المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فرض المسافر في الرباعية - البناية شرح الهداية - جـ ٣

[بدر الدين العيني]

فهرس الكتاب

- ‌باب صلاة المسافر

- ‌السفر الذي يتغير به الأحكام

- ‌فرض المسافر في الرباعية

- ‌[دخل العسكر أرض الحرب فنووا الإقامة بها هل يقصروا]

- ‌[حكم نية إقامة المسافر من أهل الكلأ]

- ‌[ما يستحب للإمام المسافر]

- ‌[الحكم إذا دخل المسافر بلده]

- ‌[حكم من كان له وطن فانتقل عنه واستوطن غيره ثم سافر]

- ‌[وطن الإقامة للمسافر يبطل بمثله]

- ‌[اعتبار نية السفر في موضعين وحكم من فاتته صلاة في السفر]

- ‌[ترخص العاصي]

- ‌باب صلاة الجمعة

- ‌[شروط صحة الجمعة]

- ‌[المكان الذي تصح فيه الجمعة]

- ‌[صلاة الجمعة في القرى]

- ‌[الجمعة بمنى وعرفات]

- ‌[دخول الوقت من شرائط الجمعة]

- ‌[الخطبة من شرائط الجمعة]

- ‌[شروط الخطبة وسننها]

- ‌[الجماعة من شرائط الجمعة]

- ‌[العدد الذي تصح به صلاة الجمعة]

- ‌[من لا تجب عليه الجمعة]

- ‌[إمامة المسافر والعبد والمريض في الجمعة]

- ‌[صلاة المعذورين الظهر بجماعة يوم الجمعة في المصر]

- ‌[حكم المسبوق في صلاة الجمعة]

- ‌[البيع والشراء بعد أذان الجمعة الأول]

- ‌باب صلاة العيدين

- ‌[حكم صلاة العيدين وعلى من تجب]

- ‌[ما يسن للمصلي في يوم الفطر]

- ‌[التنفل في المصلى قبل صلاة العيد]

- ‌[وقت صلاة العيدين]

- ‌[كيفية صلاة العيدين]

- ‌[رفع اليدين في تكبيرات العيدين]

- ‌[الخطبة بعد الصلاة في العيدين]

- ‌[حكم من فاتته صلاة العيد مع الإمام]

- ‌[الحكم لو غم هلال شوال وشهدوا برؤيته عند الإمام بعد الزوال]

- ‌[ما يسن للمصلي يوم الأضحى]

- ‌فصل في تكبيرات التشريق

- ‌[صيغة التكبير]

- ‌[التكبير للنساء والمسافرين]

- ‌باب صلاة الكسوف

- ‌[عدد ركعات صلاة الكسوف وكيفيتها]

- ‌[القراءة في صلاة الكسوف]

- ‌[الدعاء في صلاة الكسوف]

- ‌[الصلاة لكسوف القمر جماعة]

- ‌باب الاستسقاء

- ‌[عدد وكعات صلاة الاستسقاء وكيفيتها]

- ‌[الدعاء في صلاة الاستسقاء]

- ‌[حضور أهل الذمة الاستسقاء]

- ‌باب صلاة الخوف

- ‌[مشروعية صلاة الخوف وكيفيتها]

- ‌[ما يفعل المسبوق في صلاة الخوف]

- ‌باب الجنائز

- ‌[ما يفعل بالمحتضر]

- ‌[ما يفعل بالميت عقب موته]

- ‌[فصل في غسل الميت] [

- ‌كيفية غسل الميت]

- ‌[وضوء الميت من غير مضمضة واستنشاق]

- ‌[غسل رأس الميت ولحيته بالخطمي]

- ‌[تنشيف الميت بعد الغسل]

- ‌[وضع الكافور على مساجد الميت]

- ‌[تسريح شعر الميت ولحيته]

- ‌فصل في التكفين

- ‌[ما يجزئ في الكفن بالنسبة للرجل]

- ‌[ما يجزئ في الكفن بالنسبة للمرأة]

- ‌فصل في الصلاة على الميت

- ‌[حكم الصلاة على الميت وأولى الناس بالصلاة عليه]

- ‌[الحكم لو دفن الميت ولم يصل عليه]

- ‌[كيفية صلاة الجنازة]

- ‌[الحكم لو كبر الإمام خمسا في صلاة الجنازة]

- ‌[الاستغفار للصبي في صلاة الجنازة]

- ‌[أحكام المسبوق في صلاة الجنازة]

- ‌[الحكم لو صلوا على الجنازة ركبانا]

- ‌[صلاة الجنازة في المسجد]

- ‌[حكم الصلاة على من استهل بعد الولادة ثم مات]

- ‌[تغسيل وتكفين القريب الكافر]

- ‌فصل في حمل الجنازة

- ‌[كيفية حمل الجنازة]

- ‌[الإسراع بالجنازة]

- ‌[الجلوس قبل وضع الجنازة عن الأعناق]

- ‌فصل في الدفن

- ‌[المفاضلة بين اللحد والشق]

- ‌[كيفية الدفن]

- ‌[تسنيم القبر]

- ‌[تجصيص القبر وتطيينه]

- ‌[الدفن ليلا]

- ‌[قلع الحشيش الرطب من القبور]

- ‌باب الشهيد

- ‌[تعريف الشهيد]

- ‌[الشهيد يكفن ويصلى عليه ولا يغسل]

- ‌[كل من يدخل في معنى الشهيد]

- ‌[تغسيل الشهيد الجنب]

- ‌[كيفية تغسيل الشهيد]

- ‌[تغسيل من قتل في حد أو قصاص]

- ‌[تغسيل من مات من البغاة]

- ‌باب الصلاة في الكعبة

- ‌[حكم الصلاة في الكعبة]

- ‌[الحكم لو صلى الإمام في المسجد الحرام فتحلق المأمومون حول الكعبة]

- ‌كتاب الزكاة

- ‌[حكم الزكاة وشروط وجوبها]

- ‌[حكم مانع الزكاة]

- ‌[وجوب الزكاة على الفور أم التراخي]

- ‌[زكاة مال المكاتب]

- ‌[زكاة المدين]

- ‌[الزكاة دور السكنى والثياب وأثاث المنازل ونحوها]

- ‌[زكاة كتب العلم وآلات الحرفيين]

- ‌[زكاة المال المضمار والمفقود والمغصوب]

- ‌[زكاة المال الذي صادره السلطان]

- ‌[حكم من اشترى جارية أو شيئا للتجارة ثم نواه للخدمة أو القنية]

- ‌[اشتراط النية في الزكاة]

- ‌[حكم من تصدق بمال لا ينوي به الزكاة]

- ‌[فروع في اشتراط النية في الزكاة]

- ‌باب صدقة السوائم

- ‌[حكم صدقة السوائم]

- ‌[فصل في زكاة الإبل] [

- ‌نصاب زكاة الإبل والقدر الواجب فيها]

- ‌فصل في زكاة البقر

- ‌[حكم زكاة البقر]

- ‌[نصاب زكاة البقر والقدر الواجب فيها]

- ‌[الجواميس والبقر سواء في الزكاة]

- ‌فصل في صدقة الغنم

- ‌[نصاب زكاة الغنم والقدر الواجب فيها]

- ‌[الضأن والمعز سواء في الزكاة]

- ‌فصل في صدقة الخيل

- ‌[كيفية إخراج زكاة الخيل]

- ‌فصل وليس في الفصلان والحملان، والعجاجيل صدقة

- ‌[إخراج القيمة في الزكاة والكفارات ونحوها]

- ‌[كيفية زكاة المال المستفاد أثناء الحول]

- ‌[الحكم لو أخذ الخوارج الخراج وصدقة السوائم]

- ‌[بني تغلب هل تلزمهم الزكاة]

- ‌[حكم تقديم الزكاة على الحول]

- ‌[باب حكم زكاة المال]

- ‌فصل في الفضة

- ‌[نصاب الزكاة في الفضة ومقدار الواجب]

- ‌فصل في الذهب

- ‌[نصاب الزكاة في الذهب ومقدار الواجب]

- ‌[الزكاة في تبر الذهب والفضة]

- ‌فصل في العروض

- ‌[زكاة العروض حكمها وشروط وجوبها]

- ‌باب فيمن يمر على العاشر

- ‌[الخلاف بين المزكي والعاشر]

- ‌باب في المعادن والركاز

- ‌[حكم زكاة المعدن والركاز ومقدار الواجب فيه]

- ‌[حكم من وجد في داره معدنا هل عليه زكاة]

- ‌[حكم من دخل دار الحرب بأمان فوجد في دار بعضهم ركازا]

- ‌[حكم الزكاة في الزئبق ومقدارها]

- ‌باب زكاة الزروع والثمار

- ‌[حكم زكاة الزروع والثمار] [

- ‌نصاب زكاة الزروع والثمار والمقدار الواجب فيه]

- ‌[الزكاة في الخضروات]

- ‌[زكاة العسل]

- ‌[احتساب أجرة العمال في زكاة ما تخرجه الأرض]

- ‌باب من يجوز دفع الصدقات إليه ومن لا يجوز

- ‌[الفقير والمسكين من مصارف الزكاة] [

- ‌الفرق بين الفقير والمسكين]

- ‌[العاملون عليها من مصارف الزكاة]

- ‌[قدر ما يعطى العامل من الزكاة]

- ‌[وفي الرقاب من مصارف الزكاة]

- ‌[وفي سبيل الله من مصارف الزكاة]

- ‌[المقصود بسبيل الله]

- ‌[ابن السبيل من مصارف الزكاة]

- ‌[المقصود بابن السبيل]

- ‌[دفع الزكاة إلى الذمي]

- ‌[دفع الزكاة للآباء والأبناء والزوجة]

- ‌[حكم إعطاء الزكاة والصدقة لبني هاشم ومواليهم]

- ‌[الحكم لو دفع الزكاة لغير مستحقيها وهو لا يعلم]

- ‌[حكم نقل الزكاة]

- ‌باب صدقة الفطر

- ‌[تعريف زكاة الفطر وحكمها وعلى من تجب]

- ‌[يخرج زكاة الفطر عن نفسه وعمن تلزمه نفقته]

- ‌[فصل في مقدار الواجب في زكاة الفطر]

- ‌[وقت وجوب زكاة الفطر]

الفصل: ‌فرض المسافر في الرباعية

فأما المعتبر في البحر فما يليق بحاله كما في الجبل.

قال: و‌

‌فرض المسافر في الرباعية

ركعتان لا يزيد عليهما. وقال الشافعي رحمه الله فرضه الأربع والقصر رخصة

ــ

[البناية]

البحر ما يليق بحاله، وهو معنى قوله: م: (فأما المعتبر في البحر فما يليق بحاله) ش: يعني يعتبر السير فيه ثلاثة أيام ولياليها، بعد أن كانت الريح مستوية لا ساكنة ولا عالية. م:(كما في الجبل) ش: فإنه يعتبر فيه ثلاثة أيام.

[فرض المسافر في الرباعية]

م: (قال) . ش: أي القدوري. م: (وفرض المسافر في الرباعية ركعتان) ش: قيد الفرض احترازا عن السنن؛ إذ لا يتصف فيها، وقيد الرباعية احترازا عن الفجر، والمغرب، والوتر، فإنها لا تصف. م: لا يزيد عليهما) ش: أي على الركعتين، وقال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه: الصلاة في السفر ركعتان لا يصح غيرهما.

وقال الأوزاعي: إن قام إلى الثالثة فإنه يكفيها، ويسجد سجدتي السهو، وقال الحسن بن حي: إذا صلى أربعا متعمدا أعادها، إذا كان ذلك منه الشيء اليسير، فإن طال ذلك منه، وكثر سفره لم يعد، وقال ابن أبي سليمان: إن صلى أربعا متعمدا يعيد، وإن كان ساهيا لا يعيد.

ومذهبنا القصر وهو فرض المسافر المتعين، وبه قال عمر، وعلي، وابن مسعود، وجابر، وابن عباس، وابن عمر، والثوري، وحماد بن أبي سليمان رضي الله عنه.

وقال الأثرم: قلت: لأحمد للرجل أن يصلي أربعا في السفر. قال: لا، ما يعجبني.

وحكى ابن المنذر في " الأشراف ": أن أحمد قال: أنا أحب العافية عن هذه المسألة، وقال البغوي: هذا قول أكثر العلماء. وقال الخطابي: الأولى القصر ليخرج من الخلاف.

وقال الترمذي: العمل على ما فعله رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمر رضي الله عنهما وهو القصر، وهو قول محمد بن سحنون، وقد اختاره القاضي إسماعيل بن إسحاق المالكي، وهو رواية عن مالك وأحمد، حكاهما ابن المنذر.

م: (وقال الشافعي: فرضه الأربع) ش: أي فرض المسافر أربع ركعات، وبه قال مالك، وأحمد في رواية. م:(والقصر رخصة) ش: أي قصر المسافر صلاته رخصة، وهي في اللغة عبارة عن الإطلاق، والسهولة، وفي الشريعة: ما يكون ثابتا ابتداء على أعذار العباد تيسيرا، وعنه: القصر عزيمة، وهي في اللغة عبارة عن الإرادة المدركة، دل على ذلك قَوْله تَعَالَى:{وَلَمْ نَجِدْ لَهُ عَزْمًا} [طه: 115][طه: الآية: 115] ، أي قصدا بليغا، وفي الشريعة: ما يكون ثابتا غير متصل بعارض، فسمي عزيمة.

وقال صاحب "المجمع ": ونرى القصر عزيمة لا رخصة.

وفي " المبسوط ": القصر عزيمة في حق المسافر عندنا. وقال الأترازي: فيه اختلاف

ص: 9

اعتبارا بالصوم

ــ

[البناية]

المشايخ، رفعا منهم على أنه رخصة. وقال صاحب " التحفة ": هو عزيمة. والأكمل مكروه، وقال الشافعي: إنه مخير بين القصر، والإتمام، لكن الإتمام أفضل، وفائدة الخلاف تظهر في افتراض القعدة على رأس الركعتين من الرباعية حتى لو قام إلى الثالثة من غير قصده فسدت صلاته عندنا، ولو أتم صلاته فقد أساء لتأخير السلام.

احتج الشافعي، ومن قال بمذهبه بقوله تعالى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101](النساء: الآية 101)، وأنه شرع القصر بلفظ: فليس عليكم جناح، وهو يذكر للإباحة لا للوجوب، كما قال تعالى:{لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ} [البقرة: 236](البقرة: الآية 236) ، فدل أن القصر مباح، ولما كان مباحا كان المسافر فيه بالخيار، وبما روه مسلم والأربعة «عن يعلى بن أمية.

قال: قلت لعمر بن الخطاب: قال الله تعالى: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101](النساء: الآية 101) ، فإن خفتم فقد أمن الناس، قال: عجبت مما عجبت منه، فسألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال:"صدقة تصدق الله بها عليكم فاقبلوا صدقته» فقد علق القصر بالقبول، وسماه صدقة، والمتصدق عليه مخير في قبول الصدقة، فلا يلزمه القبول حتما، وبما «روي عن عائشة رضي الله عنها قالت: سافرت مع النبي صلى الله عليه وسلم فلما رجعت قال: يا عائشة ما صنعت في سفرك، ما أتممت الذي قصرت، وصمت الذي أفطرت، فقال: "أحسنت» ولأن هذا رخصة شرعت للمسافر فيتخير فيه.

م: (اعتبارا بالصوم) ش: فإن الصيام يتخير فيه في السفر، ولأنه لو اقتدى بالمقيم يصير فرضه أربعا، ولو كان فرضه ركعتين لا يتغير بالاقتداء بالمقيم كما في الفجر، ولنا أحاديث، منها حديث عائشة، قالت:«فرضت الصلاة ركعتين ركعتين، فأقصرت صلاة السفر، وزيد في صلاة الحضر» رواه البخاري ومسلم.

ومنها حديث «ابن عباس رضي الله عنهما قال: فرض الله الصلاة على لسان نبيكم في الحضر أربع ركعات، وفي السفر ركعتين، وفي الخوف ركعة» .

ورواه الطبراني في "معجمه " بلفظ: «افترض رسول الله صلى الله عليه وسلم ركعتين في السفر، كما افترض في الحضر أربعا» .

ومنها حديث عمر رضي الله عنه: «صلاة السفر ركعتان، وصلاة الضحى ركعتان، وصلاة الفطر ركعتان، وصلاة الجمعة ركعتان، تمام غير قصر على لسان محمد عليه السلام» ،

ص: 10

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

رواه النسائي، وابن ماجه، وابن حبان في "صحيحه ".

ومنها «حديث ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أتانا ونحن ضلال، فعلمنا، فكان فيما علمنا أن الله عز وجل أمرنا أن نصلي ركعتين في السفر» رواه النسائي.

ومنها: حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «المتمم الصلاة في السفر كالمقصر في الحضر» رواه الدارقطني في "سننه".

والجواب عن تعلقه بالآية أن المراد من القصر المذكور فيها هو القصر في الأوصاف من ترك القيام إلى القعود أو ترك الركوع أو السجود إلى الإيماء لخوف العدو، بدليل أنه علق ذلك بالخوف، إذ قصر الصلاة غير متعلق بالخوف بالإجماع، بل متعلق بالسفر، وعندنا قصر الأوصاف عند الخوف مباح، لا واجب، مع أن رفع الجناح في النص لدفع توهم النقصان، فرفع ذلك عنهم في صلاتهم بسبب روايتهم على الإتمام في الحضر، وذلك مظنة توهم النقصان، فرفع ذلك عنهم.

والجواب عن حديث يعلى بن أمية أنه دليلنا لأنه أمرنا بالقبول، والأمر للوجوب، ولأن هذه صدقة واجبة في الذمة، فليس له حكم المالي، فيكون إسقاطا محضا ولا يرتد بالرد كالصدقة بالقصاص، والطلاق، والعتاق، يكون إسقاطا لا ترتد بالرد.

فإن قلت: خياره في قبول الصدقة بمنزلة رجل له قبل آخر أربعة دراهم فتصدق عليه بدرهمين، فإن المتصدق عليه إن شاء قبل الصدقة، فيبقى عليه درهمان، وإن شاء رد الصدقة، فيكون عليه الأربع، فكذا هذا.

قلت: هذا يكون نصب شريعة مفروضا إلى رأي العبد، كأن الله تعالى قال: اقصروا إن شئتم، وهذا لا نظير له، وأوامر الله من ندب وإباحة ووجوب نافذة بنفسها غير متعلقة برأي العبد.

والجواب عن حديث عائشة: أن الروايات متعارضة عنها، فالتعلق بها غير مستقيم، وقيل: هو محمول على إتمام الأركان، وكذا كل ما جاء في الأخبار من الإتمام، بدليل ما روي في

ص: 11

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

حديث مشهور «أنه صلى الله عليه وسلم صلى الظهر بأهل مكة عام حجة الوداع ركعتين، ثم أمر مناديا ينادي بأهل مكة: أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر» .

ولو كن فرض المسافر أربعا لم يخير منهم فضيلة الجماعة معه. وأما اعتبارنا بالصوم فسيأتي جوابه عن قريب إن شاء الله تعالى.

وأما قوله: ولأنه لو اقتدى بالمقيم.... إلخ، فينقض بظهر المقيم، فإن فرضه بدون المقيم أربع، وسبب القوم وهو الجماعة يصير ركعتين وهو الجمعة، كذا ذكره شيخ الإسلام.

فإن قلت: في " صحيح البخاري ": صلى عثمان بن عفان رضي الله عنه بمنى أربع ركعات.

قلت: لما «قيل ذلك لعبد الله بن مسعود رضي الله عنه فاسترجع ثم قال صليت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بمنى ركعتين وصليت مع أبي بكر الصديق رضي الله عنه ركعتين وصليت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه» قال أبو بكر الرازي: اعتمد عثمان رضي الله عنه إتمامه بأنه من أهل مكة، وعن أبي هريرة رضي الله عنه أنه إنما أتم؛ لأنه نوى الإقامة بمكة بعد الحج.

وقيل: فعل ذلك من أجل الأعراب الذين حضروا معه لئلا يظنوا أن فرض الصلاة ركعتين ابتداء حضرا وسفرا، وقيل: لأنه كان إمام المؤمنين فكأنه في منزله.

قلت: في كل ذلك نظر.

أما الأول: فلأن النبي صلى الله عليه وسلم سافر بأزواجه وقصروا.

وأما الثاني: فلأن الإقامة بمكة حرام على المهاجر فوق ثلاث.

وأما الثالث: فإن هذا المعنى كان موجودا في زمان النبي عليه السلام بل انتهى أمر الصلاة في زمان عثمان أكثر مما كان.

وأما الرابع: فلأن النبي صلى الله عليه وسلم كان أولى بذلك من عثمان رضي الله عنه وكذلك أبو بكر وعمر رضي الله عنهما، وأحسن ما يقال في ذلك أنه رأى القصر جائزا والإتمام جائزا، فأخذ بأحد الجائزين، وكذلك يقال فيما فعلت عائشة رضي الله عنها من الإتمام.

ص: 12

ولنا أن الشفع الثاني لا يقضى ولا يؤثم على تركه، وهذا آية النافلة بخلاف الصوم لأنه يقضى،

ــ

[البناية]

م: (ولنا أن الشفع الثاني لا يقضى) ش: أراد أن المسافر إذا لم يصل الشفع الثاني لا يَقْضي، قد يدل على أن الفرض ركعتان، إذ لو كان أربعا كان يجب عليه أن يقضي ركعتين. م:(ولا يؤثم على تركه) ش: أي ولا ينسب إلى الإثم على ترك الشفع كالنفل، ولا يؤثم على صيغة المجهول بالتشديد. م:(وهذا) ش: إشارة إلى كل واحد من عدم القضاء، وعدم التأثيم. م:(آية النافلة) ش: أي علامة النافلة.

فإن قلت: يشكل هذا بالزائد على قرابة آية، أو ثلاث، فإنه لو أتى به يثاب ويقع فرضا، وكذا من لا استطاعة له على الحج لو تركه لا يعاقب، ولا أتى به يثاب ويقع فرضا.

قلت: وقوع الفرض في الصورتين بعد الإتيان به بدليل آخر وهو تناول الأمر لمطلق الزيارة، وأما في الحج فلأنه أتى مكة صار مستطيعا فيفرض عيه، حتى لو تركه يأثم.

م: (بخلاف الصوم) ش: هذا جواب عن قياس الشافعي بالصوم حيث قال: اعتبارا بالصوم. وتقدير الجواب أن رخصة الصوم معناها سقوط وجوب الأداء في الحال على وجه يترتب عليه القضاء؛ ولهذا إذا لم يصم في السفر فإنه يقضي في الحضر، وهو معنى قوله: م: (لأنه يقضي) ش: أي لأن الصوم يُقضى إذا تركه. بخلاف الشفع فإنه لا يُقضى، فالقياس حينئذ باطل. وقد قال الأكمل: وفيه بحث من وجهين:

الأول: أن هذا تعليل في مقابلة النص؛ لأن الله تعالى قال: {فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101](النساء: الآية 101)، ولفظ: لا جناح، يذكر للإباحة دون الواجب، ولأن النبي صلى الله عليه وسلم سماه صدقة، والمتصدق عليه بالخيار في القبول، وعدمه.

الثاني: أن الفقير لو لم يحج ليس عليه قضاء، ولا إثم، وإذا حج كان فرضا فلم يكن ما ذكرتم آية للنافلة.

قلت: الجواب عنهما، ما قصر عبادة وأحسنها، أما عن الأول: فإن القصر المذكور في الآية معقود بشرط الخوف بالاتفاق، إذ الخائف وغيره سواء في قصر السفر، أو نقول: ليس المراد منه قصر أعداد الركعات، بل المراد هو القصر في أوصاف الصلاة كما في الإيماء، أو لإباحة الاختلاف أو المشي في صلاة الخوف.

لأن مثله في غيرها يفسد الصلاة، فسماه قصرا، وأباح الصلاة معه، والتصدق بماله يحتمل التمليك من غير معترض الطاعة، والطاعة إسقاط لا يرتد بالرد، فلأن يكون من معترض الطاعة أولى.

وأما الجواب عن الثاني: ما ذكرناه عن قريب.

ص: 13

وإن صلى أربعا وقعد في الثانية قدر التشهد أجزأته الأوليان عن الفرض، والأخريان له نافلة اعتبارا بالفجر، ويصير مسيئا لتأخير السلام، وإن لم يقعد في الثانية قدرها بطلت لاختلاط النافلة بها قبل إكمال أركانها، وإذا فارق المسافر بيوت المصر صلى ركعتين

ــ

[البناية]

م: (وإن صلى) أي المسافر م: (أربعا) ش: أي أربع ركعات في الرباعية م: (وقعد في الثانية) ش: أي في الركعة الثانية م: (قدر التشهد أجزأته الأوليان عن الفرض) ش: يعني تجوز صلاته م: (والأخريان) ش: أي الركعتان الأخريان اللتان زادهما م: (له نافلة) ش: لأن فرضه ركعتان، وقد تم فرضه بالقعود، عقيب الشفع الأول، وبناء النفل على تحريمه الفرض يجوز، فصح، إلا أنه كره لترك التسليم م:(اعتبارا بالفجر) ش: يعني إذا صلى الفجر أربعا بعد القعدة الأولى تجزئه صلاته، وإلا فلا م:(ويصير مسيئا لتأخير السلام) ش: لأن إصابة السلام في آخر الصلاة واجب، فإذا تركها يأثم.

م: (وإن لم يقعد في الثانية قدرها) ش: أي قدر قعدة التشهد م: (بطلت) ش: أي صلاته، وعند الشافعي، ومالك، وأحمد رحمهم الله لا تبطل لما تقدم أن عندهم رخصة ترقيته م:(لاختلاط النافلة بها) ش: أي بصلاته التي شرع فيها م: (قبل إكمال أركانها) ش: لأن القعدة الأخيرة ركن وقد تركها.

فإن قلت: المسافر كما يحتاج إلى القعدة يحتاج إلى القراءة، فإذا لم يقرأ في الركعتين، وقام إلى الثالثة، ونوى الإقامة وقرأ في الأخريين جازت صلاته عندهما خلافا لمحمد فكيف يبطل بترك القعدة.

قلت: الكلام فيما إذا لم يقعد في الأولى، وأتم أربعا من غير نية الإقامة بخلاف ما إذا نوى الإقامة فإنه يصير فرضه أربعا، وتغني قراءته في الأخريين عن القراءة في الأوليين ولم تبق القعدة الأولى فرضا، وفي " المفيد" و" التحفة ": لو صلى أربعا وترك القراءة في الأوليين أو في أحدهما تفسد صلاته عندنا، وعند الشافعي لا تفسد، قلت: هذا لا يستقيم عند الشافعي؛ لأن القراءة ركن عنده في جميع الركعات.

م: (وإذا فارق المسافر بيوت المصر صلى ركعتين) ش: أي بيوت مصر صلى ركعتين من الرباعية. وفي " المبسوط ": يقصر حتى يخلف عمران المصر. وفي " الذخيرة " والمرغيناني: إن كانت له محلة مبتدأة من المصر، وكانت قبل ذلك متصلة بها، فإنه لا يقصر ما لم يجاوزها ويخلف دونها، بخلاف القرية التي تكون بعد المصر، فإنه يقصر، وإن لم يجاوزها.

وقال محمد في الأصل: ولا يصل المسافر ركعتين حتى يخلف المصر. وعن الحسن عن أبي حنيفة: من خرج من الكوفة يريد سفرا، فإذا جاوز الفرات وهو يريد بغداد قصر، وإن كان يريد مكة فحين يجاوز الأبيات، وإن كان في سفينة فحين يركبها إلا أن يكون في وسط المصر فيعتبر أن

ص: 14

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

يجاوز البيوت.

وفي " جوامع الفقه ": إذا جاوز حيطان المصر قصر على ظاهر المذهب. وعن الحسن: فمن خرج مسافرا، وبقرب المصر قرية، فإن كان بينهما طول سكة لا يقصر ما لم يجاوز القرية، وإن كان أكثر قصر حين يخرج من العمران، وعلى هذا إذا كانت قرى متصلة ربض المصر لا يقصر ما لم يجاوزها، وإن كانت فراسخ، وعن بعضهم إذا جاوز الربض قصر.

وفي " المفيد "، و" التحفة ": المقيم إذا نوى السفر ومشى أو ركب لا يصير مسافرا ما لم يخرج عن عمران المصر؛ لأن بنية العمل لا يصير عاملا ما لم يعمل، كالصائم إذا نوى الفطر لا يصير مفطرا. وفي " المحيط ": والصحيح أنه يصير مفطرا، ويعتبر مجاوزة عمران المصر، إلا إذا كان ثم قرية أو قرى متصلة بأرض المصر، فإنه حينئذ يعتبر مجاوزة القرى، وذكر الإمام التمرتاشي، والأشبه أن يكون الانفصال عن المصر قدر غلوة فحينئذ يقصر.

فإن قلت: يشكل بصلاة الجمعة، والعيدين، فإنه يجوز إقامتهما في هذا المقدار، والجمعة لا تقام إلا في المصر.

قلت: فناء المصر إنما ألحق به فيما كان من حوائج أهله، والجمعة، وصلاة العيدين من حوائج أهله وقصر الصلاة ليس منها، واختلفوا في تقدير الفناء، فقدرها بعضهم بفرسخين، وبعضهم بثلاثة فراسخ، ذكره في " المحيط "، وقال شمس الأئمة السرخسي، والإمام خواهر زاده: والصحيح أن الفناء مقدر بالغلوة.

وقال الشافعي: في البلد يشترط مجاوزة السور لا مجاوزة الأبنية بالسور خارجه، وحكى الرافعي وجهين: المعتبر مجاوزة الدور، ورجح الرافعي هذا الوجه في " المجرد "، والأول في " الشرح "، وإن لم يكن في جهة خروجه سور، وكان في قرية يشترط مفارقة العمران. وفي " المغني " لابن قدامة: ليس لمن نوى السفر القصر، حتى يخرج من بيوت مصره أو قريته، ويخلفها وراء ظهره، قال: وبه قال مالك والأوزاعي وأحمد والشافعي وإسحاق وأبو ثور، رحمهم الله.

وقال ابن المنذر: أجمع كل من يحفظ عنه من أهل العلم على هذا، وعن عطاء، وسليمان بن موسى، أنهما كانا يبيحان القصر في البلد لمن نوى السفر، وعن الحارث بن أبي ربيعة أنه أراد سفرا فصلى بالجماعة في منزله ركعتين، وفيهم الأسود بين يزيد، وغير واحد من أصحاب عبد الله، رضي الله عنهم. وفي " الدراية ": والشرط عند الشافعي، ومالك، وأحمد رحمهم الله أن لا يحاذيه عن يمينه، أو يساره شيء من البنيان، وفي رواية: أن يكون في المصر ثلاثة

ص: 15

لأن الإقامة تتعلق بدخولها فيتعلق السفر بالخروج عنها، وفيه الأثر عن علي رضي الله عنه لو جاوزنا هذا الخص لقصرنا

ــ

[البناية]

أميال، وحكي عن عطاء أنه قال: إذا دخل عليه وقت صلاة بعد خروجه من منزله قبل أن يفارق بيوت المصر يباح له القصر. وقال مجاهد: إذا ابتدأ السفر بالنهار لا يقصر حتى يدخل الليل، وإن ابتدأ بالليل لا يقصر حتى يدخل النهار.

وفي " المجتبى ": الدستاني: إذا سافر يقصر إذا جاوز بيوت القرية وحيطانها، وإن لم يكن قرية فالبيوت، وعند الشافعي: القروي إذا جاوز البابين والمزارع المحوطة يقصر، والبدوي إذا انفصل عن المحلة إذ المحلة كالحي، ويعتبر مع ذلك مجاوزة مواضعها كالمطرح المزاد، وملعب الصبيان ومعاطن الإبل.

م: (لأن الإقامة تتعلق بدخولها) ش: أي الإقامة من السفر تتعلق بدخول بيوت المصر م: (فيتعلق السفر بالخروج عنها) ش: أي عن بيوت المصر، لأن الشيء إذا تعلق بالشيء تعلق ضده بضده، وحكم الإقامة وهو الإتمام، لما تعلق هذا الموضع تعلق حكم السفر بالمجاوزة عنه، والمعتبر بالجانب الذي يخرج منه لا الجانب الذي بحذائه حتى لو خلف الأبنية التي في طريقه قصر، وإن كان بحذائه أبنية أخرى من جانب آخر من المصر. وقيل: يعتبر مجاوزته بفناء المصر، فإذا كان بينها وبين فنائها أقل من غلوة، ولو يكن بينهما مزرعة يعتبر مجاوزة الفناء وإلا لا يعتبر الفناء، بل يعتبر مجاوزة عمران المصر، وإن كانت قرية متصلة بربض المصر يعتبر مجاوزتها هو الصحيح، وإن كانت متصلة بفنائها لا بربضها يعتبر الفناء دون القرية. م:(وفيه الأثر) ش: أي فيما ذكرنا من أن حكم السفر بمفارقة بيوت المصر، الأثر عن الصحابة رضي الله عنهم، قال السغناقي: وهو المأثور عن علي رضي الله عنه وتبعه الأكمل وغيره في هذا.

قلت: رواه ابن أبي شيبة في "مصنفه" حدثنا عباد بن العوام عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود الديلي أن عليا رضي الله عنه خرج من السفر فصلى الظهر أربعا، ثم قال: إنا لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين، ورواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا سفيان الثوري عن داود بن أبي هند عن أبي حرب بن أبي الأسود أن عليا رضي الله عنه لما خرج من البصرة، فأتى خصا، فقال: لو جاوزنا هذا الخص لصلينا ركعتين، فقلت: وما الخص؟ قال: بيت من قصب. قلت: هو بضم الخاء المعجمة وتشديد الصاد المهملة.

م: (لو جاوزنا هذا الخص لقصرنا) ش: هذا بيان قوله وفيه الأثر، قائله هو علي بن أبي طالب رضي الله عنه كما ذكرنا، وفيه حديث أخرجه البخاري ومسلم «عن أنس رضي الله عنه قال: صليت الظهر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمدينة أربعا والعصر بذي الحليفة ركعتين» . والعجب من السغناقي أنه ذكر هذا الحديث ثم قال: كذا في " المصابيح "، وهذا يدل على عدم

ص: 16

ولا يزال على حكم السفر حتى ينوي الإقامة في بلدة أو قرية خمسة عشر يوما أو أكثر.

وإن نوى أقل من ذلك قصر؛ لأنه لا بد من اعتباره مدة، لأن السفر يجامعه اللبث فقدرناها بمدة الطهر لأنهما

ــ

[البناية]

اطلاعه في كتب الأحاديث الأمهات. م: (ولا يزال) ش: أي المسافر، م:(على حكم السفر) ش: من القصر والإفطار والمسح على الخفين ثلاثة أيام وغير ذلك مما ذكرنا في أول الباب، م:(حتى ينوي الإقامة) ش: يعني بعد أن سار ثلاثة أيام إذا نوى الإقامة قبل أن يسير ثلاثة أيام، وعزم الرجوع إلى وطنه فإنه يكون مقيما وإن كان في المفازة، وبه صرح في شرح " الطحاوي " للأسبيجابي. م:(في بلدة أو قرية خمسة عشر يوما) ش: فيه ثمانية عشر قولا.

عن أبي حنيفة إذا وضعت رجلك بأرض فأتم، وعن ربيعة إقامة يوم وليلة، وعن ابن المسيب ثلاثة أيام، وعن الشافعي ومالك وأحمد في رواية أربعة أيام، وعن أحمد خمسة أيام، وعنه أنه ينوي اثنين وعشرين صلاة ذكره في " المغني " وجعله مذهبا.

وعن الحسن بن صالح ومحمد بن علي عشرة أيام، وهو قول علي رضي الله عنه، وعن ابن عمر اثنا عشر يوما، وعن الأوزاعي ثلاثة عشر يوما، وفي رواية ستة عشر يوما، وعن الشافعي في قوله سبعة عشر يوما، وعنه ثمانية عشر يوما وصححوه.

وعن إسحاق تسعة عشر يوما، وعن الحسن البصري يقصر حتى يأتي مصرا من الأمصار، وعن بعضهم عشرون يوما، وعن أحمد ذكره ابن المنذر، وعنه إحدى وعشرون صلاة. والقول السابع عشر يقصر أبدا.

والقول الثامن عشر: هو قول أصحابنا، وقول الثوري، والليث في رواية. وهو المروي، عن ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهما، وهو اختيار المزني.

م: (أو أكثر) ش: أي إذا كثر عن خمسة عشر يوما. وقال الأكمل: هذا زائد.

قلت: أراد أنه لا حاجة إلى ذكر لفظ أكثر، لأن الحكم إذا ثبت في خمسة عشر يوما ففيما وراءها بطريق الأولى، ولكن المقدرات الشرعية ما يمنع الأقل لا الأكثر كنصاب الشهادة والسرقة والزكاة، فربما يظن ظان أن نية الإقامة في محلها بخمسة عشر يوما يمنع من القصر ولا يمنع أكثر من ذلك، فقال: وإذا كثر دفعا للظن بذلك.

م: (وإن نوى أقل من ذلك) ش: أي من خمسة عشر يوما. م: (قصر) ش: صلاته. م: (لأنه) ش: أي لأن الشأن. م: (لا بد من اعتبار مدة، لأن السفر يجامعه اللبث) ش: يعني أن المسافر، ربما يلبث في بعض المواضع لمصلحة له كانتظار الرفقة أو شراء السلعة فلا يعتبر ذلك، فلا بد من أن يقدر اللبث مدة. م:(فقدرناها) ش: أي المدة. م: (بمدة الطهر لأنهما) ش: أي لأن مدة الإقامة ومدة

ص: 17

مدتان موجبتان، وهو مأثور عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما

ــ

[البناية]

الطهر

م: (مدتان موجبتان) ش: فإن مدة الطهر توجب إعادة ما سقط من الصوم والصلاة بحكم الحيض ومدة الإقامة يوجب ما سقط بحكم السفر حكما متعذرا أدنى مدة الطهر بخمسة عشر يوما، فكذلك أدنى مدة الإقامة، ولهذا قدرنا أدنى مدة الحيض والسفر بثلاثة أيام لكونهما يسقطان.

م: (وهو) ش: أي التقدير بمدة الطهر م: (مأثور عن ابن عباس وابن عمر رضي الله عنهما) ش: هذا أخرجه الطحاوي رضي الله عنه قالا: إذا قدمت بلدة وأنت مسافر، وفي نفسك أن تقوم خمسة عشر يوما فأكمل الصلاة بها، وإن كنت لا تدري متى تظعن فأقصرها.

وروى ابن أبي شيبة في "مصنفه"، حدثنا وكيع، ثنا عمر بن ذر، عن مجاهد: أن ابن عمر كان إذ اجتمع على إقامة خمسة عشر يوما أتم الصلاة. أخرجه محمد بن الحسن في كتاب " الآثار". أخبرنا أبو حنيفة، ثنا موسى بن مسلم، عن مجاهد، عن عبد الله بن عمر، قال: إذا كنت مسافرا فوطنت نفسك على إقامة خمسة عشر فأتمم الصلاة، وإن كنت لا تدري فأقصر.

وقال الشافعي: إذا نوى إقامة أربعة أيام صار مقيما لا يباح له القصر، وفي قول: إذا أقام أكثر من أربعة أيام كان مقيما، وإن لم ينو الإقامة، واحتج الأول بظاهر قَوْله تَعَالَى:{وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلَاةِ} [النساء: 101](النساء الآية 101) .

علق القصر بالضرب في الأرض، ومن نوى الإقامة فقد قول الضرب، والمعلق بالشرط معدوم عند عدمه، إلا إنما بيناها ما دون ذلك بدليل الإجماع.

والثاني: ما روي «أن النبي صلى الله عليه وسلم قصر للمهاجرين للمقام بمكة بعد قضاء المناسك ثلاثة أيام» فهو دليل على أن بالزيادة على ذلك يثبت حكم الإقامة، وروي عن عثمان رضي الله عنه مثل مذهبه، ولما اختلفت الصحابة كان الأخذ بقول عثمان رضي الله عنه أولى للاحتياط.

وروي أن عمر رضي الله عنه لما أجلى اليهود والنصارى من جزيرة العرب، ثم ضرب لمن يقدم تاجرا أن يقيم ثلاثة أيام مدة السفر، فإذا زاد على ذلك صار مقيما.

ولنا لما ترك ظاهر الآية بالإجماع كان الأخذ بما قلنا أولى لما روي عن إبراهيم وإبراهيم أنهما قالا: أقل مدة الإقامة خمسة عشر يوما، وسبيل ذلك التوقيف فينزل منزلة المنصوص، وروى جابر رضي الله عنه «أنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة صبيحة اليوم الرابع من ذي الحجة، وخرج إلى منى يوم

ص: 18

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[البناية]

التروية، وكان يقصر الصلاة، وقد أقام أكثر من ثلاثة أيام» .

فإن قلت: الحديث محمول على ما إذا لم ينو الإقامة، وبدون النية لا يصير مقيما بأربعة أيام عنده.

قلت: لا يصح هذا لأنه صلى الله عليه وسلم دخل مكة للحج، ولا بد أنه ينوي الإقامة حتى يقضي حجه، وقضى حجه فيما ذكرنا كان أكثر من أربعة أيام، وقع ذلك كأن يقصر، وأما الحديث فإنه صلى الله عليه وسلم إنما قدر هذا لأنه علم أن حوائجهم كانت ترفع في هذه المدة لا لتقدير أدنى مدة الإقامة. وما روي عن عثمان رضي الله عنه معارض بما روي عنه أنها تقدر بخمسة عشر يوما، فدل على رجوعه. وأما دعوى الاحتياط فإنه يشكل بما لو نوى الإقامة ثلاثة أيام أو أقل لا يصير مقيما، وإن كان الاحتياط فيه، وقال الطحاوي: ما قال الشافعي خلاف الإجماع؛ لأنه لم ينقل عن أحد قبله بأنه يصير مقيما بنية الإقامة أربعة أيام.

فإن قلت: روي عن ابن المسيب أنه قال: من أجمع على أربع وساعة أتم صلاته.

قلت: يعارضه ما روي عن هشيم عن داود بن أبي هند عن ابن المسيب أنه قال: إذا أقام المسافر خمسة عشر أتم الصلاة، وما كان دون ذلك فليقصر، ومع هذا لا يجوز أن يعارض قول ابن عباس، وابن عمر رضي الله عنهما، وعن يحيى بن أبي إسحاق الرأي فيه، فالظاهر أن الصحابي رواه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم والخبر موجب فكان الأثر كذلك.

فإن قلت: كيف مع أنه قال فيه معنى معقول أصله بالأثر، لا أن يثبت أصلها بدليل المعقول، فكان هذا من قبيل ترجيح أحد الأمرين بالقياس، ثم اعلم أنا قلنا إنما يصير مقيما بنية الإقامة إذا سار ثلاثة أيام، فأما إذا لم يسر ثلاثة أيام فعزم على الرجوع ونوى الإقامة يصير مقيما، وإن كان في المفازة كذا ذكر فخر الإسلام، وفي " المجتبى ": لا يبطل السفر إلا بنية الإقامة، أو دخول الوطن أو الرجوع إليه قبل الثلاثة، وبه قال الشافعي في الظهر، ونية الإقامة إنما تؤثر بخمس شرائط.

أحدها: ترك الإقامة أو تحريره لم تصح، واتحاد الوضع، والمدة، والاستقلال بالرأي حتى لو نوى من كان تبعا لغيره لا يعتبر كالحربي، والزوجة، والرقيق، والأجير، والتلميذ مع أستاذه، والغريم المفلس مع صاحب الدين إلا إذا نوى متبوعه، ولو نوى المتبوع الإقامة، ولم يعلم بها التابع فهو مسافر حتى يعلم كالوكيل، إذا عزل وهو الأصح، وعن بعض أصحابنا يصيرون مقيمين، ويعيدون ما أدوا في مدة عدم العلم.

ص: 19

والأثر في مثله كالخبر، والتقييد بالبلدة والقرية يشير إلى أنه لا تصح نية الإقامة في المفازة، وهو الظاهر،

ولو دخل مصرا على عزم أن يخرج غدا أو بعد غد ولم ينو مدة الإقامة حتى بقي على ذلك سنين قصر؛ لأن ابن عمر رضي الله عنه أقام بأذربيجان ستة أشهر وكان يقصر

ــ

[البناية]

م: (والتقييد) ش: أي تقييد محمد بن الحسن صحة نية الإقامة. م: (بالبلدة والقرية يشير إلى أنه لا تصح نية الإقامة في المفازة) ش: لأن شماله يبطل عن يمينه. م: (وهو الظاهر) ش: من الروايات، واحترز به عما روى عنه أبو يوسف: أن الرعاة إذا تركوا موضعا كثير الكلأ والماء، ونووا الإقامة خمسة عشر يوما، والماء والكلأ يكفيهم بتلك المدة يصيرون مقيمين، وكذا التراكمة والأعراب والأكراد، في ظاهر الرواية لا تصح نية الإقامة إلا في موضعها وهو العمران، والبيوت المتخذة من الحجر والمدر، لا الخيام، والأخبية من الوبر، كذا في " فتاوى قاضي خان ".

م: (ولو دخل مصرا على عزم أن يخرج غدا أو بعد غد) ش: أي ولو دخل المسافر مصرا من الأمصار على نية أن يخرج منه غدا أو يخرج بعد غد. م: (ولم ينو) ش: أي والحال أنه لم ينو. م: (مدة الإقامة حتى بقي) ش: في ذلك المصر. م: (على ذلك) ش: العزم. م: (سنين) ش: عديدة. م: (قصر) ش: وعند الشافعي إذا أقام ستة عشر يوما أتم، وإن لم ينو الإقامة، وعنه إذا أقام أكثر من أربعة أيام أتم، وعنه: إذا أقام ثمانية عشر يوما أتم، وأخذ الشافعي بما أقامه النبي صلى الله عليه وسلم بمكة سبعة عشر يوما، أو ثمانية عشر يوما. فمن أقام أكثر من ذلك يتم ما زاد على الأصل، إذ القصر عارض فلم يثبت إلا بقدر ما زاد.

قلت: ما رواه يؤيدنا؛ لأنه صلى الله عليه وسلم كان يقصر عند عدم النية، والإقامة، وأما قوله: بقي ما زاد على الأصل فنقول: ترك ذلك بإجماع الصحابة.

وقال الترمذي: أجمع أهل العلم على أن للمسافر أن يقصر ما لم يجمع الإقامة، وإن أتى عليه سنون، وقال ابن المنذر مثله.

م: (لأن ابن عمر رضي الله عنه أقام بأذربيجان ستة أشهر، وكان يقصر) ش: هذا الأثر رواه عبد الرزاق في "مصنفه" أخبرنا عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن عمر: أنه أقام بأذربيجان ستة أشهر يقصر الصلاة، أخرجه البيهقي في " المعرفة " عن عبد الله بن عمر، عن نافع، عن ابن

ص: 20