الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مبني على أن أخذ القيمة في باب الزكاة جائز عندنا، على ما نذكره إن شاء الله تعالى، إلا أن في الوجه الأول له أن لا يأخذ ويطالب بعين الواجب أو بقيمته؛ لأنه شراء، وفي الوجه الثاني يجبر؛ لأنه لا بيع فيه بل هو إعطاء بالقيمة،
ويجوز دفع القيمة في الزكاة عندنا
ــ
[البناية]
الفضل م: (مبني على أن أخذ القيمة في باب الزكاة جائز عندنا على ما نذكره إن شاء الله تعالى) ش: وأصل ذلك ما رواه البخاري: حدثنا محمد بن عبد الله أَنَا أبي، حدثنا ثمامة أن أنسا، حدثه أن أبا بكر رضي الله عنه كتب له فريضة الصدقة التي أمر الله رسوله صلى الله عليه وسلم:«من بلغت عنده من الإبل صدقة الجذعة، وليست عنده جذعة، وعنده حقه فإنها تقبل منه الحقة، ويجعل معها شاتين إن استيسرتا له أو عشرين درهما، ومن بلغت عنده صدقة الحقة وليست عنده الحقة وعنده الجذعة فإنها تقبل منه الجذعة، ويعطيه المصدق عشرين درهما أو شاتين....» الحديث، ثم المعتبر ما بين القيمتين في الرد والاسترداد أي شيء كان؛ لأن القيمة تتفاوت باختلاف الرخص من الغلاء، وتقدير العشرين في الحديث ليس بلازم؛ لأنه كان بحسب الغالب في ذلك الزمان.
م: (إلا أن في الوجه الأول) ش: وهو قوله: أخذ المصدق أعلاها ورد الفضل م: (له) ش: أي للمصدق م: (أن لا يأخذ) ش: أي الأعلى م: (ويطالب صاحب المال بعين الواجب أو بقيمته؛ لأنه شراء) ش: ولا شراء في الشراء.
قال الأترازي: وفيه نظر عندي؛ لأنهم قالوا: الخيار لصاحب المال حتى يكون رفقا به؛ لأن الزكاة وجبت بطريق اليسر، فإذا كان للمصدق ولاية الامتناع من قبول الأعلى لزم العشر وفيه عود على الموضوع بالنقص فلا يجوز.
قلت: قيل: إن الخيار للمصدق ذكره صاحب " التجريد ".
م: (وفي الوجه الثاني) ش: هو قوله أو أخذ دونها م: (يجبر) ش: أي المصدق م: (لأنه لا بيع فيه بل هو إعطاء بالقيمة) ش: فإذا امتنع يجبر؛ لأن دفع القيمة جائز.
[إخراج القيمة في الزكاة والكفارات ونحوها]
م: (ويجوز دفع القيمة في الزكاة عندنا) ش: وهو قول عمر رضي الله عنه وابنه، وابن مسعود، وابن عباس، ومعاذ، وطاوس رضي الله عنهم.
وقال الثوري: يجوز إخراج العروض في الزكاة إذا كانت بقيمتها وهو مذهب البخاري، وإحدى الروايتين عند أحمد، ولو أعطى عرضا عن ذهب وفضة، وقال أشهب: يجزئه، وقال الطرطوسي: هذا قول بين في جواز إخراج القيم في الزكاة.
قال: وأجمع أصحابنا على أنه لو أعطى فضة عن ذهب أجزأه، وكذلك إذا أعطى ذهبا عن فضة عند مالك، وقال سحنون: لا يجزئه، وهو وجه للشافعية، واختار ابن حبيب دفع القيمة إذا رآه أحسن للمساكين.
وكذا في الكفارات، وصدقة الفطر، والعشر، والنذر، وقال الشافعي رحمه الله: لا يجوز اتباعا للمنصوص كما في الهدايا والضحايا، ولنا أن الأمر بالأداء إلى الفقير إيصال للرزق الموعود إليه
ــ
[البناية]
م: (وكذا في الكفارة وصدقة الفطر والعشر والنذر) ش: أي وكذا يجوز دفع القيمة في الكفارة، وأراد بالكفارة المالية وإذا أدى نصف قفيز تمر جيد عن قفيز تمر رديء، وقل في النذر فإنه يجوز عند محمد وزفر، ولا يجوز عند أبي حنيفة وأبي يوسف -رحمهما الله-.
وفي صدقة الفطر لو أدى نصف صاع من تمر عن صاع من شعير بطريق القيمة لا يجوز، وإذا غير المنصوص عن المنصوص يجوز في غير الربويات ذكره في " الجامع "، وكذا يجوز الاستبدال بالثمن والمنذور ولو عينه.
م (وقال الشافعي رضي الله عنه: لا يجوز) ش: وبه قال داود، وأحمد، وبه قال مالك، إلا أنه قال: يجوز إخراج الذهب عن الفضة، والفضة عن الذهب.
م: (اتباعا للمنصوص) ش: يعني اتبع الشافعي اتباعا لعين النصوص وهو قوله صلى الله عليه وسلم: «في خمس من الإبل شاة» ، في أربعين شاة شاة، وهذا بيان لما هو مجمل في الكتاب، فإن الإيتاء منصوص عليه والمأتي غير مذكور فيه، فالتحق الحديث بيانا لمجمل الكتاب، وكأنه قال: وآتوا الزكاة في أربعين شاة شاة، ولا يجوز التعليل لإبطال حق الفقير في العين؛ لأن الحق المستحق مراعى بصورته ومعناه، كما في حقوق العباد م:(كما في الهدايا والضحايا) ش: أي كما يتبع المنصوص في الهدايا والضحايا؛ لأنها مقدرة بأعيان معلومة شرعا فلا تتأدى بالقيمة.
م: (ولنا أن الأمر بالأداء إلى الفقير) ش: أي الأمر بأداء الزكاة إلى الفقير م: (إيصال) ش: أي لأجل الإيصال م: (للرزق الموعود إليه) ش: أي إلى الفقير؛ لقوله عز وجل: {وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} [هود: 6](سورة هود: الآية: 6) .
ولما أمر الغني بأدائها وهو حق الله إلى الفقير الذي هي حقه بحكم الوعد علم أن المقصود من الأمر بأدائها إيصال لذلك الرزق الموعود وكفاءته للفقير، فكما يحصل رزق الفقير وكفاءته بعين الشاة، يحصل بقيمتها بل هي أولى؛ لأنه يتوصل بعين الشاة إلى نوع من الكفاية وهو الأكل، وبقيمتها يتوصل إلى أنواع من الكفاية.
قلت: هكذا ذكر الشراح خصوصا الأترازي، فإنه أطنب في هذا الموضع، فللخصم أن يقول: في أخذ عين الشاة تحصل كفاية الأكل، وبيعها بعد الأخذ يحصل كل الأنواع بالكفاية، والأحسن أن يقول: إن التقييد على الكتاب بخبر الواحد لا يجوز بالاتفاق، ألا ترى أنه صلى الله عليه وسلم قال:«في خمس من الإبل شاة» وكلمة في حقيقة الظرف وعين الشاة لا توجد في الإبل فعرف أن المراد قدره من المال.
فيكون إبطالا لقيد الشاة فصار كالجزية، بخلاف الهدايا؛ لأن القربة فيها إراقة الدم وهو لا يعقل، ووجه القربة في المتنازع فيه سد خلة المحتاج وهو معقول،
وليس في العوامل، والحوامل والعلوفة صدقة
ــ
[البناية]
م: (فيكون إبطالا لقيد الشاة) ش: أي فيكون الأمر بإيصال الرزق إبطالا لقيد الشاة المنصوص عليه، لا يقال ما قلتم فيه تقييد الشاة المنصوص عليها بالتعليل؛ لأنا نقول: لا نسلم ذلك، وإنما أراد بالنص القطعي الذي يوجبه أداء الرزق الموعود له بالآية المذكورة. م:(وصار كالجزية) ش: أي وصار الحكم كما ذكرنا كأداء القيمة في الجزية، فإنه يجوز بالاتفاق؛ لأنه أدى مالا متقوما عن الواجب فكذا تجوز القيمة في الزكاة لهذا المعنى.
م: (بخلاف الهدايا؛ لأن القربة فيها إراقة الدم) ش: هذا جواب عن قياس الشافعي رحمه الله عدم جواز أخذ القيمة في الزكاة عنده على عدم جواز أخذ القيمة في الهدايا والضحايا فإنه متفق عليه. والجواب أن معنى القربة في الهدايا والضحايا فإنه إراقة الدم وهي لا تتقوم، فلا يقم شيء آخر مقام ذلك م:(وهو لا يعقل) ش: أي إراقة الدم غير معقولة ولا متقومة، فالمستحق إراقة الدم حتى لو هلك بعد الذبح قبل التصدق به لا يلزمه شيء. م:(ووجه القربة في المتنازع فيه) ش: وهو حكم أخذ القيمة في الزكاة م: (سد خلة المحتاج) ش: يعني سد احتياج الفقير م: (وهو معقول) ش: أي يدرك بالعقل فيتأتى فيه الضرر بالقيمة؛ لأن المقصود كفاءة الفقير. فإن قلت: لا نسلم ذلك، ولهذا لا يجوز أداؤها إلى الفقير الكافر وإلى الوالدين والولد، وإن كانوا فقراء. قلت: الشرع لم يأمر بالأداء إليهم.
فإن قلت: المراد بكفاية الفقير كفاية العمر أو كفاية الحال وكل منهما ممنوع أما الأول فظاهر، وأما الثاني فأداؤها يجوز إلى من له كفاية الحال، كمن له خادم ودار ومائتا درهم إلا درهم.
قلت: المقصود الكفاية الحاصلة بقدر الزكاة لا ذاك ولا ذاك فافهم.
م: (وليس في العوامل والحوامل والعلوفة صدقة) ش: أي زكاة الحوامل جمع حامل: وهي التي أعدت لحمل الأثقال كذا قاله الكاكي، وقال تاج الشريعة: جمع عاملة قال في " الطلبة ": العوامل المعدة للأعمال، والمعلوفة: بفتح العين ما يعلف من الغنم وغيرها، فالواحد والجمع سواء، والمعلوفة بالضم: جمع علف كذا قاله المطرزي يقال: علفت الدابة ولا يقال علفتها، والدابة معلوفة وعليف، كذا في " الجمهرة "، وعدم الزكاة في هذه المذكورات في مذهبنا، وهو قول عطاء، والحسن، وإبراهيم النخعي، وسفيان الثوري، وسعيد بن جبير، والليث بن سعد، والشافعي، وأحمد، وأبي ثور، وأبي عبيد، وابن المنذر رضي الله عنهم، ويروى ذلك عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله ذكره في " الإمام "، وقال قتادة ومكحول ومالك رحمهم الله: تجب الزكاة في المعلوفة والنواضح، واحتج بالعمومات وهي مذهب معاذ وجابر بن عبد الله وسعيد بن عبد
خلافا لمالك رحمه الله له ظواهر النصوص، ولنا قوله صلى الله عليه وسلم:«ليس في الحوامل والعوامل ولا في البقرة المثيرة صدقة» ولأن السبب هو المال النامي، ودليله
ــ
[البناية]
العزيز، والحسن بن صالح رحمه الله. م:(خلافا لمالك) ش: فإنه أوجب الزكاة فيها لما ذكرنا م: (له) ش: أي لمالك رحمه الله م: (ظواهر النصوص) ش: لأن ظاهر قَوْله تَعَالَى: {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً} [التوبة: 103](التوبة: الآية 103)، وقوله صلى الله عليه وسلم:«في كل خمس ذود شاة» يقتضي وجوب الزكاة.
م: (ولنا قوله صلى الله عليه وسلم: «ليس في الحوامل والعوامل ولا في البقرة المثيرة صدقة» ش: أي قول النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث بهذا اللفظ غريب، وفي العوامل أحاديث منها ما رواه أبو داود من حديث زهير رضي الله عنه حدثنا أبو إسحاق عن عاصم بن ضمرة، والحارث عن علي قال زهير: وأحسبه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «هاتوا زكاة ربع العشر» الحديث، وقال فيه «وليس على العوامل شيء» ورواه الدارقطني مجزوما، قال: ليس فيه: قال زهير: وأحسبه. وقال ابن القطان: هذا سند صحيح وكل من فيه ثقة معروف.
ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " موقوفا فقال: قال أخبرنا الثوري، ومعمر، عن أبي إسحاق، عن عاصم بن ضمرة، عن علي رضي الله عنه قال:«ليس في العوامل البقر صدقة» .
ومنها ما رواه الدارقطني من حديث طاوس عن ابن عباس رضي الله عنه مرفوعا: «ليس في البقر العوامل صدقة» وفي إسناده سوار بن مصعب نقل ابن عدي رحمه الله تضعيفه عن البخاري والنسائي وابن معين ووافقهم، وقال: عامة ما يرويه غير محفوظ.
ومنها رواه الدارقطني أيضا، عن غالب بن عبيد عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده عن النبي صلى الله عليه وسلم مرفوعا نحوه، وغالب لا يعتمد عليه. قال يحيى: ليس بثقة، وقال الرارزي: متروك.
وأما حديث المغيرة فرواه الدارقطني من حديث أبي الزبير أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ليس في المثيرة صدقة» قال البيهقي: إسناده ضعيف والصحيح أنه موقوف، ورواه عبد الرزاق في "مصنفه " عن ابن جريج عن أبي الزبير عن جابر موقوفا، وقد مضى تفسير الحوامل والعوامل. وأما البقرة المثيرة فهي التي تثار بها الأرض أي تحرث، من الإثارة وهي التحريك والرفع.
م: (ولأن السبب) ش: أي سبب وجوب الزكاة م: (هو المال النامي ودليله) ش: أي دليل
الإسامة أو الإعداد للتجارة، ولم يوجد ولأن في العلوفة تتراكم المؤنة فينعدم النماء، معنى
ثم السائمة: هي التي تكتفي بالرعي في أكثر الحول حتى لو علفها نصف الحول أو أكثر كانت علوفة؛ لأن القليل تابع للأكثر ولا يأخذ المصدق خيار المال ولا رذالته، ويأخذ الوسط.
ــ
[البناية]
المال النامي م: (الإسامة) ش: بكسر الهمزة يقال: أسمت الماشية فسامت أي رعيتها فرعت، وبالإسامة تزداد الماشية سمنا، ولهذا أجل السوم بالحول؛ لأن النمو إنما يتحقق ذكرا ونسلا بالحول م:(أو الإعداد للتجارة) ش: بكسر الهمزة من أعددت الشيء، إذا هيأته، والمعنى أو دليله يهيأ المال للتجارة للأرباح م:(ولم يوجد) ش: أي واحد من الإسامة والإعداد للتجارة، فلم تجب الزكاة؛ لأن الحكم يدار على الدليل وهو معدوم.
م: (ولأن في العلوفة) ش: بفتح العين كما ذكرنا عن قريب م: (تتراكم المؤنة) ش: أي تتكاثر م: (فينعدم النماء معنى) ش: فلا تجب الزكاة، وفي " البدائع ": إن أسيمت للحمل أو للركوب أو اللحم فلا زكاة فيها، وإن أسيمت للتجارة ففيها زكاة التجارة، حتى لو كانت أربعا من الإبل أو أقل تساوي مائتي درهم تجب فيها خمسة، وإن كانت خمسة لا تساوي مائتي درهم لا تجب فيها الزكاة.
وإن أسيمت للدر والنسل ففيها زكاة السائمة. وفي " الذخيرة ": اشترى إبلا سائمة بنية التجارة وحال عليها الحول، تجب فيها زكاة التجارة دون زكاة السائمة، وأجمعوا على أنه لا يجمع بين زكاة السائمة وزكاة التجارة وهو قول الشافعي ومالك وأحمد رحمهم الله.
م: (ثم السائمة هي التي تكتفي بالرعي في أكثر الحول حتى لو علفها نصف الحول أو أكثر كانت علوفة؛ لأن القليل تابع للأكثر) ش: لأن أصحاب السوائم لا يجدون بدا من أن يعلفوا سوائمهم في البرد والثلج، فجعل الأقل تابعا للأكثر، ولا خلاف أن السائمة في جميع الحول تجب فيها الزكاة، والعلوفة في جميع السنة لا تجب فيها الزكاة، وإنما الخلاف في الإسامة في أكثر الحول، فعندنا وأحمد وبعض أصحاب الشافعي - رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ -: لو علفت في نصف السنة أو أكثر كانت علوفة.
وقال الشافعي رحمه الله في الأصح: إن السوم شرط في جميع السنة، حتى لو ترك الإسامة في زمان لو لم يعلف فيه الحيوان يموت ينقطع السوم، وإذا ترك العلف في يوم أو يومين هل ينقطع أم لا؟ اختلف أصحابه فيه، فمنهم من قال: لا ينقطع لقلة المدة، ومنهم من قال: ينقطع كيفما يوجد العلف، ومنهم من قال: لو قصد العلف وقطع الإسامة ينقطع الحول، ولو كان العلف ساعة واحدة.
م: (ولا يأخذ المصدق) ش: وهو آخذ الزكاة م: (خيار المال ولا رذالته) ش: الرذالة: بضم الراء وتخفيف الذال المعجمة اسم جمع لرذل، وهو الدون من كل شيء م:(ويأخذ الوسط) ش: هذا