الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والعبد مشغول بخدمة المولى، والمرأة بخدمة الزوج، فعذروا دفعا للحرج والضرر، فإن حضروا وصلوا مع الناس أجزأهم عن فرض الوقت؛ لأنهم تحملوه فصاروا كالمسافر إذا صام،
ويجوز للمسافر والعبد والمريض أن يؤم في الجمعة
ــ
[البناية]
وفي " قنية المنية ": إن وجد المريض ما يركبه فهو كالأعمى على الخلاف إذا وجد قائدا، وقيل: لا يجب عليه اتفاقا كالمقعد، وقيل: وهو كالقادر على المشي، فيجب في قولهم، وهو الصحيح.
قلت: ينبغي أن يكون الصحيح عدم الوجوب، لأن في إلزامه الركوب والذهاب إلى الجمعة زيادة المرض فلا يلزم بالحضور، والممرض قيل كالمريض والأصح أنه أن يبقى ضائقا بخروجه فهو عذر.
م: (والعبد مشغول بخدمة المولى) ش: فإذا ألزم الحضور يحصل الضرر لمولاه بترك الخدمة، فصار كالحج والجهاد، بخلاف الصلاة المفروضة لأنه يؤديها بنفسه في زمان يسير فلا يلزم الضرر بالمولى، وكذا الصوم لأنه قادر على الجمع بينه، وبين خدمة المولى. م:(والمرأة بخدمة الزوج) ش: أي والمرأة مشغولة بخدمة الزوج، فإذا ألزمت بالحضور حصل الضرر. م:(فعذروا) ش: أي إذا كان كذلك فهم عذروا وهو على صيغة المجهول المبني للمفعول، والضمير فيه يرجع إلى المسافر والمرأة والمريض والعبد والأعمى. م:(دفعا للحرج والضرر) ش: أي لدفع المشقة، وهو نصب على التعليل. قوله: والضرر، يجوز أن يكون تفسيرا للحرج أو يكون الحرج في بعض هؤلاء، والضرر في بعضهم.
م: (فإن حضروا) ش: أي فإن حضر هؤلاء المذكورين في يوم الجمعة إلى الصلاة. م: (وصلوا مع الناس أجزأهم عن فرض الوقت) ش: أي أجزأتهم الجمعة عن الظهر. وقال ابن قدامة: لا نعلم في هذا خلافا. وقال ابن المنذر: أجمع من يحفظ عنه من أهل العلم على أن النساء لو صلين الجمعة يجزئهن عن الظهر، مع إجماعهم على أن لا جمعة عليهن، انتهى.
وعن الحسن رضي الله عنه قال: كان نساء المهاجرين يصلين الجمعة مع رسول الله يحتسبن بها من الظهر، ولأن هؤلاء من أهل الفرض والرخصة لهم في ترك السعي للعذر، فلما حضروا زال العذر وسقط الفرض.
م: (لأنهم) ش: أي لأن هؤلاء المذكورين. م: (تحملوه) ش: أي الحرج. م: (فصاروا كالمسافر إذا صام) ش: في رمضان يسقط عنه الفرض، فكذا هؤلاء يسقط عنهم الفرض بحضورهم وصلاتهم الجمعة.
[إمامة المسافر والعبد والمريض في الجمعة]
م: (ويجوز للمسافر والعبد والمريض أن يؤم في الجمعة) ش: أي لكل واحد أن يؤم، وبه قال الشافعي رحمه الله في أصح قوليه، وفي قول: إن كان صاحب العذر أحدا من أربعين رجلا
وقال زفر رحمه الله: لا يجزئه؛ لأنه لا فرض عليه، فأشبه الصبي والمرأة. ولنا أن هذه رخصة، فإذا حضروا يقع فرضا على ما بيناه، أما الصبي فمسلوب الأهلية، والمرأة لا تصلح لإمامة الرجال. وتنعقد بهم الجمعة، لأنهم صلحوا للإمامة فيصلحون للاقتداء بطريق الأولى، ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له كره له ذلك وجازت صلاته.
وقال زفر رحمه الله: لا يجزئه.
ــ
[البناية]
لا يجوز. وقال مالك: لا تصح إمامة العبد. وقال أحمد رحمه الله: لا يجوز خلف العبد والمسافر، وفي الحل منع ذلك من جواز إمامة المسافر في الجمعة، قيل: هو خطأ.
م: (وقال زفر رحمه الله: لا يجزئه) ش: أي لا يجزئ كل واحد منهم أن يؤم. م: (لأنه لا فرض عليه) ش: أي فرض صلاة الجمعة. م: (فأشبه الصبي والمرأة) ش: في عدم جواز إمامتهما. وفي " جوامع الفقه " روى عن أبي يوسف مثل قول زفر.
م: (ولنا أن هذه رخصة) ش: أي سقوط الجمعة عن المذكورين رخصة، وتأنيث الإشارة باعتبار الخبر، وإنما كان السقوط رخصة لهم دفعا للحرج. م:(فإن حضروا يقع فرضا) ش: يعني إذا تركوا الرخصة وحضورا وصلوا يقع ما صلوا عن فرض الوقت، لأن الإسقاط عنهم لدفع الحرج، والقول بعدم الجواز يؤدي إلى الحرج، وفيه فساد الوضع. م:(على ما بيناه) ش: أشار به إلى قوله: لأنهم تحملوه.
م: (أما الصبي فمسلوب الأهلية) ش: جواب عن قول زفر: فأشبه الصبي، وتقريره: أن الصبي لا أهلية له لعدم البلوغ، فالقياس عليه لا يجوز. م:(والمرأة لا تصلح لإمامة الرجال) ش: هذا أيضا جواب عن قول زفر: فأشبه المرأة، وهو ظاهر.
م: (وتنعقد بهم الجمعة) ش: هذه مسألة متبرأة، أي تنعقد بالمسافر والعبد والمريض الجمعة. م:(لأنهم صلحوا للإمامة فيصلحون للاقتداء بطريق الأولى) ش: لأن من جازت إمامته في الجمعة يعتد به في العدد، وفيه إشارة إلى رد قول الشافعي رحمه الله أن هؤلاء لا تصلح إمامتهم، فلا يعتد بهم في العدد الذي تنعقد بهم الجمعة.
م: (ومن صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام) ش: أي قبل أن يصلي الإمام الجمعة، قيد به لأنه إذا صلى الظهر في منزله بعدما صلى الإمام الجمعة جاز بالاتفاق. م:(ولا عذر له) ش: أي والحال أنه لا عذر له، قيد به لأن المعذور إذا صلى الظهر قبل صلاة إمام الجمعة يجوز بالاتفاق، والمعذور مثل المسافر والعبد والمريض والمرأة. م:(كره له ذلك) ش: أي ما فعله من صلاته في منزله قبل صلاة إمام الجمعة، وجه الكراهة مخالفة إمام الجمعة. م:(وجازت صلاته) ش: عند أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد وأبي ثور وابن نافع والشافعي رحمهم الله في القديم.
م: (وقال زفر رحمه الله: لا يجزئه) ش: وبه قال مالك وأحمد والشافعي رحمهم الله -
لأن عنده الجمعة هي الفريضة أصالة، والظهر كالبدل عنها، ولا مصير إلى البدل مع القدرة على الأصل. ولنا أن أصل الفرض هو الظهر في حق الكافة، هذا هو الظاهر. إلا أنه مأمور بإسقاطه بأداء الجمعة، وهذا لأنه متمكن من أداء الظهر بنفسه دون الجمعة لتوقفها على شرائط لا تتم به وحده، وعلى التمكن يدور التكليف،
ــ
[البناية]
في الجديد، وقال ابن المنذر: والفرض هو الذي في بيته إذا كان الإمام يؤخر الجمعة، وقال الحكم بن عيينة: يصلي معهم ويصنع الله ما يشاء. م: (لأن عنده) ش: أي لأن عند زفر. م: (الجمعة هي الفريضة أصالة) ش: أي من حيث الأصالة، لأنه مأمور بالسعي إليها منهي عن الاشتغال بالظهر ما لم يتحقق فوت الجمعة، وهذا صورة الأصل. م:(والظهر كالبدل عنها) ش: أي عن الجمعة. م: (ولا مصير إلى البدل مع القدرة على الأصل) ش: كالتيمم مع القدرة على الماء، وإنما قال: والظهر كالبدل عنها، ولم يقل: والظهر بدل عنها؛ لأن الأربع لا تكون بدلا عن الركعتين حقيقة. م: (ولنا أن أصل الفرض هو الظهر، في حق الكافة) ش: أي في حق الناس كافة. م: (هذا هو الظاهر) ش: أي كون أصل الفرض هو الظهر، ظاهر المذهب عند أصحابنا الثلاثة، وأشار به إلى أن في هذا اختلاف الرواية، ففي " الذخيرة ": فرض الوقت الظهر عند أبي حنيفة رحمه الله وأبي يوسف رحمه الله وهو قول محمد رحمه الله الأول، وفي قوله الآخر: الفرض أحدهما غير معين، وإنما يتعين بالفعل إلا أن الجمعة آكد من الظهر، وفي " الينابيع ": وقيل: الفرض أحدهما أو فرضها الجمعة، حتى لو صلاهما فالفرض هو الجمعة تقدمت أو تأخرت.
وفي " المرغيناني " و" الولوالجي ": وقيل: الواجب كلاهما، ويسقطان بأداء الجمعة، وفي " المفيد " قال أبو حنيفة وأبو يوسف - رحمهما الله-: فرض الوقت الظهر، لكن أمر غير المعذور بإسقاطه بالجمعة حتما والمعذور رخصة. وقال محمد رحمه الله: فرض الوقت الجمعة، لكن رخص له بإسقاطها بالظهر، ومثله في " المحيط "، وفي " الينابيع ": هو أصح أقواله، وعن محمد رحمه الله أنه قال: لا أعلم فرض الوقت ما هو، وإنما الفرض ما استقر عليه فعله.
م: (إلا أنه مأمور بإسقاطه) ش: أي إسقاط الظهر. م: (بأداء الجمعة) ش: عند وجود شرائطها. م: (وهذا) ش: أي ما ذكرنا من كون الظهر هو الأصل وكونه مأمورا بإسقاطه بأداء الجمعة. م: (لأنه) ش: أي لأن المكلف. م: (متمكن من أداء الظهر بنفسه) ش: أي وحده. م: (دون الجمعة) ش: أي غير متمكن من أداء الجمعة. م: (لتوقفها على شرائط) ش: خارجة عن قدرته؛ هي الإمام والخطبة والجماعة والمصر. م: (لا تتم) ش: تلك الشرائط. م: (به) ش: أي بالمكلف.
م: (وحده) ش: من عدم قدرته عليهما. م: (وعلى التمكن يدور التكليف) ش: لأن مدار التكليف على الوسع بالنص، فدل ذلك أن الظهر هو فرض الوقت، لكن عليه إسقاطه بالجمعة عند وجود شرائطها كما ذكرنا، ألا ترى أن الجمعة إذا لم تصل حتى خرج الوقت يُقضى الظهر لا
فإن بدا له أن يحضرها فتوجه إليها والإمام فيها بطل ظهره عند أبي حنيفة رحمه الله بالسعي.
ــ
[البناية]
الجمعة، فلو لم يكن فرض الوقت الظهر لم يقض الظهر بل الجمعة.
وثمرة الخلاف بين محمد رحمه الله وصاحبيه على غير ظاهر الرواية، فظهر فيمن تذكر أن عليه فجر يومه يخاف فوت الجمعة إن اشتغل بالفجر فعندهما لا تجزئه الجمعة، لأن فرض الوقت هو الظهر، فإذا ترك الجمعة أمكنه فعل الظهر من غير فوات، وعند محمد يصلي الجمعة لأن فرض الوقت هي الجمعة، فصار كالذي يذكر فجر يومه في آخر وقت الظهر، حيث يصلي الظهر لئلا يفوت فرض الوقت.
م: (فإن بدا له أن يحضرها) ش: أي فات ظهر لهذا الذي صلى الظهر في منزله يوم الجمعة قبل صلاة الإمام ولا عذر له أن يحضر للجمعة. م: (فتوجه إليها) ش: إلى الجمعة. م: (والإمام فيها) ش: أي والحال أن الإمام في صلاة الجمعة لم يفرغ منها. م: (بطل ظهره) ش: الذي صلاه في منزله. م: (عند أبي حنيفة بالسعي) ش: أي بمجرد سعيه، سواء أدرك الإمام أو لا.
وهاهنا قيدان: الأول: قوله: فإن بدا له أن يحضرها؛ لأنه إذا خرج لا يريد الجمعة لا يرتفض ظهره بالاتفاق.
الثاني: قوله: فتوجه والإمام فيها لأنه إذا توجه بعد فراغ الإمام لا يرتفض ظهره بالاتفاق، وقد اختلفت عبارات كتب أصحابنا في هذا الباب. ففي " المحيط " لو توجه إليها والإمام لم يؤدها إلا أنه لا يُرْجَى إدراكها لبعد المسافة لم يبطل ظهره في قول أبي حنيفة رحمه الله عند العراقيين، ويبطل عند البلخيين، وهو الصحيح.
ولو توجه إليها ولم يصلها الإمام بعذر أو بغير عذر، اختلفوا في بطلان ظهره، والصحيح أنه لا يبطل، وعن الحلواني لو لم يخرج من البيت ولكن أداها قبل الخروج إذا كان البيت واسعا لم يبطل ما لم يجاوز العتبة، وقيل: يبطل إذا خطا خطوتين، وفي " التحفة ": هو على وجهين: الأولى: إن صلى معه أو أدركه في الصلاة بعدما فاته يبطل ظهره بلا خلاف. والثاني: حين سعى كان الإمام في الجمعة، لكن عند حضوره كان قد فرغ منها، فكذلك عنده، وعندهما لم ينقض ما لم يشرع معه.
وفي " الأسبيجابي ": لو صلى الظهر في بيته ثم خرج إلى الجمعة وقد فرغ الإمام لا يرتفض الظهر في قولهم، ولو أنه حين خرج كان الإمام فيها، فلما انتهى إليه فرغ منها يرتفض عنده، خلافا لهما. وفي " المحيط " ذكر الطحاوي أنه إذا كان خروجه وفراغ الإمام معا لم ينقض ظهره، وفي " الينابيع": إذا توجه والإمام فيها أو لم يشرع بعد بطل ظهره. وفي " المبسوط ": يعتبر سعيه بعد انفصاله من داره. وفي " قنية المنية ": يرتفض الظهر عنده بأداء بعض الجمعة، وعندهما لا يرتفض ما لم يؤدها، هكذا روى الحسن، ومثله في " المحيط".
وقالا: لا يبطل حتى يدخل مع الإمام؛ لأن السعي دون الظهر فلا ينقضه بعد تمامه، والجمعة فوقها فينقضها، وصار كما إذا توجه بعد فراغ الإمام، وله أن السعي إلى الجمعة من خصائص الجمعة
ــ
[البناية]
وفي " التحفة " و "المختلف ": لو صلى المعذور الظهر ثم أدرك الجمعة لا يبطل ظهره عند زفر، لأنه قدر على الأصل بعد حصول المقصود بالبدل، وعندنا ينقض لأنه إذا أدى الجمعة كانت هي الفرض عليه فلا يبقى الظهر ضرورة للتنافي. وفي " خزانة الأكمل " عن أبي يوسف رحمه الله صلى بقوم الظهر يوم الجمعة ثم دخل مع الإمام في صلاة الجمعة فصلى بعضها ثم أفسدها أجزأته الظهر في منزله، ولو أتمها مع الإمام انقلبت ظهره تطوعا وبقي للقوم فريضة، وكذا في " المحيط ".
م: (وقالا: لا يبطل حتى يدخل مع الإمام) ش: كذا ذكروا قولهما في شرح " الجامع الصغير " وكذا ذكر أبو بكر الرازي، والأسبيجابي في شرحيهما " لمختصر الطحاوي "، وكذا ذكر القدوري في شرح " مختصر الكرخي " حيث قال: وقالا: يبطل الظهر حتى يكبر للجمعة، وهذا كله يدل على أن الظهر ينقض عندهما بمجرد الشروع مع الإمام، وذكر خواهر زاده في "مبسوطه" أن قولهما لا يرتفض الظهر ما لم يؤد الجمعة كلها، حتى إذا شرع في الجمعة مع الإمام ثم إنه تكلم قبل أن يتم الجمعة، فإنه يرتفض عند أبي حنيفة رحمه الله وعندهما لا يرتفض، ثم قال: هكذا ذكر الحسن في كتاب صلاته.
م: (لأن السعي دون الظهر) ش: لأنه ليس مقصود بنفسه والظهر مقصود بنفسه. م: (فلا ينقضه بعد تمامه) ش: أي فلا ينقض السعي الظهر بعد تمام الظهر لأن الأعلى لا ينتقض بالأدنى. م: (والجمعة فوقها) ش: أي فوق الظهر، وإنما أنث الظهر باعتبار الصلاة. م:(فينقضها) ش: أي إذا كانت الجمعة فوق صلاة الظهر فتنقض صلاة الظهر، لأنا أمرنا بإسقاط الظهر بالجمعة فجاز أن ينقضه.
م: (وصار) ش: أي هذا الذي بدا له أي يتوجه والإمام فيها ولم يدخل معه. م: (كما إذا توجه بعد فراغ الإمام) ش: من صلاة الجمعة فإنه لا يبطل ظهره بالاتفاق.
م: (وله) ش: أي ولأبي حنيفة رحمه الله. م: (أن السعي إلى الجمعة من خصائص الجمعة) ش: لأنه من الفروض المختصة بالجمعة لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9](9: الجمعة) ، وقد نُهِيَ عن السعي في سائر الصلوات، لما روي عن أبي هريرة أنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «إذا أقيمت الصلاة فلا تأتوها تسعون وائتوها تمشون، عليكم السكينة، فما أدركتم فصلوا وما فاتكم فأتموا» ، رواه الأئمة الستة وغيرهم.
وذكر في " الأسرار " أن وجه كون السعي من خصائص الجمعة هو أن صلاة الجمعة صلاة خصت بمكان، لا يمكن الإقامة إلا بالسعي إليها، فصار السعي مخصوصا به دون سائر