الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تعالى: {وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى} (1) وقوله تعالى: {قَالَ فَعَلْتُهَا إِذًا وَأَنَا مِنَ الضَّالِّينَ} (2).
د - أن الأمة اجتمعت على أن الِإجماع ليس حجة يجوز مخالفتها. فلو جاز ذلك لأجمعوا على الخطأ والحديث ينفيه.
" الوجه الخامس"
ما عوَّل عليه إمام الحرمين (3): أن الِإجماع إن صدر عن الدلالة كشف عنها فلا يجوز مخالفتها، وإن كان لامارة والتابعون أجمعوا على المنع من مخالفته قاطعين به، وذلك كاشف عن دلالة مانعة من مخالفته، وهذا ضعيف. إذ الاجماع قد يكون لشبهةٍ كإِجماع المبطلين مع كثرتهم. سلمنا: لكن لمَّا جاز صدور الِإجماع عن الامارة جاز صدور إجماع التابعين على المنع من مخالفته عنها.
"
المسألة الثالثة
"
قالت الشيعة: لا يخلو زمان عن إمام معصوم، فكان الِإجماع حجةً لكشفه عن قوله.
بيان الأول: أن الِإمام لطف للعلم، فإن الخلق إذا كان لهم رئيس قاهر يمنعهم عن القبائح ويحثهم على الواجبات، كان حالهم فيها أحسن.
واللطف واجب، لأنه كالتمكين (4) في إزاحة العذر والتمكين واجب. فإن من دعا غيره إلى طعامه مريداً نفعه، وعلم أنه لو لم يتواضع له لا يتناوله عد تركه للتواضع كرد الباب عليه، ولأنه لو لم يجب فعل اللطف، لم يقبح فعل المفسدة إذ لا فرق في العقل بينهما. وعصمة الِإمام واجبةٌ دفعا للتسلسل.
(1)[الضحى: 7].
(2)
[الشعراء: 20].
(3)
انظر البرهان 1/ 630.
(4)
في "أ" كالمتمكن.
قالوا: فظهر بهذا أن العلم بكون الِإجماع حجةً لا يتوقف على العلم بالنبوة، وأن إجماع كل أمةٍ حجة.
والاعتراض أن تفاوت حال الخلق بوجود الِإمام وعدمه، إنما يُعلم لو جرب حالهم عند عدمه وعندكم ما خلا زمان عنه. بل المجرب ظهور هذه المفاسد عند خوف الِإمام وتقيته وتستره. سلمنا: لكن التفاوت إنما يظهر بوجود الإمام القاهر دون الذي لا يعرف وأنتم لا توجبونه. وما توجبونه وهو أصل الِإمام ليس بلطف (1). سلمنا: لكن إنما يجب نصبه إذا خلا عن جهات المفسدة إذ يكفي في قبح الفعل اشتماله على جهة مفسدة.
فإن قلت: لو قدح هذا في كون الِإمام لطفاً، لقدح في كون معرفة الله تعالى لطفاً ولتعذر القطع بوجوب شيءٍ على الله تعالى. كيف؟ ولم يشتمل نصب الِإمام على جهةِ قبح إذ لا دليل عليها، ولأن جهاته محصورة في الكذب والظلم والجهل وغيرها، وأنها منتفية فيه.
قلت: أما الأول فساقط إن حصل بين الموضعين فرق، وإلا وجب الجوِاب فيهما ثم المعرفة لطف يجب علينا. فقام الظن فيه مقام العلم (2).
والإمام لطف يجب على الله تعالى، وأنه عالم بجميع الأشياء، فمتى علم جهة قبح فعل لم يجب عليه. وأما الثاني: فلا نقول في فعل معين أنه لطف، بل نقول: ما هو لطف في نفسه يجب على الله فعله. وأما الثالث: فلا يلزم من انتفاء الدليل انتفاء المدلول، ولا من عدم وجدان الدليل عدم وجوده.
وأما الرابع: فمنقوض بقبح صوم يوم العيد مع انتفاء الجهات المذكورة، ثم الحجة التقسيم المنحصر. سلمنا أن القادح في كونه لطفاً تعيين مفسدة لكنه يشتمل على مفسدة ترك المكلف الفعل القبيح لا لقبحه. بل لخوف الإمام وترتب العقاب على الفعل. وإن اشتمل عليها لكن جاز الفرق بينهما. كيف؟ وترتب (3) العقاب إنما يعرف من الشرع. فورود الشرع به يعرفنا عراه عنها
(1) في "أ" وهو أصل ليس بلطف الإمام.
(2)
في "د"(المعرفة) بدل (العلم).
(3)
في "هـ" ترتيب.
فإنه لا يرد بالمفسدة، ولو قيل كذلك في نصب الِإمام لزم كونه شرعياً، وكذلك يشتمل على نفي زيادة المشقة في فعل الطاعة وترك المعصية المقتضية لزيادة الثواب. سلمنا أنه لطف لكن لا في كل زمان إذ رب زمانٍ يستنكف الناس فيه عن طاعة الرئيس. ويعلم الله منهم أن فعلهم الطاعة وتركهم المعصية عند عدم الِإمام أكثر، وهذا وإن كان نادراً لكنه يحتمل في كل زمانٍ، فلم يجب القطع بوجوب نصب (1) الإمام في زمان ما.
فإن قلتَ: إنما يقع الاستنكاف عن (2) معين.
قلتُ: وقد يقع عن مطلق الِإمام. كيف؟ وعندكم إنما يقع المطلق في قوم معينين، فقد يقع (3) الاستنكاف عن طاعتهم. سلمنا أنه لطف، فلمَ لا يجوز أن يكون له بدل فإن الإِمام معصوم عندكم وليس عصمته لِإمام آخر فله لطف غير الِإمام. فجاز مثله في الأمة. سلمنا أنه لطف عيناً. لكن في المصالح الدنيوية أو الدينية الشرعية، كإقامة الصلاة وأداء الزكاة وتحصيل الأصلح في الدنيا غير واجب على الله تعالىِ، فما هو لطف فيه أولى، وكذلك ما هو لطف في الشرعيات لا يجب عقلاً.
فإن قلتُ: إنه لطف في الدينية العقلية، لأنه إذا حثهم (4) على فعل الواجب وترك القبيح العقليين تمرنت نفوسهم عليها فأتوا بذلك لوجه الوجوب والقبح.
قلتُ: لا نسلم تفاوت حال الخلق بوجود الِإمام فيه. إذ ربما يبغضونه ويعاندونه فيأتوا بذلك لمجرد الخوف. سلمنا: لكن لا نسلم أن كل لطف واجب.
قوله أولاً أنه كالتمكين (5). قلتُ: القياس لا يفيد اليقين. ثم ترك
(1) سقط من "ب" نصب.
(2)
في "أ"(من) بدل (عن).
(3)
في (جـ، د)(يمنع) بدل (يقع).
(4)
في (ب، جـ)(حثوا) بدل (حثهم).
(5)
في "أ" كالمتمكن.
التواضع عند إرادة المضيف (1) تناول الضيف الطعام، إنما يقدح (2) فيها إذا بلغت الغاية والله تعالى ربما لم يرد منا فعل الطاعة إرادة في الغاية (3). إذ المتفضل لا يجب عليه التفضل في الغاية.
قوله ثانياً: إنه كفعل المفسدة. قلتُ: الفرق أنَّه فعل المفسدة إضرار، وترك اللطف ترك الِإنفاع (4). والأول أشد. ثم إنَّما يجب لطف محصل فإن المضيف إنَّما يجب عليه التواضع إذا علم أو ظن أنَّه يأكل عنده إذ لو علم أنَّه لا يأكل لو تواضع لقبح منه. والِإمام لطف (5) مقرب إذ الذي يعلم كون الِإنسان عند وجوب الإِمام أقرب إلى الطاعة وأبعد عن المعصية.
سلمنا: لكنَّه إنَّما يجب لو كان مقدوراً كمسألة الضيف (6). فرب زمانٍ علم الله تعالى كفر كل من يخلقه فيه أو فسقه. فلم يمكن خلق الإمام فيه.
ثم إنه مبني على التحسين والتقبيح العقليين، والوجوب على الله تعالى وقد أبطلا في علم الكلام ثم ما ذكرتم منقوض بعدم عصمة القضاة والأمراء والجيوش، وبعدم الِإمام في كل بلدةٍ، وبعدم (7) كونه عالمًا بالغيوب، وقادراً على الاختفاء عن العيون والطيران في الهواء.
فإن قلتَ: لعله تعالى علم فيها مفسدةً لا نعلمها أو علم خلوها عنها، لكن لم يجب عليه تعالى (8).
قلتُ: جاز (9) مثله في الإمامة. ثم لا نسلم وجوب عصمة الإمام، فقد تكون الأمة لطفاً له وهو لطف لهم، ولا يكفي في القدح فيه القدح في
(1) سقط من "أ، هـ" المضيف.
(2)
في "هـ"(فيما) بدل (فيها)؛
(3)
في "ب"(العامة) بدل (الغاية).
(4)
في "أ"(الإيقاع) بدل (الانفاع).
(5)
في "هـ"(الامامة) بدل (الإمام).
(6)
سقط من "ب" كمسألة الضيف.
(7)
سقط من "أ" بعدم.
(8)
(عليه تعالى) في "ب" فقط.
(9)
في "هـ"(جاك) بدل (جاز) وفي "ب"(لعل).
أدلة الِإجماع. ثم لا نسلم أن الإجماع يشتمل على قوله، وأن قوله صواب إذ يجوز عندهم (1) فتوى الإمام بالكفر والفسق خوفاً وتقية، فلعله خاف مخالفة الخلق فأفتى بالباطل. ثم الخطأ لعله صغيرة فلم يقدح في العصمة.
فإن قلتَ: الصغيرة منفرة. قلت: العجز الشديد والفتوى بالكفر والفسق مع الإيمان المغلظة، أكثر تنفيراً مع تجويزكم إياه.
(1) في "ب"(عندكم) بدل (عندهم).