الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولو صلى قوم أجزأهم لاستجماع شرائطه.
ومن أدرك الإمام يوم الجمعة صلى معه ما أدركه وبنى عليها الجمعة، لقوله صلى الله عليه وسلم:«ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» ، وإن كان أدركه في التشهد أو في سجود السهو بنى عليها الجمعة عندهما.
ــ
[البناية]
م: (ولو صلى قوم أجزأهم) ش: فعليهم ذلك. م: (لاستجماع شرائطه) ش: الضمير في شرائطه يرجع إلى الفعل الذي دل عليه قوله- فإن فعلوا - المراد بالفعل هو صلاتهم بالجماعة.
[حكم المسبوق في صلاة الجمعة]
م: (ومن أدرك الإمام يوم الجمعة صلى معه ما أدركه) ش: سواء أدركه في الركعة الأولى أو في الثانية.
م: (وبنى عليها الجمعة) ش: أي على ما أدركه كسائر الصلوات. م: (لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» ش: هذا الحديث رواه الأئمة الستة في كتبهم عن أبي سلمة عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا"، ولفظ الجميع فيه "فأتموا» ، ولفظ المصنف أخرجه أحمد في (مسنده) وابن حبان في (صحيحه) عن سفيان بن عيينة عن الزهري وغيره، وقال أبو داود: قال فيه ابن عيينة وحده: فاقضوا، وقال البيهقي: لا أعلم أحدا روى عن الزهري "فاقضوا" إلا ابن عيينة وحده وأخطأ.
قلت: في كل ما قالوا نظر، فقد رواه أحمد في (مسنده) عن عبد الرزاق عن معمر عن الزهري به، وقال: فاقضوا، ورواه البخاري في كتابه المفرد في الأدب من حديث الليث عن الزهري به، وقال: فاقضوا، ومن حديث سليمان عن الزهري به نحوه، ومن حديث الليث عن يونس عن الزهري عن أبي سلمة وسعيد، وعن أبي هريرة كذلك، ورواه أبو نعيم في " المستخرج " عن أبي داود الطيالسي عن ابن أبي ذئب عن الزهري به نحوه، فقد تابع ابن عيينة جماعة.
فإن قلت: هل فرق بين "أتموا" وبين "فاقضوا" في الاستدلال.
قلت: استدل ب "أتموا" من قال: إن الذي يدركه المأموم هو أول صلاته، واستدل ب "فاقضوا" من قال: إن الذي يدركه هو آخر صلاته.
وقال صاحب " التنقيح ": والصواب عدم الفرق، فإن القضاء هو الإتمام في عرف الشارع، قال الله تعالى {فَإِذَا قَضَيْتُمْ مَنَاسِكَكُمْ} [البقرة: 200] [البقرة الآية: 200]، وقال:{فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ} [الجمعة: 10] .
م: (وإن كان أدركه في التشهد) ش: أي وإن أدرك الإمام حال كونه في التشهد. م: (أو في سجود السهو) ش: أي إذا أدرك الإمام حال كونه في سجود السهو. م: (بنى عليها الجمعة) ش: أي بنى على صلاة الإمام الجمعة، معناه يصلي ركعتين. م:(عندهما) ش: أي عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- وقال ابن المنذر: وهو قول النخعي، والحكم بن عتيبة وحماد وداود.
وقال محمد رحمه الله إن أدرك معه أكثر الركعة الثانية بنى عليها الجمعة وإن أدرك أقلها بنى عليها الظهر؛ لأنه جمعة من وجه، ظهر من وجه، لفوات بعض الشرائط في حقه، فيصلي أربعا اعتبارا للظهر،
ــ
[البناية]
م: (وقال محمد رحمه الله: إن أدرك معه) ش: أي مع الإمام. م: (أكثر الركعة الثانية) ش: أراد بأكثر الركعة الثانية، أدرك في الركوع. م:(بنى عليها الجمعة) ش: أي على صلاة الإمام الجمعة، يعني يصلي ركعتين. م:(وإن أدرك أقلها) ش: أي أقل الركعة الثانية بأن أدرك بعد ركوع الثانية. م: (بنى عليها الظهر) ش: يعني بنى على الجمعة التي صلاها الإمام صلاة الظهر، يعني يصلي أربع ركعات، وبقول محمد قال الزهري وزفر والشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله وجعل النووي قول أبي يوسف رحمه الله معهم، وهو غلط.
وقال النووي في "شرح المهذب ": وإن أدركه بعدما رفع الإمام رأسه لم يدرك الجمعة بلا خلاف عندهم، وفي كيفية نيته وجهان، أحدهما ينوي الظهر لأنه الذي يؤديه به وأصحهما، وبه قطع الروياني في " الحلية " ينوي الجمعة موافقة للإمام. قلت: يبعد أن يصلي الظهر بنية الجمعة، وهذا لو نوى الظهر في الابتداء لا يصح، وعند أحمد على ما اختاره الحربي ينوي ظهرا، ولو نوى الجمعة لا يجزئه. وقيل: ينوي جمعة حتى يخالف الإمام.
فإن قلت: ذكر في المنافع والحواشي أنه ينوي الجمعة بالإجماع.
قلت: هو محمول على اتفاق أصحابنا، فكيف يكون إجماعا، وفيه خلاف للشافعية والحنابلة.
فإن قلت: كيف جعل الركوع أكثر الركعة الثانية؟
قلت: لأن الأصل في الصلاة الأفعال وأكثرها هو الركوع والسجود.
فإن قلت: لم يقل المصنف وإن أدرك معه الركعة الثانية.
قلت: لئلا يتوهم أنه إذا أدرك القيام يبني عليه الجمعة، وإلا فلا، فيكون هذا بيانا لثلاث مسائل، وهي إدراكه في القيام قبل القراءة، وفيه بعد القراءة، وفي الركوع وبيان أنه لو أدركه في القومة لا يبني على الجمعة لعدم إدراك الأكثر، والسجود الذي يأتي به مع الإمام لا يعتد به.
م: (لأنه جمعة من وجه، ظهر من وجه) ش: أما كونه جمعة من وجه فباعتبار ما وجد من شرائط الجمعة فيما أدرك التحريمة والجماعة والإمام، وأما كونه ظهرا من وجه فباعتبار ما عدم من الشرائط فيما يقضى كالجماعة والإمام. م:(لفوات بعض الشرائط في حقه) ش: أي في حق هذا الذي أدرك أقل الجمعة وهو الجماعة، والإمام كما ذكرنا. م:(فيصلي أربعا) ش: أي إذا كان كذلك يصلي أربع ركعات. م: (اعتبارا للظهر) ش: أي يعتبر اعتبارا لجانب الظهر.
ويقعد لا محالة على رأس الركعتين اعتبارا للجمعة،
ويقرأ في الأخريين لاحتمال النفلية، ولهما أنه مدرك للجمعة في هذه الحالة، حتى يشترط نية الجمعة وهي ركعتان، ولا وجه لما ذكره؛ لأنهما مختلفان فلا يبنى أحدهما على تحريمة الأخرى.
ــ
[البناية]
م: (ويقعد لا محالة) ش: بفتح الميم، معناه هنا لا بد، والميم زائدة، فعلى هذا يجوز أن يكون المحيلة وهو الحيلة وأن يكون الحول وهو القوة والحركة، وعلى كل حال وزنها مفعلة. م:(على رأس الركعتين) ش: وهما اللتان الكاملتان للإمام. م: (اعتبارا للجمعة) ش: أي نظرا لجانب الجمعة، والحاصل أنه يعمل بالشبهين ولزوم القعدة الأولى، رواه الطحاوي عن محمد كما هو لازم للإمام، وفي رواية المعلى عنه لا تلزمه القعدة الأولى لأنها ظاهر من وجه فلا تكون القعدة الأولى واجبة. وقيل وجوبها للاحتياط.
قلت: فقال السرخسي: هذا الاحتياط لا معنى له، فإنه إن كان ظهرا فلا يمكنه بناؤها على تحريمة عقدها للجمعة، ولهذا لو دخل وقت العصر وهو في الجمعة يستقبل الظهر، ولا يبنيه على تحريمة الجمعة، وإن كان جمعة فالجمعة لا تكون أربعا، وفي " المرغيناني " روي عن الشيخ الإمام الزاهد أبي حفص الكبير أنه قال لمحمد رحمه الله يصير مؤديا للظهر بتحريمة الجمعة وقد جاءت به الآثار. وفي " المنتقى " مسافر أدرك الإمام يوم الجمعة في التشهد صلى أربعا بالتكبير الذي دخل معه ولم يجده خلافا، وقالت طائفة: من لم يدرك الخطبة صلى أربعا، روي هذا القول عن عطاء وطاووس ومكحول ومجاهد، محكي عن عمر رضي الله عنه لفوات الشرط وهو الخطبة في حقه، قيل لابن سيرين: إن من لم يدرك الخطبة صلى أربعا وهو قول أهل مكة، فقال: ليس لهذا معنى.
م: (ويقرأ في الأخريين) ش: أي ويقرأ ما تجوز به الصلاة في الركعتين الأخريين اللتين يصليهما هذا المسبوق للاحتياط. م: (لاحتمال النفلية) ش: أي لاحتمال كون ما بين الركعتين نفلا؛ لأنا ذكرنا أن فيه شبهين، فكان في ذلك إعمال الدليلين، وهو أولى من إهمال أحدهما.
م: (ولهما) ش: أي ولأبي حنيفة وأبي يوسف رحمهما الله. م: (أنه) ش: أي أن هذا المدرك لأقل الركعة الثانية. م: (مدرك للجمعة في هذه الحالة) ش: وهي الحالة التي أدرك الإمام فيها. م: (حتى يشترط نية الجمعة) ش: حتى لو نوى غيرها لا يصح. م: (وهي ركعتان ولا وجه لما ذكره) ش: أي لا وجه لما ذكره محمد من قوله؛ لأنه جمعة من وجه ظهر من وجه
…
إلى آخره. م: (لأنهما) ش: أي لأن الجمعة والظهر. م: (مختلفان) ش: حقيقة وحكما، لأن الجمعة ركعتان، فيشترط فيها ما لا يشترط في الظهر، والظهر أربع ركعات، فالأربع خلاف الاثنين، فإذا كان كذلك. م:(فلا يُبنى أحدهما على تحريمة الأخرى) ش: للاختلاف بينهما.
فإن قلت: فيما ذكراه تحريمة الجمعة مع عدم شرطها، وذلك فاسد. قلت: وجوده في حق
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
الإمام جعل وجودها في حق المسبوق، كما في القراءة.
فإن قلت: ذكر المصنف قوله عليه السلام: «ما أدركتم فصلوا وما فاتكم فاقضوا» .
قلت: وهو حديث صحيح في معرض الاستدلال لأبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله- فما وجه قوله بعد ذلك، ولهما أنه مدرك للجمعة إلخ.
قلت: لا مانع من ذلك؛ لأنه يجوز الاستدلال على مطلوب واحد بالمنقول والمعقول، بل هو أقوى، أو نقول: كان الأول استدلالا على ما إذا كان الذي أدركه أكثر، وذلك متفق عليه، فحينئذ ليس الاستدلال لهما فقط بل لهم جميعا، وكون الحديث يدل على المطلوب الثاني لهما أيضا لا ينافيه.
وهاهنا بحث ذكره الشراح، فقال السغناقي: واحتج من خالف، أراد من خالف أبا حنيفة رحمه الله وأبا يوسف في المسألة المذكورة بما روي عن الزهري بإسناده عن أبي هريرة رحمه الله عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من أدرك من الجمعة ركعة فليصل إليها أخرى، فإن أدركهم جلوسا صلى أربعا» . وقال الأترازي: قال الشيخ أبو نصر البغدادي: ذكر الدارقطني أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «من أدرك الإمام جلوسا قبل أن يسلم فقد أدرك الصلاة» . وقال صاحب " الدراية ": لهم -أي: لمحمد ومن تبعه- في المسألة المذكورة ما روى الزهري بإسناده عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أدرك ركعة من الجمعة فليضف إليها ركعة أخرى، وإن أدركهم جلوسا صلى أربعا» .
وقال الأكمل أيضا: يعني ما ذكره صاحب " الدراية "، ثم أجاب السغناقي بقوله، قلنا: لا يصح التعليق بهذا الحديث، لأن لفظ الجمعة مع قوله وإن أدركهم جلوسا صلى أربعا، إنما نقله ضعفاء أصحاب الزهري، هكذا قاله الحاكم الشهيد، وأما الثقات من أصحابه كمعمر والأوزاعي، ومالك روى عن الزهري: من أدرك ركعة من صلاة فقد أدركها، فأما إذا أدرك ما دونها، فما حكمه؟ فهو مسكوت عنه، فكان موقوفا على قيام الدليل، وقد قام، وهو ما روي من قوله- عليه السلام:«ما أدركتم فصلوا»
…
" الحديث.
وأجاب الأترازي بما قاله السغناقي وزاد قوله والحديث مذكور في السير هكذا، وقال معمر عن الزهري: ما أرى الجمعة إلا من الصلاة، إن أدرك منها ركعة فقد أدركها، وإن أدرك ما دونها
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
صلى أربعا، ولو كان عنده نص في الجمعة لم يحتج إلى الرأي، ولئن صح عن النبي عليه السلام قوله:«وإن أدركهم جلوسا» فمعناه أدركهم جلوسا بعد الصلاة قبل الانصراف، لأنه لم يقل في الصلاة، وأجاب الأكمل وصاحب " الدراية " أيضا بما ذكره السغناقي، وكل منهم لم يحرر الحديث، وقلد بعضهم بعضا، وليس هذا دأب شراح الكتب الموضوعة على الأحاديث النبوية، فنقول وبالله التوفيق: هذا الحديث له طرق:
منها ما رواه الدارقطني من حديث ياسين بن معاذ عن ابن شهاب عن سعيد عن أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وسلم: «من أدرك الركوع من الركعة الأخيرة يوم الجمعة فليضف إليها أخرى، ومن لم يدرك الركوع من الركعة الأخيرة فليصل الظهر أربعا» ، وياسين ضعيف متروك.
ومنها ما رواه الدارقطني أيضا من حديث سعيد وأبي سلمة عن أبي هريرة بلفظ: «إذا أدرك أحدكم الركعتين يوم الجمعة فقد أدرك، فإذا أدرك ركعة فليركع إليها أخرى، وإن لم يدرك ركعة فليصل أربع ركعات» ، وهذا أيضا من رواية ياسين.
ومنها ما رواه الدارقطني أيضا من حديث سليمان بن أبي داود الحراني عن الزهري عن سعيد وحده مثل اللفظ الأول، وسليمان متروك.
ومنها ما رواه الدارقطني أيضا من حديث صالح بن أبي الأخضر عن أبي سلمة وحده نحو الأول، وصالح ضعيف.
ومنها ما رواه ابن ماجه: حدثنا محمد بن الصباح، أنبأنا عمر بن حبيب، عن ابن أبي ذئب، عن الزهري، عن أبي سلمة وسعيد بن المسيب، عن أبي هريرة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:«من أدرك من الجمعة ركعة فليضف إليها أخرى» ، وعمر بن حبيب متروك، ورواه الدارقطني أيضا من رواية الحجاج بن أرطاة، وعبد الرزاق عن معمر عن الزهري عن سعيد عن أبي هريرة كذلك، ولم
وإذا خرج الإمام يوم الجمعة ترك الناس الصلاة والكلام حتى يفرغ من خطبته. قال رضي الله عنه: وهذا عند أبي حنيفة رحمه الله.
ــ
[البناية]
يذكروا كلهم الزيادة التي فيه من قوله «ومن لم يدرك الركعة الأخيرة فليصل الظهر أربعا» إلا لبدئه بإدراك الركوع، وأحسن طرق هذا الحديث رواية الأوزاعي على ما فيها من تدليس الوليد. وقد قال ابن حبان في "صحيحه": إنها كلها معلولة، وقال ابن أبي حاتم في " العلل " عن أبيه: لا أصل لهذا الحديث وله طرق أخرى من غير طريق الزهري، رواه الدارقطني من حديث داود بن أبي هند عن سعيد بن المسيب عن أبي هريرة، وفيه يحيى بن راشد البراء وهو ضعيف. وقال الدارقطني في " العلل ": حديثه غير محفوظ.
وقد روي عن يحيى بن سعيد الأنصاري أنه بلغه عن سعيد بن المسيب، قوله: وهو أشبه بالصواب، وفي هذا الباب عن ابن عمر رضي الله عنهما رواه النسائي وابن ماجه والدارقطني من حديث شعبة، حدثني يونس بن الزبير عن الزهري، وأما قوله «من صلاة الجمعة» فوهم، وذكر الأترازي وقال: وروى خواهر زاده في "مبسوطه" عن أبي الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من أدرك الإمام في التشهد يوم الجمعة فقد أدرك الجمعة» ، انتهى
قلت: هذا ليس له أصل ولا ذكره أحد من أئمة الحديث، والعجب من الأترازي أن هذا طريق مظلم كيف يمشي عليه.
م: (وإذا خرج الإمام يوم الجمعة) ش: يعني إذا خرج من منزله أو من بيت الخطابة لأجل الخطبة، ويقال: المراد بخروجه صعوده على المنبر. م: (ترك الناس الصلاة والكلام حتى يفرغ من خطبته) ش: وبه قال مالك، وقيد بالكلام لأن الصلاة في هذين الوقتين تكره بالإجماع أي صلاة التطوع.
م: (قال رحمه الله) ش: أي قال "المصنف": إذا خرج الإمام، إلى هنا من كلام القدوري، وأشار "المصنف" بأن هذا قول أبي حنيفة، وقال. م:(وهذا) ش: القول. م: (عند أبي حنيفة رحمه الله) ش: أي وهذا الذي ذكره من كراهة الصلاة والكلام وقت خروج الإمام عند أبي حنيفة رحمه الله واختلفوا على قوله، فقال بعضهم: يكره كلام الناس، أما التسبيح وأشباهه فلا يكره.
وقال بعضهم: يكره ذلك، والأول أصح، وعند الشافعي رحمه الله يصلي تحية المسجد في حال الخطبة، وبه قال أحمد.
وقالا: لا بأس بالكلام إذا خرج الإمام قبل أن يخطب، وإذا نزل قبل أن يكبر؛ لأن الكراهة للإخلال بفرض الاستماع، ولا استماع هنا، بخلاف الصلاة، لأنها قد تمتد. ولأبي حنيفة رحمه الله قوله صلى الله عليه وسلم:«إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام» .
ــ
[البناية]
وقال ابن المنذر: اختلفوا فيمن دخل المسجد والإمام يخطب، فقال الحسن: يصلي ركعتين، وبه قال مكحول وابن عيينة والمغيرة والشافعي وابن حنبل رحمهم الله وإسحاق وأبو ثور وطائفة من المحدثين، وعندنا يجلس ولا يصلي.
قال ابن المنذر: وبه قال عطاء وصالح وعروة وقتادة والنخعي، وقال ابن حنبل رحمهم الله: إن شئت ركعت، وإن شئت جلست.
وقال الأوزاعي: إن كان ركعها في بيته ثم دخل المسجد والإمام يخطب قعد ولم يركع، وإن لم يكن، ركعها إذا دخل المسجد.
وقال ابن بطال في " شرح البخاري ": والمنع قول الجمهور من أهل العلم، وذكره ابن أبي شيبة عن عمر وعثمان وعلي وابن عباس رضي الله عنهم.
م: (وقالا: لا بأس بالكلام إذا خرج الإمام قبل أن يخطب) ش: وبه قال الشافعي وأحمد -رحمهما الله- وفي "جوامع الفقه " عند أبي يوسف رحمه الله يباح الكلام عند جلوسه إذا مكث، وعند محمد لا يباح، وقوله:"قبل أن يخطب" يتعلق بقوله: "لا بأس بالكلام"، لا بقوله:"خرج" لفساد المعنى.
م: (وإذا نزل قبل أن يكبر) ش: أي ولا بأس بالكلام أيضا إذا نزل الخطيب من المنبر قبل أن يكبر للصلاة.
م: (لأن الكراهة للإخلال بفرض الاستماع) ش: أي لأن كراهة الكلام لأجل الإخلال بفرض استماع الخطبة، وعند خروجه قبل الشروع في الخطبة، وعند نزوله قبل شروعه في الصلاة لا يلزم ذلك. م:(ولا استماع هنا) ش: أي ولا استماع للخطبة في الحالتين المذكورتين.
م: (بخلاف الصلاة لأنها قد تمتد) ش: أي قد تطول فيفضي إلى الإخلال ولا يمكن قطعها بخلاف الكلام، لأنه يمكن قطعه متى شاء.
م: (ولأبي حنيفة رحمه الله قوله- عليه السلام «إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام» ش: لم يتعرض أحد من الشراح لحال هذا الحديث غير أن الأترازي قال: روى خواهر زاده في "مبسوطه" عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا خرج الإمام فلا صلاة ولا كلام» . "
قلت: هذا غريب مرفوعا، ولهذا قال البيهقي: رفعه وَهْمٌ فاحش، إنما هو من كلام الزهري، رواه مالك في " الموطأ " عن الزهري، قال: خروجه يقطع الصلاة وكلامه يقطع
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
الكلام، وعن مالك رواه محمد بن الحسن في "موطئه".
وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" عن علي وابن عباس وابن عمر رضي الله عنهم أنهم كانوا يكرهون الصلاة والكلام بعد خروج الإمام. وأخرج عن عروة قال: إذا قعد الإمام على المنبر فلا صلاة. وعن الزهري قال في الرجل يجيء يوم الجمعة والإمام يخطب يجلس ولا يصلي.
وقال في " المبسوط ": استدل أبو حنيفة رحمه الله بما روي أنه عليه السلام قال: «إذا كان يوم الجمعة قعدت الملائكة على أبواب المساجد يكتبون القوم الأول فالأول، إلى أن قال: فإذا خرج الإمام طووا الصحف وجاءوا يستمعون الذكر، وإنما يطوون الصحف إذا طوى الناس الكلام، فأما إذا كانوا يتكلمون فهم يكتبون، قال تعالى: {مَا يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ} [ق: 18] [سورة ق، الآية: 18] » انتهى.
وأخرجه أحمد أيضا في "مسنده" نحوه، غير أن في لفظه «فأنصت حتى يفرغ".» وأخرج البيهقي من حديث عطاء بن يسار «عن أبي ذر، قال: "دخلت المسجد يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب فجلست قريبا من أبي بن كعب فقرأ النبي صلى الله عليه وسلم سورة براءة، فقلت لأبي: متى نزلت هذه السورة؟ فحصر ولم يكلمني، فلما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته، قلت لأبي: إني سألتك فنجهتني ولم تكلمني، فقال أبي: ما لك من صلاتك إلا ما لغوت، فذهبت إلى النبي، فقلت: يا نبي الله كنت بجنب أبي وأنت تقرأ براءة، فسألته: متى أنزلت هذه السورة؟ فنجهني ولم يكلمني ثم قال: ما لك من صلاتك إلا ما لغوت، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: صدق أبي» .
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
ثم قال البيهقي: ورواه عبد الله بن جعفر عن شريك عن عطاء عن أبي الدرداء عن أبي بن كعب، وجعل القصة بينهما، ورواه حرب بن قيس عن أبي الدرداء وجعل القصة بينه وبين أبي، ورواه عيسى بن جارية عن جابر بن عبد الله، فذكر معناها بين ابن مسعود وبين أبي بن كعب، ورواه الحكم عن أبان عن عكرمة عن ابن عباس، فجعل معنى هذه القصة بين رجل غير مسمى وبين ابن مسعود، انتهى.
قلت: هذا مرسل؛ لأن عطاء بن يسار لم يدرك أبا ذر، وأخرجه ابن ماجه بوجه آخر من حديث عطاء بن يسار «عن أبي بن كعب أن رسول الله- صلى الله عليه وسلم قرأ يوم الجمعة تبارك وهو قائم فذكر بأيام الله، وأبو الدرداء وأبو ذر يغمزني، فقال: متى أنزلت هذه السورة، إني لم أسمع بها إلا الآن، فأشار إليه أن اسكت، فلما انصرفوا، قال: سألتك متى أنزلت هذه السورة فلم تخبرني، فقال أبي: ليس لك من صلاتك اليوم إلا ما لغوت، فذهب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر له ذلك وأخبره بالذي قال أبي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: صدق أبي» .
وأخرج الطحاوي من حديث أبي سلمة عن أبي هريرة «أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يخطب يوم الجمعة فقرأ سورة، فقال أبو ذر لأبي بن كعب: متى نزلت هذه السورة؟ فأعرض عنه، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاته قال أبي لأبي ذر: ما لك من صلاتك إلا ما لغوت، فدخل أبو ذر على النبي صلى الله عليه وسلم فأخبره بذلك، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم صدق أبي» .
وأخرجه الطيالسي في "مسنده" والبيهقي في "سننه" من طريقه، وأخرج ابن أبي شيبة في "مصنفه" من حديث الشعبي «أن أبا ذر والزبير بن العوام سمع أحدهما من النبي صلى الله عليه وسلم أنه يقرأ وهو على المنبر يوم الجمعة، قال: فقال لصاحبه: متى أنزلت هذه الآية؟ قال: فلما قضى صلاته قال له عمر بن الخطاب رضي الله عنه: لا جمعة لك، فأتى النبي صلى الله عليه وسلم فذكر ذلك له فقال: "صدق عمر ". رضي الله عنه.»
فإن قلت: يشكل على مسألة الصلاة حديث سليك الغطفاني، أخرجه الأئمة الستة عن عمرو بن دينار عن جابر بن عبد الله «أن رجلا جاء يوم الجمعة والنبي صلى الله عليه وسلم يخطب، فقال: أصليت يا فلان؟ قال: لا، قال: صل ركعتين وتجوز فيهما، وزاد فيه مسلم وقال: إذا جاء أحدكم يوم الجمعة، والإمام يخطب فليركع ركعتين، ويتجوز فيهما، وزاد فيه ابن حبان في "صحيحه "، وقال له: لا تعذر لمثل ذلك» قال ابن حبان: يريد الإبطاء لا الصلاة، بدليل أنه جاز في الجمعة الثانية نحوه، فأمره بركعتين مثلهما.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
قلت: أجيب عنه بأجوبة: أحدهما: أن حديث سليك هذا محمول على ما قبل النهي عن الكلام في الخطبة، وكان الكلام مباحا في الصلاة والخطبة أيضا. والثاني: أنه عليه السلام كان إماما وخطيبا، فلا بأس له أن يتكلم، لأنه يخطب والخطبة من أولها إلى آخرها كلام. الثالث: أنه كان قبل الأمر بالاستماع والإنصات المأمورين.
الرابع: يحتمل أنه كان أمره بذلك بعد قطع الخطبة لإرادة تعليمه الناس كيف يفعلون إذا دخلوا المسجد، ثم استأنف خطبته بعد ذلك.
فإن قلت: روى أنس رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: «أنه كان إذا نزل عن المنبر يسأل الناس عن حوائجهم وعن أسعار السوق ثم يصلي» وعن عمر وعثمان رضي الله عنهما أنهما كانا إذا صعدا المنبر يسألان الناس عن أسعار السوق.
قلت: حديث أنس كان في ابتداء الإسلام حين كان الكلام مباحا في الصلاة، وأما حديث عمر وعثمان رضي الله عنهما فمعارض بحديث ابن عمر وابن عباس أخرجه ابن أبي شيبة في "مصنفه": حدثنا نمير عن حجاج عن عطاء عن ابن عباس وابن عمر أنهما كانا يكرهان الكلام والصلاة يوم الجمعة بعد خروج الإمام، وقال ابن عبد البر: كان ابن عباس وابن عمر يكرهان الكلام والصلاة بعد خروج الإمام، ولا مخالف لهما.
فإن قلت: جاء في الحديث أن الدعاء يستجاب وقت الإقامة في يوم الجمعة، فكيف يسكت عند أبي حنيفة رحمه الله. قلت: يقرأ الدعاء بقلبه لا بلسانه، ثم إذا اشتغل الإمام بالخطبة ينبغي للمستمع أن يجتنب بما يجتنب في الصلاة لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204][الأعراف، الآية: 204] وقوله عليه السلام: «إذا قلت لصاحبك أنصت يوم الجمعة والإمام يخطب فقد لغوت» وهذا الحديث رواه أبو هريرة وأخرجه عنه الأئمة الستة ما خلا الترمذي، فإذا كان كذلك يكره له رد السلام وتشميت العاطس، إلا في القول الجديد للشافعي رحمه الله فإنه يرد ويشمت، قال شيخ الإسلام: والأصح أنه يشمت، والاستماع من أول الخطبة إلى آخرها وإن كان فيها ذكر الولاة والديوان من الإمام.
وفي "المجتبى": قيل: وجوب الاستماع مخصوص بزمان الوحي، وقيل: في الخطبة الأولى دون الثانية لما فيها من مدح الظلمة. وعن أبي حنيفة: إذا سلم عليه يرد بقلبه، وعن أبي يوسف: يرد السلام ويشمت العاطس فيها، وعن محمد: يرد ويشمت بعد الخطبة، وقيل: الإشارة بيده ورأسه عند رؤية المنكر يكره، والأصح أنه لا بأس به، ويصلي على النبي صلى الله عليه وسلم عند ذكره- عليه السلام في قلبه.
واختلف المتأخرون فيمن كان بعيدا لا يسمع الخطبة، فقال محمد بن سلمة: المختار السكوت