الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
الفصل الثاني " في المستفتي
مسألة
يجوز للعامي تقليد المجتهد في فروع الشرع خلافًا لمعتزلة بغداد، وفرق الجبائي بين مسائل الاجتهاد (1) وغيرها.
لنا وجهان:
أ- الإجماع قبل حدوث المخالف، فإن العلماء في كلِّ عصرٍ لا ينكرون على العامة الاقتصار على أقاويلهم.
ب - العامي إذا حدث له حادثة مأمور بشيء إجماعًا، وليس هو التمسك بالبراءة الأصلية إجماعًا. ولا الاستدلال بأدلة سمعية لأنه لا يلزم تحصيلها حين بلوغه، إذ الصحابة لم يلزموا أحدًا بها وتحصيلها يمنعهم من الاشتغال بمعايشهم ولا حين حدوث الواقعة، إذ اكتساب صفة الاجتهاد في ذلك الوقت غير مقدورٍ فهو التقليد.
واعلم أن المانعين من التقليد يمنعون الإجماع وخبر الواحد والقياس والتمسك بالظواهر ويقولون: حكم العقل في المنافع الإباحة وفي المضار الحظر، وإنما يترك هذا الأصل لنص قاطع المتن والدلالة والعامي إن كان ذكيًا عرفَ حكم العقل (2) وإلَّا نبه المفتي عليه (3).
(1) أي أنَّه يجوز في مسائل الاجتهاد ولا يجوز في غيرها.
(2)
في "ب"(الأصل) بدل (العقل).
(3)
سقط من "ب، د" من المفتي عليه إلى المفتي عليه.
ثم إن وجد في الواقعة نص قاطع على المتن والدلالة يخالف حكمه حكم العقل نبهه المفتي عليه.
ولا يقال: معرفة ذلك يمنعه من المعاش (1)، ثم الوجهان منقوضان بالتكليف بمعرفة أدلة الأصول، ولا يجاب بأن الواجب معرفة أدلة النبوة والتوحيد جملة، وأنها سهلة وفي الفروع يحتاج إلى علومٍ كثيرة وتبحرٍ (2) شديد، لأنه لا فرق بين المباحث الإجمالية والتفصيلية، لأنَّه إن علم جميع مقدمات الدليل حصل العلم النظري، وإن لم يعلم بعضها بل قبله تقليدًا كان (3) مقلدًا في النتيجة، مثلًا دليل أن للعالم صانعًا مختارًا مركب من أن للحوادث مؤثرًا، وليس هو الموجب فهو المختار، والأول يعلمه العوام دون الثاني، فقطعه أن للعالم صانعًا مختارًا تقليدٌ. وكذا في دليل النبوة، ثم تحصيل تلك الأدلة تفصيلًا صعب فإن جاز التقليد في أحدهما جاز في الآخر وإلَّا فلا.
احتجوا (4) بوجوه:
أ - قوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (5).
ب - ذم التقليد بقوله: {إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} (6).
ج - قوله عليه الصلاة والسلام: "طلب العلم فريضةٌ على كل مسلم"(7).
د - جواز التقليد يفضي إلى عدمه، لأنه يقتضي جواز التقليد في المنع منه.
(1) في "جـ، هـ" بعد المعاش، (لأن التكليف بمعرفة أدلة الأصول الدقيقة أكثر منعًا له من المعاش) والأرجح أن هذه العبارة تفسيرية من النساخ، لأن ما بعدها في معناها.
(2)
في جميع النسخ ما عدا "هـ" بحث و (هـ) موافقة للمحصول 2/ 3/ 105.
(3)
في "د"(المكان) بدل (كان).
(4)
أي منكرو التقليد في فروع الشرع.
(5)
[الأعراف: 33].
(6)
[الزخرف: 22].
(7)
رواه ابن ماجة وابن عبد البر وغيرهم بأسانيد كثيرة جدًّا لا تخلو كلها من مطعن، حيث روي عن نحو عشرين تابعيًا. ضعفه ابن عبد البرّ والبزار وأحمد ومثل به الحاكم وابن الصلاح للحديث المشهور الَّذي لم يصح سنده. وحسنه المزي وابن حجر وبسط العراقي الكلام عليه في تخريجه الكبير للإحياء (كشف الخفا 2/ 43).
هـ - قوله عليه الصلاة والسلام: "اجتهدوا فكل ميسر لما خلق له"(1).
و- المستفتي لا يأمن جهل المفتي فيقع في المفسدة.
ز- لو جاز هنا (2) لجاز في الأصول بجامع العمل بالظن.
والجواب عن الأخير الفرق المذكور.
وعن غيره: النقوض (3) بالعمل بالظن في أمور الدنيا والقيم والأروش وخبر الواحد والقياس إن سلما.
والدليل على الجبائي: أن الفرق يوجب تحصيل درجة الاجتهاد، إذ لا تمييز بينهما سوى المجتهد.
احتج (4): بأن الحق في غير المجتهد فيه واحد، فالتقليد فيه يوقعه في غير الحق.
وجوابه: إنه في المجتَهد فيه واحد لأنه (5) لا نامن أن يقصِّر المفتي في الاجتهاد أو يفتيه بخلاف اجتهاده.
(1) لم أعثر عليه بلفظ اجتهدوا والذي وجدته (اعملوا فكل ميسرٌ لما خلق له) ورواه الطبراني عن ابن عباس وعن عمران بن حصين بلفظ: (اعملوا فكل ميسر لما يهدى له من القول)(انظر: كشف الخفا: 1/ 147، والفتح الكبير 1/ 202).
(2)
في "أ، ب"(هذا) بدل (هنا).
(3)
في "هـ"(النقض) بدل (النقوض).
(4)
أي الجبائي وهو الَّذي أجاز التقليد في مسائل الاجتهاد دون غيرها.
(5)
سقط من "أ، هـ" واحد لأنه.