الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
" الفصل الرابع (1) " فيما يُعْرَفُ به عدم علية الوصف (2)
الأول: النقض
وهو (تخلف الحكم عن الوصف).
" وفيه مسائل" "
المسألة الأولى
"
النقض يقدح في العلية. وقال الأكثرون: لا يقدح إذا ثبتت عليته بالنص. وقيل: لا يقدح وإن ثبتت بالمناسبة. لكن إذا تخلف لمانع، والتخلف لا لمانع يقدح عند الأكثرين. وقيل: لا.
لنا وجوه:
أ - العلة لا يتوقف اقتضاؤها على عدم المعارض، وإلا فالحاصل جزؤها فهي مقتضية مطلقاً.
فإن قيل: ما يتوقف عليه اقتضاء العلة للحكم قد لا يكون جزءاً.
أما في الموجب فإن الثقل (3) يوجب الهَوْي بشرط عدم المانع، وأما في
(1) لم يلتزم القاضي سراج الدين الأرموي بتقسيمات الإمام الرازي في كثير من المواضع، فالفصل الرابع هذا هو الباب الثاني عند الإمام الرازي في المحصول، والمسائل التي تحت هذا الفصل هي فصول عند الإمام الرازي انظر المحصول 2/ 2/ 321.
(2)
في "جـ" فيما يمنع من علية الوصف.
(3)
في "أ، ب"(النقل) بدل (الثقل).
القادر فإن تأثيره في الفعل (1) يتوقف على عدم تأثير قادر آخر. وأما في الداعي فلأن من أعطى فقيراً درهماً لفقره فقيل: أعط هذا الفقير الآخر فقال: لا لأنه يهودي صح فتوقف الإعطاء على عدم كونه يهودياً، ولم يخطر بباله، وأما في المعرف فلأن العام حجة، وعدم المخصص ليس جزءاً من العلة (2) وإلَّا لوجب ذكره في المناظرة.
ب - عدم المعارض معتبر في اقتضاء العلة للحكم، فلم يبق الخلاف إلَّا في تسميته جزء العلة أو شرطها (3).
والجواب عن:
أ - أنا نستدل في غير المعرف بحصول ذلك العدم على حدوث أمر وجودي به تمت العلة، ففي المعرف يجعل العدم جزءاً منه، وعدم وجوب ذكره في المناظرة بالاصطلاح.
ب - بأنا إن فسرنا العلة بالموجب أو الداعي جعلنا عدم المعارض (4) كاشفاً عن وجود ما به تتم العلة، وإن فسرناها بالمعرِّف جوَّزنا كون العدم جزءاً لكنا نوجب البحث عن مناسبة ذلك العدم، والخصم لا يقول بهما (5).
ولقائلٍ أن يقول (6): ما الدليل على أن الحاصل قبل المعارض لا يكون تمام العلة؟.
أ - أن بَيْنَ اقتضاء العلة بالفعل ومنع المانع بالفعل منافاة. وشرط أحد الضدين عدم الآخر، فشرط كون المانع مانعاً (7) أن لا تكون العلة
(1) في "جـ" في العقل.
(2)
في "أ"(العام) بدل (العلة).
(3)
في "هـ"(شرطا) بدل (شرطها).
(4)
في "أ"(المانع) بدل (المعارض).
(5)
أي لا يقول بإيجاب البحث عن مناسبة ذلك العدم.
(6)
هذا الاعتراض موجه لنقض في حجة الإمام الرازي. أي أنه ينبغي أن يذكر دليلاً على أن الحاصل قبل المعارض ليس بتمام العلة، ولم لا يجوز أن يكون الحاصل قبل وجود المعارض هو تمام العلة، ويكون الحكم حاصلاً بها وحدها أو يكون العدم شرطاً؟.
(7)
سقط منأ "أ" سطر من المانع مانعاً إلى المانع مانعاً. وفي "هـ" موجود في الهامش، وبهذا يظهر مدى ارتباط نسخة "أ" بنسخة "هـ" وقد مرَّ ما يدل على ذلك كثيراً.
مقتضية، فلو كان عدم كونها مقتضية لكون المانع مانعاً، لزم الدور فعدم اقتضاء الشيء لذاته وما يكون كذلك لا يصلح للعلية وفاقاً.
ولقائلٍ أن يقول (1): إن عنيت بالشرط معنى يقتضي تقدمه على المشروط. فليس شرط أحد المتنافيين انتفاء الآخر، وإلَّا كان كل واحدٍ من النقيضين مشروطاً بنفيه ضرورةً. إذ انتفاء كل واحدٍ منهما عين (2) ثبوت الآخر، وإن عنيت بالشرط ما ينعدم المشروط عند عدمه لم يلزم الدور.
ب- أن الوصف الحاصل في الفرع حصل مع الحكم في الأصل ومع عدمه في موضع النقض، والثاني يقتضي القطع بعدم العلية، فلو كان إلحاقه بأحدهما أولى لكان إلحاقه بالثاني أولى، واذا تعارضا فالأصل عدم العلية، والأصل في المناسبة مع الاقتران، وإن كان هو العليَّة لكن الأصل في العلة ترتب الحكم عليها.
فإن قيل: لو عمل بأصلكم ترك أصلنا من كل وجهٍ ولا ينعكس. فأصلنا أولى بالعمل، ولأن أصلكم يعارضه أن الأصل استناد انتفاء الحكم إلى المانع الموجود في صورة النقض للمناسبة والاقتران دون عدم المقتضى.
قلنا: إذن لا نسلم أن المناسبة مع الاقتران دليل العليَّة بل هو مع الاطراد.
ولا نسلم إمكان استناد انتفاء الحكم إلى ذلك المانع فإن المتقدم (3) لا يضاف إلى المتأخر.
فإن قيل: يجوز تعريف المتقدم بالمتأخر، ثم المانع علة المنع من
(1) خلاصة هذا الاعتراض: أنه موجه للدليل الثاني من أدلة الإمام الرازي وهو قوله بلزوم الدور، فإن القاضي لا يسلم بلزوم الدور، وبيان ذلك أنه إن عنى بالشرط في اشتراط منع المانع أن يكون متقدماً على المشروط فلا يكون شرطاً له، وذلك لأن التنافي متحقق بين التفضيل، مع أنه يمتنع أن يكون وجود كل منهما مشروطاً بعدم الآخر. وإن عنى به ما ينعدم المشروط بانعدامه فلا نسلم لزوم الدور، وإنما يلزم لو كان بمعنى التقدم والتأخر ليلزم تقدم الشيء على نفسه.
(2)
في "ب، ج، د"(عند) بدل (عين).
(3)
معناه أن المانع حادث وعدم الحكم أزلي فيمتنع تعليله به.
الدخول في الوجود بعد كونه بعرضيته وأنه لم يتقدم. قلنا: لو أريد بالعلة المعرَّف لم يمنع إسناد انتفاء الحكم إليه من إسناده إلى عدم المقتضي.
والمانع لا يؤثر في إعدام شيء لاستدعائه سبق الوجود بل في العدم السابق.
احتجوا (1) بوجوه:
أ- القياس على العام المخصوص (2).
ب- المذكور أولًا (3) في بيان كون هذا العام حجة.
ب- الإِنسان إنما يلبس الثوبَ مثلًا لدفع البرد. ثم يترك هذا المقتضى عند الخوف من الظلم دون الأمن، وإذا حَسُنَ عرفاً حَسُنَ شرعاً للحديث (4).
د (5) - المناسب المخصوص يفيد ظن الحكم فإنا إذا علمنا كون الإِنسان مشرقاً مطلوب البقاء ظننا حرمة قتله، وإن لم يخطر ببالنا عدم الجناية. ثم عدم الجناية ليس جزءاً من المقتضى لهذا الظن. فالمقتضى هو الأول فيحصل الظن حيث حصل.
هـ- العلة الشرعية أمارة. وتخلف الحكم عن الأمارة لا يخل بها كما في الغيم الرطب.
و- بعض الصحابة قال بتخصيص العلة. عن ابن مسعود: أنه كان يقول: (هذا حكم معدول به عن القياس). وعن ابن عباس مثله ولم ينقل إنكار أحدٍ فكان إجماعاً.
(1) أي القائلين بتخصيص العلة.
(2)
لأن العام بالنسبة لأفراده كالعلة بالنسبة إلى مواردها، فلما لم يقدح التخصيص في العام فكذا في العلة، بجامع الجمع بين الدليلين المتعارضين.
(3)
في "ب"(أولى) بدل (أولا).
(4)
فيه إشارة لحديث (ما رآه المسلمون حسناً فهو عند الله حسن) تقدم تخريجه في صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب.
(5)
تقدم (هـ على د) في نسختي (ب، د) وسبب هذا التقديم والتأخير أن المحصول قدم (هـ على د) وناسخ (ب أو د) يتتبع المحصول أثناء النسخ، ولهذا غالباً ما تجده يبدل اللفظ الوارد في التحصيل باللفظ الوارد في المحصول. انظر المحصول 3/ 74، مخطوطة لندن والنسخة المطبوعة 2/ 2/ 338.
والجواب عن:
أ - منع الجامع. ثم الفرق أن عدم المخصص يجوز أن يكون جزءاً من دليل الحكم، وعدم المعارض لا يجوز كونه جزءاً للعلة. وإن جوَّزنا ذلك بتفسيرنا للعلة بالمعرَّف نشترط كون ذلك العدم مناسباً، فيجب ذكره ليعرف مناسبته بخلاف عدم المخصص.
ب - أن العلة إن فُسَّرت بالموجب أو الداعي كانت مقتضية للحكم لذاتها، فلم تختلف باختلاف المحال.
ج، د - أنا ندعي انعطاف قيد على العلة من الفرق بين الأصل وصورة النقض، وما ذكرتم لا ينفيه.
هـ - أن الأمارة إنما تفيد ظن الحكم، إذا غلب على الظن انتفاء ما يلازمه انتفاء الحكم. وذلك لا ينفي قولنا.
و- أنهم لم يقولوا التمسك بهذا القياس جائز أم لا.
" فرعان"(1) الأول
من جوز تخصيص العلة قال: التخلف لا لمانع لا يفسدها إذ الاستلزام الظاهر لا ينتفي به.
والحق أنه يفسدها، لأن ذات العلة إذا كانت مستلزمة للحكم بقيت كذلك، إلى أن يوجد مزيل وهو المانع.
الثاني
قيل: لا يجب ذكر نفي المانع إذ المؤثر (2) هو الوصف فقط ولا يطالب
(1) هذان الفرعان لم يردا في المحصول فهما من فوائد التحصيل، ولهذا سقط هذان الفرعان من (ب، د) فتأكد ما قلنا. من أن ناسخ إحداهما كان يتتبع المحصول أثناء النسخ.
(2)
في "أ"(المانع) بدل (المؤثر).