الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبرع أيضًا في الأصلين (1): عِلْمَي المعقول والمنقول (2)، وبرع في التاريخ (3).
وكان ابنَ الوَرْدي أراد أن يختصر هذا كلَّه في مختصره فقال عنه: "كان بحرًا زاخرًا في العلم"(4).
واستشف الصفدي مستقبله، وقد خَبَرَ حاضره فقال عنه بحزنٍ وألم:"لو عاش كان عجبًا"(5).
7 - نَقْدُه
شُغل ابن عبد الهادي بالرد على معاصريه وغيرهم، حتى عدَّه ابنُ ناصر الدين في طبقة النُّقَّاد المتأخرين (6)، وقد هيأت له ثقافته الموسوعية، وبراعته في فن الرجال والعلل، وما فطر عليه من الجرأة في الحق، وما وهبه الله من صحة الذِّهْن (7) منزلةً سامية بين معاصريه .. ولا شك أنه يتصف بأغلب صفات الناقد -إن لم نقل كلها- التي بسطها ابن ناصر الدين، فليس كل ردٍّ نقدًا يؤخذ به ويحترم إن لم يكن صادرًا عن متكلِّم عارف بمراتب الرجال وأحوالهم في الانحراف والاعتدال،
(1)"ذيل طبقات الحنابلة": 2/ 436.
(2)
"كشاف اصطلاحات الفنون": 1/ 22، 87.
(3)
"البداية والنهاية": 14/ 210.
(4)
"تتمة المختصر": 2/ 480.
(5)
"اعيان العصر"(خ): الورقة 121، وانظر "الوافي بالوفيات": 2/ 161.
(6)
"الرد الوافر": 18.
(7)
"البداية والنهاية": 14/ 210.
ومراتبهم من الأقوال والأفعال، عدل في نفسه، متقن، مجانب للعصبية والهوى (1).
وقد تبوأ ابن عبد الهادي في النقد منزلة رفيعة، جعلته عمدة المحدثين (2) في عصره.
واتسعت رقعة نقده لتشمل معاصريه كالسبكي .. والذهبي (3)، وتتعدى إلى أئمة أعلام سبقوه كابن خزيمة (4)، وابن حَزْم (5)، والخطيب البغدادي (6).
بل تعددت لديه أوجه النقد، فلم يقتصر -وهو المحدِّث- على نقد الحديث، بل شمل النحو والفقه، فردَّ على أبي حيان -إمام النحو في عصره- فيما خطأ فيه ابن مالك (7)، ورد على كبير فقهاء الشافعية الكيا الهراسي (8).
وللأسف لم يصلنا من كتبه إلا القليل .. وبالتالي لم نستطع أن نتبين منهج نقده في الكتب السالفة .. ولعل "الصَّارم المنكي" -وهو أحد أهم كتبه النقدية- يوضح جانبًا منه.
(1) انظر "الرد الوافر": 14.
(2)
"الرد الوافي": 29.
(3)
"ذيل طبقات الحنابلة": 2/ 439.
(4)
"ذيل طبقات الحنابلة": 2/ 438.
(5)
"ذيل طبقات الحنابلة": 2/ 437 - 438.
(6)
"ذيل طبقات الحنابلة": 2/ 437.
(7)
"ذيل طبقات الحنابلة": 2/ 439.
(8)
"ذيل طبقات الحنابلة": 2/ 438.
والكتاب ردٌّ على قاضي قضاة الشَّافعية الإِمام تقي الدين السُّبْكي في رَدِّه على ابن تيمية في مسألة الزيارة.
وقد أثارث هذه المسألة في عصره فتنةً طار شررها في الآفاق على حد تعبير ابن عبد الهادي (1)، وكانت سببًا في سجن ابن تيمية في قلعة دمشق حتى وفاته، وفي إيذاء جماعة من أصحابه.
وكان ابن تيمية قد أجاب عن سؤال: في رجل نوى السَّفر إلى زيارة قبور الأنبياء والصالحين مثل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وغيره، فهل يجوز له في سفره أن يَقْصُرَ الصَّلاة؟ وهل هذه الزِّيارة شرعية؟
وقد أجاب ابن تيمية جوابًا مفصَّلًا دقيقًا، معتمدًا فيه على أقوال الأئمة، ذكره بطوله ابنُ عبد الهادي في "العقود الذرية"(2)، وما يهمنا هنا أن ابن تيمية فرَّق بين أمرين: السَّفر إلى زيارة القبور مسألة -وهي تتضمن شد الرحال وإعمال المَطِيِّ- وزيارة القبور من غير سفر إليها مسألة إخرى، أما الأولى: فمنهيٌّ عنها، وهي بِدْعة، وأما الثانية: فمستحبَّة.
وبرأيي أن ابن تيمية أراد من توضيح هذه المسألة على هذا النحو أن يبيِّن للنَّاس أن على المُسْلم أن تكون أعماله لله تعالى، وأن تكون متفقة مع الشَّرْع الحنيف، فمخالفةُ الرَّسول صلى الله عليه وسلم حتى فيما ظاهره عبادة هو معصية.
(1)"العقود الدرية": 328.
(2)
"العقود الدرية": 332 - 340.
ولكن الناس خلطوا بين المسألتين، وجعلوهما مسألةً واحدة، وعَمِلَ الحسد ما لم يعمله الجهل .. فسُجِن ابنُ تيمية .. وكان ما كان.
وقد رَدَّ على ابن تيمية كثيرٌ من العلماء، منهم قاضي قضاة الشافعية تقي الدين السُّبكي في كتابه "شفاء السّقام في زيارة خير الأنام"(1) وهو على الأرجح قد ألفه في مصر قبل توليه قضاءَ الشام سنة (739 هـ).
وقد انتصر ابنُ عبد الهادي لشيخه وللحقِّ في كتابه "الصَّارم المنكي"، ألفه على الأرجح بعد سنة (739 هـ)، فقد أشار في مقدمته إلى السبكي على أنه ولي قضاء الشام (2).
بَيَّنَ ابنُ عبد الهادي في مقدِّمة كتابه ما وقع فيه السبكي من انحراف عن منهج النقد القويم، وأخذ عليه أمورًا منها:
1 -
أنه صحح الأحاديثَ الضعيفة والموضوعة.
2 -
قوَّى الآثار الواهية والمكذوبة.
3 -
ضعَّف الأحاديث الصحيحة الثابتة والآثار القوية المقبولة.
4 -
حَرَّف الأحاديثَ عن مواضعها، وصَرَفها عن ظاهرها بالتأويلات المستنكرة المردودة.
5 -
اتَّبَعَ هواه فيما كتب.
وأوضح أنه أحب أن ينبِّه على ما وقع فيه السبكي من الأمور المنكرة والأشياء المردودة لئلا يغتر بذلك من يقف عليه ممن لا خِبْرَةَ له بحقائق الدين، مع أن كثيرًا مما فيه من الوهم والخطأ يعرفه خلْقٌ من
(1) طبع في القاهرة بمطبعة بولاق سنة (1318 هـ).
(2)
"الصارم المنكي": 5.