال كونه على الطهارة، أما القيام فإنه سنة عندنا، وعند الشافعي لا تصح الخطبة قاعدا، وبه قال مالك في رواية، وعنه كقولهما، وبه قال أحمد، وأما الطهارة سنة عندنا لا شرط، خلافا لأبي يوسف والشافعي، حتى إذا خطب على غير طهارة يجوز عندنا ويكره، وعندهما لا يجوز، وقال الشافعي في القديم كقولهما، وبه قال مالك وأحمد.
م: (لأن القيام فيها) ش: أي الخطبة. م: (متوارث) ش: أي من النبي صلى الله عليه وسلم ومن الأئمة بعده إلى يومنا هذا، والجواب عما يقال إنه إذا كان كذلك ينبغي أن يكون فرضا، كما قال الشافعي: وهو قول المصنف رحمه الله.
م: (ثم هي) ش: أي الخطبة. م: (شرط الصلاة فيستحب فيها) ش: أي في الخطبة. م: (الطهارة) ش: أي عن الجنابة والحدث. م: (كالأذان) ش: وجه التشبيه بالأذان أن الخطبة ذكرها شبه بالصلاة من حيث إنها أقيمت مقام شطرها. وتقام بعد دخول الوقت والأذان أيضا مقام بعد دخول الوقت، لا يقال ليس بينهما مشابهة، بل بينهما مخالفة، فإذا أذن الجنب تستحب فيها الإعادة طاهرا ولم يذكر خطبة الجمعة هاهنا، لأنا نقول لا فرق بينهما في الحقيقة، غير أن الأذان لا يتعلق به حكم الجواز، فذكر استحباب الإعادة، والخطبة يتعلق بها حكم الجواز فذكر الجواز هاهنا، واستحباب الإعادة هاهنا كهو في الأذان.
ولم يذكر المصنف أنه هل يعيد الخطبة أو لا، فذكر في "نوادر أبي يوسف " أنه يعيدها وإن لم يعدها جاز، لأنه ليس من شرط استقبال القبلة بخلاف الأذان، فإنه يعيد، لأن الأذان أشبه بالصلاة من الخطبة، ألا ترى أنه شرع استقبال القبلة بخلاف الخطبة، ولكن يكون مسيئا إذا تعمد ذلك، لأنها الصلاة حتى أقيمت مقام الشفع في الظهر، ولأن فيه دخول المسجد جنبا، وهو مكروه.
وقال الأترازي: قوله "كالأذان" فيه نظر، لأنه يفهم من هذا التركيب أن الأذان شرط الصلاة وليس كذلك، لأنه سنة.
ولو خطب قاعدا أو على غير طهارة جاز، لحصول المقصود، إلا أنه يكره لمخالفته التوارث، وللفصل بينهما وبين الصلاة
ــ
[البناية]
قلت: لا نسلم بذلك، لأن قوله:"كالأذان" يتعلق بقوله تستحب فيها الطهارة ولا بقوله هي شرط الصلاة.
م: (ولو خطب قاعدا أو على غير طهارة جاز لحصول المقصود) ش: وهو الذكر والوعظ، وفي " المحيط " و" المبسوطين " الخطبة ذكر والمحدث والجنب يمنعان ما خلا قراءة القرآن في حق الجنب، وليست الخطبة كالصلاة ولا كشطرها، بدليل أنها تؤدى غير مستقبل القبلة ولا يفسدها الكلام. م:(إلا أنه يكره) ش: استثناء من قوله "جاز" والضمير في أنه يرجع إلى كل واحد من الخطبة قاعدا ومن الخطبة على غير الطهارة، ويذكر الضمير باعتبار المذكور. م:(لمخالفته التوارث) ش: يتعلق بقوله: "ولو خطب قاعدا" أو أراد بالتوارث ما نقل عن النبي صلى الله عليه وسلم وعن الأئمة بعده من القيام في الخطبة.
م: (وللفصل بينهما وبين الصلاة) ش: متعلق بقوله: " أو على غير طهارة" وأراد أن الطهارة في الخطبة على غير طهارة لأجل وقوع الفصل بين الخطبة وبين الصلاة، فإنه إذا خطب على غير طهارة يحتاج إلى وضوء لأجل الصلاة، فوضوءه يكون فصلا بينهما.
فروع: لو خطب نفر الناس وجاء آخرون أجزأهم، لأنه خطب والقوم حضور، وصلى والقوم حضور، وكبر للجمعة والناس لم يكبروا حتى ركع، ثم كبر والقوم معه، يجزئهم، ولو رفع رأسه قبل أن يركعوا لا يجزئهم، ولو كبروا معه ثم خرجوا من المسجد ثم جاءوا وكبروا قبل رفع الإمام رأسه من الركوع أجزأهم، كذا في " المحيط ".
وفي المرغيناني: كبر الإمام والقوم حضور لم يشرعوا إن كان شروعهم قبل رفع الإمام من الركوع صحت الجمعة وإلا استقبلها، قيل: هذا قول محمد، وعن أبي حنيفة: إن شرعوا قبل أن يقرأ آية قصيرة جازت، وإلا استقبلها، وقال أبو يوسف: إن كبروا قبل أن يقرأ ثلاث آيات أو آية طويلة صحت وإلا استقبلها.
وفي " الواقعات ": أحدث الإمام وقال لواحد: اخطب ولا يصلي بهم أجزأه أن يخطب ويصلي بهم، وفي الأصل قدم وإن بعد ما خطب الأول وصلى بهم القادم لا يجوز إلا أن يعيد الخطبة، وكذا إذا أمر الثاني الأول أن يصلي بهم، فإن الأول مستأنف ثم أمر من يصلي بهم جاز، ولو خطب وحده لا يجوز، وإن كان بحضرة النساء، وعن أبي حنيفة يجوز، والصحيح الأول عن أبي يوسف لو خطب ولم يسمع الرجال جاز ولا يضر تباعدهم، ولو خطب والقوم نيام أو صم جازت. ذكره في " الذخيرة ".
ولو خطب بحضرة الإمام بغير إذنه لم يجز والإذن بالخطبة إذن بالصلاة، وكذا الإذن
فإن اقتصر على ذكر الله جاز عند أبي حنيفة رحمه الله
ــ
[البناية]
بالصلاة إذن بالخطبة أو شهدها جاز، وإن تقدم من غير أن يقدمه الإمام إن كان بعد الشروع يجوز.
وقيل: لا يجوز إلا إذا كان قاضيا أو صاحب شرط أو ذا سلطان، ولو خطب ثم ذهب فتوضأ في منزله ثم جاء فصلى جاز، ولو تغدى فيه أو جامع فاغتسل فاستقبل الخطبة، ذكره في " الواقعات " و" منية المفتي ".
وفي المرغيناني: لو رجع إلى منزله فتغدى أجزأه، ولو خطب وهو جنب فاغتسل استقبل.
وفي " قنية المنية ": خطب وفي يده منشور الوالي وصلى بالناس بالغ جاز. وقال القاضي عبد الجبار ومجد الأئمة الترجماني: لا يجوز ولا تصح صلاتهم بالبالغ، وفي صلاة الجلاتي: ويشترط في الخطبة أهلية الإمام في الجمعة، وعند الشافعي في المحدث والجنب قولان، الجديد اشتراط الطهارة، وكذا طهارة البدن والثوب والمكان وستر العورة، ولم يشترط الطهارة، وأحمد وداود في " الواقعات " لو أحدث الإمام وأمر من لم يحضر الخطبة أن يجمع بهم لم تصح جمعتهم، وإن أمر من حضر الخطبة أو بعضها فجمع بهم جاز.
وفي الأصل: لا يجوز، بخلاف ما لو شرع في الصلاة ثم استخلف من لم يشهدها جاز، ولو أحدث الإمام بعدما خطب قبل الشروع في الجمعة وأمر رجلا لم يشهد الخطبة أن يصلي بهم فأمر المأمور من شهد الخطبة من أهل الصلاة أن يصلي بهم جاز، وذكر الحاكم في "مختصره" أنه لا يجوز، ولو كان المأمور الأول ذميا ولم يعلم به الآمر فأمر الذمي مسلما لم يجز، لأنه ليس من أهل الصلاة.
وكذا لو كان مريضا يصلي بالإيماء أو أخرس أو أميا أو صبيا فأمروا غيرهم لم يجز، ولو أسلم الذمي وبرئ المريض وتكلم الأخرس وتعلم الأمي فصلى بهم أو أمر غيرهم جاز، ولو أمر نصرانيا أو صبيا فأسلم النصراني وبلغ الصبي لا يصليان حتى يؤمران بعد ذلك إذا استقضاه، ولو قال للنصراني: إذا أسلمت فصل بالناس أو اقض جاز، وكذا الصبي.
م: (فإن اقتصر على ذكر الله جاز عند أبي حنيفة رحمه الله) ش: إطلاق كلامه يقتضي أن يجوز بمجرد قول الله من غير أن يقرن به شيئا كالحمد وسبحان الله، لأنه ذكر الله، ولكن الرواية في " المبسوط " وغيره أنه إذا خطب بتسبيحة واحدة أو بتهليل أو بتحميد أجزأه في قوله.
وفي " المحيط ": ويجزئ في الخطبة قليل الذكر نحو قوله - الحمد لله- ونحو قوله "سبحان الله" وقال ابن المنذر: روينا عن الشعبي أنه قال: يخطب بما قل أو كثر، وفي "قاضي خان " التسبيحة الواحدة تجزئ في قول أبي حنيفة. وهو قول أبي يوسف الأول، وكان القول أولا لا يجزئ، وهو قول محمد وقول أبي يوسف الآخر إلا أنه يكون مسيئا بغير عذر كترك
وقالا لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة
لأن الخطبة هي الواجبة والتسبيحة أو التحميدة لا تسمى خطبة. وقال الشافعي رحمه الله: لا تجوز حتى يخطب خطبتين اعتبارا للمتعارف.
ــ
[البناية]
السنة.
وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يخطب خطبة خفيفة يحمد الله ويثني عليه ويتشهد ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم ويعظ الناس ويذكرهم، ويقرأ سورة، ذكره المرغيناني، وقال مالك: الخطبة كل كلام ذي بال، وروى مطرف عنه في " مختصر ابن عبد الحكم ": أو سبح أو هلل أو صلى على النبي صلى الله عليه وسلم فلا إعادة عليه، ثم اشترط عند أبي حنيفة أن يكون قوله الحمد لله على قصد الخطبة، حتى لو قال يريد الحمد لله على إعطائه لا ينوب عن الخطبة. وقيل: ينوب، والأول أصح، ونظيره التسمية على الذبيحة إنما تحل إذا كان قاصدا للذبح. وفي " الكافي": التكرار شرط في الحمد لله لتسمى خطبة.
م: (وقالا) ش: أي أبو يوسف ومحمد. م: (لا بد من ذكر طويل يسمى خطبة) ش: وبه قال عامة العلماء. وقال الإمام أبو بكر: أقل ما سمي خطبة عندنا مقدار التشهد من قوله التحيات لله إلى قوله عبده ورسوله.
وفي "التجنيس " مقدار الجلوس بين الخطبتين، وعند الطحاوي مقدار ما يمس موضع جلوسه المنبر، وفي ظاهر الرواية مقدار ثلاث آيات، وعند الشافعي تجب، وبه قال أحمد ومالك في رواية.
وفي " الخلاصة الغزالية ": في الخطبة الأولى أربع فرائض: التحميد، والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والوصية بتقوى الله تعالى، وقراءة الآية، وكذا في الخطبة الثانية، إلا أن الدعاء للمؤمنين والمؤمنات في الثانية يدل على أن قراءة الآية في الأولى. وفي " الحلية " قيل: تجب القراءة في الخطبتين، قيل: ولا تجب فيهما، وقيل: تجب في إحداهما في أيتهما قرأ جاز، والقراءة في الثانية مستحبة، وقيل: واجبة وبقول أحمد أخذ.
م: (لأن الخطبة هي الواجبة) ش: يعني بالإجماع. م: (والتسبيحة) ش: الواحدة. م: (أو التحميدة) ش: الوحدة. م: (لا تسمى خطبة) ش: فوجب ما يسمى خطبة.
م: (وقال الشافعي: لا تجوز حتى يخطب خطبتين؛ اعتبارا للمتعارف) ش: أي للعادة، لأن الذي يخطب بأقل من ذلك لا يسمى خطبة في عادة الناس، ولا يخطب بها خطيبا، وصورة الخطبتين عنده: ما قد ذكرناه الآن، وعلل الأترازي للشافعي بقوله:"إن ذكر الله مجمل" لا يدري أي ذكر هو، وقد فسره رسول الله صلى الله عليه وسلم بخطبتين، بفعله صار بيانا للكتاب.
ثم أجاب عن ذلك بقوله: لا نسلم أن ذكر الله مجمل، لأن المجمل ما لا يمكن العمل به إلا ببيان من المجمل، والعمل بالآية قبل البيان، لأن ما سمي ذكر الله معلوم عند الناس وفعل
وله قَوْله تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9](الجمعة: الآية 9) ، من غير فصل.
ــ
[البناية]
النبي عليه السلام لبيان السنة، ولا نسلم أن الجواز معلق بالخطبة، بل الجواز معلق بذكر الله، وقد حصل، ولئن سلمنا لكن لا نسلم أن القدر القليل لا يسمى خطبة، وكيف لا يسمى خطبة والخطبة موجودة في ذلك القدر؟
قلت: قوله: "لا نسلم أن الجواز معلق بالخطبة" فيه نظر، وكيف لا يعلق بالخطبة؟ والمراد من ذكر الله في قوله:{فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9](الجمعة: الآية9) ، هو الخطبة، فإذا كان المراد بالذكر الخطبة ما هو مضاد الخطأ، ولم يجز لهم عادوا بالقدر القليل، وقوله وحقيقة الخطبة موجودة في ذلك القدر غير مسلم، لأن المراد هو الخطبة الشرعية التي جرى عليها التوارث، وليس المراد الحقيقة اللغوية.
ثم سأل الأترازي بقوله:
فإن قلت: ذكر رأيت يقدم على الصلاة فوجب أن لا يقصر على الكلمة الواحدة كالأذان؟
قلت: لا نسلم أن القياس صحيح، لأن المقصود من الأذان الإعلام وهو لا يحصل بكلمة واحدة، بخلاف الخطبة، فإن المقصود منها ذكر الله وهو يحصل بكل ما يسمى ذكر الله.
قلت: وفيها أيضا إعلام بأن هذا يوم فيه قامت الخطبة مقام الركعتين، على ما روي عن عمر وعائشة رضي الله عنهما أنهما قالا: إنما قصرت الصلاة لمكان الخطبة، ومعلوم أن قصر الصلاة لا يكون بما يسمى ذكر الله.
م: (وله) ش: أي لأبي حنيفة رحمه الله. م: (قَوْله تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] (الجمعة: الآية 9)) .
م: (من غير فصل) ش: يعني بين قليل الذكر وكثيره، والمراد بذكر الله الخطبة باتفاق المفسرين وقد أمر الله تعالى بالسعي إلى ذكره مطلقا، من غير قيد بذكر طويل ولا بخطبتين، فاشتراطه زيادة على النص بالفعل المنقول بخبر الواحد، فيحمل ذلك على السنة وكمال الذكر، وأصل الذكر حاصل بقولنا الحمد لله وسبحان الله، ولا إله إلا الله والله أكبر، ونحو ذلك، فما زاد على ذلك فهو شرط الكمال.
ثم قوله: "الحمد لله أو سبحان الله" كلام وخبر وتحته معان جليلة جمة، فالمتكلم بهذا اللفظ الوجيز كالذاكر لتلك المعاني الكثيرة بلفظ وجيز، فتكون خطبة وجيزة قصيرة، وقصر الخطبة مندوب إليه، وروي «طول الصلاة وقصر الخطبة مئنة من فقه الرجل» .
فإن قلت: ما حال هذا الحديث؟
وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال الحمد لله فارتج عيه فنزل وصلى.
ــ
[البناية]
قلت: قال ابن العربي: خرج في الصحيح، ولكن المشهور أنه من قول ابن مسعود رضي الله عنه ومعنى مئنة أي علامة على تفهمه، وجعل الجوهري الميم أصلية، وقيل هي فعلية، ونقل الأزهري عن أبي عبيد أن وزنها مفعلة فتكون الميم زائدة.
وقال ابن الأثير: وحقيقتها أنها مفعلة، من معنى أن التي للتخفيف والتأكيد غير مشتقة من لفظها، لأن الحروف لا تشتق منها، وإنما ضمت حروفها؛ دلالة على أن معناها فيها، ولو قيل: إنها اشتقت من لفظها بعدما جعلت اسما، لكان قولا، ومن أغرب ما قيل فيها: إن الهمزة بدل من الطاء في الخطبة، والميم في ذلك كلمة زائدة.
م: (وعن عثمان رضي الله عنه أنه قال: الحمد لله فأرتج عليه فنزل وصلى) ش: هذا غريب ولكن اشتهر في كتب الفقه أن عثمان قال على المنبر الحمد لله فأرتج عليه، فقال: إن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كان يعدان لهذا المقام مقالا، وإنكم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قوال، وسيأتي في الخطبة بعد هذا والسلام.
وذكره الإمام القاسم بن ثابت السرقسطي في كتاب " غريب الحديث " من غير سند، فقال: روي عن عثمان رضي الله عنه أنه صعد المنبر فأرتج المنبر عليه، فقال: الحمد لله إن أول كل مركب صعب وإن أبا بكر وعمر رضي الله عنهما كانا يعدان لهذا المقام مقالا، وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قائل، وإن أعش تأتكم الخطبة على وجهها، ويعلم الله إن شاء الله، انتهى.
قال السراج: فنزل وصلى الجمعة ولم ينكر عليه أحد من الصحابة، فدل أنه يكتفي بهذا القدر، ومراده من قوله وأنتم إلى إمام عادل أحوج منكم إلى إمام قوال، أن الخطباء الذين يأتون بعد الخلفاء الراشدين يكونون على كثرة المقال مع قبح الفعال، وإن لم أكن مثلهم فأنا على الخير دون الشر، فأما أن يريد بهذه المقالة تفضيل نفسه على الشيخين فلا، كذا في " المحيط ".
وروي أن الحجاج لما أتى العراق وصعد المنبر أرتج عليه، فقال:"يا أيها الناس قد هالني كبر رءوسكم وإحداقكم إلي بأعينكم، وإني لا أجمع عليكم بين الشيخ والصبي في نعماء بني فلان، فإذا قضيتم الصلاة فانتهبوها فنزل، وصلى معه أنس بن مالك وغيره من الصحابة، كذا في " المبسوط ".
وقال تاج الشريعة: وصلى معه ابن عمر وأنس والحسن وغيرهم من علماء التابعين رضي الله عنهم، وقال السروجي: وروي عنه أنه كتب إلى الوليد بن عبد الملك يشكو إليه الحصر في الخطبة وقلة شهوة الأكل وضعف شهوة الجماع، فكتب إليه الوليد أنك إذا خطبت انظر إلى أخريات الناس ولا تنظر إلى من يكون تقرب منك، وأكثر ألوان الأطعمة، فإنك لو أكلت من
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
كل لون شيئا يسيرا كفيت، وأكثر السراري فإن لكل جديد لذة.
قوله " فأرتج عليه": بضم الهمزة وسكون الراء وكسر التاء المثناة من فوق وتخفيف الجيم. وقال الجوهري: أرتج على القارئ على ما لم يسم فاعله إذا لم يقدر على القراء وأرتج الرجل في منطقة إذا استغلق عليه الكلام، وأرتجت الباب أي أغلقته.
وفي " النهاية" لابن الأثير: أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بإرتاج الباب أي بإغلاقه.
وفي " مجمع الغرائب ": يقال للرجل الذي لم يحضره منطق قد أرتج عليه كأنه قد أغلق عليه باب النطق. وقال المريد: قول العامة أرتج إليه بالتشديد ليس بشيء.
وفي " المغرب ": الكلام العربي بالتخفيف.
فإن قلت: روي عن أبي عبيدة أنه قال: يقال أرتج يعني بالتشديد، ومعناه وقع في وجه أي اختلاط.
قلت: هذا المعنى بعيد جدا.
فروع: الخطبة تشتمل على فروض وسنن، أما الفرض فشيئان الوقت وهو ما بعد الزوال وقبل الصلاة، حتى لو خطب قبل الزوال أو بعد الصلاة لا يجوز.
وأما السنن فخمسة عشر: الطهارة حتى كره من الجنب والمحدث. وقال أبو يوسف والشافعي: لا يجوز منهما. والقيام واستقبال القوم بوجهه، والقعود قبل الخطبتين، قال أبو يوسف: والبداية بالحمد لله والثناء عليه بما هو أهله، وكلمتا الشهادة والصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم، والموعظة والتذكرة وقراءة القرآن، وتاركها مسيء، وقال الشافعي: لا يجوز، وقدرها ثلاث آيات والجلوس بين الخطبتين، وإعادة التحميد والثناء على الله تعالى في الخطبة الثانية؛ وزيادة الدعاء للمسلمين والمسلمات في الثانية وتخفيف الخطبتين بقدر سورة من طوال المفصل.
وأما الخطيب فمن السنة فيه طهارته واستقباله بوجهه إلى القوم وترك السلام من وقت خروجه إلى دخوله في الصلاة وترك الكلام، وبه قال مالك. وقال الشافعي وأحمد: السنة إذا صعد المنبر أن يسلم على القوم إذا استقبلهم بوجهه، وكذا روى ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قلت: هذا الحديث أورده ابن عدي من حديث ابن عمر في ترجمة عيسى بن عبد الله الأنصاري وضعفه، وكذا ضعفه ابن حبان.
وقال الأثرم: حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، ثنا أبو أسامة، عن مجالد، عن الشعبي قال: «كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صعد المنبر يوم الجمعة استقبل الناس فقال: "السلام عليكم"
…
» الحديث،