الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل في الغسل
ــ
[البناية]
[فصل في غسل الميت] [
كيفية غسل الميت]
م: (فصل في الغسل) ش: أي هذا فصل في بيان غسل الميت، وهو بفتح الغين، وفي بعض النسخ فصل في غسل الميت، ولما بين ما يفعل بالمحتضر وقت احتضاره، شرع يبين ما يفعل به بعد موته، فبدأ بالغسل، لأنه أول ما يفعل بالميت، ثم ذكر فصل التلقين ثم فصل الصلاة، ثم فصل حمله، ثم فصل الدفن على الترتيب الخارجي، ليوافق الترتيب الوضعي.
وقال الشيخ أبو نصر البغدادي - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -: الأصل في وجوب غسل الميت أن الملائكة عليهم السلام غسلوا آدم عليه السلام وقالوا لولده: هذه سنة موتاكم، وغسل النبي عليه السلام حين مات، وفعل ذلك المسلمون بعده، وقال صاحب الدراية: هو واجب على الأحياء بالسنة وإجماع الأمة، وتفرغ من المعنى.
أما السنة: فما روي عن أبي بن كعب رضي الله عنه عن النبي عليه السلام أنه قال «إن آدم عليه السلام لما حضرته الوفاة نزلت الملائكة بحنوطه وكفنه من الجنة، فلما مات غسلوه بالماء والسدر ثلاثا، وكفنوه في وتر من الثياب، وصلوا عليه عند البيت، وأمهم جبريل عليه السلام، وقال هذه سنة ولد آدم من بعده» .
وما روي أنه عليه السلام «قال لأم عطية حين توفيت ابنته رقية اغسلنها وترا ثلاثا أو خمسا أو أكثر إن رأيتن ذلك، وقال بماء وسدر» وقال عليه السلام: «للمسلم على المسلم ستة حقوق، وذكر منها إذا مات أن يغسله» وأجمعت الأمة على هذا.
وأما المعنى أن الميت في الصلاة بمنزلة الإمام، حتى لا تجوز الصلاة بدونه، وهذا شرط تقديمه على القوم، وطهارة الإمام شرط لصلاة القوم، ولأن ما بعد الموت حال العرض على الرب والرجوع عليه، فوجب تطهيره بالغسل تعظيما للرب، وفي " شرح الوجيز " الغسل والتلقين والصلاة فرض الكفاية بالإجماع. انتهى.
قلت: حديث أبي بن كعب رواه عبد الله بن أحمد في " المسند " ولفظه «أن آدم عليه السلام غسلته الملائكة ولقنوه وحنطوه وحفروا له وألحدوا وصلوا عليه، ثم دخلوا قبره فوضعوه فيه ووضعوا عيه اللبن، ثم خرجوا من قبره، ثم حثوا عليه التراب، ثم قالوا: يا بني آدم هذه سنتكم» رواه البيهقي بمعناه.
وحديث أم عطية أخرجه البخاري ومسلم، واختلف المشايخ في سبب وجوب غسل الميت، قال بعضهم هو الحدث، فإن الموت سبب لاسترخاء مفاصله، والنهي عن غسل الأعضاء الأربعة في الحياة لتكرر سببه، والموت لا يتكرر، وقال الشيخ أبو عبد الله الجرجاني وغيره من
وإذا أرادوا غسله وضعوه على سرير لينصب الماء عنه، وجعلوا على عورته خرقة إقامة لواجب الستر ويكتفى بستر العورة الغليظة هو الصحيح تيسيرا
ــ
[البناية]
مشايخ العراق: يقولون إنما وجب لنجاسة الموت، إذ الآدمي له دم مسفوح كسائر الحيوانات، ولهذا تنجس البئر بموته فيها.
وفي " المحيط " و " البدائع ": لو دفع فيها بعد غسله لا يتنجس، ولو حمل ميتا وصلى به قبل غسله لا تصح صلاته، بخلاف المحدث، وفي " البدائع " عن محمد بن شجاع البلخي، أن الآدمي لا ينجس بالموت كرامة له، لأنه لو نجس لما حكم بطهارته بالغسل كسائر الحيوانات التي حكم بنجاستها بالموت، وقول أبي عبيد الله هو قول العامة وهو الأظهر، وعند كل واحد من مالك والشافعي وأحمد، خلاف في تنجس المؤمن بالموت، وقال بعض الحنابلة: يتنجس بالموت ولا يظهر بالغسل، ويتنجس الثوب الذي ينشف به كسائر الميتات، وهذا باطل بلا شك.
م: (وإذا أرادوا غسله) ش: بفتح الغين، أي غسل الميت م:(وضعوه على سرير لينصب الماء عنه) ش: أي لينزل الماء عنه إلى أسفل، واختلف في كيفية الوضع. قال الأسبيجابي وصاحب شرح الطحاوي: يوضع مستلقيا على قفاه نحو القبلة كالمحتضر، ومثله قال بعض أئمة خراسان، واختاره بعض أصحابنا أنه يوضع مستلقيا عرضا، كما يوضع في القبر، وقال شمس الأئمة: الأصح أنه يوضع كما تيسر، وفي " التحفة " يوضع على شقه الأيسر حتى يبدأ بشقه الأيمن في الغسل، ثم على الأيمن، وقال الأسبيجابي: لا رواية عن أصحابنا في ذلك، والعرف أن يوضع على التخت على قفاه طولا نحو القبلة.
م: (وجعلوا على عورته خرقة) ش: لأن ستر العورة واجب على كل حال، والآدمي محترم حيا وميتا، ألا ترى أنه لا يحل للرجال غسل النساء، ولا للنساء غسل الرجال الأجانب بعد الوفاة، وقد عرف فيما مضى حد العورة أنها من السرة إلى الركبة والركبة عورة عندنا، وهذا هو الأصل.
ولكن ظاهر الرواية خلاف هذا، أشار إليه بقوله: م: (ويكتفى بستر العورة الغليظة) ش: وهي القبل والدبر، وعليه الفتوى أشار إليه بقوله: م: (هو الصحيح) ش: من المذهب، وبه قال مالك أيضا، ذكره أيضا في " المدونة "، واحترز به عن رواية النوادر، فإنه قال فيه ويوضع على عورته خرقة من السرة إلى الركبة.
وفي " المبسوط " وروى الحسن عن أبي حنيفة أنه يؤزر بإزار سابغ، كما يفعله بحياته إذا أراد الاغتسال، وفي ظاهر الراوية قال يشق عليهم غسل ما تحت الإزار فيكتفى ستر العورة الغليظة بخرقة، م:(تيسيرا) ش: أي لأجل التيسير على الغاسل.
ونزعوا ثيابه ليمكنهم التنظيف
ــ
[البناية]
وفي " البدائع " يغسل عورته تحت الخرقة بعد أن يلف على يده خرقة وينجى عند أبي حنيفة، كما كان يفعله في حال حياته، وعندهما لا ينجى، وفي " المحيط " و " الروضة " لا ينجى عند أبي يوسف ويغسل سرته بخرقة يلقها على يده، وقيل يجعل الغاسل عل إصبعه خرقة يمسح أسنانه ولهاته ولبته ويدخلها في منخريه أيضا.
م: (ونزعوا ثيابه ليمكنهم التنظيف) ش: أي تنظيف الميت، وعن مالك مثله، وهو ظاهر قول أحمد وقول ابن سيرين.
وقال الشافعي وأحمد في رواية: المستحب أن يغسل في قميص واسع الكمين، وإن كان ضيق الكمين خرقهما، لأنه عليه السلام غسل في قميص فما كان سنة في حقه فهو سنة في حقنا. قلت: نص الشافعي أنه يستحب أن يغسل الميت في قميص يلبس عند إرادة غسله، وصرح به المسعودي والرافعي، ويدخل الغاسل يده في كمه، ويصب الماء من فوق القميص ويغسل من تحته، واستدل على ذلك بحديث عائشة رضي الله عنها «أن رسول الله عليه السلام غسلوه وعليه قميصه يصبون الماء عليه ويدلكونه من فوق القميص» رواه أبو داود، وقال النووي: إسناده صحيح.
قلت: قيل إنه ضعيف، ولئن سلمنا صحته فنقول كان ذلك من خصائصه عليه السلام، يدل على ذلك ما رواه أبو داود «عن عباد بن عبد الله بن الزبير قال: سمعت عائشة رضي الله عنها تقول: لما أرادوا غسل النبي عليه السلام قالوا: والله ما ندري أنجرد رسول الله عليه السلام من ثيابه كما نجرد موتانا، أو نغسله وعليه ثيابه، فلما اختلفوا ألقى الله عليهم النوم، حتى ما منهم رجل إلا وذقنه في صدره، ثم كلمهم مكلم من ناحية البيت لا يدرون من هو، اغسلوا رسول الله وعليه ثيابه، فقاموا إلى رسول الله عليه السلام فغسلوه وعليه قميص، يصبون الماء فوق القميص دون أيديهم» .
وكانت «عائشة رضي الله عنها تقول: لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما غسله إلا نساؤه» يعني لو علمنا أن رسول الله عليه السلام يغسل بعد الوفاة، ما غسله إلا نحن، وهذا يدل على أن عادتهم كانت تجرد موتاهم، كان في زمان رسول الله عليه السلام عند غسلهم، وخص من ذلك النبي عليه السلام لأجل احترامه وتعظيمه، ولأنه إذا غسل في قميصه ينجس القميص بما يخرج منه، وقد لا يطهر بصب الماء عليه، فيتنجس الميت به، بخلاف النبي صلى الله عليه وسلم، فإنه كان مأمونا في حقه؛ لأنه كان طيبا حيا وميتا، على أن مذهبهم خلاف ما فعل رسول الله عليه السلام، فإنه لم يلبس قميصا عند غسله، بل غسل في قميصه الذي مات فيه إن صح الحديث به.