الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أ- أنَّه لا بد وأن يبقى (1) من الراجح ما لا يقابل المرجوح، فالمقدار المساوي للمرجوح من الراجح يمتنع ارتفاع أحدهما بالآخر. وأيضًا ليس ارتفاع بعض أجزاء الراجح بالمرجوح أولى من البعض.
ب- أن إثبات الشرع الأحكام المختلفة، كترتيب الثواب والعقاب على الصلاة في الدار المغصوبة، لكونها صلاة وغصبًا يفيد المطلوب، إذ المصلحة والمفسدة إن تساوتا اندفعتا، فلم يحصل ذم ولا مدح وإلَاّ اندفعت المرجوحة فلم يحصل الذم أو (2) المدح.
"
المسألة الثالثة
"
المناسبة تفيد ظن العلية لأنه تعالى شرع الأحكام لمصالح العباد، وهذه مصلحة فيحصل ظن شرعه لها.
أما الأول (3) فلوجوه:
أ- تخصيص الواقعة بالحكم المعين بمرجح عائدٍ إلى العبد، وإلَّا لزم الترجيح بلا مرجح أو خلاف الإجماع، وليس مفسدةً ولا لا مفسدة (4) ولا مصلحةً بالاتفاق فهو مصلحة.
ب- أنَّه تعالى حكيم، والحكيم من يفعل لمصلحةٍ إذ الفعل لا لمصلحة عبث والله تعالى ليس بعابث بالإجماع. ولقوله تعالى:{أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا} (5). وقال تعالى: {رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلًا} (6). وقوله
(1) في "أ"(ينفى بدل (يبقى).
(2)
في "أ" ولا المدح.
(3)
أي المناسبة تفيد ظن العليَّة.
(4)
سقط من "أ"(ولا لا مفسدة) وعبارة المحصول العائد إلى العبد إما أن يكون مصلحة العبد أو مفسدته وإما أن لا يكون مصلحة له ولا مفسدة، والقسم الثاني والثالث باطلان. المحصول 2/ 2/ 238.
(5)
[المؤمنون: 115].
(6)
[آل عمران: 191].
تعالى: {مَا خَلَقْنَاهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ} (1). ولأن السفه نقصٌ وهو على الله تعالى محال.
جـ- أنَّه خلق الآدمي مكرمًا للآية (2)، والسعي في تحصيل مطلوب المكرم ملائم، فيحصل ظن أنَّه لا يشرع إلَّا ما هو مصلحة له.
أنَّه تعالى خلقه للعبادة للآية، والحكيم إذا أمر عبده بشيء يحصل مصلحته ليفرغ باله ويتمكن من الإِتيان به.
هـ- أنَّه تعالى رؤوف رحيم، وليس شرعه ما لا مصلحة فيه للعبد رأفةً ورحمةً وتتأيد الوجوه بمثل قوله تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ} (3). وبقوله تعالى: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ} (4). وقوله تعالى: {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ} (5). وبقوله تعالى: {وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ} (6). وقوله عليه السلام: "بُعثت بالحنفية السهلة السمحة"(7). وبقوله عليه السلام: "لا ضرر ولا إضرار في الإِسلام"(8). ثم المعتزلة صرحوا (9) بالغرض، وصرح الفقهاء بأنه تعالى شرع الحكم لكذا. ولو سمعوا لفظ الغرض لكفروا قائله، مع أنَّه
(1)[الدخان: 39].
(2)
في "ب" للآية وهي قوله تعالى: {وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ} .
(3)
[الأنبياء: 107].
(4)
[الجاثية: 13].
(5)
[البقرة: 185].
(6)
[الحج: 78].
(7)
أخرجه الخَطيب بلفظ: (بعثت بالحنفية السمحة ومن خالف سنتي فليس مني). ورواه الديلمي وأَحمد بسند حسن عن عائشة في حديث الحبشة ولعبهم بلفظ: (لتعلم يهود أن في ديننا فسحة وانني بعثتُ بالحنفية). وترجم البُخَارِيّ في صحيحه، بلفظ:(أحب الدين إلى الله الحنفية السمحة). ورواه في الأدب المفرد عن ابن عباس (كشف الخفا 1/ 217).
(8)
رواه الشَّافعيّ مرسلًا ورواه أَحْمد وعبد الرزاق وابن ماجه من طريق ابن عباس، وفي سنده جابر الجعفي متهم بالكذب ورواه الدارقطني والطبراني والحاكم من حديث أبي سعيد. وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه وروي من طرق أخرى كلها لم تخل من مقال. انظر (نصب الراية 4/ 385).
(9)
في "د" صرحوا جوابًا بالغرض.
لا معنى له إلا ذلك وقالوا أَيضًا: الله تعالى لا يفعل إلَّا ما فيه مصلحة العبد تفضلًا لا وجوبًا.
وأما الثاني (1) فظاهر، وأما الثالث (2) فلوجهين:
أ- أن غير هذه المصلحة ليس مقتضيًا لهذا الحكم، لأنه لم يكن مقتضيًا له (3) في الأزل وإلَّا لكان الحكم ثابتًا في الأزل، والأصل استمراره فالمقتضي هذه المصلحة.
ولقائلٍ أن (4) يعارض هذا بمثله ودفعه سهل يعرف بالتأمل.
ب- أن الملك إذا علم أنَّه لا يفعل إلا لمصلحة. ثم أعطى الفقير درهمًا وعلم مناسبة فقره، ولم يعلم جهة أخرى غلب على الظن أنَّه إنما أعطاه لفقره، فدار الظن بالعلية مع الأمور الثلاثة، والدوران يفيد ظن العلية فيحصل ظن أنَّه تعالى إنما شرع هذا الحكم لهذه المصلحة.
الثاني: لبيان أن المناسبة تفيد ظن العلية، وإن لم نعلل أحكام الله تعالى بالأغراض إنَّا لما تأملنا رأينا الأحكام والمصالح متقارنتين فالعلم بأحدهما يقتضي ظن حصول الآخر، فإن تكرير الشيء مرارًا كثيرةً على وجه يقتضي ظن أنَّه متى وقع وقع علىٍ ذلك الوجه. فإن دوران الفلك وطلوع الكواكب وغروبها لما تكررت مرارًا كثيرةً على نسقٍ واحد ظننا وقوعها عليه في الغد، وكذلك في حصول الشبع عقيب الأكل والاحتراق عند مماسة النَّار.
(1) الثاني: إشارة إلى قوله في الصفحة السابقة (هذا الفعل مشتمل على هذه الجهة من المصلحة).
(2)
الثالث: يعني به (حصول الظن لشرعية الحكم لهذه المصلحة).
(3)
في "أ"(لهذا الحكم) بدل (له)، وقد يكون سبب الإبدال أنَّه تفسير للضمير في "له"، لأن الضمير يرجع لهذا الحكم انظر المحصول 2/ 2/ 243.
(4)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي هذا على دليل الإِمام الرَّازيّ -رحمهما الله- وذلك بالمعارضة بمثل، دليله، وذلك أن يقال يمتنع أن تكون هذه المصلحة علةً للحكم، لأنها لم تكن مقتضية له في الأزل لما ذكرتم، والأصل بقاؤه على العدم. وقد أجاب التستري عن اعتراض القاضي الأرموي هذا بأن الحكم ثابت، ولا بد له من علو وهي هذه المصلحة لا غيرها.
فإن قيل: لا نسلم أنه تعالى شرع الأحكام لمصالح العباد. قوله: تخصيص الواقعة بالحكم لمرجحٍ عائدٍ إلى العبد. قلنا: التخصيص إذ لم يتوقف على مرجحٍ بطل الدليل، وإن توقف وكان فعل العبد واقعًا بالله كان الله تعالى فاعلًا للكفر والمعصية فلا يجب أن يفعل ما فيه مصلحة العباد.
وإن كان واقعًا بالعبد ولم يتمكن من الترك، والقدرة والداعية مخلوقتان لله تعالى وهما تستلزمان المعصية، عاد المحذور، وإن تمكن منه توقف ترجيح أحدهما على الآخر على مرجح مخلوق لله تعالى دفعًا للتسلسل، ويكون ذلك مستلزمًا للمعصية، فيعود المحذور، وتمام تقريره في مسألة تكليف ما لا يطاق.
ثم ما ذكرتم معارض بوجوه تكليف ما لا يطاق (1) وغيرها.
أ- أن فعل العبد واقع بالله تعالى، إذ لو وقع (2) به لعلم تفاصيله فإنَّه واقع على كيفيَّةٍ وكميةٍ مخصوصة مع جواز وقوعه على خلافها، فله مخصص (3) وإلا استغنى حدوث العالم (4) في وقتٍ معين عن (5) مخصص، والتخصيص هو القصد إلى إيقاعه على ذلك الوجه، فهو مشروط بالعلم بذلك الوجه واللازم منتفٍ، لأن النائم بل اليقظان يفعل من غير علم بكيفية فعله، إذ الفاعل للحركة البطيئة فاعل للسكون معها أو لغرض آخر قائم بها. ولم يشعر بشيء منهما (6) ولأنه مقدورٌ لله تعالى إذ مصحح المقدوريَّة الإمكان. فلو قدر عليه العبد لقدر على كل ممكن. ولكان إذا أراد إيجاده لتوارد عليه مؤثران مستقلان، أو أراد أحدهما تحريك محل والآخر تسكينه لتمانع المؤثران ويجتمع الضدان
(1) ذكر الإِمام الرَّازيّ في المحصول وجوهًا سبعة من التكليف بما لا يطاق، ولم يذكر القاضي الأرموي هنا منها شيئًا. انظر المحصول من لوحة 3/ 57/ 59، مخطوطة لندن، والنسخة المطبوعة 2/ 2/ 257.
(2)
أي إذ لو كان مخلوقًا للعبد.
(3)
في "هـ"(تخصيص) بدل (مخصص).
(4)
في "أ"(العلم) بدل (العالم).
(5)
في "أ"(غير) بدل (عن).
(6)
سقط من "ب، جـ، د" ولم يشعر بشيء منهما.
فكل كفرٍ ومعصية بفعل الله تعالى، فلم يجب أن يفعل لمصالح العباد.
فإن قلتَ: الله تعالى أجرى عادته بخلق الكفر والإيمان عند اختيارهما فمنشأ المفسدة اختيار المكلف. قلت اختيار المكلف من فعله تعالى لكونه فاعلًا لكل أفعال العباد وعاد المحذور.
ولقائلٍ أن يقول (1): إنه يشعر بذلك عند الإيجاد لكنه لا يبقى ولا نسلم أن الإمكان علَّة المقدوريَّة بل هو شرطها. ثم تعلق إرادة أحد القادرين بالمقدور مشروطة بعدم تعلق إرادة الآخر به (2).
ب- تخصيص إيجاد العالم بوقت معين وتقدير الكواكب والسموات والأرضين بمقادير مخصوصة ليس لمصلحة العباد. فإن الزيادة والنقصان جزء لا يتجزأ لا تغير مصالحهم.
جـ- خلق الكافر الفقير الذي لم يزل في المحنة إلى زمان الموت ليس لمصلحته.
د- خلق الخلق وركب فيهم الشهوة والغضب حتَّى يقتل بعضهم بعضًا، مع قدرته على خلقهم ابتداء في الجنة واغنائهم بالمشتهيات الحسنة عن القبيحة.
(1) خلاصة هذا الاعتراض أنَّه يتضمن ثلاثة اعتراضات:
الأول: هو نفي اللازم، لأن الفاعل لغرض قائم يشعر بالحركة عند إيجاده ولكن هذا الشعور لا يبقى.
والثاني: عدم تسليم اللزوم، فإن الإمكان ليس علةَ المقدوريَّة بل شرطها ولا يلزم من وجود الشرط وجود المشروط، لجواز أن تنتفي القدرة على البعض، إما لمانع يختص به أو لعدم وفاء قدرة العبد بالكل.
الثالث: أنَّه يلزم توارد المؤثرين أو تمانعهما، لو لم يكن تعلق أحد القادرين بالمقدور مشروطًا بعدم تعلق إرادة الآخر وهو ممنوع.
وقال بدر الدين التستري: الأولى أن يقال في المنع الأول، كما قال ابن سينا: أن التخيل شيء والشعور به شيء آخر، وبقاء التخيل في الذكر بعد زواله أمر آخر، فلا يلزم من انتفاء التخيل في الذكر انتفاء الكل، وغايته أن يكون لا شعور له بذلك الشعور ولا يلزم منه انتفاء ذلك الشعور لتغايرهما.
(2)
(ب) موجودة في "أ" فقط.
ولا يقال: إنما فعل ذلك ليعوضه (1) في الآخرة ويكون لطفًا لمكلفٍ آخر. لأن إعطاء ذلك ابتداءً أولى ولا يحسن إيلام حيوان لطفًا لآخر. ثم لا نسلم أنَّه يغلب على ظننا أن شرع هذا الحكم لهذه المصلحة. وأما الاستصحاب والدوران فسنتكلم (2) عليهما وأيضًا الدوران إنما يفيد الظن لو سلم عن المزاحم. والمزاحم أن العبد يميل بطبعه إلى جلب (3) المصلحة ودفع المضرة والله تعالى منزه عنه. ولأن المعتبر دفع الحاجة الخاصة، والملك يراعي النوع، والله تعالى عادته مختلفة في رعاية المصالح جنسًا ونوعًا، ولذلك قد يَحْسُنُ شيء عند الله تعالى ويقبحُ عندنا وبالعكس ولذلك تستقبح الشرائع المتقدمة.
ثم ما ذكرتم معارض بوجوه:
أ- حكم الشرع لو كان لدفع الحاجة لدفعَ الحاجات كلها، لأنها مشتركة في نفس الحاجة ومتمايزة بخصوصياتها. فما به يمتاز كل حاجةٍ عن غيرها لا يكون حاجةً فلا يعتبر (4).
ب- تعليل حكم الله تعالى بالمصلحة يستلزم خلاف الأصل، لأن عبادات الشرائع المتقدمة قبيحة الآن، فذلك لشرطٍ لم يوجد أو لمانعٍ وجد، وتوقيف المقتضى على شرط وتخلف حكمه عنه لمانع (5) خلاف الأصل.
جـ- تعليل الحكم بالحكمة لا يجوز لخفائها وعدم ضبطها، ولا بالوصف لأن التعليل بالوصف لاشتماله على الحكمة (6) فهي العلة (7).
(1) في "أ" لتعرضه وما في النسخ الأخرى موافق للمحصول 2/ 2/ 264.
(2)
في "د"(فتكلم) بدل (فستتكلم).
(3)
في "أ"(طلب) بدل (جلب).
(4)
سقط من "ب، د" فلا يعتبر وموجود في "جـ" في الهامش.
(5)
في "د"(عند المانع) بدل (عنده مانع).
(6)
في "هـ"(المصلحة) بدل (الحكمة).
(7)
الوصف إنما يكون علةَ الحكم، لاشتماله على تلك الحكمة فيعود الأمر إلى كون الحكمة علة لعلية الوصف، فيعود المحذور وهو عدم انضباط الحكمة.
والجواب عن المعارضات: أنها تنفي التكليف (1)، والقول بالقياس تفريع عليه، وإنما يرد الفرقان (2) على من يوجب تعليل (3) أحكام الله تعالى بالمصالح، ونحن نقول بأنه تعالى يفعل على وجه مصلحة العبد تفضلًا.
وعن المعارضات الأخيرة: النقض بتعليل أفعالنا بالأغراض.
" الرابع (4): المؤثر"
وهو كون هذا الوصف مؤثرًا في جنس (5) الحكم دون غيره، وذلك يفيد كونه أولى بالعلية كالبلوغ فإنَّه يؤثر في رفع الحجر عن المال، فيؤثر في رفع الحجر عن النكاح دون الثيابة (6)، فإنَّها لا تؤثر في جنس هذا الحكم وهو رفع الحجر. وكقولهم الأخ من الأبوين مقدم في الميراث، فيقدم في النكاح واعلم أن ذلك إنما يتم بالمناسبة أو السير.
" الخامس (7): الشبه"
قال القاضي: (الوصف المناسب للحكم لذاته هو المناسب (8) ومستلزم المناسبة الشبه وغيرهما الطرد). وقال غيره: (للوصف إذا لم يناسب الحكم،
(1) وذلك لأن الأفعال كلها مخلوقة لله تعالى.
(2)
الفرقان اللذان تقدما بين الغائب والشاهد إنما يردان على من قال يجب تعليل أحكامه تعالى بالدواعي والمقاصد، ونحن نقول: إن الله تعالى يفعل على وجه مصلحة العبد تفضلًا منه ويجوز له تركه.
(3)
في "ب، د" مع ذكر تعليل. وفي "هـ" على تعليل. وفي "أ" على من يعلل وما في"جـ" أولى لموافقتها المحصول 2/ 2/ 270.
(4)
في "جـ، د" بدل الرابع (د).
(5)
في "د" جنس هذا الحكم.
(6)
في "أ، ب"(النيابة) بدل (الثيابة).
(7)
في "جـ، د"(هما) بدل (الخامس).
(8)
مثال المناسب: تعليل الحرمة بالسكر، ومثال الشبه تعليل إيجاب النية بالطهارة، وليس إيجاب النية للطهارة لكونها طهارة بل لكونها لعبادة. ومثال الطرد قولهم: الخل لا يزيل الجنابة لأنه مائع لا يبني عليه القنطرة.
لكن عرف بالنص. تأثير جنسه القريب في جنس الحكم القريب فهو الشبه، لأنه من حيث إنه غير مناسب يظن أنَّه لا يعتبر، ومن حيث إنه عرف تأثير المذكور دون سائر الأوصاف يظن أنَّه أولى بالاعتبار). والشافعي يسمي هذا القياس قياس غلبة (1) الأشباه لوقوع الفرع بين أصلين مشابهته لأحدهما أقوى.
وعن الشَّافعيّ (2) اعتبار الشبه في الحكم، وعن ابن عُليَّة (3) اعتباره في الصورة (4).
والحق أنَّه مهما حصلت المشابهة فيما يظن أنَّه علة للحكم أو مستلزم لعلته، صح القياس ثم قياس الشبه حجة خلافًا للقاضي.
(1) في "ب" علية وفي "أ" علة.
(2)
نبه الأسنوي رحمه الله على أن ذكر قياس الأشباه داخل قياس الشبه ليس بسليم، لأنهما مختلفان، وقد فعل هذا الإِمام في المحصول وبعض من اشتغل بالمحصول وقال: قياس الشبه هو: إذا تردد فرع بين أصلين قد أشبه أحدهما في الحكم، والآخر في الصورة، فالشافعي يعتبر المشابهة في الحكم، ولهذا ألحق العبد المقتول بسائر المملوكات في وجوب القيمة وإن زادت على الدية. ولكن ابن عُليَّة: اعتبر المشابهة في الصورة حتى لا يزاد على الدية، وهذا هو الذي خالف القاضي أبو بكر في حجيته.
وأما قياس الأشباه. فليس فيه خلاف لأنه متردد بين قياسين مناسبين، ولكن وقع التردد في تعيين أحدهما. ومثال ذلك تردد الكفارة بين العبادة والعقوبة.
ومنشأ الإشكال، أن الإِمام في المحصول قال: والشافعي يسمي هذا القياس، قياس غلبة الأشباه، وهو وقوع الفرع بين أصلين مشابهته لأحدهما أقوى. قاسم الإشارة بمقتضى اللغة يشار به إلى متقدم وهكذا ظن من اشتغل بالمحصول، وكان قصد الإِمام الإشارة إلى ما بعده والله أعلم انظر (نهاية السول 3/ 64، المستصفى 452).
(3)
هو إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن مقسم الأسدي، ولد سنة إحدى وخمسين ومئة أبو إسحاق ابن عُليَّة من رجال الحديث، مصري كان جهميًا يقول بخلق القرآن. قال ابن عبد البر: له شذوذ كثيرة، ومذاهبه عند أهل السنة مهجورة، جرت له مع الإِمام الشَّافعيّ مناظرات، وله مصنفات في الفقه شبيهة بالجدل منها: الرد على مالك تفقه عليه أبو جعفر الأبهري، تُوفِّي ببغداد وقيل بمصر سنة ثمان عشرة ومئتين. له ترجمة في (الأعلام 1/ 25، لسان الميزان 1/ 34، تاريخ بغداد 6/ 20).
(4)
مثال الشبه في الصورة عند ابن غلية: رَدُّ الجلسة الثَّانية في الصلاة إلى الجلسة الأولى في عدم الوجوب.
لنا: أن ظن كون الوصف مستلزمًا للعلة يفيد ظن الاشتراك فى العلة عند (1) الاشتراك فيه.
وعلى التفسير الآخر أنَّه لما ثبت أن الحكم لا بد له من علةٍ، ورأينا تأثير جنس هذا في جنس الحكم دون غيره، كان ظن إسناد الحكم إليه أقوى والظن حجةٌ للنص والمعقول المتقدمين (2).
احتج (3) بأن الوصف إن كان مناسبًا فهو مقبول، وإلا هو الطرد المردود.
وجوابه: أن غير المناسب ينقسم إلى الطرد والشبه، والشبه مقبول عندنا (4).
" السادس (5): الدوران (6) "
وهو: (ثبوت الحكم عند ثبوت الوصف وانتفاؤه عند انتفائه). وقد يكون ذلك في صورةٍ كدوران حرمة المعتصر من العنب مع كونه مسكرًا. وقد يكون في صورتين وهو يفيد ظن العليَّة.
وقيل (7): يفيد اليقين. وقيل لا يفيد شيئًا.
لنا (8):
(1) في "أ" عند ظن الاشتراك.
(2)
في "ب، د"(المقدمين) بدل (المتقدمين).
(3)
احتج أي القاضي أبو بكر الباقلاني بدليلين، ذكرهما الإِمام الرَّازيّ رحمه الله في محصوله، واكتفى القاضي الأرموي في التحصيل بالأول منهما.
والثاني: هو أن المعتمد في إثبات القياس عمل الصَّحَابَة رضوان الله عليهم، ولم يثبت عنهم أنَّهم تمسكوا بالشبه، وجوابه أن هذا النوع من القياس يثبت بعموم قوله (فاعتبروا) أو بوجوب العمل بالظن انظر المحصول 2/ 2/ 281.
(4)
سقط من "أ"، والشبه مقبول عندنا.
(5)
في "جـ، د" بدل (السادس)(و).
(6)
سماه الآمدي وابن الحاجب بالطرد والعكس.
(7)
ونسب هذا القول الإِمام في المحصول إلى طائفة من المعتزلة 2/ 2/ 285.
(8)
"أ" مضافة مني وهي غير موجودة في جميع النسخ.
أ- أن الحكم له علة وليست غير هذا الوصف، لأنه لم يوجد قبل الحكم، وإلَّا لزم التخلف والأصل بقاؤه.
فإن قيل: كما دار الحكم مع الوصف دار مع تعينه وحصوله في ذلك المحل، قلنا: التعين والحصول في المحل عدميان، وإلَّا لزم التسلسل في الأمور الوجوديَّة والعدم لا يكون علةً ولا جزؤها.
أما الأول: فلأن اللاعليَّة (1) المحمولة على العدم عدمي، فنقيضه وهو العلية (2) ثبوتي فلا تكون وصفًا للعدم.
وأما الثاني: فلأن العلية لا تحصل بدون هذا الجزء، ولو فرض غيره فتحصل عنده فلها علة وليست غيره، فهو علة لعليَّة العلة وعاد المحذور.
ولقائلٍ أن يقول (3): البرهان إنما قام على بطلان تسلسل العلل ثم العلة الشرعية مفسَّرة (4) بالمعرِّف، والعدم يجوز كونه معرفًا وجزءًا منه.
ب (5) - بعض الدورانات تفيد ظن العلية فإن من دعي باسم فغضب. ثم لم يُدع به فلم يغضب حتَّى تكرر ذلك حصل ظن عليَّة دعائه بذلك الاسم لغضبه وهذا الظن إنما حصل من ذلك الدوران، فإنهم لو سئلوا عنه لعللوا به فكذا كل دوران لقوله تعالى:{إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ} (6). والعدل (7) التسوية.
(1) في "جـ"(اللا علة) بدل (اللا علية).
(2)
في "جـ"(العلة) بدل (العلية).
(3)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي -رحمه الله تعالى-: أنَّه يمنع بطلان هذا التسلسل، لأن التسلسل الذي قامت الأدلة على بطلانه هو تسلسل العلل، وهذا هو تسلسل المعلولات. ولم يقم دليل على بطلانها. وقد مر ذلك في بحث الاشتقاق مفصلًا، ولو سلمنا بطلانه فالعدم إنما يمتنع لو كان علة بمعنى المؤثر ونحن نريد بها أنها معرِّفة.
(4)
في "هـ"(معرفة والمعرف يجوز كونه معدومًا وجزءًا منه).
(5)
في "أ، هـ" الثاني بدل "ب".
(6)
[النحل: 90].
(7)
سقط من "ب" والعدل.
احتج (1) بوجهين:
أ (2) - بعض الدورانات لا يفيد ظن العلية لدوران العلة مع المعلول، والحكم مع جزء العلة وشرطه واحد المعلولين أو أحد المضافين مع الآخر.
والحوادث بعضها مع البعض، والعلم مع المعلوم وغير ذلك، فكذلك كل دورانٍ لما ذكرتم، ولأن الدوران من حيث هو دوران مشترك بين الدورانات فلو كان هو المفيد للظن، لحصل في الكل.
ب- أن الطرد غير معتبرٍ وفاقًا. والعكس غير مفيدٍ شرعًا. فكذا المجموع المركب.
والجواب عن:
أ- أنا ندعي إفادة ظن العلية في دوران لم يقم عليه دليل عدم العلية فسقط ما ذكرتم.
ب- أن المجموع قد يخالف الآحاد في الحكم (3).
" السابع (4): السبر والتقسيم (5) "
السير والتقسيم المنحصر يعتبر في العقليات والشرعيات وفاقًا، كقوله: علة حرمة الربا إما الطعم أو الكيل بالإجماع. والكيل ليس بعلةٍ فتعين الطعم. والمنتشر- كما إذا لم يدع الإجماع- يفيد ظن العليَّة.
فإن قيل: لا نسلم الحصر وفساد ذلك القسم (6). ثم الطعم (7) قد ينقسم إلى قسمين والعلة أحدهما.
(1) في جميع النسخ ما عدا "هـ" احتجوا بوجوه وما في "هـ" موافق للمحصول 2/ 2/ 291.
(2)
قرر الرَّازيّ هذا الوجه بأربعةَ عشرَ دليلًا المحصول 2/ 2/ 291.
(3)
سقط من "ب" في الحكم.
(4)
في "أ" السابع والثامن. وفي "جـ، د" ز.
(5)
كان الأولى أن يقول التقسيم والسبر بدل السبر والتقسيم، لأن التقسيم متقدم في الخارج، حيث أن حصر الأقسام يكون قبل سبرها واختبارها.
(6)
في "ب" غير ذلك القسم. وفي "د" وفساد ذلك غير ذلك القسم، والمعنى لا يسلم فساد ذلك القسم فلم لا تكون مجموع الأوصاف علة.
(7)
سقط من "هـ" الطعم.
والجواب عن:
أ- أن المجتهد إذا بحث ولم يطلع على غيرهما، ثم اطلع على فساد أحدهما تعيَّن عليه العمل والمناظر تلوه. فكفاه هذا القدر على أنا نقول غيرهما لم يكن موجودًا بوصف كونه علة والأصل بقاؤه.
ب- التمسك بالنقض وغيره. نعم لا يتمسك بعدم المناسبة، لأنه يحوجه إلى بيان انتفائه فيما يدعي أنَّه علةٌ، وذلك ببيان مناسبته المغني عن السبر.
جـ- أنَّه منتفٍ إجماعًا.
" الثامن (1): الطرد"
الوصف الذي لا يناسب الحكم ولا يستلزم ما يناسبه إذا قارنه الحكم (2) في جميع الصور المغايرة لمحل النزاع وهو المسمى بالاطراد.
وقيل: يكفي فيه مقارنته له في صورة.
واحتجوا على التفسير الأول بإلحاق النادر بالغالب، وبأن إذا رأينا فرس القاضي على باب الأمير. ظننا كون القاضي في داره وما ذاك إلَّا للاطراد.
احتج المخالف بأن الحد مع المحدود والجوهر مع العرض وذات الله تعالى مع صفاته ولا عليَّة.
وجوابه: أن ذلك لا يقدح في العلية ظاهرًا: كما في الغيم الرطب.
والمناسبة والدوران والإيماء، فإن (3) كلَّ واحدٍ منهما دليل مع التخلف فلا يقدح التخلف في كونه دليلًا.
واحتجوا على التفسير الثاني: بأن العلم (4) بأن الحكم له علة،
(1) في "أ" التاسع. وما في "جـ، د" ح.
(2)
سقط من "هـ" الحكم.
(3)
سقط من "ب، جـ، د، هـ" من (فإن إلى .. كونه دليلًا)، وإثباتها موافق للمحصول 2/ 2/ 308 وبدونها لا يستقيم المعنى.
(4)
سقط من "ب، جـ، د" بأن العلم.
والعلم (1) بحصول هذا الوصف وعدم الشعور بغيره يفيد ظن عليته، لأنه لو لم يحصل ظن عليته لما أسند (2) إلى علةٍ وهو باطل (3) أو أسند إلى غيره، وأنه يقتضي الشعور بغيره (4).
ولقائل أن يقول (5): الإسناد إلى الغير (6) يقتضي الشعور به جملة، والمقدر عدم الشعور به تفصيلاً (7)، بل دليله ما سبق مِراراً.
خرج بهذا قولهم: مائع لا يبنى القنطرة على مثله، فلا تزال النجاسة به كالدهن وأمثاله، إذ ثم حصل الشعور بوصف آخر أولى بالاعتبار وهو كون الدهن لزجاً.
احتج المخالف: بأن تعينِ هذا الوصف للعلية دون غيره، قول بالتشهي فيبطل لقوله تعالى:{وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ} (8).
وجوابه: أن ما ذكرنا لما أفاد ظن العليَّة لم يكن قولاً بالتشهي.
تنبيه: المتمسك بمثله لا يلزمه نفي سائر الأوصاف، إذ نفي المعارض ليس على المستدل، ولو أبدى المعترض وصفاً آخر قاصراً ترجح جانب المستدل بالأمر بالقياس. وإن كان متعدياً إلى الفرع لم يضره، لجواز اجتماع المعرفين على معرف واحد (9). وإن كان متعدياً إلى فرع آخر فعلى المعلل الترجيح.
(1) سقط من "هـ" العلم.
(2)
(لما استدل عليه) في "أ" بدل (لما أسند إلى علة).
(3)
سقط من "هـ" وهو باطل.
(4)
سقط من "جـ" بغيره.
(5)
خلاصة اعتراض القاضي رحمه الله أن الإسناد إلى الغير يقتضي الشعور بالمسند إليه إجمالاً، والشعور المنفي في الدليل هو الشعور التفصيلي، فلا تنافي بين المقدور واللازم على تقدير إسناد الحكم الى غير الوصف المقارن، وهو الشعور الإجمالي.
(6)
في "أ" إلى غيره.
(7)
سقط من "ب" تفصيلاً
(8)
[مريم: 59].
(9)
سقط من "أ، هـ" واحد