الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محدود، هذا لا يزال يقصر حتى ينتهي.
أما الحالة الثانية فهي حالة الإنسان إذا علم أن الأيام معلومة قد حددها، قال: أقيم عشرة أيام، عشرين يوما، أربعين يوما، أربعة أيام، خمسة أيام، هذه اختلف فيها أهل العلم، فمنهم من قال: تحدد بثلاثة أيام أو محددة بأربعة أيام، أو محددة بخمسة عشر يوما، وقيل: بعشرين يوما. والأحوط في هذا أربعة أيام، إذا نوى أكثر من أربعة أيام أتم، والحجة في هذا إقامة النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع؛ لأنه أقام أربعة أيام، لأنه صبح مكة اليوم الرابع صباحا، وأقام اليوم الرابع والخامس والسادس والسابع، ثم توجه إلى منى وعرفات اليوم الثامن، قال العلماء: هذه أربعة أيام قد عزم على إقامتها، فيقصر فيها الصلاة كما قصر النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا نوى أكثر من ذلك أتم، لأن الأصل هو الإتمام، الواجب هو إتمام الصلاة.
فقد شرع الله القصر في السفر، فهذه إقامة ليست سفرا، فيتم فيها بخلاف الأربعة أيام فأقل فإنها في حكم السفر كما فعله النبي صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع، ولعل هذا أحوط إن شاء الله وأقرب.
20 -
بيان ذكر المذاهب الأربعة في تحديد مدة القصر
س: هل صحيح أن المسافر يقصر الصلاة مهما طالت مدة السفر ولو بلغت سنتين أم أن هناك زمنا محددا ينتهي فيه القصر؟ وما حكم
السفر فيمن يسافر للدراسة أو العمل خارج بلده هل الصحيح أنه يقصر حتى يرجع من الدراسة أو العمل (1)؟
ج: أما السفر فإن المسافر يقصر فيه، السنة له القصر ما دام في الرحلة، ما دام على ظهر سفر، فإذا سافر مثلا من السعودية إلى أمريكا قصر ما دام في الطريق، أو سافر من مكة إلى مصر أو من مصر إلى مكة قصر ما دام في الطريق، وهكذا إذا نزل في البلد فإنه يقصر ما دام في البلد إذا كانت الإقامة أربعة أيام فأقل، إذا عزم على إقامة أربعة أيام فأقل فإنه يقصر كما قصر النبي صلى الله عليه وسلم لما نزل في مكة في حجة الوداع، فإنه نزل في مكة صبيحة أربع ذي الحجة، ولم يزل يقصر حتى خرج إلى منى، وكذلك إذا كان عازما على الإقامة لكنها إقامة لا يحددها بل يقول: متى حصل لي كذا سافرت، فهو لا يدري متى تنتهي، يقول: اليوم أخرج، غدا أخرج، فهو مقيم حتى تأتي حاجته، وحاجته لا يدري متى تنتهي، كالذي يلتمس شخصا عليه دين أو له به حاجة، أو يلتمس سلعة ليشتريها ما يدري متى يجدها، أو خصومة لا يدري متى تنتهي، أو ما أشبه ذلك فإنه يقصر ما دام مقيما، لأن إقامته غير محددة، فهو لا يدري متى تنتهي هذه الإقامة، فله القصر، ويعتبر مسافرا، يقصر ويفطر في رمضان ولو مضى على هذا سنوات.
(1) السؤال الثالث من الشريط رقم (164).
أما من أقام إقامة طويلة للدراسة أو لغيرها من الشؤون وهو يعزم على الإقامة مدة طويلة فهذا الواجب عليه الإتمام، هذا هو الصواب الذي عليه جمهور أهل العلم الأئمة الأربعة وغيرهم أنه يتم، فإذا أقام أكثر من عشرين ليلة، عزم على الإقامة أكثر من عشرين ليلة وجب عليه الإتمام للدراسة وغيرها، واختلف العلماء فيما إذا كانت الإقامة تسعة عشر يوما أو خمسة عشر يوما، فذهب بعض أهل العلم إلى أنه يقصر إذا كانت الإقامة تسعة عشر يوما، جاء ذلك عن جماعة من أهل العلم، ولكن المعتمد في هذا كله هو أن الإقامة تكون أربعة أيام فأقل، هذا هو الذي عليه الأكثرون، وفيه احتياط للدين وبعد عن الخطر في هذه العبادة العظيمة التي هي عمود الإسلام، فنصيحتي لإخواني المسافرين للدراسة وغيرها أن يتموا الصلاة، وألا يقصروا وأن يصوموا رمضان، وألا يفطروا إلا إذا كانت الإقامة قصيرة أربعة أيام فأقل، أو كانت الإقامة غير محددة لا يدري متى تنتهي لأن له حاجة يطلبها لا يدري متى تنتهي كما تقدم، فإن هذا بحكم المسافر، هذا هو أحسن ما قيل في هذا المقام، وهو الذي عليه أكثر أهل العلم، وهو الذي ينبغي فيه الاحتياط للدين، يقول النبي صلى الله عليه وسلم:«دع ما يريبك إلى ما لا يريبك (1)»
(1) أخرجه أحمد في مسنده من حديث الحسن بن علي بن أبي طالب رضي الله عنه برقم (27819).
ويقول: «فمن اتقى الشبهات استبرأ لدينه وعرضه (1)» وإقامته صلى الله عليه وسلم في مكة تسعة عشر يوما عام الفتح محمولة على أنه لم يجمع عليها، ولكنه إنما قام لإصلاح أمور الدين، وتأسيس توحيد الله في مكة، وتوجيه المسلمين إلى ما يجب عليهم، فلا يلزم من ذلك أن يكون عزم على هذه الإقامة، فقد يحمل على أنه أقامها إقامة لم يعزم عليها، وإنما مضت به الأيام في النظر في شؤون المسلمين، وإصلاح ما يحتاج إلى إصلاح، وإقامة شعائر الدين في مكة المكرمة، وليس هناك ما يدل على أنه عزم عليها حتى يحتج بذلك على أن المدة تسعة عشر يوما كما جاء ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما، وهكذا إقامته في تبوك عشرون يوما ليس هناك ما يدل على أنه عازم عليها عليه الصلاة والسلام، بل الظاهر أنه أقام يتحرى ما يتعلق بحرب الروم، وينظر في الأمر، فليس عنده إقامة جازمة لذلك، لأن الأصل عدم الجزم، بالإقامة إلا بدليل وهو مسافر للجهاد والحرب مع الروم، وتريث في تبوك هذه المدة للنظر في أمر الجهاد، وهل يستمر في الجهاد ويتقدم إلى الروم أم يرجع، ثم اختار الله له سبحانه أن يرجع إلى المدينة، وصار الجهاد بعد ذلك على يد الصحابة رضي الله عنهم وأرضاهم.
(1) أخرجه البخاري في كتاب الإيمان، باب فضل من استبرأ لدينه، برقم (52)، ومسلم في كتاب المساقاة، باب أخذ الحلال وترك الشبهات، برقم (1599).
المقصود أنه ليس هناك ما يدل على الجزم على أنه نوى الإقامة تسعة عشر يوما في مكة، ولا أنه نوى الإقامة الجازمة في تبوك عشرين يوما حتى يقال: إن هذه أقل مدة، إنها أقصر مدة للإقامة، بل ذلك محتمل كما قاله الجمهور في تحديد الإقامة بأربعة أيام فأقل، إذا نوى أكثر منها أتم، وفيه احتياط للدين، واحتجاج بإقامته صلى الله عليه وسلم في مكة عام حجة الوداع؛ فإنه أقام أربعة أيام لا شك أنه عازم على الإقامة فيها من أجل الحج من اليوم الرابع إلى أن خرج إلى منى.
وقال جماعة من أهل العلم: إنها تحدد الإقامة بعشرة أيام؛ لأنه أقام عشرة أيام في مكة لحجة الوداع. وأدخلوا بذلك إقامته في منى وفي عرفة، وقالوا: إنها إقامة تكون المدة عشرة أيام المعزوم عليها، وهذا قول له قوته وله وجاهته، لكن الجمهور جعلوا توجهه من مكة على منى شروعا في السفر لأنه توجه إلى منى ليؤدي مناسك الحج، ثم يسافر إلى المدينة، وبكل حال فالمقام مقام خلاف بين أهل العلم، وفيه عدة أقوال لأهل العلم، ولكن أحسن ما قيل في هذا وأحوط ما قيل هو ما تقدم من قول الجمهور، وهو أنه إذا نوى الإقامة في بلد أكثر من أربعة أيام أتم، وإن نوى أقل قصر، وإذا كان ليس له نية محدودة، يقول: أسافر غدا، أسافر بعد غد، لأن له حاجة يطلبها لا يدري متى تنتهي فإن هذا في حكم السفر، والله ولي التوفيق.