الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
باب من يجوز دفع الصدقات إليه ومن لا يجوز
قال رضي الله عنه الأصل فيه قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60](التوبة: الآية 60) فهذه ثمانية أصناف
ــ
[البناية]
[باب من يجوز دفع الصدقات إليه ومن لا يجوز]
[الفقير والمسكين من مصارف الزكاة] [
الفرق بين الفقير والمسكين]
م: (باب من يجوز دفع الصدقات إليه ومن لا يجوز) ش: أي هذا باب في بيان من يجوز دفع الزكاة إليه ومن لا يجوز دفعها إليه، لما فرغ من بيان أنواع الزكاة وبيان المعدن والركاز، شرع في بيان مصارفها ممن هو منها وممن ليس منها.
وقال تاج الشريعة: لما فرغ من بيان السبب وقدر الواجب والنصاب المطلق والمقيد شرع في بيان مصارفها، ولم يقدم صدقة الفطر للتفاوت في مصرفها، فإن صدقة الفطر يجوز دفعها إلى الذمي.
م: (الأصل فيه) ش: أي من يجوز الصرف إليه م: (قَوْله تَعَالَى: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الآية (التوبة: آية60)) ش: يجوز في الآية الرفع والنصب، أما الرفع فعلى الابتداء وخبره محذوف، وتقديره الآية بتمامها، وأما النصب فعلى المفعولية، والتقدير اقرأ الآية.
قوله: إنما، كلمة حصر وقصر، والقصر تخصيص أحد الأمرين بالآخر وحصره فيه، قال علماء المعاني والبيان: إنما لحصر الشيء في الحكم كقولك إنما زيد منطلق، أو لحصر الحكم في الشيء، كقولك إنما المنطلق زيد، لأن كلمة إن للإثبات، وما للنفي ليقتضي إثبات المذكور ونفي ما عداه، ومعنى الآية، والله أعلم: الصدقات للأصناف المذكورة لا لغيرهم، كقولك: إنما الخلافة لقريش أي لهم لا لغيرهم، ثم ذكر الأربعة الأولى باللام والأربعة الأخيرة بفي للأبدان بأنه أرجح في استحقاق التصدق عليهم بمن استحق ذكره لأن في الرعاية على أنهم أحقاء بأن توضع فيهم الصدقات، وذلك لما في فك الرقاب من الكتابة أو الرق أو الأسر.
قلت: وفي الغارمين من الغرم من التخليص والإبعاد، جمع الغارم الفقير والمنقطع في الحج بين الفقر والعبادة، وكذلك ابن السبيل فيه فضل وترجيح لهذين على الرقاب، والغارمين. م:(فهذه ثمانية أصناف) ش: أي المذكورون في الآية الكريمة ثمانية أصناف، وهو جمع صنف بكسر الصاد. قال الجوهري رحمه الله: الصنف النوع والضرب. والصنف بالفتح لغة فيه.
فإن قلت: الصدقات جمع قلة والفقراء والمساكين جمع كثرة فكيف يناسب قسمة القليل على الكثير.
قلت: جمع القلة إذا دخله لام التعريف كان للكثرة والاستغراق، وأيضا جمع القلة يستعمل للكثرة وبالعكس قال الله تعالى:{وَلَوْ أَنَّمَا فِي الأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلامٌ وَالْبَحْرُ} [لقمان: 27] .
وقد سقط منها المؤلفة قلوبهم
ــ
[البناية]
وقوله: {ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228] م: (وقد سقط منها) ش: أي من الثمانية أصناف، م:(المؤلفة قلوبهم) ش: وهم ثلاثة عشر رجلا ذكرهم الحافظ أبو موسى محمد بن أبي بكر المديني في "أماليه" عند ذكر عدي بن قيس، وهم: أبو سفيان بن حرب من بني أمية، والحارث بن أبي هشام، وعبد الرحمن بن يربوع من بني مخزوم، وحكيم بن حزام بن خويلد من بني أسد بن عبد العزى، وصفوان بن أمية من بني جمح، وعدي بن قيس من بني سهم، وسهيل بن عمرو، وحويطب بن عبد العزى بن عامر بن لؤي، والعلاء بن جارية من ثقيف، والعباس بن مرداس من بني سليم، وعيينة بن حصن من بني بدر من فزارة، ومالك بن عوف من بني حنظلة، والأقرع بن حابس فأعطاهم النبي صلى الله عليه وسلم مائة مائة من الإبل إلا حويطب بن عبد العزى وعبد الرحمن بن يربوع أعطاهما خمسين خمسين من الإبل.
وذكر فخر الإسلام: زيد الخير، وعلقمة بن علاثة منهم، وفي الكامل للمبرد: أنه جيء من اليمن بذهب فقسمه رسول الله صلى الله عليه وسلم أرباعا أعطى ربعا الأقرع بن حابس المجاشعي وربعا زيد الخير الطائي وربعا علقمة بن علاثة، وربعا عيينة بن حصن الفزاري وكانوا من المؤلفة، ومنهم أبو سفيان واسمه صخر بن حرب وصفوان بن أمية، وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم الزبرقان بن بدر بن امرئ القيس، وكان يقال له: قمر نجد لحسنه وجماله أسلم سنة تسع، فولاه رسول الله صلى الله عليه وسلم صدقة قومه، وأقره عليها أبو بكر وعمر رضي الله عنهما. ومنهم عدي بن حاتم رضي الله عنه. ومنهم عباس بن مرداس السلمي وأعطى رسول الله صلى الله عليه وسلم أبا سفيان وصفوان والأقرع وعيينة وعباسا كل واحد منهم مائة من الإبل. وقال صفوان بن أمية:«لقد أعطاني ما أعطاني، وهو أبغض الناس إلي، فما زال يعطيني حتى كان عليه الصلاة والسلام أحب الناس إلي» رواه مسلم، قال النووي رحمه الله: هؤلاء كلهم صحابة. وفي " المحيط " و" المبسوط ": كان عليه الصلاة والسلام يعطيهم سهما من الصدقة يتألفهم على الإسلام.
وقيل: كانوا قد أسلموا، وقيل: كانوا وعدوا بالإسلام، وقيل: قوما يرجى خيرهم وينتصر بهم على غيرهم من الكفار، وضرب منهم يخاف شره، وفي " المنافع ": المؤلفة قلوبهم أصناف ثلاثة: صنف كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يتألفهم ليسلموا أو يسلم قومهم بإسلامهم. وصنف أسلموا وفي إسلامهم ضعف فيريد بذلك تقريرهم على الإسلام، وصنف يعطيهم لدفع شرهم.
فإن قيل: ما وجه إعطائه عليه الصلاة والسلام إياهم خوفا من شرهم والأنبياء عليهم السلام لا يخافون أحدا سوى الله عز وجل؟
قيل لهم: ما كان ذلك للخوف منهم بل كان خشية أن يكبهم الله عز وجل على وجوههم
لأن الله أعز الإسلام وأغنى عنهم وعلى ذلك انعقد الإجماع.
ــ
[البناية]
في نار جهنم.
فإن قلت: من أي المال كان يعطيهم؟
قلت: كان يعطي المؤلفة من الزكاة، والذي كان أعطى عدي بن حاتم والزبرقان من خمس الخمس، والذي أعطى من كان أقعدهم عن الجهاد الضعف من سهم الغزاة، وقيل: من سهم المؤلفة، والذي أعطى من كان يؤخذ منهم الزكاة، ويحمل إليه من الزكاة، وقيل: من سهم الغنيمة.
م: (لأن الله تعالى أعز الإسلام وأغنى عنهم) ش: أي عن المؤلفة بالقهر وقوة الإسلام، وكان سقوط ما كان يعطي للمؤلفة في خلافة أبي بكر رضي الله عنه قال الإمام الأسبيجابي رحمه الله في " شرح الطحاوي " كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعطيهم ليؤلفهم على الإسلام، فلما قبض رسول الله صلى الله عليه وسلم جاءوا إلى أبي بكر رضي الله عنه فاستبدلوا منه حظا لسهامهم فبدل لهم الحظ، ثم جاءوا إلى عمر رضي الله عنه فأخبروه بذلك فأخذ الحظ من يدهم ومزقه وقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يعطيكم ليؤلفكم على الإسلام، فأما اليوم فقد أعز الله دينه، فليس بيننا وبينكم إلا السيف أو الإسلام، فانصرفوا إلى أبي بكر رضي الله عنه فقالوا: أنت الخليفة أم هو؟ قال: هو إن شاء الله، ولم ينكر عليه، بطل حقهم من ذلك اليوم، وبقى سبعة.
وعن أبي عبيدة أنه قال: جاء عيينة بن حصن والأقرع بن حابس إلى أبي بكر رضي الله عنه وقالا: يا خليفة رسول الله صلى الله عليه وسلم إن عندنا أرضا سبخة ليس فيها كلأ ولا منفعة، فإن رأيت أن تعطيناها فأقطعها إيانا وأشهد عمر فكتب لهما عليها كتابا وليس عمر في القوم، فانطلقا إليه، فلما سمع ما في الكتاب تناوله من أيديهما فتفل فيه فمحاه، فندموا وقالوا مقالة سيئة، فقال عمر رضي الله عنه: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتألفكم والإسلام يومئذ قليل، وإن الله قد أعز الإسلام، اذهبا واجهدا جهدكما لا أدعو الله عليكما.
وروى أنهما ذكرا ذلك لأبي بكر رضي الله عنه وقالا له: أنت الخليفة أم عمر؟ فقال: هو إن شاء الله ولم ينازعه، ولم ينكر أبو بكر ذلك من عمر رضي الله عنه، وكان اتفاقا منهما على قطع ذلك وبقي للمستوجبين الاقتداء بهما حجة، وتابعهما الصحابة في ذلك، فكان إجماعا.
وأشار المصنف إلى ذلك بقوله: م: (وعلى ذلك) ش: أي على سقوط سهم المؤلفة م: (انعقد الإجماع) ش: أي إجماع الصحابة رضي الله عنهم السكوتي حتى لا يرد عليه قول الحسن البصري والزهري ومحمد بن علي وأبي عبيد وأحمد والشافعي في قول أن سهم
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[البناية]
المؤلفة لم يسقط، وبه قالت الظاهرية.
فإن قلت: كيف تصرف الزكاة لهم وهم كفار:
قلت: الجهاد واجب على فقراء المسلمين، وأغنيائهم لدفع شرهم، فكان يدفع إليهم سهم من سهام الفقراء فكان ذلك قائما مقام الجهاد في ذلك الوقت لعجز الفقراء عنه، ثم سقط لعدم الحاجة إلى جهاد الفقراء لكثرة أولي القوة والنجدة من المسلمين.
فإن قلت: لا يجوز النسخ بالإجماع بل لا يتصور، لأن حجية الإجماع بعد وفاته عليه الصلاة والسلام، وروي عن عكرمة أن الصدقات كانت تفرق على الأصناف الثمانية، وكيف انتسخت المؤلفة بالإجماع.
قلت: فيه أجوبة:
الأول: يجوز أن يكون في ذلك نص علمه عمر رضي الله عنه.
الثاني: أنه ليس من باب النسخ بل من انتهاء العلة الداعية إليه، وقد كانوا يعرفون الداعي إلى الحكم، فلما زال الداعي على خلاف ذلك الحكم زال الحكم.
الثالث: أنه إنما كان يدفع إليهم ذلك لقلة عدد المسلمين وكثرة عدد الكفار دفعا للصغار عن بيضة الإسلام، فلما وقع الأمن من شرهم كان الدفع ذلا وصغارا، فيعود الأمر على موضعه بالنقض، وهذا في الحقيقة هو الجواب.
الرابع: ذكر شمس الأئمة، وفخر الإسلام، أن بعض المشايخ يجوز النسخ بالإجماع، لأنه موجب على اليقين كالنص، فيجوز النسخ به، والإجماع أقوى من الخبر المشهور، فإذا جاز النسخ بالمتواتر والمشهور، فبالإجماع أولى، وما شرطوا حياة النبي صلى الله عليه وسلم لجواز النسخ، فإن النسخ بالمتواتر والمشهور يجوز، ولا يتصور هذا إلا بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم.
فإن قلت: ما وجه ما يعمل بسهمهم الذي سقط.
قلت: أما عندنا فينضم إلى سهام البقية من الثمانية ولا يعطى مشرك بحال من الأحوال، وهو قول عمر وعلي وعثمان والحسن والشافعي رضي الله عنهم في قول، وفي قول عنه يعطى كفارهم من غير الزكاة من الصفي فكان نصيب كفارهم ساقطا عنده من الزكاة قولا واحدا، وأما مسلموهم فأربعة أصناف قوم شرفاء قومهم وقوم بنيتهم ضعيفة ففيهما له قولان.
أحدهما: أنهم لا يعطون.
والفقير من له أدنى شيء، والمسكين من لا شيء له، وهذا مروى عن أبي حنيفة رحمه الله
ــ
[البناية]
والثاني: أنهم لا يعطون، ومن أي شيء يعطون فيه قولان، أحدهما من الصدقات، والثاني من خمس الغنيمة، وقوم بإزاء الكفار، ولهم قوة وشوكة إن أعطوا قاتلوهم، وقوم على طرف دار الإسلام، ويقرب منهم قوم من المسلمين لا يؤدون الزكاة إلا خوفا من جيرانهم ففيهم له أربعة أقوال:
أحدها: أنهم يعطون سهما من المصالح.
والثاني: أنهم يعطون من سهم المؤلفة من الزكاة.
والثالث: من سهم الغزاة.
والرابع: من سهم الغزاة ومن سهم المؤلفة، كذا في "تتمتهم".
وفي " التحفة ": اختلف أصحابه في سهم المؤلفة، قال بعضهم: منسوخ، وقال بعضهم: يصرف سهمهم إلى من كان حديث عهد بالإسلام، ممن هو في مثل حالهم من الشوكة والقوة، لئلا يكون ذلك حائلا لأمثالهم عن الدخول في الإسلام.
م: (والفقير من له أدنى شيء) ش: شرع في تفسير الأصناف المذكورة في الآية الكريمة، فبدأ بالفقير اتباعا لما في الآية الكريمة، وفسره بقوله: الفقير من له أدنى شيء.
م: (والمسكين من لا شيء له وهذا مروي عن أبي حنيفة رحمه الله) ش: وبه قال مالك وأبو إسحاق المروزي من أصحاب الشافعي رضي الله عنه، وبه قال من أصحاب اللغة الأخفش وثعلب والفراء، وفي " الكامل ": عن أبي يوسف رحمه الله عن أبي حنيفة الفقير الذي لا يسأل، والمسكين الذي يسأل، وقيل: الفقير الزمن المحتاج والمسكين الصحيح المحتاج وللشافعي رضي الله عنه فيهما قولان في قول يشترط في الفقراء الزمانة وعدم السؤال، وفي قول: لا يشترط كلاهما بل من له حاجة قوية وفي المسكين قولان في القديم: المسكين هو السائل أو من له حرفة، وفي الجديد: السؤال ليس بشرط، المعتبر فيه وجود شيء من المال والقدرة على تحصيله كذا في "تتمتهم".
وروى الحسن عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن الفقير الذي يسأل ويظهر الفقارة وحاجته إلى الناس، والمسكين هو الذي يسأل ولا يعطى وبه زمانة، قال تعالى:{أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16](البلد: آية 16) ، أي لاصق بالتراب من الجوع والعري.
وفي " الينابيع ": قال أبو حنيفة رضي الله عنه: الفقير المذكور في الآية هو المحتاج الذي لا يسأل ولا يطوف على الأبواب، والمسكين الذي يسأل، وفي المرغيناني: الفقير والمسكين الذي لا يملك نصابا غير أن المسكين يسأل والفقير لا يسأل، وروى ابن سماعة -رحمه
وقد قيل على العكس
ــ
[البناية]
الله- عن محمد عن أبي حنيفة رضي الله عنه أن الفقير أسوأ حالا من المسكين، ذكره المرغيناني.
وقيل: تفسير الفقير الذي في الآية فقراء المهاجرين، والمساكين الذين لم يهاجروا، قاله الضحاك، وقيل: الفقير من به زمانة والمسكين الصحيح المحتاج وهو قول قتادة، وقيل: الفقير من لا مال له يقع منه موقعا، ولا يغنيه سائلا كان أو غير سائل.
وقال ابن المنذر رحمه الله: يعزى هذا إلى الشافعي رحمه الله، وقيل: المسكين الذي يخشع ويتمسكن وإن لم يسأل، والفقير يتحمد ويتقبل الشيء سرا ولا يخشع وهذا قول عبد الله بن الحسن البصري.
وقال محمد بن سلمة رحمه الله: الفقير الذي له مسكن يسكنه، والخادم والمسكين الذي لا ملك له وفي " طلبة الطالب ": المسكين الذي أسكنه العجز عن الطواف للسؤال، والفقير المحتاج وقيل: الفقراء من المسلمين والمساكين من أهل الذمة، يروى عن عكرمة رحمه الله.
وقيل: الفقير الذي ليس له مال وهو بين أظهر عشيرته، والمسكين الذي ليس له مال ولا عشيرة.
م: (وقد قيل: على العكس) ش: يعني أن المسكين من له أدنى شيء، والفقير من لا شيء له، وبه قال الشافعي والطحاوي والأصمعي من أهل اللغة، وابن الأنباري، واستدل الأصمعي وابن الأنباري بقول الشاعر:
هل لك من أجر عظيم تؤجره
…
تغيث مسكينا كثيرا عسكره
عشر شياه سمعه وبصره
وقال الله تعالى: {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79](الكهف: آية 79) ، فأثبت لهم سفينة، وروت عائشة رضي الله عنها عن رسول الله صلى الله عليه وسلم:«اللهم أحيني مسكينا وأمتني مسكينا واحشرني في زمرة المساكين، وأعوذ بالله من الفقر» رواه البخاري ومسلم: «وأحيني مسكينا وأمتني مسكينا» رواه الترمذي والبيهقي وإسناده ضعيف.
فدل على أن الفقر أشد، لأن الفقير بمعنى المفقور، وهو المكسور الفقار، ولأن الله تعالى قدمهم على المساكين، والتقديم يدل على الاهتمام بهم، دون غيرهم.
وللجمهور: قَوْله تَعَالَى: {لِلْفُقَرَاءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [البقرة: 273](البقرة: آية 273) سماهم فقراء، ووصفهم بالتعفف، وترك المسألة، ولأن الجاهل لا يحسب غنيا، إلا وله
ولكل وجه. ثم هما صنفان أو صنف واحد وسنذكره في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى.
ــ
[البناية]
ظاهر جميل وهيئة حسنة، فدل على أن ملكه للقليل لا يسلبه صفة الفقر، وأنشد عن ابن الأعرابي يمدح عبد الملك بن مروان ويشكر سعايته.
أما الفقير الذي كانت حلوبته
…
وفق العيال ولم يترك له سبده
سماه فقيرا مع وجود الحلوبة وهي الناقة التي تحلب، ويقال ما له سبد ولا لبد أي شيء، وقال الجوهري: رضي الله عنه: لا قليل ولا كثير، والجواب عن الشعر الذي احتج به ابن الأنباري أن قائله مجهول، ولأن لم يرو أن له عشر شياه، بل لو حصل له عشر شياه لكانت سمعه وبصره.
والجواب: عن الآية إنما سماهم مساكين ترحما واستضعافا، كما يقال لمن امتحن بنكبة وبلية مسكين، وفي الحديث مساكين أهل النار، وقيل: لا نسلم أن إضافة السفينة إليهم بسبيل الحقيقة بأن كانت ملكا لهم فلم لا يجوز أن يضاف إليهم بسبيل المجاز لكونها في أيديهم عارية أو إجارة.
والجواب عن الحديث أنه لم يرد به معنى الفقر، وإنما أراد بقوله:«أحيني مسكينا» أي محسنا متواضعا لله تعالى غير متكبر ولا جبار.
أما قوله: فلأن الفقير بمعنى المفقور، وهو المكسور الفقار ممنوع، فإن الأخفش قال: الفقير من قولهم فقرت له فقرة يعني أعطيته، فيكون الفقير من له قطعة من المال لا تغنيه.
وأما توجيه: تقديم الفقراء فلأنهم لا يسألون، أو قدموا لكثرتهم وتيسير وجودهم على صاحب الزكاة بخلاف المساكين.
وحاصل المذهب عندنا، أن المسكين أشد حالا من الفقير، وعند الشافعي رحمه الله على العكس، والأول: قول ابن عباس وجابر بن زيد، ومجاهد وعكرمة والزهري والحسن ومالك، ومثله عن ابن زيد وأبي عبيد ويونس وابن السكيت وابن عيينة والعتبي والأخفش وثعلب، وقال السغناقي رحمه الله: هو قول أهل اللغة جميعا.
م: (ولكل وجه) ش: أي ولكل واحد من المهاجرين وجه، وفائدة الخلاف لا تظهر في الزكاة بل تظهر في الوصايا والأوقاف والنذور.
م: (ثم هما صنفان أو صنف واحد) ش: أي الفقير والمسكين صنفان أو صنف واحد، لم يبين ذلك وأحال البيان إلى كتاب الوصايا بقوله: م: (وسنذكره في كتاب الوصايا إن شاء الله تعالى) ش: قال فخر الإسلام في " شرح الجامع الصغير ": وعن أبي يوسف أنهما صنف واحد حتى قال فيمن أوصى بثلث ماله لفلان وللفقراء والمساكين أن لفلان نصف الثلث، وللفريقين جميعا