الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
الفصل الثاني" "في إثبات كونه حجة في الشرعيات
"
قيل: العقل يقتضي جواز التعبد به. وقيل: بل المنع منه. ومن الأولين من قال (1): وقع ذلك متفقين على أن السمع دل عليه.
ثم قال القفال وأبو الحسين البَصْرِيّ: دل العقل عليه أَيضًا، وأنكره الباقون منا ومن المعتزلة، ثم زعم أبو الحسين: أن دلالة السمع عليه ظنية، والباقون أنها قطعية. ثم قال القاشاني (2) والنهرواني (3): لا يعمل (4) إلَّا بقياس هو كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفف، أو نص على علته تصريحًا، أو لإيماء (5)، ومنهم من قال: لم يقع لأنه ليس في السمع ما يدل عليه (6). وقيل: بل لأن الكتاب والسنة والإجماع دلت على عدمه.
(1) سقط من "ب" قال.
(2)
القاشاني: نسبة إلى قاشان، ولعله أبو بكر محمَّد بن إسحاق، كان ظاهريًا ثم صار شافعيًا، له كتاب الرد على داود الظاهري في إبطال القياس، وكتاب إثبات القياس، وأصول الفتيا. ترجم له الفهرست 314، تبصير المنتبه 1146. معجم المؤلفين 9/ 41، هداية العارفين 2/ 20، اللباب 1/ 235.
(3)
النهرواني: هو المعافى بن زكريا النهرواني، ولد سنة 305 هـ، وتوفي سنة 390 هـ، كان معاصرًا لابن النديم صاحب الفهرست، تفقه على مذهب ابن جرير الطبري. له في الأصول كتاب التحرير والمنقر وله ردود على أبي داود الظاهري والكرخي. له ترجمة في (شذرات الذهب) 2/ 134، الفهرست 328، معجم البلدان 8/ 355، النجوم الزاهرة 4/ 201، الفتح المبين 1/ 211.
(4)
سقط من "ب" لا يعمل.
(5)
سقط من "هـ" أو لإيماء.
(6)
سقط من "هـ" عليه.
ومن الآخرين من قال (1) خص المنع بشرعنا، لأن مبناه على الجمع بين المختلفات (2)، والفرق بين المتماثلات وهو قول النظَّام.
ومنهم من عم المنع زاعمًا أنَّه لا يفيد علمًا ولا ظنًا. وقيل يفيد الظن، لكنه لا يجوز العمل به لأنه قد يخطئ. وقيل (3) يجوز العمل بالظن، لكن حيث يتعذر النص كالقيم والأروش (4) والفتوى والشهادات إذ لا نهاية لها، ولا يتعذر النص على هذه الأحكام، فالاكتفاء بالقياس اقتصار على الأدنى مع القدرة على الأعلى. والمختار وهو قول جمهور علماء الصَّحَابَة والتابعين أنَّه
حجة.
لنا وجوه: الأول. قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} (5) والاعتبار من العبور، يقال عَبَرتُ عليه وعَبَرَ النهر والمعبر لما يعبر عليه، والمعبر ما يعبر فيه (6)، والعَبْرة: الدمعة، وعبَّر الرؤيا: أي جاوز عنها إلى ما يلازمها. والقياس عبور من حكم الأصل إلى حكم الفرع. فإن قيل: الاعتبار: الاتعاظ إذ لا يقال لمن استعمل القياس العقلي (7) معتبر، ويقال لمن استعمل القياس الشرعي ولم يتفكر في أمر معاده أنَّه غير معتبر.
وقال تعالى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَعِبْرَةً} (8) وقال تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً} (9).
ويقال: (السعيد من اعتبر بغيره). والترجيح معنا لأنه أسبق (10) إلى
(1) سقط من "د" قال.
(2)
في "أ" بين المختلفين.
(3)
هذا القول نسبه الرَّازيّ لأهل الظاهر انظر المحصول 2/ 2/ 34.
(4)
المراد بالقيم والأروش. قيم المتلفات وأروش الجنايات.
(5)
[الحشر: 2].
(6)
سقط من "هـ"(المعبر لما يعبر عليه).
(7)
سقط من "ب، هـ" العقلي.
(8)
[آل عمران: 13].
(9)
[النحل: 66].
(10)
في "ب"(اشتق) بدل (أسبق).
الفهم، ثم وجد ما يمنع من العمل على الحقيقة لركاكة قوله:{يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا} (1) فقيسوا الذرة على البر.
ثم المجاوزة مشتركة بين القياس الشرعي والدليل العقلي والنص والبراءة الأصلية، والدال على العام لا يدل على الخاص لا بلفظه (2) ولا بمعناه.
فإن قلتَ: لا بد له من نوع وليس البعض أولى فيجب الكل. قلتُ: ليس المأمور به هو القياس الشرعي فقط للركاكة المذكورة، بل يجب اعتبار (3) آخر وهو الاتعاظ مثلًا (4)، وفي إيجابه إعمال اللفظ فلا حاجة إلى غيره. ثم هنا اعتبار واجب وهو قياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف، وما نص على علة الحكم فيه والأقيسة العقلية. وفي الأمور الدنيوية وتشبيه الفرع بالأصل في أنَّه لا يستفاد حكمه إلَّا من النص والاتعاظ بالقصص والأمثال، ثم الحمل على العموم يقتضي الأمر بالتسوية بين الأصل والفرع في الحكم. وفي أن لا يستفاد حكمه إلا (5) من النص، وليس إخراج أحدهما أولى، بل إبقاء ما ذكرنا أولى (6) عملًا بالاحتياط واحترازًا من الظن. ثم أنَّه مخصوص إذ لا يجب القياس عند تعادل الإِمارات وتعارض الأقيسة، وفيما لا دليل عليه كمقادير الثواب وأجزاء الأرض، وما عرف مرة بالقياس أو النص وفيما لو قال: أعتق غانمًا لسواده، والعام المخصوص ليس بحجة، ثم أنَّه حجة ظنية لأنه تمسك بالاشتقاق، والمسألة يقينية، ثم أنَّه أمر فلا يفيد التكرار وهو خطاب مشافهة فاختص بالحاضرين.
(1)[الحشر: 2].
(2)
سقط من "ب" لا.
(3)
في "هـ"(أمر ما) بدل (آخر).
(4)
سقط من"هـ" مثلًا.
(5)
سقط من "أ" إلَّا.
(6)
سقط من "أ" أولى.
والجواب عن:
أ (1) - إن جعله حقيقةً في المجاوزة أولى إذ يقال: اعتبر فاتعظ، وتعليل الشيء بنفسه لا يجوز ولأنها حاصلة في الاتعاظ وغيره، فجعله حقيقةً فيها (2) يدفع الاشتراك والمجاز. قوله: لا يقال لمن استعمل القياس العقلي أنَّه معتبر ممنوع. إذ يقال: فلان يعتبر الأشياء العقلية بغيرها.
نعم من قاس مرة لا يقال له: إنه معتبر مطلقًا، كما لا يقال له: قائس مطلقًا إذ لا يستعملان مطلقًا إلَّا في المستكثر. وقوله: يقال لمن لم يتفكر أنَّه غير معتبر. قلنا: نعم لكن مجازًا لما أنَّه لم يأت بالمقصود الأعظم، فالآيتان محمولتان على المجاوزة.
ب- منع المانع والركة المذكورة إنما جاءت لأنه لا مناسبة بين خصوص الصورة والمذكور قبل. فإن من سئل عن مسألة فأجاب بما يتناول تلك وغيرها كان حسنًا.
جـ- أنَّه عام لصحة الاستثناء وترتيب الحكم على المسمى.
ولقائل أن يقول (3): الثاني إثبات القياس بالقياس.
د- أن التسوية في الحكم أسبق إلى الفهم، إذ يفهم من قول السيد- إذا ضرب عبدًا على ذنب- لغيره اعتبر به. الأمر بالتسوية في الحكم فهو
(1) لم يتقدم ترقيم للاعتراضات الواردة على دليل من يريد إثبات حجية القياس، بل هي مبدوءة بقوله:(فإن قيل) الاعتبار: الاتعاظ. قبل صفحتين وهذه الأجوبة: أجوبة لما ورد بعدها من اعتراضات.
(2)
سقط من "هـ" فيها.
(3)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي رحمه الله على جواب الإِمام الرَّازيّ -رحمه الله تعالى- الثالث، وهو جعل الاعتبار عامًا لترتب الحكم على المسمى أن هذا مصادرة على المطلوب، لأنه إثبات للقياس بالقياس. وذلك لأنه ثبت الحكم بوجود علة في كل صورةٍ من صور الاعتبار، وهذا هو القياس.
وقد أجاب بدر الدين التستري عن هذا الاعتراض بأنه ليس من القياس في شيء، لأن شرط القياس كون بعض أفراد الاعتبار أصلًا والبعض الآخر فرعًا. وهنا ليس كذلك والقياس لا يتحقق بدون ذلك. ومجرد التعليل لا يسمى قياسًا. ولكن الأسنوي وافق صاحب التحصيل.
انظر نهاية السول 3/ 12، وحل عقد التحصيل لوحة 107.
أولى بالاعتبار (1)، ولأنه لا مناسبة بين سياق الآية والتسوية الثَّانية.
هـ، و- ما سبق (2).
ز- أنَّه يتناول كل الأوقات لتناوله كل الأقيسة.
هـ - أنَّه لا فرق بين الصحابي وغيره فيه بالإجماع.
الثاني (3): خبر معاذ (4) وهو مشهور، ولو كان مرسلًا لكن الأمة تلقته بالقبول، وروي أنَّه عليه السلام أنفذ معاذًا وأبا موسى الأَشْعريّ إلى اليمن، فقال عليه السلام: بم تقضيان؟ فقالا: إذا لم نجد الحكم في السنة، نقيس الأمر بالأمر فما كان إلى الحق أقرب عملنا به، فقال عليه السلام:"أصبتما" وقال عليه السلام لابن مسعود: "اقصر بالكتاب والسنة إذا وجدتهما فإن لم تجد الحكم فيهما فاجتهد برأيك" فإن قيل: لا نسلم صحة الحديث، فإن قوله فإن لم تجد في كتاب الله يناقض قوله تعالى:{مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (5) وقوله تعالى: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (6) ولأن الحديث يفيد جواز الاجتهاد في زمًان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم. وسؤاله عما به يقضي بعد نصبه للقضاء، ومنع تخصيص الكتاب والسنة بالقياس. ولأنه روي أنَّه لما قال: أجتهد برأي قال عليه السلام: "أكتب إلى أكتب إليك" والجمع بينهما ممتنع، لأنهما في واقعةٍ واحدة، ولأنه ورد فيما يعم به البلوى وشرطه
(1) في "هـ"(بالإبقاء) بدل (الاعتبار).
(2)
بالنسبة للجواب عن "هـ" أنَّه قد تقدم أن العام المخصوص حجة.
(3)
وبالنسبة للجواب عن "و" ما سبق من أن المسألة ليست علميةً، لأن الغرض العمل والعمل يكفي فيه الظن.
(4)
في "جـ، د" بدل الثاني يوجد (ب).
فصل الإِمام الرَّازيّ في المحصول في كيفية احتجاج الفريقين بهذا الحديث بما يبهر العقل، فقد أورد نحو عشرين شبهة للمانعين، ثم ناقشها جميعها مما يدل على رسوخ أقدام الأصوليين وعلو كعبهم في المعقول والمنقول، وبمثل هذا العمل يرد على من اتهم الأصوليين بالجهل في فن الحديث، انظر المحصول 2/ 2/ 52، وقد تقدم تخريج الحديث مفصلًا في صفحة (1/ 395) من هذا الكتاب.
(5)
[الأنعام: 38].
(6)
[الأنعام: 59].
الاشتهار. ثم قوله: أجتهد برأي محمول على بذل الجهد في طلب الحكم من النصوص الخفية، وقوله:(فإن لم تجد). لا ينفي النص الخفي والجلي إذ يصح أن يقال: يعني به عدم الوجدان في صرائحه أو مطلقًا. ثم العموم غير مراد. إذ العمل بالقياس عندكم معلوم من الكتاب والسنة، أو يقول: هو محمول على التمسك بالبراءة الأصلية، أو بأن الأصل في الأفعال الإباحة أو
الحظر أو بالمصالح المرسلة أو طريقة الاحتياط في تنزيل اللفظ على أقل مفهوماته أو أكثرها، أو على قياس نصٍ على علته. أو هو كقياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف.
ثم أنَّه يدل على جواز القياس في زمان النَّبِيّ عليه السلام. وما بعده ليس في معناه لقوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} (1) والتكميل بالتنصيص على كليات الأحكام في الكتاب والسنة، والقياس مشروط بعدم الوجدان فيهما.
والجواب عن (2):
أ- أن المراد من الآية اشتمال الكتاب على كل الأمور ابتداءً أو بواسطة، والكتاب يدل على الحكم المطلوب بالقياس بواسطة (3) الدلالة على قبول قول الرسول الدال على صحة القياس (4) الدال على الحكم.
والاجتهاد في زمان النَّبِيّ عليه السلام جائز فيما لا يمكن تأخيره إلى استعلام النَّبِيّ عليه السلام، والمراد من قوله لما بعث معاذًا. لما عزم على بعثه وتخصيص الكتاب والسنة بالقياس منعه كثيرون ورواية الزيادة
(1)[المائدة: 3].
(2)
هذه الأجوبة أوردها على الاعتراضات الواردة على الاستدلال بخبر معاذ رضي الله عنه على حجية القياس. والاعتراضات لم ترد مرقمة بل بدأها المصنف بقوله: فإن قيل لا نسلم صحة الحديث وذلك قبل صفحتين.
(3)
في "هـ"(لدلالته) بدل (بواسطة الدلالة).
(4)
سقط من "ب" الدال على صحة القياس.
غير مشهورة (1). وأيضًا (2) تقتضي التأخير فيما لا يحتمله، ويمكن الجمع يحمل الزيادة على ما يقبل التأخير ووروده (3) فيما يعم به البلوى سبق جوابه.
ب- أن قوله فإن لم تجد عام لصحة الاستثناء. وقول معاذ: (أحكم بكتاب الله). أراد ما دل عليه الكتاب بنفسه لا بواسطة، وإلَّا لكان قوله إذا لم يوجد في الكتاب حكمت بالسنة خطأ.
ب- أن البراءة الأصلية ودليل (4) العقل معلوم لكل أحد من غير اجتهاد، والقياسان الباقيان لا يفيان بمعرفة جميع الأحكام، وإنما سكت النَّبِيّ عليه السلام عند قوله (أجتهد رأيي). لعلمه أن الاجتهاد وافٍ بها، وإذا تعذر الحمل على هذه الأشياء حمل على القياس الشرعي للإجماع على الحصر.
د- ما سبق (5).
الثالث: قوله عليه السلام لعمر لما سأله عن قبلة الصائم: "أرأيت لم تمضمضتَ بماء ثم مججته أكنت شاربه"(6) استعمل القياس إذ المفهوم منه أنَّه عليه السلام حكم بأن القبلة بدون الإِنزال لا تفسد الصوم، كما أن المضمضة بدون الِإزدراد لا تفسده، بجامع عدم حصول المطلوب من المقدمتين فكان حجةً لوجوب التأسي به، ولأن قوله أرأيتَ؟ يخرج مخرج التقدير، وإنما يصح ذلك لو تمهد عند عمر كون القياس حجةً. إذ لا يقال لمن لا يعتقد كون الكتاب حجة إذا سئل عن حكم. أليس قال الله تعالى كذا
(1) يعني اكتب إليَّ أكتب إليك.
(2)
سقط من "ب، د، هـ" وأيضًا.
(3)
أي ورود الخبر المرسل فيما تعم به البلوى إذا تلقته الأمة بالقبول، يكون حجة عند الشَّافعيّ رضي الله عنه كخبر معاذ.
(4)
سقط من "هـ" الواو.
(5)
وهو أن الإجماع بعد اختصاص الاجتهاد بعصر الرسول صلى الله عليه وسلم ، لأن النصوص وافية بالأصول فقط
دون الفروع التي لا يمكن استنباط الأحكام لمعظمها بدون القياس.
(6)
أخرجه أبو داود والنَّسائيّ وصححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم، وقال النَّسائيّ منكر، انظر فتح الباري 4/ 152.
وكذا؟ وكذلك قوله عليه السلام للخثعمية (1): "أرأيت إن كان على أبيك دين فقضيتيه أكان يجزئ؟ فقالت: نعم. قال: فدين الله أحق بالقضاء"(2).
الرابع (3): معتمد الجمهور وهو أن بعض الصَّحَابَة عمل بالقياس.
كتب عمر إلى أبي موسى: (اعرف الأشباه والنظائر وقس الأمور برأيك)(4).
(1) الخثعمية: امرأة مجهولة لم تسمَّ وهي من خثعم بن أنمار بن أراش بن كهلان من قحطان كانت منازلهم في سروات اليمن والحجاز، وورد وصفها في بعض الروايات: أنها امرأة شابة وهي التي كان ينظر إليها الفضل بن العباس، وهو رديف الرسول صلى الله عليه وسلم في حجة الوداع.
(2)
أفرد الإِمام الرَّازيّ في المحصول حديث الخثعمية برقم خاص، وقد أجاد الأرموي بإلحاقه بحديث عمر لأنه مسلك واحد. والحديث الموجود جزء من حديث رواه الأئمة الستة، وروى البُخَارِيّ في كتاب الاعتصام مثله عن امرأةٍ من جهينة. انظر نصب الراية 3/ 156، المحصول 2/ 2/ 72.
(3)
نقل الإمام الرَّازيّ في هذا الدليل الإجماع على عمل الصَّحَابَة بالقياس، وهذا النقل لا يسلم له، وقد أجاد القاضي الأرموي حيث لم يسمه إجماعًا. لأنه استفاض ذم جمع من الصَّحَابَة القياس، فالإجماع لا يسلم لمدعيه.
(4)
نظرًا لأهمية رسالة عمر بن الخطاب إلى أبي موسى الأَشْعريّ واعتبارها ركنًا في إثبات القياس وقواعد القضاء نوردها كما أوردها الدارقطني.
عن أبي المليح الهذلي قال: كتب عمر رضي الله عنه إلى أبي موسى الأَشْعريّ أما بعد: فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة فافهم إذا أدليّ إليك بحجة، وانفذ الحق إذا وضح، فإنَّه لا ينفع تكليم بحقٍ لا نفاذَ له. وآس بين النَّاس في وجهك ومجلسك وعدلك حتَّى لا ييأس الضعيف من عدلك ولا يطمع الشريف في حَيفك. البينة على من ادعى واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إلَّا صلحًا أحل حرامًا أو حرم حلالًا. ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمن راجعت فيه نفسك وهديت فيه لرشدك أن تراجع الحق، فإن الحق قديم ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل، الفهم الفهم فيما يختلج في صدرك مما لم
يبلغك في الكتاب أو السنة. اعرف الأمثال والأشباه، ثم قس الأمور عند ذلك فاعمد إلىٍ أحبها عند الله وأشبهها بالحق فيما ترى. واجعل لمن ادعى بينة أمدًا ينتهي إليه فإن أحضر بينة أخذ بحقه وإلَّا وجهت القضاء عليه فإن ذلك أجلى للعمى وأبلغ في العذر. المسلمون عدول بعضهم على بعض إلَّا مجلودًا في حد أو مجرمًا في شهادة زور. أو ظنينًا في ولاة أو قرابةٍ، إن الله تولى منكم السرائر ودرأ عنك بالبينات وإياك والقلق والضجر والتأذي بالنَّاس، والتنكر للخصوم في مواطن الحق الذي يوجب الله بها الأجر ويحسن بها الذخر، فإنَّه من يصلح نيته فيما بينه وبين الله ولو على نفسه يكفيه الله ما بينه وبين النَّاس. ومن تزيَّن للنَّاس بما يعلم الله منه غير ذلك يشنه الله، فما ظنك بثواب عند الله عز وجل في عاجل رزقه وخزائن رحمته والسلام عليك. (الدارقطني 4/ 206، ونقلها السيوطي في صدر كتابه الأشباه والنظائر ورواها البيهقي انظر نصب الراية 4/ 81).
قال ابن عباس: (ألا يتقي الله زيد بن ثابت)(1) يجعل ابن الابن إبنًا ولا يجعل أَبا الأب أبًا. وليس مراده التسمية لعلمه بأنه لا يسمى أبًا حقيقةً بل جعله كالأب في حجب الأخوة. وجعل ابن الابن كالابن فيه. وشبه علي وزيد الأخ والجد بغصني شجرة وجدولي ونهر وشركا بينهما في الميراث.
ب- الصَّحَابَة اختلفت في مسائل لا يمكن أن يكون قول الكل فيها عن نصٍ كمسألة الحرام (2). قال علي وزيد وابن عمر هو ثلاث طلقات. وقال ابن مسعود طلقة واحدة. وقال أبو بكر وعمر وعائشة رضي الله عنهم يمين. وقال ابن عباس ظهار. وقال مسروق (3) ليس بشيء (4).
وكمسألة الجد والأخوة فبعضهم جعل له خير الأمرين من المقاسمة والثلث لا ينقص حقه عن حق الأم، إذ له مع الولادة تعصيب وبعضهم جعل له خير الأمرين (5) من المقاسمة والسدس لا ينقص حقه عن حق (6) الجدة. وبعضهم لم يورث الأخوة معه.
وكمسألة المشتركة (7). إذ شرَّك عمر بين الإخوة من الأب والأم
(1) هو زيد بن ثابت بن الضحاك النجاري الأَنْصَارِيّ الخزرجي. ويكنى أَبا سعيد وقيل أَبا ثابت استصغر يوم بدر. ويقال: إنه شهد أحدًا. حمل راية بني النجار في تبوك. أمه النوار بنت مالك بن معاوية، روى عنه من الصَّحَابَة أبو هريرة وأبو سعيد وابن عمر وأنس وسهل بن سعد وسهل بن حنيف وعبد الله بن يزيد الخطمي ومن التابعين سعيد بن المسيب وغيره جمع القرآن في زمن أبي بكر. وتعلم السريانية لغة اليهود بأمر من الرسول صلى الله عليه وسلم فحذقها في أسبوعين. كاتب رسول الله وترجمان رسائله، وكان من كبار علماء الصَّحَابَة وخاصةً في الفرائض، روى أَحْمد بإسناد صحيح. (أفرضكم زيد) اختلف في سنة وفاته على أقوالٍ أرجحها سنة 45 هـ.
(الإصابة 3/ 22، الاستيعاب 540).
(2)
مسألة الحرام: هي قول القائل: أنتِ عليَّ حرام. وقد بين ابن حجر في التلخيص الحبير 3/ 215 ما نقل عن الصَّحَابَة فيها.
(3)
في "أ، ب، د" ابن مسروق.
(4)
ومعتمد مسروق إلحاقه بقول القائل هذا الطعام على حرام، وذكر صاحب المحصول أن المرتضى روى عن علي مثل قول مسروق.
(5)
سقط من "أ، د" خير الأمرين.
(6)
سقط من جميع النسخ ما عدا "هـ" حق.
(7)
صورة المسألة المشتركة (زوج وأم وأخ شَقِيق وأخوان لأم) وحكم عمر رضي الله عنه فيها بأن =
وبين الإخوة من الأم وغيره أسقط إخوة الأب والأم.
وكمسألة الخلع قال عثمان رضي الله عنه في إحدى الروايتين، أنَّه طلاق، وفي الثَّانية أنَّه ليس بطلاقٍ وبه قال ابن عباس. وأمثالها كثيرة فلو كانت تلك الأقوال لنصٍ لأظهروه إذ يعلم بالضرورة من عادتهم استعظام النصوص ومخالفتها والتفحص عنها والحث على نقلها، حتَّى نقلوا ما لا يتعلق به حكم كقوله عليه السلام:"نِعم الِإدام النحل"(1). ومن حكم بحكم غريب يخالفه فيه جمع يوافقونه في تعظيم شخصٍ ووجد من كلامه ما يدل عليه فإنَّه يبادر إلى ذكره، ولو أظهروه لاشتهر ولو وصلَ إلينا بعد الطلب والبحث الشديد. ويمتنع أن يكون للعقل إذ طريقه البراءة الأصلية فثبت أنها لأجل القياس (2).
جـ - قالوا بالرأي، قال أبو بكر في الكلالة:(أقول فيها برأي)(3) وروي أن عمر قضى في الجدِّ برأيه (4). وقال في الجنين لما سمع الحديث: (لولا هذا لقضينا برأينا)(5) وقال عثمان لعمر في بعض الأحكام إن اتبعت رأيك فرأيك رشيد (6)، وإن اتبعت رأي (7) من قبلك فنعم الرأي كان.
وقال علي: اجتمع رأي ورأي عمر في أم الولد أن لا تباع، وقد رأيت
= النصف للزوج والسدس للأم والثلث للإخوة من الأم. ثم قالوا: هب أن أبانا حمارًا وفي روايةٍ أنَّه حجرًا ألسنا من أمٍ واحدة؟ فشرَّك بينهم رضي الله عنه واشتهرت المسألة بهذا الاسم.
(1)
رواه الجماعة إلَّا البُخَارِيّ عن جابر مرفوعًا، ورواه مسلم والتِّرمذيّ عن عائشة والحاكم عن أم هانئ وفي بعض طرقه زيادة (لا يقفر بيت فيه خل) قال العجلوني: وأما بئس الإدام النحل فلا أصل له، والحديث ورد في قصةٍ مع بعض نسائه. (انظر نصب الراية 4/ 310، كشف الخفا 2/ 320).
(2)
العبارة المختارة أخذتها من المحصول، وعبارات النسخ مختلفة في (ب، د) فنقضها لقياس، وفي جـ، هـ أفبعضها للقياس.
(3)
سيأتي تخريج الأثر بعد ثلاث صفحات.
(4)
في "ب" وقال عمر في الجد برأيه.
(5)
تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 120) من هذا الكتاب.
(6)
في "ب"(أشد) بدل (رشيد).
(7)
في جميع النسخ وإن اتبعت رأي (والعبارة المختارة من المحصول 2/ 2/ 84).
الآن بيعها (1). وقال ابن مسعود في قصة بروع (2): أقول فيها برأيي (3) والرأي هو القياس يقال. أقلتَ هذا برأيك أم بالنص؟ فدلت مقابلته بالنص على أنَّه للاستدلال، فثبت أن بعضهم قال بالقياس، ولم يوجد إنكار من أحدٍ إذ لو وجد لاشتهر، لأنه أصلٌ عظيم في الشرع نفيًا وإثباتًا، فيكون ذلك إجماعًا إذ سكوتهمِ ليس عن خوف، لأنا نعلم شدة انقيادهم للحق سيما ولا رغبةَ ولا رهبَ عاجلًا. كيف وقد اختلفوا في كثير من المسائل، وذلك ينفي الخوف المانع من الخلاف (4) فهو عن الرضا.
فإن قيل هذه الروايات لا تبلغ التواتر والاستدلال بقبول البعض وتأويل البعض عرف ضعفه. ثم قول عشر: (اعرف الأشباه) معناه: أي لا تخرج من الجنس ما هو منه ولا تدخل فيه ما ليس منه. وقوله: (قس) أي سوِّ بيْن المقدمات. والمطلوب في المعلومية والمظنونيَّة، إذ الرأي هو الروية، أو سوِّ بيْن الأصل والفرع في أن لا يثبت حكم إلَّا بالنص، وتشبيه ابن عباس في
التسمية أي سمى النافلة إبنًا مجازًا واكتفى به في الاندراج تحت قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} (5) فيسمى الجد أبًا مجازًا، ويكتفى به في الاندراج تحت قوله تعالى:{وَوَرِثَهُ أَبَوَاهُ} (6) لهذا نسبه إلى مفارقة التقوى وتارك القياس لا ينسب إليها، وقولهم في تلك المسائل، لو كان لنصٍ فإنما يجب إظهاره مع شدة تعظيمهم عند حاجة (7) المناظرة وما اعتادوا الاجتماع
لها، ومع الحاجة لا ينفعه إظهاره إذ خبر الواحد ليس بحجة، وما هو حجة إنما يظهره المستدل (8) لو كان قويًا ظاهرًا ثم إنه لو كان لقياس لأظهروه.
(1) تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 64) من هذا الكتاب.
(2)
في "هـ" التزويج وفي باقي النسخ البروع.
(3)
تقدم تخريج الحديث في صفحة (2/ 126) من هذا الكتاب.
(4)
سقط من"أ" المانع من الخلاف.
(5)
[النساء: 11].
(6)
[النساء: 11].
(7)
في "هـ" عند حاجة لا لمناظرة.
(8)
سقط من "ب" المستدل.
ولا يقال: النص يجب على العالم اتباعه دون القياس، لأن القياس الجلي الظاهر يجب عليه اتباعه. لأجله حسنت المناظرة بين القائسين. ثم لا نسلم أنَّهم لو أظهروه لاشتهر، ونقل إذ ليس من الأمور العظيمة التي تتوفر الدواعي على نقلها. ثم إنه منقوض بالمعجزات والإقامة (1)، ثم لا نسلم أنا لم نعرفه فإن في مسألة الحرام مثلًا من جعله يمينًا تمسك بقوله تعالى:{قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (2). نزلت لما حرَّم النَّبِيّ عليه السلام على نفسه (3) مارية القبطية (4). ومن جعله طلقة أو ثلاث طلقات جعله كناية عن الطلاق (5)، ونزله على أعظم أحواله أو أقلها وأدرجه تحت آية الطلاق، ومن جعله ظهارًا جعله كناية عنه وأدرجه تحت آية الظهار. وجعل الشيء كناية ليس بقياس. ثم بين النص والقياس بواسطة وهي تنزيل اللفظ على أقل المفهومات أو الأكثر (6)، واستصحاب الحال والمصالح المرسلة والاستقراء واعتقاد أن قوله حجة، استدلالًا بقوله تعالى:{كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلًّا لِبَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَّا مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَى نَفْسِهِ} (7) ثم بقوله عليه السلام: "علماء أمتي كأنبياء بني إسرائيل"(8). والإجماع وإن لم يتصور ثبوته في محل الخلاف فهو واسطة ثم الرأي مرادف للرؤية، وإنها ليست بقياس لغة والنقل
(1) في المحصول 2/ 2/ 96 أمر الإقامة للأفراد.
(2)
[التحريم: 2].
(3)
سقط من "ب" على نفسه.
(4)
هي مارية القبطية مولاة رسول الله صلى الله عليه وسلم وأم ولده إبراهيم، وهي مارية بنت شمعون أهداها له المقوقس القبطي صاحب الإسكندرية ومصر، وأهداه معها أختها سيرين وخَصيًا يقال له مأبور.
وطأها رسول الله بعد أن أسلمت بملك اليمين فولدت له إبراهيم. وأهدى أختها إلى حسان بن ثابت وهي أم عبد الرَّحْمَن بن حسان. توفيت مارية في خلافة عمر بن الخطاب في المحرم سنة ست عشرة.
(الاستيعاب 1912، الإصابة 8/ 185).
(5)
سقط من "أ" عن الطلاق.
(6)
في "ب" مفهوماته أو أكثرها.
(7)
[آل عمران: 93].
(8)
قال السيوطي في الدر: لا أصل له، وقال في المقاصد قال شيخنا يعني ابن حجر لا أصل له.
قبله الدميري والزركشي، وزاد بعضهم ولا يعرف في كتاب معتبر.
(كشف الخفا 2/ 64).
خلاف الأصل. وقولنا: فلان يرى (1) ليس معناه يقيس (2). وقال أبو بكر في الكلالة: (أقول فيها برأي)(3). وتفسير اللفظة اللغوية لا يكون قياسًا. وذكره في مقابلة النص لا يفيد كونه قياسًا إذ النص لفظ جلي الدلالة.
ثم الإنكار (4) وجد إذ روي عن أبي بكرٍ: (أي سماءٍ تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله برأيي)(5). وعن عمر (6): (إياكم وأصحاب الرأي فإنهم أعداء السنن)(7). وعنه: (إياكم والمكايلة) وفسرها بالمقايسة.
وعن شريح (8): (كتب عمر: اقض بما في كتاب الله، فإن جاءك ما ليس فيه فاقض بما في سنة رسول الله، فإن جاءك ما ليس فيها فاقض بما اجتمع عليه
(1) في "جـ"(يروى) بدل (يرى).
(2)
في "ب"(نفس) بدل (يقيس).
(3)
روى عبد الرَّحْمَن بن مهدي عن حماد بن زيد عن سعيد بن المسيّب عن محمَّد بن سيرين، قال: لم يكن أهيب لما لا يعلم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبي بكر ولا بعد أبي بكر من عمر.
وإنها نزلت بأبي بكرٍ فريضة فلم يجد لها في كتاب الله أصلًا، ولا في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم أثرًا، فقال:(أقول فيها برأيي، فإن يكن صوابًا فمن الله، وإن يكن خطأ فمني وأستغفر الله).
أخرجه قاسم بن محمَّد في كتاب الحجة والرد على المقلدين وهو منقطع (انظر تلخيص الحبير 4/ 195).
(4)
سقط من "هـ" الإنكار.
(5)
أخرج أبو عبيدة في فضائله وعبد بن حميد عن إبراهيم التَّيْميّ قال: سئل أبو بكر الصديق عن قوله تعالى: و {أَبَّا} فقال: (أي سماء تظلني وأي أرض تقلني إذا قلت في كتاب الله ما لا أعلم) انظر الدر المنثور 6/ 317.
(6)
قال ابن حجر في الفتح أخرجه البيهقي عن عمرو بن حريث عن عمر وتمامه (أعيتهم الأحاديث أن يحفظوها، فقالوا بالرأي فضلوا وأضلوا) وأخرجه ابن عبد البر بسنده في كتابه جامع بيان العلم.
انظر: (فتح الباري 13/ 289، جامع بيان العلم 2/ 135).
(7)
في "هـ"(النبيين) بدل (السنن).
(8)
هو شريح بن الحارث الكندي أبو أمية القاضي. اختلف في نسبه لكنده، فقيل هو حليف لهم من بني رائش، واختلف في صحبته للرسول صلى الله عليه وسلم، أدرك الجاهلية ويعد من كبار التابعين، كان قاضيًا لعمر ثم لعثمان ثم لعلي على الكوفة فلم يزل قاضيًا بها إلى زمن الحجاج، كان أعلم النَّاس بالقضاء وكان ذا فطنةٍ وذكاءٍ ومعرفة وعقل ورصانة، وكان شاعرًا محسنًا، وكان أمردًا لا ينبت له شعر في وجهه، تُوفِّي سنة 87 هـ وهو ابن مائة سنة، وولي القضاء ستين سنة.
انظر (الاستيعاب 702، الإصا بة 3/ 202).
أهل العلم، فإن لم تجد فما عليك أن لا تقضي) (1).
وعن علي: (لو كان الدين يؤخذ قياسًا لكان باطن الخف أولى بالمسح)(2). وعنه وعن عمر (3): (من أراد أن يقتحم جراثيم جهنم فليقل في الجد برأيه)(4). وعن ابن عباس: (يذهب قراؤكم وصلحاكم ويتخذ النَّاس رؤساء جهالًا يقيسون الأمور برأيهم)(5). وقال: (إذا قلتم في دينكم بالرأي فقد أحللتم كثيرًا مما حرَّم الله وحرَّمتم كثيرًا مما حلل الله)(6).
وقال: (إن الله قال لنبيه: {وَأَنِ احْكُمْ (7) بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ} ولم يقل بما رأيتَ، ولو جعل الله لأحدكم أن يحكم برأيه لجعل لرسوله) وقال:(إياكم والمقاييس فإنما عُبدت الشَّمس والقمر بالمقاييس)(8). وعن ابن عمر: (السنة
(1) أخرج البيهقي والدارمي عن الشعبي عن شريح أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه كتب إليه: (إذا جاءك أمر في كتاب الله عز وجل فاقض به، ولا يلتفتنك عنه الرجال فإن أتاك ما ليس في كتاب الله، فانظر في سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم فاقض بها، فإن جاءك ما ليس في كتاب الله ولم يكن في سنة رسول الله فانظر ما اجتمع عليه النَّاس، فخذ به فإن جاءك ما ليس في كتاب الله، ولم يكن في سنّة رسول الله، ولم يتكلم فيه أحد قبلك، فاختر أي الأمرين شئت، إن شئت أن تجتهد برأيك ثم تقدم فتقدم وإن شئت أن تأخر فتأخر ولا أرى التأخر إلَّا خيرًا لك. انظر (الدَّارميّ 1/ 55، البيهقي 10/ 115).
(2)
أخرجه أبو داود بسند حسن ولفظه: (لو كان الدين بالرأي لكان مسح أسفل الخف أولى بالمسح من أعلاه) انظر (سنن أبي داود 1/ 42، فتح الباري 13/ 289).
(3)
في "ب"(وعن عثمان) بدل (عمر).
(4)
رواه الدَّارميّ ولم يذكر عمر بلفظ: (أن عليًا قال: من سره أن يقتحم جراثيم جهنَّم فليقض بين الجد والإخوة) انظر سنن الدَّارميّ 2/ 254.
(5)
أخرج الدَّارميّ في سننه عن ابن عباس: (لا يأتي عليكم عام إلَّا وهو شر من الذي كان قبله، أما إنِّي لست أعني عامًا أخصب من عامٍ، وأميرًا خيرًا من أمير ولكن علماؤكم وخياركم وفقهاؤكم يذهبون ثم لا تجدون منهم خلفًا، ويجيء قوم يقيسون الأمور برأيهم).
وأخرجه ابن ماجه بلفظ مقارب لهذا. انظر (سنن الدَّارميّ 1/ 58، وسنن ابن ماجه 1/ 20).
(6)
أخرج الدَّارميّ عن الشعبي (ولم يذكر ابن عباس)(إياكم والمقايسة، والذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقايسة لتحلن الحرام ولتحرمن الحلال، ولكن ما بلغكم عمن حفظ من أصحاب محمَّد صلى الله عليه وسلم فاعملوا به)(انظر: سنن الدَّارميّ 1/ 45).
(7)
سقط من "ب" بينهم.
(8)
أخرج الدَّارميّ عن ابن سيرين (ولم يذكر ابن عباس) (أول من قاس إبليس وما عبدت الشمس =
ما سنه رسول الله لا تجعلوا الرأي سنة المسلمين). وعن مسروق: (لا أقيس شيئًا بشيء أخاف أن تزلَّ قدم بعد ثبوتها)(1). وكان ابن سيرين يذم القياس ويقول: (أول من قاس إبليس). وقال الشعبي (2) لرجلٍ: (لعلك من القياسيين). وقال: (إن أخذتم بالقياس أحللتم الحرام وحرمتم الحلال)(3).
لا يقال: هؤلاء القائلون بالقياس فنوفق برد (4) هذا إلى قياس لم توجد فيه الشرائط، لأن قولهم بالرد صريح وبالقياس استدلال فترجح. ثم هنا توفيق آخر وهو قول بعضهم بالقياس حين قال الآخر بالرد، ثم انقلاب المنكر مقرًا وبالعكس ثم السكوت (5) للخوف. قال النظَّام:(العامل بالقياس عمر وعثمان وعلي وابن مسعود وأُبي وزيد بن ثابت ومعاذ بن جبل وأبو الدَّرداء (6) وأبو
= إلَّا بالمقاييس) وفي الباب عن الحسن البَصْرِيّ: تلا قوله تعالى: {خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ} ثم قال: (قاس إبليس وهو أول من قاس) انظر سنن الدَّارميّ 1/ 59.
(1)
رواه الطَّبْرَانِيّ في الكبير وفيه جابر الجعفي وهو ضعيف، ورواه ابن عبد البر بسنده عن أبي عوانة، ورواه الدَّارميّ انظر (سنن الدَّارميّ 1/ 59، مجمع الزوائد 1/ 180، جامع بيان العلم وفضل 2/ 76).
(2)
الشعبي: هو أبو عمرو عامر بن شراحبيل بن عبد ذي كبار الشعبي، تابعي من أعلام المحدثين الفقهاء عالم الكوفة، ولد بها سنة تسع عشرة، أبوه عربي وأمه من سبي جلولاء، نشأ لتوأم فكان نحيف الجسم، روى عن أربعين من الصَّحَابَة، هرب من الكوفة من المختار أبي عبيد الثَّقَفيّ، ونزل المدينة على ساكنها أفضل السلام، خرج على الحجاج مع ابن الأشعث، وشهد وقعة دير الجماجم سنة اثنتين وثمانين ثم عفا عنه الحجاج. كان رحمه الله يمثل مدرسة أهل الحديث، كان قوي الذكاء وأثر عنه أنَّه قال:(ما كتبت أسود في أبيض وما حَدَّثني أحد بحديث فأحببت أن يعيده عليَّ). تولى قضاء الكوفة في خلافة عمر بن عبد العزيز، وتوفي سنة ثلاث ومئة وكان عمره سبعًا وسبعين عامًا. (المعجم الإِسلامي 4/ 108).
(3)
أخرجه ابن عبد البر والدارمي بسنديهما إلى الشعبي بلفظ (إياكم والمقايسة والذي نفسي بيده لئن أخذتم بالمقايسة، لتحلن الحرام ولتحرمن الحلال ولكن ما بلغك عمن حفظ من أصحاب محمَّد فاعملوا به) انظر (جامع بيان العلم وفضله 2/ 137، سنن الدَّارميّ 1/ 45).
(4)
سقط من "ب" برد.
(5)
يوجد في "أ" عدم السكوت.
(6)
هو عويمر بن عامر. ويقال عويمر بن قيس بن زيد وقيل عويمر بن ثعلبة بن عامر بن زيد الخزرجي الأَنْصَارِيّ، المشهور بكنيته أبي الدَّرداء. أمه محبة بنت واقد بن الأطنابة، وقيل واقدة بنت واقد بن عمرو. أسلم يوم بدر وشهد أحدًا وما بعدها من المشاهد. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد:"نعم الفارس عويمر"، وقال:"هو حكيم أمتي"، قال ابن حبان: ولاه =
موسى الأَشْعريّ وقليل من أصاغر الصَّحَابَة (1)، وعمر وعثمان وعلي سلاطين الصَّحَابَة معهم الرغبة والرهبة، وإنما سكت الباقون خوفًا وتُقية حتَّى قال ابن عباس:(هبتُه وكان والله مهيبًا). وأيضًا إبطال مذهب الرجل العظيم يشق عليه ويصير سببًا للعداوة، وليس الخلاف في القياس كالخلاف في مسألة الحرام، فإنَّه أصل عظيم في الشرع نفيًا وإثباتًا، فالمخالفة فيه أصعب).
سلمنا أنَّه لا خوف، لكنهم سكتوا للتوقف أو اعتقاد أن الخطأ صغيرة، أو أن غيره أولى بالإنكار، ثم رضاهم دفعةً غير معلوم وأنه شرط للإجماع (2).
سلمنا إجماعهم على نوع فلعله غير المتنازع (3) فيه، ولم يتفق القائمون على قياس معين ليقال إذا ثبت حجية قياس فلو لم يكن ذلك المعين حجة (4) لزم خلاف الإجماع، إذ القياس المناسب مختلف فيه وغير المناسب رده الأكثرون. سلمنا اتفاقهم على معين لكنه قياس تحريم الضرب على تحريم التأفيف أو ما نص على علته. سلمنا إجماع الصَّحَابَة فلم يجز القياس في
زماننا والفرق ما سبق في خبر الواحد.
والجواب عن:
أ- قال الأصحاب: الروايات الكثيرة عن النَّبِيّ عليه السلام وأصحابه بلغت حد التواتر، فمن خالط أهل الأخبار والفقه وطالع كتبهم جزم بصحة شيء منها، وكل واحدٍ يفيد المطلوب والأولى جعل المسألة ظنيَّة والظن كافٍ في وجوب العمل.
= معاوية قضاء دمشق في خلافة عمر، روى عن النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وعن عائشة وعن زيد بن ثابت وأبي أُمامة وفضالة بن عبيد، وروى عنه ابنه بلال وزوجته أم الدَّرداء وأبو إدريس الخولاني وعلقمة ابن قيس وغيرهم. تُوفِّي قبل نهاية خلافة عثمان بسنتين سنة 32 هـ (الإصابة 5/ 46، الاستيعاب 1229).
(1)
في "ب، جـ، د"(شبان) بدل (أصاغر).
(2)
في "أ، جـ"(للاجتماع) بدل (للإجماع).
(3)
في "أ"(الشارع) بدل (المتنازع).
(4)
سقط من "أ" حجة.
ب- أن سباق الكلام ولحاقه ينفيه (1)، إذ قال:(الفهم الفهم عندما يختلج في صدرك ما لم يبلغك في كتاب الله ولا سنة رسول الله، اعرف الأشباه والنظائر، وقس الأمور برأيك، ثم اعمد إلى أحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى).
جـ (2) - إنَّ حسن المجاز في موضع والقطع به في موضع (3) لا يوجب مثله في آخر، فلا وجه للإنكار (4) إلَّا في القياس، ونسبته إلى مفارقة التقوى، لاعتقاده، أن القياس جلي والخطأ فيه عظيم على أنَّه محمول على المبالغة.
د- أن الحاجة حاصلة إذ المتمسك بالنص يعلم أن مخالفة خالفه لا لطريق أو لطريق مرجوح أو مساوٍ أو راجحٍ، وبالتقديرين الأولين كان (5) مخالفة مخالفًا للنص، وبالتقدير الثالث فرضهما التوقف ففتواهما مخالفة للنص. وبالتقدير الرابع كان هو مخالفًا للنص، وشدة إنكارهم لمخالفة النص يمنعهم منها (6)، ولا ذلك إلَّا بذكر النص وإن كان خفيًا.
هـ- أن مخالفة النص أشد ولا يستقل العقل بمعرفته ويجب اتباعه، وحسن المناظرة لا يوجب اتباع القياس. إذ ما لا يجب قد يحسن ويمكن الإشارة إلى النص دون الأمارة حتَّى أن المقوّم (7) قد لا يمكنه التعبير عمًا أفاده ظن القيمة. وإشارة المتأخرين إلى العلل القياسية إنما
(1) في "أ، هـ"(أن سياق الكلام وسباقه ينفيه) وهو مخالف لما في المحصول حيث قال: مقدمة هذا الكلام ومؤخرته تبطل هذا الاحتمال 2/ 2/ 122.
(2)
معنى ذلك أن إنكار ابن عباس لم يكن لحسن المجاز، إِذ لو كان لحسن المجاز، لأظهر ذلك، لأن حسن المجاز في موضع لا يلزم منه حسنه في موضع آخر، فثبت أن إنكاره لأنه ترك القياس، وأما وصفه بالمفارقة للتقوى فتحمل إما لكون القياس جليًا، أو أنَّه محمول على المبالغة.
(3)
سقط من "أ، جـ" في موضع.
(4)
في "ب، د"(فلا إنكار) بدل (فلا وجه للإنكار).
(5)
في "ب" سقطت نون كان.
(6)
يوجد في "أ" ذلك زائدة.
(7)
في "أ"(المقدم) بدل (المقوم).
أمكنت، لأنها تلخصت بعد أن لم تكن، ثم أنَّهم أظهروا قياساتهم بالتنبيه على الأصول من الظهار والطلاق واليمين. ورجَّح كل منهم أصله بمرجح.
و- أن هذه المسائل يكثر وقوعها، فاشتدت الحاجة إلى معرفة حكمها بالدليل (1)، وأنها حاملة (2) على النقل ظاهرًا.
ز- أن قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} (3). لا يدل على أن تحريمه عليه السلام كان بقوله: "أنتِ عليَّ حرام" بل على أنَّه كان بلفظ اليمين وإلَّا لكان ذلك نصًا في الباب. فلم يختلفوا فيه وباقي التشبيهات (4) لابد فيها من القياس إذ ليس متفقًا عليها. وقول مسروق للتشبيه بقصعةٍ من ثريدٍ قال: إلَّا فرق عندي بينه وبين قصعةٍ من ثريدٍ). وإن قاله للبراءة الأصلية، لكنه تابعي فإن عاصرهم (5) حالة المخالفة قد تركوا البراءة الأصلية للقياس، وإلَاّ كان إجماعهم حجة عليه (6).
ح- أن كل من قال بأنهم لم يقولوا فيها بالنص والبراءة الأصلية قال: إنهم قالوا فيها بالقياس.
ط- أن الدليل دلَّ على النقل، إذ روى الخصم أقوالًا كثيرةً في ذم الرأي وسلم أن المراد هو القياس فعلم أنَّه في الشرع اسم له.
ي- التوفيق المذكور وصريح الرد (7) يعارضه صريح الدلالة، والتوفيق الآخر ممنوع، إذ لو وقع لاشتهر لأنه أمر عجيب.
(1) سقط من "أ، هـ" بالدليل.
(2)
في "هـ" حاصلة.
(3)
[التحريم: 2].
(4)
في "ب، جـ، د"(الشبهات) بدل (التشبيهات).
(5)
في "أ"(عارضهم) بدل (عاصرهم).
(6)
في "أ" عليهم والصواب عليه طبقا للمحصول.
(7)
في "هـ"(الذي) بدل (الرد).
يا - أن شدة انقيادهم للحق ينفيه ظاهرًا، وقدح النظَّام فيهم (1) سبق جوابه في الأخبار.
يب (2) - أن الظاهر عدم التوقف في آخر الأمر وأولوية (3) إنكار واحد.
يج- أن الأصل بقاؤه (4).
يد- أن الإجماع حاصل ظاهرًا على أن القياس المناسب حجة.
الأخير- أن الإجماع ظاهر على عدم الفرق بين الزمانين (5).
تقرير: للإجماع من وجهٍ آخر أن قولهم فيما اختلفوا فيه لطريق، وإلَّا فقد أجمعوا على الخطأ، وذلك ليس دليل العقل، لأن مقتضاه البراءة الأصلية بل دليل شرعي، وليس هو النص؛ لأن مخالفة يستحق العقاب لقوله تعالى:{وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ نَارًا} (6) الآية ونعلم بالضرورة أن كل واحدٍ منهم لَمْ يعتقد في صاحبه كونه مستحقًا له، فهو القياس لانعقاد الإجماع على انحصار طرقهم في الثلاثة، وتمامه ما تقدم وهذا أوجز مما تقدم.
الخامس: القياس (7) يفيد ظن الضرر. فإن من ظنَّ أن حكم الأصل معلل بوصف موجود في الفرع، ظن أن حكمه كحكمه، وهو يعلم أن مخالفة حكم الله تعالى توجب العقاب، فيظن أن مخالفة هذا توجب العقاب، فوجب العمل به، لأن ترجيح الراجح على المرجوح متعين في بداية العقول.
(1) سقط من "أ، هـ" فيهم.
(2)
معنى هذا الجواب أن التوقف قد يكون في أول الأمر، ثم يرتفع التوقف لظهور الحق، ولا يمكن أن يجمعوا على عدم الإنكار، لأن ذلك يؤدي إلى الإجماع على الخطأ، فكون كلٍ واحد يعتقد أن غيره أولى بالإنكار، فترك الإنكار غير مسلم، لأنه لا بد أن يكون ولو واحدًا أولى بالإنكار فيقوم به.
(3)
سقط من "أ، هـ" أولوية.
(4)
أي أن الأصل بقاء الرضا الذي كان ثابتًا ..
(5)
المقصود بالزمانين زمن الصَّحَابَة وزمن من بعدهم.
(6)
[النساء: 14].
(7)
سقط من "أ" القياس.
فإن قيل: هذا ينتقض بظن صدق الشاهد قبل استكمال (1) العدد، وبظهور المصالح المرسلة وبظن صدق مدعي النبوة، وبظن اليهودي قبح الأعمال الشرعية ولو امتنع الظن فيها (2) لدلالة شرعية على فساد تلك (3) المظان، لصار عدم الدلالة على فساد المظنة جزءًا من المقتضى للظن، فلا يفيد القياس الظن، إلَّا إذا تبيَّن انتفاء الدلالة على فساده، ثم إنما يجب الاحتراز عن الضرر المظنون إذا لم يمكن تحصيل علم أو ظن أقوى به، فلمَ قلتم إنه لا يمكن تحصيل العلم أو الظن الأقوى بالأحكام (4) لا من الكتاب والسنة ولا من الإمام المعصوم. ثم ما ذكرتم معارضٌ بقوله تعالى:{لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ} (5). وقوله تعالى: {وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} (6). وقوله تعالى: {وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ} (7). وقوله تعالى: {وَلَا رَطْبٍ وَلَا يَابِسٍ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ} (8). وقوله تعالى: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} (9) والأقوى (10) قوله تعالى: {إِنَّ الظَّنَّ لَا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئًا} (11) وقوله عليه السلام: "تعمل هذه الأمة (12) برهةً بالكتاب وبرهةً بالسنة وبرهةً بالقياس، فإذا فعلوا ذلك فقد ضلوا"(13) وقوله عليه
(1) في "هـ"(استعمال) بدل (استكمال).
(2)
سقط من "ب" فيها.
(3)
في "د"(المظنة) بدل (تلك المظان).
(4)
سقط من "ب" لا.
(5)
[الحجرات: 1].
(6)
[الأعراف: 33].
(7)
[الإسراء: 36].
(8)
[الأنعام: 59].
(9)
[الأنعام: 38].
(10)
وجه الاحتجاج بالآيات- في الآية الأولى أن التقديم بين يدي الله ورسوله هو القياس، وفي الثَّانية والثالثة: أن القياس قول بغير معلوم، والآية الخامسة والرابعة: أن القياس لا يفتقر إليه والأقوى من الكل الآية الأخيرة، لأنه لو عملنا بالقياس لكان الظن أغنى من الحق.
(11)
[النجم: 28].
(12)
في "أ"(الآية) بدل (الأمة).
(13)
رواه أبو يعلى في مسنده عن أبي هريرة ورمز له السيوطي بالضعف، قال الهيثمي فيه عثمان ابن عبد الرَّحْمَن الزُّهْرِيّ متفق على ضعفه (فيض القدير 3/ 256).
السلام: "ستفترق أمتي على بضع وسبعين فرقة، أعظمهم فتنة قوم يقيسون الأمور برأيهم فيحرمون الحلال ويحلون الحرام"(1). الخبر يفيد ظن الضرر في التمسك بالقياس فيجب الاحتراز عنه لما ذكرتم.
وبإجماع الصَّحَابَة إذ ذم بعضهم القياس ولم ينكر أحد، وبإجماع العترة، وبأن العمل (2) بالقياس يوجب الاختلاف، لأنه تمسك بالأمارات، وهو منهي عنه بقوله تعالى:{وَلَا تَنَازَعُوا} (3) وبأن الرَّجل لو قال: أعتقت غانمًا لسواده فقيسوا عليه لم يعتق سائر عبيدة السود.
واحتج النظَّام على مذهبه بأن مدار شرعنا على الجمع بَيْن المختلفات والفرق بين المتماثلات، فإنَّه فرق بين الأزمنة وبين الأمكنة في الشرف مع الاستواء في الحقيقة، وجمع بين الماء والتراب في الطهورية مع الاختلاف في الغسل والتنظيف وفرض الغسل من المني والرجيع أنتن (4). ونهى عن إرسال السبع على مثله وأقوى منه، وأباحه على البهيمة الضعيفة، وجوَّز للمسافر قصر الأربع دون الاثنتين (5)، وأوجب قضاء الصوم على الحائض والصلاة أعظم قدرًا، وجعل الحرة الشوهاء تحصن ويحرم النظر إليها دون الجواري الحسان، وقطع سارق القليل دون غاصب الكثير، وجلد من قذف بالزنا دون من قذف بالكفر، وقبل شاهدين في القتل والكفر دون الزنا، وجلد قاذف الحر الفاجر دون العبد العفيف، وفرق بين الموت والطلاق في العدة وبين الحرة والأمة في الاستبراء، وأوجب بخروج الريح غسل غير ذلك المخرج (6)، إذا ثبت هذا وجب أن لا يصح القياس، لأن مبناه على أن الصورتين لما اشتركتا في الحكمة وجب اشتراكهما في الحكم وهو باطل.
(1) رواه الطَّبْرَانِيّ والبزار ورجاله رجال الصحيح وأخرجه ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله.
انظر: (مجمع الزوائد 1/ 179، جامع بيان العلم 2/ 134).
(2)
هذا هو دليل العقل.
(3)
[الأنفال: 46].
(4)
في "أ"(أبين) بدل (أنتن).
(5)
في جميع النسخ اثنتين.
(6)
في "ب، د، جـ"(الموضع) بدل (المخرج).
واحتج من عمَّ المنع وزعم أنَّه لا يفيد الظن: بأن البراءة الأصلية معلومة، فالقياس إن وافقها فلا فائدة فيه، وإن خالفها كان الظني معارضًا لليقيني. وبأن القياس يتوقف على استصحاب ما كان، فالحكم المثبت بالقياس إن كان نفيًا كفى فيه الاستصحاب الذي هو أصل القياس. وإن كان إثباتًا كان الاستصحاب نافيًا (1) له. وأنه أصل القياس فترجح عليه، وبأنه متوقف على تعليل أحكام الله تعالى وسيأتي بطلانه.
واحتج من منع اتباع الظن بأنه قد يخطئ، فالأمر به آمر بما يجوز كونه خطأ.
واحتج من منع اتباع الظن هنا (2)، بأن القدرة على التنصيص على قواعد الأحكام الكلية حاصلة، ولا يجوز الاختصار على أدنى البيانين مع القدرة على أعلاهما إزاحة لعذر المكلف في حمل عدم اليقين (3) على صعوبة البيان دون تقصيره، فإنَّه كاللطف خرج على هذا (4) الشهادة والفتوى والقيم والأروش وأمارات القبلة والأمراض والأرباح والأمور الدنيوية، إذ لا نهاية لها لاختلافها بالأحوال والأشخاص والأوقات والأمكنة.
والجواب (5) عن:
أ- أن عدم المانع لا يصير جزءًا من المقتضي، وإلَّا لكان عدم المانع من نزول الثقيل جزءًا للمقتضي له (6)، والعدم لا يكون جزءًا من علة الوجود.
ب (7) - أنَّه قبل التمكن من تحصيل العلم لا بد له من ترجيح طرف.
(1) في "ب"(باقيًا) بدل (نافيا) وفي "هـ" نفيًا.
(2)
هذه الفرقة تخالف الفرقة الثَّانية حيث أنَّهم يقولون بجواز التكليف باتباع الظن، لكن غير جائز في القياس، وأما الفرقة الثَّانية فمنعت العمل بالظن مطلقًا. انظر المحصول 2/ 2/ 156.
(3)
في "جـ" التبين وفي "هـ" سقط حمل، وما في "أ"، هو الصواب طبقًا للمحصول 2/ 2/ 157.
(4)
أي بقولنا: (قواعد الأحكام الكلية).
(5)
هذه الأجوبة عن النقض الوارد على المسلك الخاص والجواب الأول منها، وارد على قوله: فإن قيل هذا ينتقض بظن صدق الشاهد قبل استكمال العدد.
(6)
سقط من "ب، د" له.
(7)
أي أنَّه لا نسلم أن جواز الرجوع إلى الظن في الشرعيات مشروط بعدم التمكن من تحصيل العلم.
الآيات (1) - ما سبق قيل.
الأحاديث- المعارضة بأحاديث العمل بالقياس والتوفيق المتقدم (2).
الإجماع- ما سبق.
وأما إجماع العترة: فروايات الإمامية معارضة لروايات الزيدية عن الأئمة في جواز العمل بالقياس.
أ (3) - من المعقول: النقض بالأدلة الشرعية (4).
ب (5) - أن العبد لو أمر بالقياس لم يتعد (6) الحكم بخلاف الشرع وفاقًا، وسببه أن حقوق العباد مبنية على الشح والضنة، لكثرة حوائجهم- ورجوعهم عن دواعيهم وصوارفهم.
جـ (7) - أن الغالب رعاية المصالح المعلومة في أحكام الشرع. وتلك (8) الصور القليلة (9) لا تقدح في ظن تحصيل ظن القبلة (10).
د، هـ (11) - النقض بالشهادة والفتوى والتقويم والأروش وغيرها.
ز- ما سبق (12) من الكلام على اللطف (13).
(1) وهو أن الحكم الثابت بالقياس معلوم.
(2)
وذلك بحمل النفي على القياس الفاسد والإثبات على القياس الصحيح.
(3)
في "أ، ب" عن أمر المعقول بدل عن "أ" من المعقول.
(4)
أي أن الاختلاف يقع في الأدلة والنصوص الشرعية كما يقع في القياس.
(5)
في "هـ"(السيد) بدل (العبد).
(6)
في "أ، هـ" لم ينفذ.
(7)
هذا الجواب عن دليل النظَّام الأول.
(8)
سقط من "أ" تلك.
(9)
وهي التي ذكرها النظَّام وهي التي تدل على الجمع بين المختلفات والتفريق بين المتماثلات.
(10)
في "هـ"(الغلبة) بدل (القبلة).
(11)
وهذان الجوابان متوجهان لأدلة من منع كون القياس لا يفيد الظن.
(12)
تقدم الكلام على اللطف في الكلام على الإجماع من هذا الكتاب، ونحن نمنع كون اللطف واجبًا، وهذا الجواب عن دليل من قال: إنه لا يجوز اتباع الظن في الأحكام الشرعية.
(13)
في "جـ"(اللفظ) بدل (اللطف).