الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بخلاف ما إذا أعتق القرشي عبدا نصرانيا حيث تؤخذ منه الجزية ويعتبر حال المعتق، القياس والإلحاق بالمولى بالنص وقد خص الصدقة
قال أبو حنيفة رحمه الله ومحمد رحمه الله: إذا دفع الزكاة إلى رجل يظنه فقيرا ثم بان أنه غني أو هاشمي كافر، أو دفع في ظلمة فبان أنه أبوه أو ابنه فلا إعادة عليه.
ــ
[البناية]
الزكاة، وللشافعي في الموالي وجهان أحدهما مثل مذهبنا، وفي وجه لا تدفع.
م: (بخلاف ما إذا أعتق القرشي عبد نصرانيا حيث تؤخذ منه الجزية، ويعتبر حال المعتق) ش: بفتح التاء، هذا جواب عن سؤال مقدر، بيانه أن يقال: كيف ألحق موالي بني هاشم بهم في حرمة الصدقة؟ ولم يلحق مولى القرشي في منع أخذ الجزية؟ إذ لا يجوز وضع الجزية على القرشي، ويجوز وضعها على عبده النصراني إذا أعتقه، فقال في جوابه بخلاف ما إذا أعتق..
إلخ، وحاصله أن القياس أن يعتبر حال المعتق بفتح التاء، ولا يلحق بالمعتق بكسر التاء في حال ما، لأن كل واحد منهما أصل بنفسه من حيث البلوغ والعقل والحرية، وخطاب الشرع م:(لأن القياس والإلحاق) ش: أي إلحاق المعتق م: (بالمولى) ش: إنما كان م: (بالنص وقد خص) ش: أي النص م: (الصدقة) ش: يعني ورد النص خاصا بالصدقة، فاقتصر على مورد النص لوروده على خلاف القياس فلا يتعداه، ولهذا يؤخذ من مولى التغلبي الجزية دون الصدقة المضاعفة.
[الحكم لو دفع الزكاة لغير مستحقيها وهو لا يعلم]
م: (قال أبو حنيفة ومحمد رضي الله عنهما إذا دفع الزكاة إلى رجل يظنه فقيرا) ش: أي حال كون الدافع يظن الرجل الذي دفع إليه الزكاة فقيرا م: (ثم بان) ش: أي ظهر م: (أنه غني أو هاشمي أو كافر، أو دفع زكاته في ظلمة فبان أنه أبوه أو ابنه فلا إعادة عليه) ش: أي لا يجب عليه إعادة الزكاة، وهو قول الحسن البصري وأبي عبيد، وبه قال مالك والشافعي وأحمد رحمهم الله في قول، هذا من المغني عنده، وأما في الكافر فأظهر القولين الإعادة وبه قال مالك وأحمد.
وكذا لو بان هاشميا أو أحد أبويه أو ابنه فإنه يعيدها عندهم، وفي طريق آخر إن كان الدفع من جهة الإمام فيه قولان، وإن كان من جهة رب المال فعليه الإعادة قولا واحدا. قوله: أو كافر، أراد به الذمي، وقد صرح أبو بكر الرازي رحمه الله في " شرح مختصر الطحاوي ". وقال صاحب " التحفة ": وأجمعوا أنه إذا ظهر أنه حربي أو مستأمن لا يجوز. وفي " التحفة " أيضا إذا دفعها إلى المذكورين فهذا على ثلاثة أوجه.
الأول: دفعها بنية الزكاة، ولم يخطر بباله أنه غني أو فقير أو مسلم أو ذمي فهو على الجواز، إلا إذا تبين من يمنعه.
الثاني: دفعها على وجه الشك، ولم يتحر أو تحرى بقلبه ولم يفهم دليل الفقر، فالأصل الفساد إلا إذا تبين أنه فقير فيجوز.
وقال أبو يوسف رحمه الله: عليه الإعادة لظهور خطأه بيقين، وإمكان الوقوف على هذه الأشياء وصار كالأواني والثياب. ولهما حديث معن بن يزيد فإنه صلى الله عليه وسلم قال فيه:«يا يزيد لك ما نويت ويا معن لك ما أخذت» وقد دفع إليه وكيل أبيه صدقته،
ــ
[البناية]
الثالث: إذا تحرى وطلب، وفي " المبسوط " فسأله فأخبره أنه فقير أو كان جالسا مع الفقراء أو كان عليه زي الفقر. وفي " المفيد ": وكان يصنع صنعهم من مد اليد، أو كان ضريرا ومعه عصي فظهر خلافه، فلا إعادة عليه عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-.
م: (وقال أبو يوسف: عليه الإعادة) ش: وبه قال الشافعي رحمه الله وهو قول الثوري وابن حي وهو رواية عن أبي حنيفة رحمه الله م: (لظهور خطئه بيقين وإمكان الوقوف على هذه الأشياء) ش: فيكون مقصرا فعليه الإعادة ثانيا ولا تقع الأولى عن الزكاة، فليس معناه أنه يجب استرداد ما أدى لأنه يرد بالاتفاق، وهل يطيب المقبوض للقابض، ذكر الحلواني رحمه الله أنه رواية فيه واختلفوا فيه.
فعلى قول من لا يطيب ماذا يصنع بها؟ قيل يتصدق به، وقيل يرد للمعطى على وجه التمليك ليعيد الأداء م:(وصار كالأواني والثياب) ش: أي صار الحكم في هذه المسألة كالحكم في الأواني والثياب، يعني إذا توضأ من إناء نجس على اجتهاده أنه طاهر، أو صلى في ثوب نجس على اجتهاده أنه طاهر ثم تبين أنه نجس تلزمه الإعادة، والأواني الطاهرة إذا اختلطت بالنجسة، فإن غلبت الطهارة مثل أن يكون إناءان طاهرين أو واحدا نجسا فإنه لا يجوز له أن يترك التحري.
فإذا تحرى وتوضأ ثم ظهر الخطأ يعيد الوضوء، وأما إذا غلبت الطهارة أو تساويا يتيمم ولا يتحرى. أما الثياب الطاهرة إذا اختلطت بالنجسة وليس ثمة علامة يعرف بها فإنه يتحرى مطلقا، فإذا صلى بثوب بها بالتحري ثم طهر خطؤه أعاد الصلاة.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله- م: (حديث معن بن يزيد فإنه صلى الله عليه وسلم قال فيه: «يا يزيد لك ما نويت، ويا معن لك ما أخذت» ش: هذا الحديث أخرجه البخاري عن معن بن يزيد قال: «بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا وأبي وجدي وخطب على فأنكحنى وخاصمت له، وكان أبي أخرج دنانير يتصدق بها فوضعها عند رجل في المسجد فأخذتها، فقال: والله ما إياك أردت، فخاصمته إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: "لك ما نويت يا يزيد ولك ما أخذت يا معن» ، وجوز ذلك ولم يستفسر أن الصدقة كانت فريضة أو تطوعا، وذلك يدل على أن الحال لا يختلف، أو لأن مطلق الصدقة ينصرف إلى الفريضة.
م: (وقد دفع إليه) ش: أي إلى معن م: (وكيل أبيه صدقته) ش: هذا بيان صورة الواقعة، وبينها في متن الحديث، ولكن ليس في الحديث أن وكيل أبيه دفعه أليه، وإنما فيه هو الذي أخذه
ولأن الوقوف على هذه الأشياء بالاجتهاد دون القطع فيبني الأمر فيها على ما يقع عنده كما إذا اشتبهت عليه القبلة، وعند أبي حنيفة رحمه الله في غير الغني أنه لا يجزئه، والظاهر هو الأول، وهذا إذا تحرى ودفع، وفي أكبر رأيه أنه مصرف، أما إذا شك ولم يتحر أو تحرى فدفع وفي أكبر رأيه أنه ليس بمصرف لا يجزئه غلا إذا علم أنه فقير فتجزئه هو الصحيح.
ولو دفع إلى شخص ثم علم أنه عبده أو مكاتبه لا يجزئه لانعدام التمليك لعدم أهلية الملك وهو الركن على ما مر،
ولا يحوز دفع الزكاة إلى من يملك نصابا من أي مال كان، لأن الغنى الشرعي مقدر به الشرط أن يكون فاضلا من الحاجة الأصلية.
ــ
[البناية]
ولم يدفعه إليه وكيل أبيه م: (ولأن الوقوف على هذه الأشياء بالاجتهاد دون القطع) ش: أي هذا جواب عن قول أبي يوسف رحمه الله، وإن كان الوقوف على هذه الأشياء، يعنى سلمنا أن الوقوف على هذه الأشياء ممكن، لكنه بالاجتهاد دون القطع، وإذا كان كذلك م:(فيبنى الأمر فيها على ما يقع عنده) ش: لأن العلم بحقيقة الفقر والغنى غير ممكن، فإن الإنسان قد لا يعرف أحوال نفسه فيهما فكيف يعرف أحوال نفسه في غيرهما، والتكليف بحسب الوسع، ووسعه الاجتهاد دون القطع م:(كما إذا اشتبهت عليه القبلة) ش: فإنه يتحرى بحسب وسعه فيصلي بما يقع على تحريه.
م: (وعن أبي حنيفة رحمه الله في غير الغني أنه لا يجزئه) ش: يعني إذا بان أنه هاشمي أو كافر أو أنه أبوه أو ابنه فإنه يعيده م: (والظاهر هو الأول) ش: أي ظاهر الرواية عن أبي حنيفة رحمه الله هو الإجزاء في الكل م: (وهذا) ش: أي عدم الإعادة م: (إذا تحرى ودفع وفي أكبر رأيه أنه) ش: أي والحال أن في أكبر رأيه م: (مصرف) ش: أي للزكاة م: (أما إذا شك فلم يتحر أو تحرى ودفع وفي أكبر رأيه أنه ليس بمصرف لا يجزئه إلا إذا علم أنه فقير فتجزئه هو الصحيح) ش: احترز به عن قول بعض مشايخنا أنه لا يجزئه عند أبي حنيفة ومحمد -رحمهما الله-.
م: (ولو دفع إلى شخص ثم علم أنه مكاتبه لا يجزئه) ش: وكذا إذا ظهر أنه مدبره أو أم ولده، وبه صرح في " شرح الطحاوي " م:(لانعدام التمليك) ش: لأنه لم يوجد الإخراج عن ملكه م: (لعدم أهلية الملك وهو الركن) ش: أي والحال أن التمليك وهو الركن في الزكاة ولم يوجد، لأن العبد وما في يده لمولاه، والمكاتب عبد ما بقي عليه درهم.
م: (على ما مر) ش: إشارة إلى قوله: لفقدان التمليك، إذ كسب المملوك لسيده، وله حق في كسب المكاتب فلم يتم التمليك.
م: (ولا يجوز دفع الزكاة إلى من ملك نصابا من أي مال كان) ش: يعني سواء كان من النقدين أو من العروض أو من السوائم م: (لأن الغنى الشرعي مقدر به) ش: أي بالنصاب م: (والشرط أن يكون فاضلا عن الحاجة الأصلية) ش: أي شرط عدم جواز دفع الزكاة إليه أن يكون النصاب فاضلا
وإنما النماء شرط الوجوب ويجوز دفعها إلى من يملك أقل من ذلك
ــ
[البناية]
عن الحاجة الأصلية، لأنه إذا كان غير فاضل عن حاجته الأصلية يجوز الدفع إليه، والحاجة الأصلية في حق الدراهم والدنانير أن يكون الدين مشغولا بها، وفي غيرها احتياجه إليه في الاستعمال وأحوال المعاش.
وعن هذا ذكر في " المبسوط ": لو كان له ألف درهم وعليه ألف درهم وله دار وخادم لغير الحاجة قيمته عشرة آلاف درهم فلا زكاة عليه، لأن الدين مصروف إلى المال الذي في يده، وأما الدار والخادم فمشغولان بالحاجة الأصلية فلا يصرف الدين إليه، وعلى هذا قال مشايخنا: إن الفقيه إذا ملك من الكتب ما يساوي مالا عظيما ولكنه يحتاج إليها يحل له أخذ الصدقات إلا أن يملك فاضلا عن حاجته ما يساوي مائتي درهم. وذكر المرغيناني: من كانت عنده كتب فقه أو حديث أو أدب يحتاج إلى دراستها يجوز دفع الزكاة إليه وكذا المصاحف.
وفي " جوامع الفقه ": الزائد على مصحف والكتب التي لا يحتاج إليها إذا بلغت قيمتها مائتي درهم يمنع جواز الدفع إلى مالكها، وعن الحسن البصري رحمه الله تعطى الزكاة لمن له عشرة آلاف درهم من الفرس والسلاح والأثاث والثياب والخادم والدار، كذا في " الإيضاح ".
م: (وإنما النماء شرط الوجوب) ش: يعني الشرط في عدم جواز الدفع ملك النصاب الفاضل عن الحاجة الأصلية ناميا كان أو غير نام، والنماء شرط وجوب الزكاة، لا كلام فيه، فلا يشترط لحرمان الصدقة، لأن الحرمان بالغناء وهو يحصل بالنامي وغير النامي، ولهذا تجب عليه صدقة الفطر والأضحية م:(ويجوز دفعها) ش: أي دفع الزكاة، م:(إلى من يملك أقل من ذلك) ش: أي من النصاب. وقال أحمد رحمه الله: لا يجوز دفعها إلى من ملك خمسين درهما لقوله صلى الله عليه وسلم: «من سأل الناس وعنده ما يغنيه جاء يوم القيامة ومسألته في وجهه خدوش) قالوا: وما يغنيه يا رسول الله؟ قال: "خمسون درهما أو قيمتها من الذهب» . ذكر الكاكي هذا الحديث ولم يبين من أخرجه ولا أجاب عنه.
قلت: هذا الحديث أخرجه الترمذي عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قوله: خدوش، وفي رواية الترمذي خموش أو كدوح، الخموش هي الخموش وهو جمع خدش وهو قشر الجلد، والكدوح جمع كدح وهو كل أثر من خدش أو عض، وبهذا الحديث استدل الثوري وابن المبارك وأحمد وإسحاق أن من كان عنده خمسون درهما لم تحل له الصدقة، وخالفهم في ذلك أبو حنيفة ومالك والشافعي فلم يرو الحديث المذكور حجة لضعفه، وهو إن حسنه الترمذي فقد ضعفه ابن معين والنسائي والدارقطني وغيرهم، لأن في إسناده حكيم بن جبير. قال الترمذي: وقد تكلم شعبة في حكيم بن جبير من أجل هذا الحديث، وقال شيخنا زين الدين رحمه الله في "شرحه": وسئل شعبة عن حكيم بن جبير؟ فقال: أخاف النار، وقد كان
وإن كان صحيحا مكتسبا، لأنه فقير، والفقراء هم المصارف، ولأن حقيقة الحاجة لا يوقف عليها فأدير الحكم على دليلها وهو فقد النصاب.
ويكره أن يدفع إلى واحد مائتي درهم فصاعدا، وإن دفع جاز. وقال زفر لا يجوز، لأن الغنى قارن الأداء فحصل الأداء إلى الغني. ولنا أن للغناء حكم الأداء فيتعقبه
ــ
[البناية]
يروى عنه قديما، وقد ضعفه جماعة.
م: (وإن كان صحيحا مكتسبا لأنه فقير، والفقراء هم المصارف) ش: هذا واصل بما قبله أي وإن كان هذا الذي يملك أقل من النصاب صحيحا غير زمن ولا أعمى قادرا على الاكتساب، واحترز به عن قول الشافعي رحمه الله فإن عنده لا يجوز الدفع حقيقة الفقر والغنى لا يعلمها إلا الله عز وجل إذ رب شخص عليه آثار الفقر وهو أغنى القوم، ورب شخص عليه آثار الغنى وهو أفقر القوم في نفس الأمر لا يملك شيئا.
م: (فأدير الحكم على دليلها) ش: أي على دليل الحاجة م: (وهو) أي دليل الحاجة م: (فقد النصاب) ش: أي عدم النصاب وهو دليل ظاهر، فيقام مقام حقيقة الحاجة كما في الإخبار عن المحبة فيما إذا قال: إن كنت تحبيني فأنت طالق، فقالت: أحبك، وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز دفعها إلى الفقير الكسوب، وقد ذكرناه. وقال النووي رحمه الله في " شرح المهذب ": القوي من أهل البيوعات لم تجر عادته بالتكسب بالبدن له أخذ الزكاة، ولو اشتغل بالعلم وترك التكسب، ويرجى له النفع حلت له الزكاة.
م: (ويكره أن يدفع إلى واحد مائتي درهم فصاعدا) ش: قال في " المبسوط ": الكراهة فيما إذا لم يكن عليه دين أو لم يكن صاحب عيال، أما إذا كان مديونا يجوز له أن يعطى قدر دينه وزيادة على دينه دون المائتين، وكذا إذا كان صاحب عيال يحتاج إلى نفقتهم وكسوتهم. قوله: فصاعدا، نصابا م:(وإن دفع جاز) ش: أي وإن دفع أكثر من مائتي درهم جاز.
م: (وقال زفر رحمه الله: لا يجوز الغنى قارن الأداء) ش: لأنه كما يحصل الأداء يحصل الغنى، إذ الحكم يقارن العلة م:(فحصل الأداء إلى الغنى) ش: وبه قال الحسن بن زياد.
م: (ولنا أن للغنى حكم الأداء) ش: يعني يحصل الغنى بعد الأداء حكما له فلا يكون الغنى اللاحق له مانعا من جواز الأداء، لأن المانع يكون سابقا لا لاحقا، وهو معنى قوله: م: (فيتعقبه) ش: أي فيتعقب الأداء، قيل فيه نظر، لأن حكم العلة مقارن فلا يتأخر عنها كما في العلة الحقيقية، فإن الاستطاعة مع الفعل. عند أهل السنة فكيف يصح قوله: فيتعقبه.
وأجيب بأن الكل وإن قارب التمليك، لكن الغنى يثبت بحقيقة الأداء، لأن الغنى يقع ثم يقع الاستغناء به، والاستغناء إنما يثبت بالتمكن والاقتدار على التصرفات وذلك بما يقتضيه ولا