الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
الفصل الثالث" فيما يظن أنه ناسخ
وفيه مسائل
"
المسألة الأولى
"
ليست زيادة عبادة على العبادات ولا زيادة صلاة على الصلوات نسخاً وفاقاً، وإنما جعل أهل العراق زيادة صلاة على الخمس نسخاً لقوله تعالى:{حَافِظُوا عَلَى الصَّلَوَاتِ وَالصَّلَاةِ الْوُسْطَى} (1) فإنها تزيل وجوب المحافظة على الوسطى، فإنها تجعلها غيرَ وسطى.
ونقض (2) ذلك بزيادة عبادة على العبادة الأخيرة فإنها تجعلها غير أخيرة، وتغير عدد العبادات وما ليست (3) كذلك ليست نسخاً أيضاً، عند الشافعي وأبي علي وأبي هاشم خلافاً للحنفية.
وقيل: إن نفت الزيادة ما دلَّ عليه النص (4) بدليل الخطاب أو الشرط، كانت نسخاً وإلا فلا.
وقيل: إن غيَّرت الزيادة تغييراً شديداً بحيث لا يجزئ الأصل بعد الزيادة وحده، كزيادة ركعةٍ على ركعتين كانت نسخاً وإلا فلا.
(1)[البقرة: 238].
(2)
في "أ" يقضي.
(3)
في "أ"(ليس) بدل (ليست).
(4)
سقط من "ب" النص.
والأحسن طريقة أبي الحسين البصري، وهي أن الزيادة تزيل شيئاً وأقله عدمها، فتلك الإزالة تسمى نسخاً إن كان الزائل حكماً شرعياً، والزيادة متراخية وإلا فلا، ولا يجوز إثبات الزيادة بخبر الواحد، والقياس حيث تكون الإزالة نسخاً.
" فروع" لهذا الأصل
الأول: زيادة التغريب (1) على جلد ثمانين إنما يزيل نفي وجوب الزائد عليها، وذلك حكم العقل (2) إذ إيجاب الثمانين أعم من إيجابها مع الزائد ومع عدمه، ولفظ العام لا يدل على الخاص، وكونها وحدها مجزئة ومتعلق رد الشهادة وكمال الحد يتبع (3) نفي وجوب الزائد الذي هو عقلي، ككون الصلوات الخمس مخرجة من عهدة الصلوات ومتعلق قبول الشهادة وغيرهما. نعم لو صرح بنفي (4) هذه الأشياء أو كان إيجاب الثمانين ينفي وجوب الزائد على سبيل المفهوم، لقلنا بكونها نسخاً.
الثاني: تقييد الرقبة بالإيمان يزيل إجزاء الكافرة، فهو نسخ إن تأخر وإلا فلا.
الثالث: إباحة قطع يد السارق في الثالثة يزيل خطره المعلوم بالعقل فلم يكن نسخا.
الرابع: التخيير بين الواجب وغيره يزيل خطر تركه المعلوم بالعقل (5)، لأن
(1) في "ب، جـ"(ذلك ليس بنسخ) بدل (وذلك حكم العقل).
(2)
في (أ) برفع.
(3)
زيادة التغريب على جلد ثمانين جلدة أزالت نفي وجوب الزائد على الثمانين. ونفي وجوب الزائد على الثمانين حكم عقلي وليس شرعي.
(4)
سقط من (أ) بنفي.
(5)
في "أ" بالقول.
إيجاب الفعل يقتضي استحقاق الذم على الترك، وذلك لا ينفي قيام واجب آخر مقامه وإنما علم عدم وجوب غيره بالعقل، إذ
الواجب بالشرع ما يدل عليه دليل شرعي، فلا يكون ذلك نسخاً.
وكذلك لو (1) خُيِّر بين أمريْن ثم خُيِّر بينهما وبين ثالث. ومن قال الحكم بالشاهد واليمين نسخ لقوله تعالى: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ (2) فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ} (3) يلزمه أن يكون الوضوء بالنبيذ نسخاً لقوله تعالى: {فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا} (4).
ولقائل أن يقول (5): حظر ترك الواجب معلوم من لفظ الأمر، لما سبق أن الأمر يقتضي المنع من الترك.
(1) مثال ذلك لو خير بين أمرين كالإطعام والصيام ثم خير بينهما، وبين ثالث وهو الِإعتاق إذ معنى التخيير أولاً: أن الإطعام أو الصيام لا بعينه واجب، والغير لا يقوم مقامهما. وإدخال الِإعتاق رفع هذا النفي، وهو عدم قيام غيرهما مقامهما. ولكنه لا يسمى نسخاً، لأن هذا النفي ثبت بحكم العقل، فهو حكم عقلي. فلو ألزمت الحنفية الشافعية بأنها تقول بالنسخ بخبر الواحد،
مثل القول بالشاهد واليمين الثابت بالآحاد، يكون نسخاً لذلك التخيير الثابت بالقرآن.
وللشافعية الرد على الحنفية بتجويزهم الوضوء بالنبيذ الثابت بحديث ليلة الجن الضعيف، مع أن القرآن نزل بالتخيير بين الغسل والتيمم. وجوابهم يكون جوابا للشافعية. بل في الحقيقة حديث الوضوء بالنبيذ لا يصلح للحجية، فضلا عن أن يكون ناسخاً والكلام فيه قد بيناه في صفحة (2/ 189) من هذا الكتاب.
(2)
سقط من (د) رجلين.
(3)
[البقرة: 282].
(4)
[النساء: 43].
(5)
خلاصة اعتراض القاضي الأرموي على الإمام الرازي- رحمهما الله- أن الأمر يقتضي المنع من الترك والتخيير في الصورتين المتقدمتين، لا يقتضي المنع من الترك حيث يجوز ترك الأمرين الأولين وفعل الثالث فهو نسخ. وقد أجاب بدر الدين التستري بأن الأمر يقتضي المنع من الترك مطلقاً. وفي الصورتين المتقدمتين أبيح الترك بشرط فعل البديل الثالث، وكذلك المنع من الترك لم يستفد من اللفظ، بل من العقل. فرفعه لا يسمى نسخاً (حل عقد التحصيل: لوحة 81).