الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الصلاة على الميت
وأولى الناس بالصلاة على الميت السلطان إن حضر، لأن في التقدم عليه ازدراء به، فإن لم يحضر فالقاضي، لأنه صاحب ولاية، فإن لم يحضر فيستحب تقديم إمام الحي لأنه رضيه في حال حياته
ــ
[البناية]
[فصل في الصلاة على الميت]
[حكم الصلاة على الميت وأولى الناس بالصلاة عليه]
م: (فصل في الصلاة على الميت) ش: أي هذا فصل في بيان الصلاة على الميت، ولما فرغ من بيان تكفينه شرع في بيان الصلاة عليه على الترتيب.
م: (وأولى الناس بالصلاة على الميت) ش: أي بإقامة الصلاة على الميت م: (السلطان إن حضر، لأن في التقدم عليه ازدراء به) ش: أي استخفافا به، والواجب تعظيمه وتوقيره م:(فإن لم يحضر السلطان فالقاضي) ش: أي فإن لم يحضر السلطان فالقاضي أولى الناس بالصلاة عليه م: (لأنه صاحب ولاية) ش: فيكون أولى من غيره.
م: (فإن لم يحضر) ش: أي القاضي م: (فيستحب تقديم إمام الحي، لأنه رضيه في حال حياته) ش: أي لأن الميت رضيه إماما في حال حياته، فكذا بعد مماته، وهذا الذي ذكره ترتيب القدوري، وروى الحسن رضي الله عنه في كتاب الصلاة عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن الإمام الأعظم وهو الخليفة أولى بالصلاة عليه إن حضر، فإن لم يحضر فإمام المصر، وهو سلطانها، لأنه في معنى الخليفة، وبعده القاضي، وبعده صاحب الشرط، وبعده خليفة الوالي، وبعده خليفة القاضي، وبعده هو إمام الحي، فإن لم يحضروا فالأقرب من ذوي قرابته، وبهذه الرواية أخذ كثير من المشايخ.
وفي " الذخيرة " ذكر محمد في كتاب الصلاة أن إمام الحي أولى بالصلاة على الميت. وفي " البدائع " ذكر في الأصل أن إمام الحي أولى بالصلاة عليه. وفي " الذخيرة " وإنما قدم إمام الحي في كتاب الصلاة، لأن الخليفة والسلطان لا يوجدان في كل بلد ولا يحضران في الجنائز.
وقال الكرخي في كتابه: وتقديم إمام الحي ليس بواجب، ولكنه أصل، أما تقديم الإمام الأعظم والسلطان فواجب. وقال تاج الشريعة: أولى الناس بالإمامة السلطان الأعظم إن حضر، فإن لم يحضر فسلطان كل مصر، فإن لم يحضر فإمام المصر أو القاضي، فإن لم يحضر أحدهما فإمام الحي.
وفي " الخلاصة ": ولو حضر والي المصر والقاضي فالوالي أولى، فإن لم يحضر الوالي لكن حضر خليفته فخليفته أحق من القاضي وصاحب الشرط. والمختار أن الإمام الأعظم أولى، فإن لم يحضر فسلطان المصر، وإن لم يكن فإمام المصر أو القاضي، فإن لم يكن فإمام الحي،
قال: ثم الولي والأولياء على الترتيب المذكور في النكاح
ــ
[البناية]
وقال الإمام العتابي: إمام مسجد الجامع أولى من إمام مسجد المحلة.
م: (قال: ثم الولي) ش: أي قال القدوري: ثم الولي أحق بالصلاة عليه. وقال النووي في " شرح المهذب " إن اجتمع الوالي والولي فقولان مشهوران، القديم: الوالي ثم إمام المسجد ثم الولي. والجديد: والولي مقدم. ومثله عن الضحاك، وبالأول قال علي وابن مسعود وأبو هريرة وزيد بن ثابت والحسن والحسين وعلقمة والأسود والحسن البصري وسويد بن غفلة ومالك وأحمد وإسحاق رحمهم الله.
قال ابن المنذر: وهو قول أكثر أهل العلم، قال: وبه أقول. وجه قوله الجديد قَوْله تَعَالَى: {وَأُولُو الْأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَى بِبَعْضٍ} [الأنفال: 75](الأنفال: الآية 75) ، مطلقا من غير فصل بين الحياة والممات، والاعتبار بولاية النكاح، ولأن معظم الفرض هاهنا الدعاء للميت، فمن يختص بالشفقة فدعاؤه أقرب إلى الإجابة، بخلاف سائر الصلوات.
وأما ما روي أن الحسن بن علي رضي الله عنهما لما مات خرج الحسين والناس معه لصلاة الجنازة فقدم الحسين رضي الله عنه سعيد بن العاص، وكان أميرا على المدينة من قبل معاوية، فأبي سعيد أن يتقدم، فقال له الحسين تقدم وصل، ولولا السنة ما قدمتك، ولأن هذه صلاة تقام بالجماعة غالبا، فيكون السلطان أولى، ولأن الوالي نائب الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو الذي كان أولى بالمؤمنين من أنفسهم، فينوب نائبه منابه في التقدم، ولأن ولايته وولاية القاضي عامة، والآية محمولة على المواريث وعلى ولاية الإنكاح، وليس ولاية الإمامة كولاية الإنكاح، ولأن ولاية الإنكاح مما لا يتصل بالجماعة، فكان القريب أولى كالتكفين والغسل.
وأما قوله دعاء القريب أولى بالإجابة، فقلنا: لا بل دعاء الإمام أقرب لما روي أنه عليه السلام قال: «ثلاثة لا يحجب دعاؤهم " وعد منهم الإمام» كذا في " مبسوط شيخ الإسلام " و " المحيط ". م: (والأولياء على الترتيب المذكور في النكاح) ش: أي الترتيب المذكور في النكاح كالترتيب في الإرث والأبعد محجوب بالأقرب، وها هنا كذلك يعتبر الأقرب فالأقرب من ذوي الأنساب، فإن تساويا في القرابة فأسنهما أولى مثل ولدين أو أخوين لأب وأم أو عمين هما متساويان في القرابة وأحدهما أكبر سنا من الآخر، ولو اجتمع الأب والابن ذكر في كتاب الصلاة أن الأب أولى، ومن مشايخنا من قال: هذا قول محمد، وأما على قول أبي حنيفة الابن أولى، وبه قال مالك. وقال أبو يوسف: الولاية لهما لكن الابن يقدم تعظيما له، كما في النكاح. وقيل: لا بل الأب أولى، وبه قال الشافعي وأحمد، وفي " المحيط " وهو الأصح.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
ولو اجتمع أخوان لأب وأم أو لأب فأكبرهما سنا أولى كما ذكرنا، وبه قال الشافعي في قول.
ولو أراد الأسن أن يقدم الأجنبي ليس له ذلك إلا برضى الآخر، لأن الحق لهما، لكن قدمناه بالسنة ولا سنة في تقديم من قدمه. وفي قول للشافعي الأتقى مقدم، لأنه أولى. وفي فتاوى العتابي الزوج كالأجنبي، وبه قال الشافعي ومالك. وعن أصحابنا أن الزوج أولى من الأجنبي، وكذا الجار.
وفي " المحيط " ابن عم المرأة أولى من زوجها إذا لم يكن لها ابن من الزوج، وإذ كان للزوج من ولد فالزوج أولى، خلافا للشافعي ومالك، وقال القدوري: سائر القرابات أولى من الزوج، وكذا مولى العتاقة وابنه لأنهما عصبته.
وقال الشافعي: الزوج أولى منهما. وحكى ابن المنذر في " الأشراف " عن أبي بكر الصديق وابن عباس والشعبي وعطاء وعمر بن عبد العزيز وإسحاق وأحمد، أن الزوج أولى بالصلاة على زوجته من الولي. وقال عمر بن الخطاب وسعيد بن المسيب والزهري وبكير بن الأشج والحكم، وقتادة وأصحابنا ومالك والشافعي رحمهم الله لا ولاية للزوج لانقطاع الزوجية بالموت. قال عمر رضي الله عنه في امرأته أنتم أحق بها بعد موتها. وقال الأوزاعي والحسن البصري: الأب أحق، ثم الزوج ثم الابن ثم الأخ، وعند الشافعي وأحمد رضي الله عنهما يقدم الأب على الابن، وكذا الجد وعند الشافعي.
وعند مالك الابن أولى، وعن محمد أبو الميتة أولى من ابنها إن كان من غير زوجها، فإن كان منه فالأب أولى ثم الزوج، وفي " شرح الأسبيجابي " ابن ابنها أولى من أبيها، لأنه عصبة لكن يقدم الجد وهو أبو الميتة، ولا يقدم أباه وهو زوجها إلى برضى الجد ثم الأب يقدم على الجد، لكن يقدم أباه، وكذا المكاتب إذا مات ابنه أو عبده فالولاية للمكاتب، وله أن يقدم سيده.
وإن مات المكاتب من غير وفاء وله أب أو ابن وهما حران فالمولى أحق، فإن ترك وفاء فأديت كتابته أو كان المال حاضرا لا يخاف التوى، فالأب أحق، عبد مات فاختصم في الصلاة عليه المولى وابن العبد وأبوه وهما حران، فالمولى أحق، وقيل أبوه الحر أوأخوه الحر أولى لانقطاع الملك بالموت، والفتوى على الأول ذكره في " الملتقطات ".
وفي المجنونة: الأب أحق من الابن عند الكل، هكذا قاله بعض المشايخ، ونص هشام، عن محمد، عن أبي حنيفة رحمه الله في " النوادر ": أن الأب أولى، ولو تشاجر الوليان فتقدم أجنبي، إن صلى الأولياء خلفه جازت، وإلا تعاد، وإلا للولي إعادتها، وإن دفن أعاد على قبره، ولا يعيد من صلى مع الأجنبي من غير الأولياء.
فإن صلى غير الولي أو السلطان أعاد الولي، يعني إن شاء لما ذكرنا أن الحق للأولياء، وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يصلي بعده لأن الفرض يتأدى بالأولى والتنفل بها غير مشروع، ولهذا
ــ
[البناية]
م: (فإن صلى غير الولي أو السلطان أعاد الولي) ش: قيد بالسلطان لأنه لو صلى السلطان فلا إعادة لأحد، لأنه هو المقدم على الولين ثم هو ليس بمنحصر على السلطان، بل كان من كان مقدما على الولي في ترتيب الإمامة في صلاة الجنازة فصلى هو لا يعيد الولي ثانيا، كذا في " فتاوى الولوالجي ". وفي " الظهيرية ": وكذا لو صلى إمام مسجد الجامع لا تعاد. وفي " التجنيس ": للقوم الإعادة ولو اقتدى بعض الأولياء مع رجل وصلى ليس للباقين الإعادة.
م: (يعني إن شاء) ش: أي الولي، وإنما قيد به لأنه لو لم يقيد كان يفهم الوجوب، ولما كان الحق له إن شاء أجاز فعله، وإن شاء لم يجز م:(لما ذكرنا أن الحق للأولياء) ش: فيكون لهم الخيار في ذلك.
م: (وإن صلى الولي لم يجز لأحد أن يصلي بعده) ش: وبه قال النخعي والثوري والليث والحسن بن حي ومالك. وقال الشافعي والأوزاعي يصلي عليه، وعند أحمد إلى شهر.
وقال النووي: فيه أربعة أوجه، أصحها باتفاق الأصحاب لا تستحب الإعادة بل المستحب تركها، وفي وجه يكره إعادتها، وبه قطع الفوراني وصاحب " العدة " وغيرهما، وعند الحنابلة فيها وجهان، واستدلوا بصلاة الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم أفرادا. قال ابن عبد البر رحمه الله: " مجمع عليه عند أهل السير والنقل. وقال ابن دحية: أنا أستعجب من قوله مع اتساع علمه، فإن الخلاف منصوص عليه هل صلوا عليه صلاتنا على موتانا أم لا؟ حكى ابن القصار قولين، وهل صلوا عليه أفرادا أو جماعة؟ على الاختلاف.
واختلف فيمن أم، قيل: أبو بكر رضي الله عنه، ذكره ابن القصار ولا يصح لضعف روايته، وحكى البزار والطبراني أنه صلى الله عليه وسلم قال:«أول من صلى علي رب العزة» وهو موضوع، قاله الأزدي والبزار. وقيل صلوا عليه بصلاة جبريل عليه السلام، وهو معلول، والصحيح أنهم صلوا أفرادا لا يؤمهم أحد، وهذا مخصوص به. وروي أنه أوصى بذلك، ذكره البزار والطبري، وفي حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال:«انتهى عليه السلام إلى قبر رطب وصفوا خلفه فكبر أربعا» متفق عليه.
وحجتنا ما أشار إليها المصنف بقوله: م: (لأن الفرض يتأدى بالأولى) ش: أي فرض الصلاة على الميت يتأدى بالصلاة الأولى، لأنها فرض كفاية ولا معنى للثانية م:(والتنفل بها غير مشروع) ش: هذا كأنه جواب عن سؤال مقدر تقديره أن يقال: لم لا يجوز أن يصلي ثانية وكانت نافلة كما في غيرها من الفرائض، فأجاب عن ذلك بقوله " والتنفل بها " أي بالصلاة على الميت غير مشروع، يعني لم يرد به الشرع، ثم أوضح ذلك بقوله: م: (ولهذا) ش: أي ولعدم مشروعية
رأينا الناس تركوا عن آخرهم الصلاة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو اليوم كما وضع
ــ
[البناية]
النفل بالصلاة على الميت م: (رأينا الناس تركوا عن آخرهم الصلاة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم وهو اليوم) ش: أي والحال أنه اليوم م: (كما وضع) ش: لأن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء عليهم السلام.
1 -
فإن قلت: الاقتصار على صلاة غير الولي جائز، وذلك دليل على سقوط الفرض، ومع هذا لو أعاد الولي جاز فعلم أن التنفل بها مشروع.
قلت: صلاة غير الولي إنما تعتبر عند عدم تعرض الولي، فإذا تعرض بالإعادة زال حكم صلاة غيره، فكان للميت بغير صلاة عليه، فإذا صلى الولي يكون ما صلاه هو الفرض، فإذا كان هو الفرض فكيف يكون نفلا.
فإن قلت: ترك الناس الصلاة على قبر النبي صلى الله عليه وسلم إنما كان خوفا من أن يتخذ قبره صلى الله عليه وسلم مسجدا أو لم يكن ذلك لأجل عدم مشروعية التنفل بها.
قلت: لا يلزم من الصلاة على قبره اتخاذه مسجدا، ألا ترى أنهم جوزوا أن يصلى عند قبور أهل العلم والأولياء مع مزيد اعتقاد العامة في التعظيم لهم الخارج عن الشرع.
فإن قلت: حق الميت وإن كان مقضيا بالصلاة مرة فلا يوجب سقوطه أولا، لأن الصلاة في الحقيقة دعاء، وهو باق كالوضوء، شرع لإقامة الفرض، والفرض يسقط بواحد، لكن لو أعاده لكل صلاة كان حسنا.
قلت: الأصل أن الميت لا ينتفع بالصلاة عليه لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى} [النجم: 39](النجم: الآية 39) ، ولكن عرف هذا شرعا بخلاف القياس، فإذا كان كذلك سقط بالمرة الواحدة فلم يتصور الثاني قضاء من عندنا بلا توقيف، بخلاف الدعاء فإن التوقيف فيه باق كما بقي بالأمر بالصلاة على رسول الله صلى الله عليه وسلم. هذه على سبيل الدعاء.
فإن قلت: صلى النبي صلى الله عليه وسلم على حمزة رضي الله عنه سبعين مرة، وكان الفرض قد تأدى بالأولى؟ قلت: أجيب عنه بجوابين: الأول: أنه كان موضوعا بين يديه فيؤتى بواحد واحد من الذين استشهدوا وكان صلى الله عليه وسلم يصلي على كل واحد صلاة، فظن الراوي أنه صلى الله عليه وسلم صلى على حمزة في كل مرة، فقال: صلى على حمزة سبعين مرة. الثاني: يجوز أن يكون المراد من قول الراوي صلى على حمزة سبعين مرة للمعنى اللغوي، وهو الدعاء، أي دعا سبعين مرة.
فإن قلت: قد صلى كل واحد من الصحابة على النبي صلى الله عليه وسلم صلاة منفردة، فدل على جواز التكرار.