الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد اختار ابنُ عبد الهادي أن يرتِّب كتابه هذا على حسب الطبقات، مبديًا فيه متابعة للذهبي في كتابه "تذكرة الحفاظ"، وقد أشار إلى بَدْء الطبقة وانتهائها حتى الطبقة السَّادسة، ثم أغفل في ذكْرها في باقي الكتاب إلا ما كان يرد أحيانًا على هامشه بخط مغاير لخط الناسخ، وربما أدَّى عدم تحديد سنة الولادة والوفاة بدقَّة للرُّواة الأول إلى حرصه على تحديد طبقتهم .. ثم تلاشتْ مع الزَّمن فائدة ذكر الطبقة.
(ب) علماء الحديث:
رأينا أن المؤلِّفين الذين أفردوا كتبًا لتراجم علماء الحديث اقتصروا في بعض كتبهم على الحُفاظ منهم، وفي بعضها الآخر على المحدِّثين، فابن الدَّبَّاغ يسمي كتابه "طبقات الحفاظ من أهل الحديث"، ويؤلف كتابًا آخر في "طبقات المحدِّثين"، وكذلك الإمام الذهبي له " تذكرة الحفاظ"، وله أيضًا "المعين في طبقات المحدثين".
ولكن هل ينطبق مصطلح حفاظ -وهو اصطلاح متأخر- على كل ما ذكر في التذكرة؟ .. وفيهم بعض الصحابة، وبعض التابعين؟ وقد قال الخطيب فيمن يستحق لقب الحافظ:"غير أن المستحقين لها يقل معدودهم ويعزّ، بل يتعذَّر وجودهم"(1)، فمن صفات الحافظ أن يكون عارفًا بسُنَنِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، بصيرًا مميزًا لأسانيدها، يحفظ منها ما أجمع أهل المعرفة على صحته، وما اختلفوا فيه للاجتهاد في حال نَقَلَتهِ، يعرف فَرْقَ ما بين قولهم فلان حُجَّة، وفلان ثِقَة، ومقبول، ووسط، ولا بأس به، وصَدُوق، وصالح، وشيخ، وليِّن،
(1)"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع": 2/ 172.
وضعيف، ومتروك، وذاهب الحديث، ويميز الروايات بتغاير العبارات، نحو: عن فلان، وأن فلانًا، ويعرف اختلاف الحكم في ذلك، بين أن يكون المسمّى صحابيًّا أو تابعيًّا، والحكم في قول الراوي: قال فلان، وعن فلان، وأن ذلك غير مقبول من المدلِّسين دون إثبات السماع على اليقين، ويعرف اللفظة في الحديث تكون وهمًا، وما عداها صحيحًا، ويميِّز الألفاظ التي أدرجت في المتون، فصارت بعضها لاتصالها بها، ويكون قد أنعم في حال الرواة بمعاناة علم الحديث دون سواه، لأنه علم لا يعلق إلا بمن وقف نفسه عليه، ولم يضم غيره من العلوم إليه (1).
صفات الحافظ هذه، وقد بسطها الخطيب .. جعلت عالمًا كالمِزِّي يتحرَّج أن يطلق لقب حافظ على عالم كابن دقيق العيد، وهو ممن شارك مشاركةً جيدة في علم الحديث (2).
ومن ثَمَّ يتبين لنا لِمَ نأى ابنُ عبد الهادي عن أن يسمي كتابه بما يشير إلى الحفاظ، واكتفى بلفظ أرحب هو "علماء الحديث"، ينضوي تحته المحدِّث والحافظ على السواء، وقد عرف ابن سيد الناس المحدِّث بقوله:"من اشتغل بالحديث رواية ودراية، وجَمْع رواة، واطلع على كثير من الرواة والروايات في عصره، وتميز في ذلك حتى عرف فيه خطه، واشتهر فيه ضبطه"(3).
(1)"الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع": 2/ 173.
(2)
"تدريب الراوي": 1/ 48.
(3)
انظر المصدر السابق.