الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
الفصل الثالث" في الاستفتاء
"
المسألة الأولى
"
لا يجوز الاستفتاء إلَّا ممن يغلب على ظنه كونه مجتهدًا ورعًا وفاقًا، ويعلم ذلك بانتصابه للفتوى واجتماع المسلمين على سؤاله، فإن أفتاه إثنان بشيء واحد تعيَّن عليه، وإلَّا فقيل: يجب الاجتهاد في أعلمهم وأورعهم لأنه في أماراتهما كالمجتهد في أمارات الحكم، وقيل: لا، إذ علماء الأعصار لم ينكروا على العوام ترك ذلك. ثم إذا اجتهد فإن ظن الرجحان مطلقًا تعيَّن العمل به، وإن ظن الاستواء مطلقًا فإما أن يقال: لا يجوز وقوعه كاستواء أمارتي الحل والحرمة، أو إن وقع يسقط التكليف ويكون مخيرًا وإن ظن الاستواء في الدين دون العلم وجب تقليد الأعلم، وقيل: يتخير وإن ظن العكس وجب تقليد الأدين وإن ظن أحدهما أدين والآخر أعلم، فالأقرب ترجيح الأعلم لأنه مفيد الحكم علمه.
"
المسألة الثانية
"
الأقرب جواز الاستفتاء لعالمٍ غير مجتهد، والمجتهد إذا اجتهد وغلب على ظنه حكم لم يجز له تقليد مخالفة وفاقًا، وان لم يجتهد لم يجز له التقليد عند أكثر أصحابنا وجوزه أحمد (1) ...............................
(1) هو أحمد بن محمد بن حنبل أبو عبد الله الشَّيباني الواثلي إمام المذهب الحنبلي، ولد سنة أربع وستين ومائة، أصله من مرو وكان أبوه والي سرخس، ولد ببغداد ونشأ بها منكبًا على طلب العلم، وسافر في سبيله أسفارًا كثيرةً إلى الكوفة والبصرة ومكة والمدينة واليمن والشام والثغور والمغرب والجزائر والعراقين وفارس وخراسان صنف المسند يحتوي على ثلاثين ألف =
............... وإسحاق بن راهويه (1) وسفيان (2) مطلقًا. وقيل يجوز لغير الصحابة تقليدهم دون غيرهم وهو القول القديم (3).
وقيل: يجوز للعالم تقليد الأعلم فقط وهو قول محمد بن الحسن. وقيل: يجوز فيما يخصه دون ما يفتي به. وقيل: يجوز فيما يخصه إذا كان الوقت يفوت (4) بالاجتهاد وهو قول ابن سريج (5).
لنا وجهان:
أ - قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُواْ} ترك العمل به في العامي لعجزه.
ب - القياس على التقليد في الأصول بجامع القدرة على الاحتراز عن الضرر المحتمل، ولا يفرق بأن المطلوب في الفروع الظن وأنه يحصل بالتقليد، لأن المطلوب الظن الأقوى وهو قادر عليه فلا يجوز تركه.
فإن قيل: ما ذكرتم ينتقض بقضاء القاضي فإنه لا يجوز خلافه، ويجوز السؤال عن خبر الرسول صلى الله عليه وسلم للقادر على سؤاله. قلنا: لما دلَّ الدليل على أن
= حديث، له كتب أخرى منها: الناسخ والمنسوخ والرد على من ادعى التناقض في القرآن وعلل الحديث والمسائل، امتحن في مسألة خلق القرآن في زمن المعتصم وضرب وسجن ثمانية وعشرين شهرًا، فصبر وتوفي سنة 238 هـ، له تراجم في: الأعلام 1/ 192، ابن عساكر 2/ 28، حلية الأولياء 9/ 225، صفوة الصفوة 2/ 190، وفيات الأعيان 1/ 17، تاريخ بغداد 2/ 414، البداية والنهاية 10/ 325، دائرة المعارف الإسلامية 1/ 491، وأفرد بكتب منها لمحمد أبي زهرة وابن الجوزي وغيرهم.
(1)
هو إسحاق بن إبراهيم بن مخلد الحنظلي التميمي المروزي ولد سنة 161 هـ أبو يعقوب بن راهويه عالم خراسان في عصره من سكان مرو. وهو أحد كبار الحفاظ، طاف البلاد لجمع الحديث أخذ الحديث عن البخاري ومسلم وأحمد والترمذي والنسائي وغيرهم، أثنى على علمه الدارمي صاحب السنن والخطيب البغدادي، استوطن بنيسابور وتوفي بها. لقب براهويه لأنه ولد في طريق مكة وراهويه باللغة الفارسية (ابن الطريق)، له ترجمة في: الأعلام 1/ 284، تهذيب التهذيب 1/ 216، ميزان الاعتدال 1/ 85، وفيات الأعيان 1/ 64، حلية الأولياء 9/ 234، طبقات الحنابلة 68، تاريخ بغداد 6/ 345.
(2)
هو سفيان الثوري من المحصول 2/ 3/ 115.
(3)
للشافعي.
(4)
سقط من "ب" يفوت.
(5)
في "هـ" ابن شريج.
قضاء القاضي لا ينقض، كان الإذعان له عملًا بذلك الدليل لا تقليداً والنقض الثاني (1) ممنوع.
احتجوا (2) بوجوه:
1 -
قوله تعالى: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (3).
ب- قوله تعالى: {أَطِيعُوا} (4) الآية والعلماء أولوا الأمر لنفاذ أمرهم على الولاة.
جـ- قوله تعالى: {فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ} (5) الآية.
د- قال (6) عبد الرحمن بن عوف لعثمان بمشهد من الصحابة رضي الله عنهم: (أبايعك على كتاب الله وسنة رسوله وسيرة الشيخين فقال: نعم ولم ينكر أحد). وعلي رضي الله عنه لم ينكر جوازه بل لم يقبله (7) ونحن لا نقول بوجوبه.
هـ- القياس على العامي بجامع العمل بالظن.
و- القياس على قبول خبر الواحد. بل أولى لأنه أخبر بعد استفراغ وسعه.
ز- الفتوى توجب الظن فجاز العمل به.
والجواب عن:
أ - النقض بما بعد الاجتهاد فإنه غير عالم أيضاً، ثم ما عنه السؤال غير مذكور فيحمل على السؤال عن وجه الدليل، ويؤيده عدم وجوب السؤال عن الحكم.
(1) سقط من "أ، هـ" الثاني.
(2)
المجوزون مطلقاً.
(3)
[الأنبياء: 7].
(4)
إشارة لقوله تعالى: {أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} .
(5)
[التوبة: 122].
(6)
نقل الإمام الرازي هذا الدليل مقرراً إجماع الصحابة رضوان الله عليهم على ذلك، ولكن القاضي الأرموي- رحمه الله لم يَدَّع الإجماع وقد تقدم مثل هذا كثيراً وعبارة القاضي الأرموي أدق.
(7)
في "د"(تقليد) بدل (يقبله).