الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وعند زفر رحمه الله يصح في الوجهين إذا كانت الشوكة لهم للتمكن من القرار ظاهرا. وعند أبي يوسف رحمه الله يصح إذا كانوا في بيوت المدر، لأنه موضع إقامة،
ونية الإقامة من أهل الكلأ وهم أهل الأخبية، قيل: لا تصح،
ــ
[البناية]
واتخذوها دارا صارت دار الإسلام، يتمون فيها الصلاة، وإن لم يتخذوها دارا، ولكن أرادوا الإقامة فيها شهرا قصروا.
وقال زفر: إن كان الشوكة لهم صاروا مقيمين لتمكنهم من القرار، وظاهرا على ما يذكره المصنف، والملاح وصاحب السفينة لا يصير مقيما بنية الإقامة في السفينة لأنها ليست موضع إقامة عادة، إلا أن يكون قريبة من وطنه، ذكره في "المحيط ".
م: (وعند زفر رحمه الله يصح في الوجهين) ش: أي فيما إذا دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة وفيما إذا حاصروا أهل البغي في دار الإسلام في غير مصر. م: (إذا كانت الشوكة لهم) ش: أي العسكر المسلمين م: (للتمكن من القرار ظاهرا) ش: أي لأجل تمكنهم من القرار، وهناك يعتبر ظاهر الحال.
م: (وعند أبي يوسف يصح) ش: أي نية الإقامة م: (إذا كانوا في بيوت المدر لأنه) ش: أي لأن المذكور هو بيوت المدر م: (موضع إقامة) ش: وقرار، بخلاف الصبح، فلو حاصروا أهل الأخبية والفساطيط لم يصيروا مقيمين بنية الإقامة، وسواء نزلوا بساحتهم أو في أخبيتهم بالإجماع، لأن هذا لا يعد للإقامة، ألا ترى أنهم حملوها على الدواب حيثما قصدوا واستحقوا يوم ظعنهم ويوم إقامتهم، فإذا هي حمولة ليست بمنازل.
وقال الحلواني: وهكذا إذا قصد العسكر المسلمين موضعا، ومعهم أخبيتهم وفساطيطهم وعزموا فيها على إقامة خمسة عشر يوما لم يصيروا مقيمين، لأنها حمولة وليست بمساكن، كذا في " المحيط ".
[حكم نية إقامة المسافر من أهل الكلأ]
م: (ونية الإقامة من أهل الكلأ) ش: بفتح الكاف، واللام، وبالهمزة في آخره بغير مد هو العشب، وقد كَلِئَت الأرض والجنان فهي أرض مكلئة وكلئة، أي ذات كلأ ورطبة. م:(وهم) ش: أي أهل الكلأ هم م: (أهل الأخبية) ش: الأخبية جمع خبايا بالكسر والمد، وهو من وبر، أو صوف، ولا يكون من شعر وهو على عمودين، أو ثلاثة، وما فوق ذلك.
م: (قيل: لا تصح) ش: هذه جملة خبر المبتدأ، أعني قوله: ونية الإقامة، ولكن بالتأويل، تقديره: ونية إقامة المسافر من أهل الكلأ يشك فيها لا تصح، وإنما قدرنا هكذا، لأن الخبر إذا كان جملة لا بد أن يكون فيه ضمير عائد إلى المبتدأ، وهو الذي سمي رابطة الخبر بالمبتدأ كما عرف في موضعه، ووجه هذا القول أنهم ليسوا في موضع الإقامة.
والأصح أنهم مقيمون، يروى ذلك عن أبي يوسف رحمه الله لأن الإقامة أصل فلا تبطل بالانتقال من مرعى إلى مرعى، وإن اقتدى المسافر بالمقيم في الوقت أتم أربعا لأنه يتغير فرضه إلى أربع للتبعية
ــ
[البناية]
فإن قلت: من أهل الأخبية. قلت: الأعراب والترك والكرد الذين يسكنون في المفازة.
م: (والأصح أنهم) ش: أي أهل الأخبية م: (مقيمون، يروى ذلك عن أبي يوسف رحمه الله) ش: وفي " المحيط " وعليه الفتوى، وفي " التحفة ": الأعراب والأكراد والتراكمة والرعاة الذين يسكنون في بيوت شعر والصوف مقيمون، لأن مقامهم المفازة عادة، وبه قال الشافعي، وأما إذا ارتحلوا عن موضع إقامتهم في الصيف وقصدوا موضعا آخر للإقامة في الشتاء، وبين الموضعين مسيرة ثلاثة أيام، فإنهم يصيرون مسافرين في الطريق عند أبي حنيفة، كذا في "المحيط ".
وفي " المجتبى " ذكر البقال والملاح مسافر، وإن كان أهله وعياله في السفينة، وبه قال الشافعي: السفينة ليست بوطن له، وعند الحسن وأحمد وفي " الذخيرة " عن أبي يوسف إذا كانوا يطوفون في المفاوز ينتقلون من مرعى إلى مرعى ومعهم ثقلهم أنهم مسافرون، إلا إذا نزلوا مرعى كثير الكلأ وأخذوا المخابز، وكان الكلأ يكفيهم مدة الإقامة صحت نيتهم.
م: (لأن الإقامة أصل فلا تبطل بالانتقال من مرعى إلى مرعى) ش: لأن الانتقال عارض والأصل لا يبطل بالعارض ولأجل حالهم على الأصل أولى.
م: (وإن اقتدى المسافر بالمقيم في الوقت) ش: قيد بقوله: في الوقت لأنه لا يقتدي المسافر بالمقيم خارج الوقت للزوم اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة، لأن القعدة الأولى فرض في حقه نفل في حق الإمام كذا في " المبسوط " م:(أتم أربعا) ش: أي أربع ركعات وسواء في ذلك اقتدى به في جزء من صلاته أو كلها، وبه قال الشافعي وأحمد وداود، وقال مالك: إن أدرك من صلاة المقيم ركعة يلزمه الإتمام، وإن كان دون ذلك لا يلزمه قياسا على الجمعة، وقال إسحاق بن راهويه: يجوز للمسافر القصر خلف المقيم.
وحكى ابن المنذر عن ابن عمر عن ابن عباس والأوزاعي والثوري والشافعي وأبي ثور وأحمد مثل مذهبنا، وحكي عن الحسن والزهري مثل مذهب مالك، وقال طاووس والشعبي: إن أدرك معه ركعتين أجزأتاه، وقول الظاهرية مثل قول إسحاق ثم إنه إنما يتمها أربعا إذا لم يفسد الإمام صلاته، لأنه إذا أفسدها فعلى المسافر أن يصلي ركعتين عندنا، وعند الشافعي، وزفر ومالك، وأحمد يقضي أربعا، لأنه ألزم صلاة الإمام.
م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن م: (يتغير فرضه إلى أربع للتبعية) ش: أي لالتزامه المتابعة للإمام، لكنه لو أفسد صلاته بعد الاقتداء صلى ركعتين لأنه مسافر على حاله، بخلاف ما
كما يتغير بنية الإقامة لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت
ــ
[البناية]
اقتدى بنية النفل ثم أفسد، فإنه يلزمه قضاء أربع ركعات، لأنه بشروعه صار ملزما صلاة الإمام، وصلاة الإمام أربع.
فإن قلت: يشكل على هذا ما إذا اقتدى المقيم بالمسافر ثم أحدث الإمام فاستخلف المقيم، فإنه لا يتغير فرضه إلى الأربع مع أن الإمام الأول صار بمنزلة المقتدي للخليفة المقيم.
قلت: لما كان المقيم خليفة عن المسافر صار كأن المسافر هو الإمام فيأخذ الخليفة صفة الإمام الأول.
م: (كما يتغير) ش: أي فرضه إلى أربع م: (بنية الإقامة لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت) ش: أراد أن سبب وجوب الصلاة هو الجزء القائم من الوقت، فإذا وجد المغير، وهو الاقتداء بالمقيم في الوقت، عمل عمله في السبب، فإذا عمل في السبب عمل في الحكم، لكون الحكم تابعا للسبب، فيصير فرضه أربعا، فإن القول بصحة الاقتداء، فأما بعد خروج الوقت لم يعمل المغير في السبب لتقرر السبب وتأكده، فلا يعمل بحكم، فيبقى فرضه ركعتين، فلا يمكن القول بصحة الاقتداء، لأنه يؤدي إلى اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة إن اقتدى به في الشفع الأول، والقراءة إن اقتدى به في الشفع الثاني، لأن قراءة الإمام نفل، والقراءة له فرض.
فإن قلت: ما ذكرتم من المعنى يشكل بما لو نسي المقيم القراءة في الشفع الأول، فاقتدى المسافر به في الشفع الثاني، وكان ذلك خارج الوقت لا يصح اقتداؤه، وكان ينبغي أن يجوز، لأن القراءة فرض عليهما في هذه الحالة.
قلت: لا يصح الأول تعين محلا للقراءة وجوبا، والقراءة في الثاني معا فيلتحق بمحلها، فصار كأنها وجدت في الشفع الأول فتخلو الركعات من القراءة، فكان فيه بناء الموجود على المعدوم.
فإن قلت: فعلى هذا ينبغي أن لا يصح اقتداء المتنفل بالمفترض في الشفع الثاني فإن القراءة فيه نفل عن الإمام فرض على المقتدي، والحال أنه جائز.
قلت: صلاة المتنفل تأخذ حكم الفرض بالاقتداء تبعا لصلاة الإمام، ولهذا لو قرأ المتنفل صلاته بعد الاقتداء يجب قضاؤها أربعا، كذا في "الجامع الكبير " للصدر الشهيد رحمه الله.
وقال الأكمل: فإن قيل: علل بغير فرضه بالتبعية بقوله: للتبعية فكيف يستقيم تعليله بعد ذلك بقوله: لاتصال المغير بالسبب وهو الوقت:
وإن دخل معه في فائتة لم يجزه؛ لأنه لا يتغير بعد الوقت لانقضاء السبب كما لا يتغير بنية الإقامة
فيكون اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة أو القراءة، وإن صلى المسافر بالمقيمين ركعتين سلم وأتم المقيمون صلاتهم، لأن المقتدي التزم الموافقة في الركعتين.
ــ
[البناية]
قلت: ذلك تعليل للمقيس عليه، ومعناه أن الجامع موجود وهو اتصال المغير بالسبب فإن المغير في الأول هو الاقتداء وقد يتصل بالسبب وهو الوقت كما أن المغير في الثاني هو نية الإقامة، وقد اتصل بالسبب، وإن اقتدى به في غيره لم يجزه لعدم اتصال المغير، كما إذا نوى الإقامة بعد الوقت، انتهى.
قلت: هذا السؤال غير وارد من الأول فلم تكن الحاجة إلى التطويل، لأنه ذكر حكمين، وعلل كل واحد منهما بعلة، فقاس الأول على الثاني بعلاقة التشبيه لوجود وجه الشبه الذي هو جامع بين المقيس والمقيس عليه.
م: (وإن دخل معه في فائتة لم يجزه) ش: أي وإن دخل المسافر مع المقيم في صلاة فائتة لم يجزه الاقتداء، وإنما قال: وإن دخل معه في فائتة، ولم يقل: وإن اقتدى به، في غير الوقت لئلا يرد عليه ما إذا دخل المسافر في صلاة المقيم في الوقت ثم ذهب الوقت، فإنها لا تفسد، وقد وجد الاقتداء بعده، لأن الإتمام لزم بالشروع مع الإمام في الوقت فالتحق الوقت بغيره من المقيمين م:(لأنه) ش: أي لأن الفرض م: (لا يتغير) ش: عن قصر إلى الكمال م: (بعد الوقت لانقضاء السبب) ش: وهو الوقت.
م: (كما لا يتغير) ش: فرضه م: (بنية الإقامة) ش: بعد خروج الوقت، فلما لم يتغير فرضه لم يجز اقتداؤه، لأنه لو جاز لا يخلو، إما أن يقتدي في الشفع الأول، أو في الشفع الآخر.
ففي الأول: يلزم اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة، لأن القعدة الأولى فرض في حق المسافر نفل في حق المقيم.
وفي الثاني: يلزم اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القراءة لأن القراءة فرض في حق المقتدي دون الإمام، فاقتداء المفترض بالمتنفل لا يجوز عندنا، خلافا للشافعي، وإلى هذا أشار المصنف بفاء النتيجة بقوله:
م: (فيكون اقتداء المفترض بالمتنفل في حق القعدة أو القراءة) ش: إذا كان اقتداؤه في الشفع الثاني، وكلمة - أو- هنا مانعة الخلو لا مانعة الجمع لجواز اجتماعهما وهو أيضا يفسد.
م: (وإن صلى المسافر بالمقيمين ركعتين سلم) ش: أي المسافر الذي هو الإمام يسلم آخر الركعتين اللتين هما صلاته م: (وأتم المقيمون) ش: المقتدون م: (صلاتهم) ش: وهي أربع ركعات م: (لأن المقتدي التزم الموافقة) ش: للإمام م: (في الركعتين) ش: اللتين للمسافر.
فينفرد في الباقي كالمسبوق، إلا أنه لا يقرأ في الأصح لأنه مقتد تحريمة لا فعلا، والفرض صار مؤدى فيتركها احتياطا بخلاف المسبوق؛ لأنه أدرك القراءة نافلة فلم يتأد الفرض، فكأن الإتيان أولى.
ــ
[البناية]
م: (فينفرد بالباقي) ش: من الصلاة وهو ركعتان م: (كالمسبوق) ش: فإنه ينفرد فيما فاته من صلاته مع الإمام م: (إلا أنه) ش: استثناء من قوله: فينفرد، أي: إلا أن المقتدي المذكور م: (لا يقرأ) ش: فيما بقي من صلاته لأن فرض الصلاة صار مؤدى بخلاف المسبوق الذي أدرك في الشفع الثاني، حيث يأتي بالقراءة لأنه أدرك قراءة نافلة.
م: (في الأصح) ش: احترز به عن قول بعض المشايخ من وجوب القراءة فيما يتمون لأنهم ينفردون فيه، ولهذا يلزمهم سجود السهو إذا سهوا فيه، فأشبهوا المسبوقين، وأشار إلى وجه الأصح بقوله م:(لأنه مقتد تحريمة لا فعلا) ش: أي من حيث التحريمة لا من حيث الفعل، أما أنه مقتد تحريمة، فإنه التزم الأداء معه في أول التحريمة، وأما أنه ليس مقتديا فعلا، فلأن فعل الإمام فرغ بالسلام على رأس الركعتين، وكل من كان كذلك فهو لاحق، ولا قراءة على اللاحق، لأنه بالنظر إلى كونه مقتد بالتحريمة حرم عليه القراءة، وبالنظر إلى كونه مقتديا فعلا يتسحب القراءة فيتركها احتياطا لأن المحرم والمبيح إذا اجتمعا فالغلبة للمحرم.
وإلى هذا أشار بقوله: م: (والفرض) ش: أي فرض القراءة م: (صار مؤدى) ش: لقراءة الإمام وقراءته قراءة المقتدي وهو ممنوع من القراءة، فإذا كان كذلك. م:(فيتركها) ش: أي فيترك القراءة. م: (احتياطا) ش: أي لأجل الاحتياط لما ذكرنا. م: (بخلاف المسبوق لأنه أدرك القراءة نافلة) ش: وهي قراءة الإمام في الشفع الثاني. م: (فلم يتأد الفرض) ش: بتلك القراءة النافلة. م: (فكان الإتيان) أي إتيان القراءة. م: (أولى) ش: أي من تركها.
فإن قلت: لما أدرك المسبوق قراءة النافلة ولم يتأد به الفرض، فكان الإتيان به واجبا فكيف قال، فكان الإتيان به أولى.
قلت: الأولوية لا تنافي الوجوب، كما أن الإباحة والندب لا ينافيه، والمراد بالأولوية ترجيح جانب الوجود على العدم، وهذا موجود في الوجوب وزيادة.
وفي " الجنازية ": أن قوله: فكان به أولى، للمطابقة بينه وبين قوله فيتركها احتياطا، لكن مراده إن جعله منفردا أولى من جعله مقتديا حتى تلزمه القراءة، ولو تركها فسدت صلاته.
ونقل هذا صاحب " الدراية" ثم قال: وفيه تعقب، ونقله الأكمل، وقال: وفيه نظر، وكلاهما لم يبينا وجه ما ذكرنا، والتحقيق فيه أن المعنى: فكان الإتيان بجهته كون المسبوق مقتديا أولى من الإتيان بجهة كون المقيم مقتديا لا أن تكون القراءة سنة أولى أو قراءة المسبوق فرض لا تجوز الصلاة بدونها.