الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وابن السبيل من كان له مال في وطنه وهو في مكان آخر لا شيء له فيه.
ــ
[البناية]
إلا أن يعلل على جهة الإلزام.
وقال الرازي في " أحكام القرآن ": قد يكون الرجل غنيا في أهل بلده بالدار والأثاث والخادم والفرس وله فضل مال تجب عليه الزكاة فيه، ولا تحل له الصدقة، فإذا عزم على الخروج للغزو واحتاج إلى آلات السفر وسلاح الغزو أو العدة فيجوز له أخذ الصدقة إذ قد أنفق الفضل فيما يحتاج إليه من السلاح والعدة، ولولا سفره للغزو لكان غنيا، إذ لا يحتاج في إقامته إلى إنفاق الفضل، فإذا قصد الغزو جاز له أخذ الصدقة وهو غني في هذا الوجه، فهذا معنى قوله صلى الله عليه وسلم:«الصدقة تحل للغازي الغني» ، انتهى.
قيل: حديثهم يفيد الحصر في الخمسة المذكورة بين النفي والإثبات، وبذكر العدد الخمسة، قد جوزوا الدفع إلى أغنياء المؤلفة وليسوا من الخمسة، فوجب تأويل حديثهم. وقال السروجي رحمه الله ولعلمائنا ومن قال بقولهم حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه أنه صلى الله عليه وسلم قال له «أعلمهم أن الله تعالى فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد في فقرائهم» ، متفق عليه ولا يعارضه حديثهم لأنه لم يصح، ولو صح لا يبلغ درجة الحديث الثابت في " الصحيحين ".
[ابن السبيل من مصارف الزكاة]
[المقصود بابن السبيل]
م: (وابن السبيل) ش: هذا هو المصرف السابع، أي توضع الزكاة في ابن السبيل م:(من كان له مال في وطنه وهو في مكان آخر لا شيء له فيه) ش: أي ابن السبيل من كان له مال في وطنه والحال أنه في مكان لا شيء له فيه، وسمي المسافر ابن السبيل لكثرة ملازمته السبل، لأنه لما حصل له كثرة الملازمة صار كأنه ولد الطريق، ومنه قولهم للصوفي ابن الوقت كذا قاله الأترازي، وفيه نظر، لأن من سافر في عمرة مرة وجرى له هذا يطلق عليه ابن السبيل، ويحل له أخذ الزكاة، ولو كانت ملازمته السبيل شرطا لما جاز لهذا أن يأخذ الزكاة فافهم.
وقال السروجي: يجوز أن يقال ابن السبيل لما دفعته من بلد إلى بلد كما تدفع الآدمي الأرحام، سمي ابن السبيل، والسبيل يذكر ويؤنث.
وفي " البدائع ": ابن السبيل هو المختار في مصر قد قطع به، أو الحاج أراد الانصراف إلى أهله ولم يجد ما يتحمل به.
وفي " جوامع الفقه ": هو الغريب الذي ليس في يده شيء وإن كان له مال في بلده ومن له ديون على الناس ولا يقدر على أخذها لغيبتهم أو لعدم البينة أو لإعسارهم أو لتأجيله يحل له أخذها.
وقال بعضهم: ابن السبيل، هو من عزم على السفر، وليس معه ما يتحمل به، وقيل: هذا خطأ لأن السبيل هو الطريق، فمن لم يحصل في الطريق لا يكون ابن سبيل، وكذا لا
قال: فهذه جهات الزكاة، وللمالك أن يدفع إلى كل واحد منهم، وله أن يقتصر على صنف واحد. وقال الشافعي رحمه الله لا يجوز إلا أن يصرف إلى ثلاثة من كل صنف، لأن الإضافة بحرف اللام للاستحقاق.
ــ
[البناية]
يصير ابن سبيل بالعزم على السفر، وابن السبيل كعابر السبيل. وقال ابن عباس رضي الله عنه في قَوْله تَعَالَى:{إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء: 43](النساء: آية 43) ، هم المسافرون لا يجدون الماء فيتيممون، فكذا ابن السبيل هو المسافر لا من عزم على السفر.
وفي " الينابيع ": ابن السبيل منقطع الغزاة. وفي كتاب علي بن صالح الجرجاني: ابن السبيل، هو الذي لا يقدر على ماله في سفره وهو غني ويقدر أن يستقرض فالقرض خير له من قبول الصدقة، وإن قبلها أجزأ عمن يعطيه ولا يلزمه استقراض، لاحتمال عجزه عن الأداء. وفي " خزانة الأكمل ": لا يجب على ابن السبيل أداء زكاته حتى يرجع إلى ماله، ولو تصدق غيره بغير أمره فبلغه فرضي به، لم يجز وبأمره يجوز، وقيل: إذا كانت قائمة في يد الفقير ينبغي أن يجوز، لأن الإجازة اللاحقة كالوكالة السابقة على ما عرف.
م: (قال) ش أي صاحب الكتاب م: (فهذه جهات الزكاة) ش: أي هذه التي ذكرناها من الأصناف هي جهات الزكاة، أي مصارفها لا مستحقوها عندنا م:(وللمالك أن يدفع إلى كل واحد منهم) ش: أي من الأصناف السبعة المذكورة.
م: (وله أن يقتصر على صنف واحد) ش: من السبعة، وهو قول عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن عباس وحذيفة بن اليمان ومعاذ بن جبل رضي الله عنهم.
وبه قال سعيد بن جبير، والحسن البصري، وإبراهيم النخعي، وعمر بن عبد العزيز، وأبو العالية، وعطاء بن أبي رباح، وإليه ذهب الثوري، ومالك، وأحمد في ظاهر الرواية، وأبو ثور، وأبو عبيد، وعن النخعي: إن كان المال، كثيرا يحتمل قسمته على الأصناف قسمة عليهم، وإن كان قليلا صرف إلى صنف واحد.
م: (وقال الشافعي: لا يجوز إلا أن يصرف إلى ثلاثة من كل صنف) ش: فيكون واحدا وعشرين نفسا، وكذا صدقة الفطر وخمس الزكاة. وقال الشافعي رضي الله عنه: إلا العاملين عليها، فإنه يجوز أن يكون العامل واحدا، فإن فرق زكاته بنفسه، أو بوكيله سقط نصيب العامل، فيفرق الباقي على سبعة أصناف، أحد وعشرين نفسا إن وجدوا، حتى لو ترك واحد منهم ضمن نصيبه، وهو قول عكرمة، وداود الظاهري.
وقال الإصطخري: تصرف صدقة الفطر إلى ثلاثة من الفقراء لقلتها واختاره الروياني في " الحلية " م: (لأن الإضافة بحرف اللام للاستحقاق) ش: أي لأن إضافة الصدقات إليهم بحرف اللام تقتضي الملك إذا أضيف به إلى من يصح له الملك كقولك المال لزيد، فإن أوصى بثلث ماله
ولنا أن الإضافة لبيان أنهم مصارف لا لإثبات الاستحقاق. وهذا لما عرف أن الزكاة حق الله تعالى، وبعلة الفقر صاروا مصارف فلا يبالى باختلاف جهاته،
ــ
[البناية]
لهؤلاء الأصناف لم يجز حرمان بعضهم، فكذلك في أمر الشرع.
م: (ولنا أن الإضافة) ش: أي إضافة الصدقات إليهم م: (لبيان أنهم مصارف) ش: وأن تصير العاقبة لهم م: (لا لإثبات الاستحقاق) ش: لأن المجهول لا يصلح مستحقا، واللام للاختصاص لا للملك، كما يقال: الجل للفرس ولا ملك له، فكان المراد اختصاصهم بالصرف إليهم، ومعاني اللام ترتقي إلى أكثر من عشرة، ولكن أصلها للاختصاص.
ولم يذكر الزمخشري في المفصل غير الاختصاص لعمومه، فقال اللام للاختصاص، كقولك المال لزيد والسرج للدابة، واللام في الآية للاختصاص، يعني أنهم مختصون بالزكاة ولا تكون لغيرهم كقولهم الخلافة لقريش أو السقاية لبني هاشم أي لا يوجد ذلك في غيرهم، ولا يلزم أن تكون مملوكة لهم، فتكون اللام لبيان محل صرفها، وأيضا الفقراء والمساكين لا يحصون لكثرتهم فكانوا مجهولين، والتمليك من المجهول محال.
ولهذا قال النووي رحمه الله: لو كان في أكثر من ثلاثة من الصنف لا يثبت ملكهم ولا ينتقل إلى ورثتهم بموتهم، فدل على عدم الملك فبطل دعواهم أن اللام للملك بخلاف الثلاثة عندهم وأيضا قَوْله تَعَالَى:{وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60](التوبة: آية 60) ، كاللام فيهما، فإذا حمل على الاختصاص استقام الجميع ولا يستقيم الملك في الطرق، وهذا بين مكشوف وأيضا أنهم قالوا يجوز للإمام أن يدفع صدقة الرجل الواحد وأكثر إلى فقير واحد، والإمام يقوم مقام رب المال في التفريق، فأبطلوا لام الملك والعدد ولم يستوعبوا آحاد الصنف الواحد أيضا. قال الشيخ شهاب الدين القرافي: وهذه الصورة هي مذهبه في الملك. وقال ابن عباس رضي الله عنهما المراد في الآية في بيان المصارف قال: أينما صرفت إلى أحد من الأفراد أجزأت، كما أن الله تعالى أمرنا باستقبال القبلة في الصلاة، فإذا استقبلت جزءا منها كنت ممتثلا للأمر.
م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا أن الإضافة لبيان أنهم مصارف لا لإثبات الاستحقاق م: (لما عرف أن الزكاة حق الله تعالى) ش: لأنها عبادة ولا يستحقها إلا الله تعالى م: (وبعلة الفقر صاروا مصارف) ش: أي بعلة الفقر والاحتجاج صارت الأصناف المذكورة مصارف للزكاة، لأن الله تعالى ذكرهم بأوصاف تنبئ عن الحاجة.
م: (فلا يبالى) ش: على صيغة المجهول، أي فلا يلتفت ولا يحمل لهم م:(باختلاف جهاته) ش: أي بسبب اختلاف جهات المصرف، وإنما ذكر الضمير لأنه يرجع إلى المصرف الذي يدل عليه لفظ المصارف.
والذي ذهبنا إليه مروي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهما
ــ
[البناية]
م: (والذي ذهبنا إليه) ش: أي من الاقتصار على صنف واحد في دفع الصدقات م: (مروي عن عمر وابن عباس رضي الله عنهم) ش: أما المروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه فأخرجه الطبري في "تفسيره " من حديث الليث عن عطاء أنه قال {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60](التوبة: آية 60)
قال: أيما صنف أعطيته من هذا أجزأ عنك، وأخرجه، عن حفص، عن الليث عن عطاء، عن عمر، أنه كان يأخذ الفرض في الصدقة، ويجعله في صنف واحد.
وأما المروي عن ابن عباس فأخرجه الطبري أيضا عن عمر بن عيينة عن عطاء عن سعيد بن جبير عن ابن عباس في قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60](التوبة: آية 60) ، قال في أي صنف وضعته أجزأك، وقال الإمام الأسبيجابي في شرحه " لمختصر الطحاوي ": جملة ما يجيء في بيت المال في الأموال أربعة أنواع، منها الصدقات، وهي زكاة السوائم والعشور، وما أخذه العاشر من المسلمين الذين يمرون عليه من التجارة.
ونوع آخر ما أخذ من خمس الغنائم والمعدن والركاز، ويصرف في هذين النوعين الأصناف التي ذكرها الله تعالى في كتابه، وهو قوله:{إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60](التوبة: آية 60)، وهو قَوْله تَعَالَى:{وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ} [الأنفال: 41](الأنفال: آية 41) ، ففي الآية الأولى بيان مصرف السبعة، وفي الآية الثانية ما ذكره الله تعالى، فيها سهم الله تعالى ورسوله صلى الله عليه وسلم، وذكر اسمه تعالى للتبرك، وسهم الرسول سقط بموته، وسهم ذوي القربى ساقط عندنا وهم قرابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيصرف اليوم إلى ثلاثة أصناف، اليتامى، والمساكين، وابن السبيل، وعند الشافعي رضي الله عنه سهم ذوي القربى ثابت.
والنوع الثالث: هو الخراج والجزية وما صولح عليه مع بني نجران من الحلل، ومع بني تغلب من الصدقة المضاعفة، وما أخذ العاشر من المستأمن من أهل الحرب، وما أخذ من تجار أهل الذمة، تصرف هذه في عمارة الرباطات والقناطر والجسور وسد الثغور وكري الأنهار العظام التي لا ملك لأحد فيها كجيحون والفرات ودجلة، ويصرف إلى أرزاق القضاة وأرزاق الولاة والمحتسبين والمعلمين والمقاتلة وأرزاق المقاتلة ويصرف إلى رصد الطريق في دار الإسلام عن اللصوص وقطاع الطريق.
والنوع الرابع: ما أخذ من تركة الميت الذي مات ولم يترك وارثا، أو ترك زوجا أو زوجة، فمصرف هذا نفقة المرضى في أدويتهم وعلاجهم وهم فقراء، وكفن الموتى الذين لا مال لهم ونفقة اللقيط، وعقل جنايته، ونفقة من هو عاجز عن الكسب وليس له من يقضي عليه في نفقته وما أشبه ذلك، فيجب على الأئمة والسلاطين والولاة إيصال الحقوق إلى أربابها، وأن لا