الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب صلاة الخوف
إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين: طائفة إلى وجه العدو، وطائفة خلفه، فيصلي بهذه الطائفة ركعة وسجدتين،
ــ
[البناية]
[باب صلاة الخوف]
[مشروعية صلاة الخوف وكيفيتها]
م: (باب صلاة الخوف) ش: أي هذا باب في بيان صلاة الخوف، والمناسبة بين البابين من حيث إنهما شرعا بالعارض لكن قدم الاستسقاء لأن العارض فيه سماوي وهو انقطاع المياه، وهاهنا اختياري وهو الجهاد الذي بسبب كفر الكافر.
م: (إذا اشتد الخوف جعل الإمام الناس طائفتين)، ش: هذه العبارة للقدوري، والمصنف تبعه واشتداد الخوف ليس بشرط عند عامة العلماء من أصحابنا، فإنه جعل في " التحفة " و " المبسوط " و " المحيط " سبب جوازها نفس قرب العدو من غير ذكر الاشتداد، وفي " مبسوط شيخ الإسلام " المراد بالخوف حضرة العدو لا حقيقة الخوف، لأن حضرة العدو أقيم مقام الخوف، كما في تعلق الرخص بنفس السفر، فعلى هذا إذا رأوا سوادا فظنوا أنه العدو وصلوا صلاة الخوف، فإن بين أنه العدو فصلاتهم جائزة، وإن بين أنه سواد إبل أو بقر أو غنم فصلاتهم غير جائزة.
قوله - جعل الإمام الناس طائفتين - هذا إنما يحتاج إليه إذا تنازع القوم في الصلاة خلف إمام واحد، أما إذا لم يتنازعوا فالأفضل للإمام أن يجعل القوم طائفتين، فيصلي كل طائفة بإمام، فطائفة يقومون بإزاء العدو، وطائفة يصلي بهم إمامهم تمام صلاتهم ثم يقومون بإزاء العدو، ويصلي رجل من الطائفة التي كانوا بإزاء العدو صلاتهم تمامها.
م: (طائفة إلى وجه العدو)، ش: ويجوز في طائفة النصب والرفع، أما النصب فعلى تقدير جعل طائفة، وأما الرفع فعلى أنه خبر مبتدأ محذوف، والتقدير أحدهما طائفة إلى وجه العدو، م:(وطائفة خلفه)، ش: بالوجهين أيضا نحوه.
م: (فيصلي)، ش: أي الإمام، م:(بهذه الطائفة)، ش: وهم الذين جعلهم خلفه، م:(ركعة وسجدتين)، ش: قيد بهذا احترازا عن قول بعض العلماء أنه إذا سجد سجدة واحدة سجد معه الصف الأول، ويحرسهم الصف الثاني من العدو، ثم يتأخر هذا الصف، ويتقدم الصف الثاني فيسجد بهم السجدة الثانية، ويحرسهم الصف الأول من العدو، ثم يصلي الركعة الثانية على هذا الوجه ويتشهد ويسلم بهم وتمسكوا بظاهر قَوْله تَعَالَى:{فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء: 102][النساء: 102] قلنا: السجدة المطلقة تنصرف إلى الكامل المعهود وهو السجدتان.
فإن قلت: قوله - ركعة - كان يكفي، لأن الركعة يتم سجدة، ولم يحتج إلى ذكر السجدتين.
فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة إلى وجه العدو وجاءت تلك الطائفة فيصلي بهم الإمام ركعة وسجدتين وتشهد وسلم، ولم يسلموا وذهبوا إلى وجه العدو، وجاءت الطائفة الأولى فصلوا ركعة وسجدتين وحدانا بغير قراءة؛ لأنهم لاحقون وتشهدوا وسلموا ومضوا إلى وجه العدو وجاءت الطائفة الأخرى وصلوا ركعة وسجدتين بقراءة لأنهم مسبوقون وتشهدوا وسلموا
ــ
[البناية]
قلت: ذكر سجدتين تأكيدا لرفع هذا الاحتمال.
م: (فإذا رفع رأسه من السجدة الثانية مضت هذه الطائفة)، ش: وهم الذين صلى بهم ركعة وسجدتين، م:(إلى وجه العدو)، ش: بحيث لا يلحقهم سهام العدو، م:(وجاءت تلك الطائفة)، ش: وهم الذين كانوا واقفين تجاه العدو، م:(فيصلي بهم الإمام ركعة وسجدتين وتشهد وسلم ولم يسلموا)، ش: لأنه بقيت عليهم ركعة وسجدتان، م:(وذهبوا إلى وجه العدو)، ش: ويقفون تجاههم.
م: (وجاءت الطائفة الأولى)، ش: وهم الذين صلى بهم أولا ركعة وسجدتين، م:(وصلوا ركعة وسجدتين وحدانا)، ش: يعني منفردين، وانتصابه على الحال، م:(بغير قراءة)، ش: يعني لا يقرءون، م:(لأنهم لاحقون)، ش: واللاحق ليس عليه قراءة، م:(وتشهدوا وسلموا ومضوا إلى وجه العدو)، ش: ويقفون تجاههم، م:(وجاءت الطائفة الأخرى وصلوا ركعة وسجدتين بقراءة؛ لأنهم مسبوقون)، ش: وللمسبوق عليه القراءة، لأنه في حكم المنفرد فيما عليه من الصلاة.
م: (وتشهدوا وسلموا)، ش: فتمت صلاة الطائفتين بهذا الوجه.
وقال مالك: إذا صلى بالطائفة الأولى ركعة وسجدتين وقف حتى تتم هذه الطائفة صلاتها ويسلموا قبل إمامهم ويذهبون إلى وجه العدو، وتأتي تلك الطائفة التي لم تصل فيصلي بهم الإمام الثانية وتسلم وتذهب إلى وجه العدو. وقول الشافعي وأحمد مثله، إلا أنه لا يسلم الإمام عندهما، بل يقف منتظرا حتى تتم الطائفة الثانية صلاتها فيسلم بهم.
وقال النووي: ثم إذا قام الإمام إلى الثانية يقرأ ويطيل القراءة حتى تأتي الطائفة الثانية ولا يعتد بهذه القراءة الطويلة، حتى إذا جاءت الطائفة الثانية يقرأ معها الفاتحة وسورة قصيرة في أحد القولين، وهو في " الإملاء "، وقال في إمام لا يقرأ بل يسبح ويذكر الله حتى تأتي الطائفة الثانية، والطائفة الثانية إذا صلى بهم الركعة الثانية فارقوه ليتموا الركعة الباقية عليهم ولا ينوون مفارقته.
واتفقوا على أن الطائفة الأولى إذا صلت الركعة الأولى مع الإمام تنوي مفارقة الإمام وتمت صلاتها وتذهب إلى وجه العدو، وفي " المستصفى " للشافعية ثلاثة أقوال في قول مثل قولنا، وفي قول يصلي بالطائفة التي معه تمام الصلاة ثم تجيء الطائفة الأخرى فصلى بهم مرة أخرى، فإن عنده اقتداء المفترض بالمتنفل جائز، وفي قول وهو المشهور منه يصلي بالطائفة الأولى ركعة
والأصل فيه رواية ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم صلى صلاة الخوف على الصفة التي قلنا
ــ
[البناية]
فيقوم ويقف ولا يقرأ، ويمد القيام في انتظار الطائفة الأخرى كذا ذكره المزني، ويصلي بهذه الطائفة تمام صلاتهم، لكن ينبغي أن ينووا مفارقته ويسلمون حتى تجيء الطائفة الأخرى، فيصلي بهم ركعة ولا يسلم، بل يمكث جالسا حتى تصلي هذه الطائفة تمام صلاتهم من غير نية المفارقة، ثم يسلم الإمام ويسلمون معه، كذا في خلاصتهم والوجيز.
وقال أبو بكر بن العربي في " العارضة ": قد رويت عن النبي عليه السلام في صلاة الخوف روايات كثيرة، أصحها ست عشرة رواية مختلفة، وفي " القبس شرح الموطأ "، صلاها رسول الله عليه السلام أربعا وعشرين مرة، وذكر بعضهم أنه عليه السلام[صلاها] في عشرة مواضع.
والذي استقر عند أهل السير والمغازي أربعة مواضع؛ ذات الرقاع عند البخاري ومسلم، عن سهل بن حثمة، وبطن نخلة عند النسائي عن جابر رضي الله عنه وعسفان عن أبي داود والنسائي عن جابر أيضا. وذي قرد عن النسائي عن ابن عباس رضي الله عنهما.
وروى الواقدي في " المغازي " حديث سعيد بن عثمان عن وهب بن كيسان عن جابر بن عبد الله قال: أول ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف [في] غزوة ذات الرقاع، ثم صلاها بعد بعسفان بينهما أربع سنين، قال الواقدي: وهذا عندنا أثبت من غيره، قيل وأغربها ما رواه مسلم عن جابر رضي الله عنه أنه عليه السلام صلى بكل طائفة ركعتين، فكانت للنبي عليه السلام أربعا ولهم ركعتان ركعتان.
ومن أغربها ما رواه أبو داود عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه «أنه عليه السلام صلى بكل طائفة ركعة ثم يسلم ولم يقضوا» . وروي عن ابن عباس والحسن وإسحاق بن راهويه أن صلاة الخوف ركعة، ونقل عن جابر رضي الله عنه وطاوس والضحاك مثله، لكن نقل أبو حامد عن هؤلاء أن الفرض على الإمام ركعتان، وعلى المأمومين ركعة والذي نقله الجمهور عنهم أن الواجب على الكل ركعة.
قال النووي: مذهب العلماء كافة من الصحابة والتابعين ومن بعدهم أن الخوف لا يوجب القصر، وقال الأسبيجابي: الخوف لا يوجب قصر الصلاة، ويجوز المشي والانتقال، وقال الحسن البصري: يصلي الإمام المغرب ستا والقوم ثلاثا.
م: (والأصل فيه) ش: أي في هذا الباب م: (رواية ابن مسعود رضي الله عنه «أن النبي عليه السلام صلى صلاة الخوف» على الصفة التي قلنا) ش: يعني أنه جعل الناس طائفتين، طائفة خلفه وطائفة في وجه العدو إلى آخر ما ذكرناه، وحديث ابن مسعود رواه أبو داود، وحدثنا عمران
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
ابن مسيرة، ثنا ابن فضيل، ثنا خصيف عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود، قال:«صلى رسول الله عليه السلام صلاة الخوف فقاموا صفا خلف رسول الله عليه السلام وصفا يستقبل العدو، فيصلي بهم النبي عليه السلام، ثم جاء الآخرون فقاموا مقامهم واستقبل هؤلاء العدو فصلى بهم النبي عليه السلام ركعة، ثم سلم فقام هؤلاء فصلوا لأنفسهم ركعة، ثم سلموا ثم ذهبوا فقاموا مقام أولئك مستقبل العدو، ورجع أولئك إلى مقامهم فصلوا لأنفسهم ركعة ثم سلموا» .
وروى البيهقي أيضا، وقال أبو عبيدة: لم يسمع من أبيه، وخصيف ليس بالقوي.
قلت: أبو عبيدة اسمه عامر بن عبد الله ثقة، أخرج له البخاري محتجا به في غير موضع. وروى له مسلم وغيره، وخصيف بضم الخاء المعجمة ابن عبد الرحمن وثقه أبو زرعة، وابن مغيرة وابن سعد. وقال النسائي: صالح.
وفي " المبسوط " روى سالم عن ابن عمر «أنه عليه السلام صلى بالطائفتين» كما روى ابن مسعود رضي الله عنه.
قلت: حديث ابن عمر أخرجه الأئمة الستة في كتبهم، واللفظ للبخاري - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -، قال:«غزوت مع رسول الله عليه السلام قبل نجد فوازينا العدو فصاففنا لهم فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي بنا فقامت طائفة معه، فصلى وأقبلت طائفة على العدو وركع رسول الله عليه السلام بمن معه وسجد سجدتين ثم انصرفوا مكان الطائفة التي لم تصل، فجاءوا فركع رسول الله عليه السلام بهم ركعتين وسجد سجدتين ثم سلم، فقام كل واحد منهم فركع لنفسه وسجد سجدتين» وقال القرطبي في شرح مسلم: والفرق بين حديث ابن عمر وحديث ابن مسعود أن في حديث ابن عمر كان قضاؤهم، في حالة واحدة، ويبقى الإمام كالحارس وحده. وفي حديث ابن مسعود كان قضاؤهم متفرقا عل صيغة صلاتهم.
واستدل السروجي لأصحابنا بحديث ابن عمر هذا، وفي حديث ابن عمر لم يذكر كيفية قضائهم، فحمل على تفسير ابن مسعود، فإنه نص في الكيفية، وهكذا نص أشهب من المالكية على تفسيره، واختاره موافقا لمذهبهم، وقال ابن حبيب: قضوا معا، وهو باطل.
واحتج الشافعي وأحمد بحديث صالح بن خوات بن جبير عن سهل بن أبي حثمة «أنه عليه السلام صلاهما» كمذهبهما، في غزوة ذات الرقاع في صحيحي البخاري ومسلم، ورواه مالك مرفوعا، ورجح موقوفه على سهل بن أبي حثمة على مرفوعه، [....
..] ،
وأبو يوسف وإن أنكر شرعيتها في زماننا فهو محجوج عليه بما روينا
ــ
[البناية]
وقال النووي: صالح تابعي، وخوات صحابي، وذات الرقاع بكسر الراء موضع قبل نجد من أرض غطفان، وقيل سميت باسم شجر هناك، وقيل اسم جبل فيه بياض وحمرة وسواد، وقيل: الرقاع كانت في ألويتهم. وقال النووي: ولو فعل [....
..] رواية ابن عمر، ففي صحته قولان، والصحيح المشهور صحته، وقال الغزالي: قال بعض أصحابنا بعيد. وقال النووي أيضا: وغلط في شيئين، أحدهما نسبته إلى بعض الأصحاب، بل نص عليه الشافعي في الجديد وفي الرسالة، والثاني تضعيفه.
قلت: هم يقولون قال الشافعي إذا صح الحديث فهو مذهبي، وأي شيء يكون أصح من حديث ابن عمر، وقد خرجته الجماعة. وقال الغزالي في " الوسيط ": له رواية خوات بن جبير وهو غلط، وإنما الراوي ابنه صالح عن سهل حيثما خرجه الشيخان. وجعل المازري حديث ابن عمر قول الشافعي وأشهب، وحديث جابر قول أبي حنيفة رضي الله عنه هكذا في العلم وهو سهو فيهما، ثم قال: ولا معنى للأخذ به إلا إذا كان العدو بينهم وبين القبلة.
قلت: بل أخذ أبو حنيفة رضي الله عنه وأصحابه وأشهب برواية ابن عمر والشافعي برواية سهل بن أبي حثمة. وقال القدوري في " شرح مختصر الكرخي " وأبو نصر البغدادي في " شرح مختصر القدوري " الكل جائز، وإنما الخلاف في الأولى، ثم الركوب في حالة الذهاب والمجيء، إذا كانوا نزولا، ولا يجوز بأن كان قريبا من العدو.
وفي " التحفة " فإن انصرفوا ركبانا لا تصح صلاتهم سواء كانوا من القبلة إلى العدو أو من العدو إلى القبلة، وهو جواب ظاهر الرواية عن أصحابنا. وفي " المرغيناني " إن ركب واحد منهم عند انصرافه إلى العدو فسدت صلاته، وفي " المبسوط " من ركب منهم عند انصرافه إلى وجه العدو فسدت صلاته، لأن الركوب عمل كثير، بخلاف المشي إلى العدو للضرورة.
م: (وأبو يوسف وإن أنكر شرعيتها في زماننا فهو محجوج عليه بما روينا) ش: الكلام هنا في موضعين. الأول: في معنى التركيب، وهو أن قوله وأبو يوسف..إلخ جملة معطوفة على ما قبلها، لأن قوله أبو يوسف مبتدأ وخبره الجملة، أعني قوله فهو محجوج عليه بما روينا ودخول الفاء فيها لتعلق الجملة الشرطية بالمتبدأ، والواو في قوله وإن أنكر عطف على مقدر تقدير الكلام: وأبو يوسف لم ينكر شرعية صلاة الخوف وإن أنكر فهو محجوج عليه بما روينا، ولكن كلامه لا يخلو عن نظر، لأن أبا يوسف لم ينكر مشروعية صلاة الخوف في زمان الرسول حتى يكون حديث ابن مسعود حجة عليه، لأن مراده بما روينا هو حديث ابن مسعود رضي الله عنه الذي قال والأصل فيه رواية ابن مسعود بل يمكن أن يقال هو محجوج عليه بأحاديث مذكورة في غير هذا الموضع:
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
منها: حديث سعيد بن العاص، رواه أبو يعلى وأبو داود [....
..] ثنا يحيى عن سفيان حدثني الأشعث بن سليم عن الأسود بن هلال «عن ثعلبة بن زهدم، قال: كنا مع سعيد بن العاص بطبرستان فقام فقال: أيكم صلى مع رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الخوف؟ فقال حذيفة: أنا، فصلى بهؤلاء ركعة وبهؤلاء ركعة ولم يقضوا وأخرجه أيضا النسائي،» وسعيد بن العاص كان عثمان - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - استعمله على الكوفة وغزا بالناس بطبرستان ففتحها، وهي بلاد كثيرة المياه والأشجار شرقي كيلان.
ومنها: ما رواه أبو داود وغيره عن عبد الرحمن بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - ثنا مسلم بن إبراهيم ثنا عبد الصمد بن حبيب قال: أخبرني أبي أنهم غزوا مع عبد الرحمن بن سمرة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - كابل، فصلى بنا صلاة الخوف، وكابل بضم الباء الموحدة ناحية من ثغور طخارستان متاخم للهند.
ومنها: ما رواه البيهقي عن علي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - أنه صلاها بصفين وغيرها، وقال: ويذكر جعفر بن محمد بن أبيه أن عليا - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ - صلى المغرب صلاة الخوف ليلة الهرير.
ومنها: ما رواه أيضا من طريق قتادة عن أبي العالية عن أبي يوسف أنه صلى صلاة الخوف، فهؤلاء الصحابة رضي الله عنهم أقاموها بعد النبي عليه السلام من غير إنكار أحد، فحل محل الإجماع.
1 -
الموضع الثاني: أن العلماء اختلفوا في مشروعية صلاة الخوف بعد رسول الله عليه السلام فالجمهور على مشروعيتها، وذهب الحسن بن زياد اللؤلؤي والمزني وأبو يوسف في رواية أنها غير مشروعة الآن، أما الحسن فالحجة عليه ما ذكرنا من حديث حذيفة مع سعيد بن العاص، وأما المزني فعلل بالنسخ في زمان النبي عليه السلام حيث أخرها يوم الخندق، وهو مردود بما روي عن هؤلاء الصحابة ويوم الخندق متقدم على المشهور، فكيف ينسخ المتأخر، ذكره النووي وغيره.
وأما أبو يوسف فإنه علل بقوله تعالى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلَاةَ} [النساء: 102][النساء: 102] ، فقد شرط كونه عليه السلام فيهم لإقامتها، ولأن الناس كانوا يرغبون في الصلاة خلفه ما لا يرغبون خلف غيره، فشرعت بصفة الذهاب والمجيء على خلاف القياس، لينال كل فريق فضيلة الصلاة خلفه، وقد ارتفع هذا المعنى بعده، فلا يجوز أداؤها بصفة الذهاب والمجيء.
فإن كان الإمام مقيما صلى بالطائفة الأولى ركعتين وبالطائفة الثانية ركعتين
ــ
[البناية]
وأجاب الجمهور في الرد عليه بما فعله الصحابة - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ - بعده عليه السلام وأن سببها الخوف، وهو يتحقق بعده عليه السلام، كما في حياته، ولم يكن ذلك دليلا لنيله فضيلة الصلاة خلفهن لأن ترك المشي وترك الاستدبار فريضة، والصلاة خلفه فضيلة فلا يجوز ترك الفريضة لإحراز الفضيلة، ثم الآن يحتاجون إلى فضيلة تكثير الجماعة، فإنها كلما كانت أكثر كانت أفضل.
ومعنى قَوْله تَعَالَى: {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102]
…
إلخ، أنت أو من يقوم مقامك في الإقامة، كما في قَوْله تَعَالَى:{خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103][التوبة: 103]، وقد يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم ولا يختص به كما هو في قَوْله تَعَالَى:{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [الطلاق: 1](الطلاق: الآية1) كذا في " المحيط "، و " المبسوط " مع أن الأصل عندنا أن تعليق الحكم بالشرط لا يوجب عدمه عند عدم الشرط، بل هو موقوف على قيام الدليل، وقد قام الدليل، وهو فعل الصحابة بعد وفاته عليه السلام على وجود الحكم، أو نقول لما جاز للنبي عليه السلام بعذر فجاز لغيره بذلك العذر، كصلاة المريض.
ثم اختلف الأصحاب في نقل هذا القول عن أبي يوسف فقال في " المبسوط "، و " ملتقى البحار " إنه قوله الثاني وقد رجع إليه، وفي " المحيط " و " زيادات الشهيد "، وفي " المرغيناني " أطلقت الرواية عنه من غير تعرض إلى كونه قوله الأول والثاني، وفي " المفيد " و " المزيد " و " شرح مختصر الكرخي " و " شرح مختصر القدوري " لأبي نصر البغدادي أن هذا قوله الأول وقد رجع عنه، ثم اعلم أن الخوف لا يؤثر في نقصان عدد الركعات إلا عند ابن عباس والحسن البصري وطاوس، حيث قالوا: إنها ركعة، وقد ذكرناه.
م: (فإن كان الإمام مقيما صلى بالطائفة الأولى ركعتين، وبالطائفة الثانية ركعتين) ش: وإنما اختص الإمام لأنه لو كان مقيما تصير صلاة من اقتدى به أربعا، ولأن الإمام هو الخليفة أو السلطان، وفي الأداء يعبتر نيته لا نية الجند، وبقولنا قال الشافعي وأحمد ومالك في المشهور، وعن مالك لا تجوز صلاة الخوف في الحضر، وقال أصحابه يجوز، خلافا لابن الماجشون، فإنه قال: لا يجوز. ونقل النووي عن مالك عدم جوازها في الحضر على الإطلاق غير صحيح، فإن المشهور عنده الجواز كما ذكرنا، وقال ابن حزم: يصلي في الحضر بكل طائفة أربع ركعات، وفي المغرب يصلي بكل طائفة ثلاثا.
والثانية للإمام تطوع، ولو جعلهم في العصر أربع طوائف يصلي بكل طائفة ركعة فسدت صلاة الطائفة الأولى والثانية، لأنها انصرفت في غير أوان الانصراف، فلا مرخص لها فيه، وصحت صلاة الثالثة، والرابعة.