الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
المقدمة السادسة
"
إذا تعارض دليلان عامان أو خاصان فإن كانا معلومين وعلم التاريخ قدم المتأخر إن قبل المتقدم النسخ، وإلَّا تساقطا ويرجع إلى غيرهما، والشافعي (1) وإن لم يقل بوقوع (2) نسخ الخبر المتواتر بالكتاب ولا بالعكس، ولكنه يقول (3) لو تعارضا وأحدهما متقدم نسخه (4) المتأخر وتعيَّن التخيير (5) في المتقارنين إن أمكن.
ولا يترجح بالقوة إذ لا ترجيح (6) في المعلوم، ولا بكون حكم أحدهما شرعيًّا أو حظرًا إذ لا يجوز إسقاط المعلوم، وإن لم يعلم التاريخ رجع إلى غيرهما لاحتمال نسخ كل واحدٍ بدلًا عن الآخر.
وإن كانا مظنونين فحكمهما ما سبق إلَّا في الترجيح. وإن كان أحدهما معلومًا فقط، فإن علم تراخي المعلوم نسخ المظنون وإلا ترجح المعلوم.
وإذا تعارض عامان من وجهٍ دون وجهٍ كقوله تعالى: {وَأَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ} (7). مع قوله تعالى: {أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانِكُمْ} (8). وكقوله عليه
= ابن مسعود. ورواه الطبراني عن ابن مسعود ورواه الطبراني والحاكم عن. جعدة بن هبيرة بروايات مختلفة الألفاظ متقاربة المعاني. وانظر تخريج حديث خير الناس قرني المتقدم في صفحة (2/ 115) من هذا الكتاب، لأن هذا جزء منه وقد جمع ابن حجر في فتح الباري بين هذا الحديث والحديث المتقدم بخمسة وجوه، انظرها في فتح الباري 5/ 259، وانظر كشف
الخفا 1/ 396، وبلوغ المرام ص 177.
(1)
لا يوجد منافاة بين قول الشافعي رحمه الله بعدم وقوع نسخ الخبر المتواتر بالكتاب وبالعكس، وبين قوله وعلى فرض وقوعه فهو جائز ولكنه لم يقع، انظر المحصول: 2/ 2 / 547.
(2)
سقط من "ب، جـ، د" وقوع.
(3)
في "جـ، د" قد يقول.
(4)
في "ب، جـ، د"(تعين) بدل (نسخه).
(5)
في "جـ، د" وفي المتقارنين إن أمكن تعين التخيير والمعنى واحد.
(6)
سقط من "جـ، د" إذ لا ترجيح.
(7)
[النساء: 23].
(8)
[النساء: 3].
السلام: "فليصلها إذا ذكرها (1) مع نهيه عن الصلاة في الأوقات المكروهة"(2) فإن عُلِمَ تقدم أحدهما وليس المتقدم (3) معلومًا والمتأخر مظنونًا نسخ المتأخر المتقدم عند من يقول بأن العام المتأخر (4) ينسخ الخاص المتقدم (5) بل ههنا أولى لأنه (6) لا يتخلص الخصوص. وإن كان المتقدم معلومًا دون المتأخر فلا ينسخ ورجع إلى الترجيح، وأما من لا يقول بهذا فيليق بمذهبه عدم النسخ في هذه الأقسام والرجوع إلى الترجيح، إذ لا يتخلص عموم المتقدم ليخرج عنه المتأخر شيئًا. وإن لم يُعلم تقدم أحدهما لم يترجح أحد المعلومين بقوة الإسناد بل بكون حكم أحدهما شرعيًّا أو محظورًا، إذ ليس فيه طرح أحدهما
بخلاف المتعارضين من كل وجه. ويترجح أحد المظنونين بقوة الإسناد أيضًا، ويترجح المعلوم على المظنون بكونه معلومًا. فإن ترجَّح المظنون عليه بما يتضمنه الحكم (7) من إثبات حكمٍ شرعي وغيره فقد يحصل التعارض وحيث لا ترجيح فالحكم التخيير.
وإذا تعارض عام وخاص معلومان أو مظنونان نسخ الخاص المتأخر العام المتقدم والعام المتأخر ينسخ الخاص المتقدم عند الحنفية ويبنى عليه عندنا. وإن تقارنا خص الخاص العام وفاقًا، وإن جهل التاريخ يبنى العام على الخاص، ويتوقف فيه عند الحنفية ويقدم المعلوم على المظنون، إلَّا إذا كان المظنون خاصًا ورد مع العام ففيه اختلاف سبق في العموم.
(1) تقدم تخريج الحديث في هامش صفحة (1/ 280) من هذا الكتاب.
(2)
رواه الجماعة إلَّا البخاري من حديث عقبة بن عامر الجهني قال ثلاث ساعات، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ينهانا أن نصلي فيهن أو أن نقبر موتانا، حين تطلع الشمس بازغةً حتَّى ترتفع، وحين يقوم قائم الظهيرة حتَّى تميل الشمس، وحين تضيف الشمس للغروب حتَّى تغرب (نصب الراية 1/ 250).
(3)
سقط من "د" من المتقدم الى المتقدم التي بعدها.
(4)
في "هـ" سقط من المتأخر إلى المتأخر.
(5)
سقط من "د" بل ههنا أولى لأنه لا يتخلص الخصوص.
(6)
سقط من "أ" لأنه.
(7)
سقط من "ب، د، جـ" الحكم.
" الفصل الثالث"(1) في ترجيح الأخبار
يرجح أحد الخبرين من وجوه:
(1)
بكثرة الرواة.
(2)
بعلو الإسناد: إذ بقلة الوسائط يكثر الظن (2) وعلو الإسناد قد يكون مرجوحًا بندوره.
(3)
بفقه الراوي: إذ الفقيه إذا سمع ما لا يجوز إجراؤه على ظاهره بحث عنه وسأل عن سبب نزوله فيطلع على ما يزيل الإشكال. وقيل: لا ترجيح به فيما يُروى باللفظ بل بالمعنى.
(4)
وبزيادة فقهه.
(5)
وبعلمه بالعربية لتمكنه من التحفظ في مواضع الغلط ويمكن أن يقال: العالم يعتمد على لسانه فلا يبالغ في الحفظ.
(6)
وبزيادة العلم بها.
(7)
وبكونه صاحب الواقعة.
(8)
وبزيادة مجالسة المحدثين.
(9)
وبكون طريق روايته أظهر كمشاهدة زيد بالبصرة وقت الظهر بالنسبة إلى مشاهدته ببغداد وقت السحر.
(10)
وبظهور عدالته.
(11)
وبمعرفة عدالته بالاختبار.
(1) وفي "هـ" الفصل الثاني والصواب الثالث، لأن الثاني قد تقدم وهو في مقدمات الترجيح.
(2)
سقط من "جـ، د" علو الإسناد.
(12)
وبتزكية من هو أكثر بحثًا عن أحوال الناس أو ما هو أكثر عددًا أو علمًا أو ورعًا.
(13)
وبذكر معدله أسباب العدالة أو عمله (1) بخبره.
(14)
وبكون الراوي غير مبتدع.
(15)
وبزيادة التيقظ (2) وقلة النسيان.
(16)
وبزيادة الضبط وقلة النسيان (3)، فإنْ كان الأشد ضبطًا أكثر نسيانًا فالأقرب التعارض.
(17)
وبزيادة حفظ لفظ الرسول عليه السلام.
(18)
وبجزمه فيما يرويه.
(19)
وبسلامة عقله دائمًا.
(20)
وبتعويله على الحفظ دون المكتوب وفيه احتمال.
(21)
وبكونه من أكابر الصحابة إذ منصبه العالي يمنعه من الكذب أيضًا.
(22)
وبكونه غير مدلس.
(23)
وبكونه غير ذي اسمين.
(24)
وبكونه غير ذي رجال يلتبس أسماؤهم بأسماء قوم ضعفاء يصعب تمييزهم عنهم (4).
(25)
وبكونه مشهور النسب.
(26)
وبكونه غير راوٍ في الصبا.
(27)
وبكونه غير متحمل فيه.
(28)
وبكون رفعه إلى النبي عليه السلام متفقًا عليه.
(29)
وبنسبته للحديث إلى النبي عليه السلام قولًا لا اجتهادًا كما يقال وقع بين يديه عليه السلام فلم ينكر.
(30)
وبذكره سبب النزول.
(1) في "أ"(علمه) بدل (عمله).
(2)
في "جـ"(الضبط) بدل (التيقظ).
(3)
سقط من "جـ" وبزيادة الضبط وقلة النسيان.
(4)
سقط من "ب، د" يصعب تميزهم عنهم.
(31)
وبروايته الخبر بلفظه.
(32)
وبروايته حديثًا آخر يعاضده.
(33)
وبعدم إنكار راوي الأصل.
(34)
وبإسناده الخبر. وقال عيسى بن أبان المرسل مقدم. وقال القاضي عبد الجبار يستويان.
لنا: ما سبق من دليل عدم قبول المرسل، فإنه إن لم يمنع القبول فلا أقل من تضعيفه.
احتج عيسى (1) بوجهين:
أ - الثقة لا يقول قال النبي عليه السلام فيحكم (2) بالحل والحرمة إلَّا إذا قطع بأنه قوله، والمسند لا يقطع به.
ب - قال الحسن رضي الله عنه إذا حدثني أربعة نفرٍ من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بحديثٍ تركتهم وقلت قال رسول الله صلى الله عليه وسلم.
والجواب عنهما: أن قوله: قال رسول الله ظاهره الجزم ولا جزم ههنا فيحمل على ظنه أنَّه قال وهذا الظن يحصل فيه فقط إذ عدالة الباقي غير معلومة، والظن في المسند يحصل في جميع الرواة ثم رجحان المرسل إنما يصح لو قال الراوي قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. فإذا قال عن رسول الله فالأظهر أنَّه مرجوح لأنه في معنى قوله روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(35)
رجح قوم بالحرية والمذكورية كالشهادة وفيه احتمال.
(36)
وبكون الخبر مدنيًا إذ الغالب في المديني التأخر عن المكي.
(37)
وبوروده عند قوة الرسول عليه السلام فإنها كانت في آخر عمره، لكن إذا دلَّ الثاني على وروده حال الضعف.
(38)
وبتأخير إسلام الراوي فيما علم سماعه حال إسلامه. لكن إذا علم موت المتقدم قبل إسلام المتأخر. أو علم أن أكثر روايته قبل إسلام المتأخر.
(1) في جميع النسخ ما عدا "جـ" احتجوا.
(2)
سقط من "جـ" فيحكم.
(39)
وبعلمنا بسماع أحد المتقارنين في الإسلام بعد إسلامه.
(40)
وبرواية الخبر بتاريخ مضيق أو بوقت معين.
(41)
وبورود خبر التخفيف في حادثةٍ كان عليه الصلاة والسلام يغلظ فيها زجرًا لهم عن العادات لأنه أظهر تأخرًا. ويحتمل أن يرجح المغلظ لأنه عليه السلام ما كان يغلظ إلَّا بعد قوته فهو أظهر تأخرًا.
(42)
وبورود أحد العامين على سبب، فإنه وإن لم يختص بالسبب فيفيده الترجيح.
(43)
وبفصاحة لفظ الخبر إن قُبِلَ اللفظُ الركيك (1)، ولا يقدم بزيادة الفصاحة إذ الفصيح يتفاوت كلامه في الفصاحة وقيل يُقَدَّم.
(44)
وبخصوصه.
(45)
وباستعماله في الحقيقة لظهور دلالته، وهذا ضعيف إذ المجاز الغالب أظهر دلالة من الحقيقة المغلوبة (2). والمستعار أظهر دلالة من الحقيقة (3). فإن قولك فلان بحر أدل على السخاوة (4) من قولك سخي.
(46)
وبظهور إحدى الحقيقتين في المعنى، لكثرة ناقليه أو لقوة إتقانهم (5) ويعود الترجيح بحال الراوي.
(47)
وبالاتفاق على كون لفظه موضوعًا (6) لمسماه.
(48)
وباستغنائه عن الإضمار.
(49)
وبإفادته بالوضع الشرعي أو العرفي، لكن إذا كان للفظ الثاني دلالة شرعية أو عرفية طارئة، وإلَّا فالثاني أولى لأن دلالته شرعية وعرفية ولغوية والنقل خلاف الأصل.
(1) في "هـ"(الدليل) بدل (الركيك).
(2)
في "د" المعلومة وفي المحصول المرجوحة بدل المغلوبة والكل متقارب.
(3)
سقط من "ب" من الحقيقة إلى الحقيقة.
(4)
في "د"(السماحة) بدل (السخاوة).
(5)
في "ب، د "(إنفاقهم) بدل (إتقانهم).
(6)
في "أ"(مسموعًا) بدل (موضوعًا).
(50)
وبكون أحد المجازين أشبه بالحقيقة، أو متعينًا للعمل باللفظ لقلة مخالفة الأصل.
(51)
وبعدم دخول التخصيص في أحد العامين (1).
(52)
وبكثرة طرق دلالة اللفظ على المراد.
(53)
وبذكر حكم الخبر مع علته صريحًا أو إيماءً.
(54)
وبالتنصيص على الحكم واعتباره بمحل آخر، لأنه إشارة إلى وجود علة جامعة كقوله عليه الصلاة والسلام:"أيما إهابٍ دبغ فقد طهر"(2) كالخمر يتخلل فتحل. فترجح في المشبه على قوله عليه السلام: "لا تنتفعوا من الميتة بإهاب ولا عصب"(3) وفي المشبه به في تخليل الخمر على قوله عليه السلام: "أرقها"(4).
(55)
وبتأكيد دلالته كقوله عليه الصلاة والسلام: "باطل باطل"(5).
(56)
وبالتنصيص على الحكم وذكر المقتضي لضده فإنه (6) يدل على ترجيحه على ضده، ولأن تقديمه يقتضي النسخ مرتين كقوله عليه الصلاة والسلام:"كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها"(7).
(1) في "أ"(العاملين) بدل (العامين).
(2)
رواه بهذا اللفظ النسائي والترمذي وابن ماجة ومالك وابن حبان وأحمد والشافعي وإسحاق بن راهويه والبزار، ورواه مسلم بلفظ:"إذا دبغ الإهاب فقد طهر" نصب الراية 1/ 116.
(3)
أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والترمذي وصححه ابن حزم وحسنه الترمذي، ورواه ابن حبان والبيهقي وأحمد والطبراني من طريق عبد الله بن عكيم، ورجع عنه أحمد لما رأى تزلزل الرواة فيه (نصب الراية 1/ 120).
(4)
إشارة لما أخرجه مسلم عن أنس أن أبا طلحة سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن أيتام ورثوا خمرًا. قال: أهرقها. قال أفلا نجعلها خَلًّا؟ قال: لا، وأخرجه مسلم عن أنس أيضًا بلفظ قال: سئل النبي صلى الله عليه وسلم عن الخمر يتخذ خلًا قال: لا (صحيح مسلم 2/ 163 في باب تحريم تخليل الخمر من كتاب الأشربة).
(5)
ذلك إشارة لقوله عليه السلام: "أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها فنكاحها باطل باطل"، وانظر تخريجه في صفحة (1/ 299).
(6)
سقط من "ب" لضده فإنه يدل.
(7)
رواه مسلم عن بريرة ورواه أيضًا عن أبي هريرة بلفظ: "زوروا القبور فإنها تذكر الموت".
ورواه الحاكم عن أنس بلفظ: "كنت نهيتكم عن زيارة القبور ألا فزوروها فإنها ترق القلب وتُدْمع العين وتذكر الآخرة ولا تقولوا هجرًا"، ورواه ابن ماجة عن ابن مسعود بلفظ: "كنت =
(57)
وباقتران أحدهما بالتهديد أو بزيادة التهديد.
(58)
وبدلالته على الحكم بمنطوقه أو بغير واسطة.
(59)
وبكونه مُقَرِرًا لحكم الأصل. وقال (1) جمهور الأصوليين يقدم الناقل.
لنا: أن المقرر لو تقدم على الناقل، لكان وروده حيث استقل العقل بمعرفة حكمه. ولو تأخر عنه لورد في محل الحاجة فكان أولى.
فإن قيل: الناقل يستفاد منه ما لا يعلم من غيره، وتقدمه على المقرر يقتضي النسخ مرتين وتأخره يقتضي مرةً واحدة فهو أولى.
والجواب عن:
أ - ما سبق في الدليل.
ب - أن دلالة الأصل مشروطة بعدم دلالة السمع فلا يكون الناقل ناسخًا له.
ثم أنَّه معارض بأن المقرر لو تقدم لكان المنسوخ حكمًا ثبت بدليلين، ولو تأخر لكان المنسوخ حكمًا ثبت بدليل واحد. ثم قال القاضي عبد الجبار: هذا ليس من باب الترجيح، لأنا نعمل بالناقل على أنَّه ناسخ، ولأنه لو كان ترجيحًا لوجب العمل بالمقرر عند عدم الناقل والعمل (2) بالأصل عند عدمه.
والجواب عن:
أ - أنا لا نقطع بالتأخر ليكون نسخًا.
ب - أن العمل بموجب الخبر عند عدم الناقل (3) متى جعلنا حكمه شرعيًّا، لا يصح رفعه إلَّا بما يصح به النسخ.
= نهيتكم عن زيارة القبور فزوروا القبور فإنها تزهد في الدنيا وتذكر الآخرة". انظر كشف الخفا 2/ 130، والفتح الكبير 2/ 334.
(1)
في "ب، د" سقط قال وفي "هـ " في الهامش موجودة.
(2)
سقط من "أ" والعمل.
(3)
سقط من "ب، د" عند عدم الناقل.
(60)
قال القاضي عبد الجبار: إذا كان حكم أحد الخبرين نفيًا وحكم (1) الأخر إثباتًا وهما شرعيان فلا ترجيح، كما إذا اقتضيا الوجوب والإباحة حيث يقتضي العقل الحظر أو الحظر والإباحة حيث اقتضى العقل الوجوب، أو الوجوب والحظر حيث يقتضي العقل الإباحة، وهذا مستقيم على مذهبنا دون مذهب المعتزلة، إذ العقل عندهم يفيد الأحكام.
فإذا (2) اقتضى العقل الحظر كان المقتضي للوجوب ناقلًا من وجهين، والمقتضي للإباحة مقررًا من وجه.
وإذا اقتضى العقل الوجوب كان المقتضي للحظر ناقلًا من وجهين، والمقتضي للإباحة مقررًا من وجه، فإن رجحنا الناقل ترجح المقتضي للوجوب والحظر على المقتضي للإباحة، وإن رجحنا المقرر ترجح هو عليهما.
وإن اقتضى العقل الإباحة كان كل واحدٍ من المقتضي للوجوب، والمقتضي للحظر ناقلًا من وجه ومقررًا من وجهٍ فيتساويان.
(61)
قال الكرخي وطائفة من الفقهاء: خبر الحظر راجح على خبر الإباحة، وقال أبو هاشم وعيسى بن أبان هما سيان.
احتجوا بقوله عليه الصلاة والسلام: "ما اجتمع الحلال والحرام إلَّا وغلب الحرامُ الحلالَ"(3). وقوله عليه الصلاة والسلام: "دع ما يريبك إلى ما
(1) سقط من "ب" حكم.
(2)
تكرر في "د" من قوله فإذا اقتضى إلى قوله من وجه.
(3)
قال ابن السبكي في الأشباه والنظائر نقلًا عن البيهقي رواه جابر الجعفي عن ابن مسعود فيه ضعف وانقطاع. وقال الزين العراقي في تخريجه منهاج الأصول لا أصل له. وأدرجه ابن مفلح في أول كتابه في الأصول فيما لا أصل له. قال السيوطي بعد أن ذكره في الأشباه والنظائر أخرجه عبد الرزاق في مصنفه موقوفًا على ابن مسعود، وقال ابن نجيم الحنفي: ذكره الزيلعي شارح الكنز في كتاب العبيد مرفوعًا، انظر كشف الخفا 3/ 182، الأشباه والنظائر للسيوطي ص 105، الأشباه والنظائر لابن نجيم ص 108.
لا يريبك" (1) وقال عثمان (2) في الأختين المملوكتين: (أحلتهما آية وحرمتهما آية)(3). فالتحريم أولى ولأن من طلق إحدى نسائه أو أعتق إحدى إمائه ونسي عينها حرم عليه الكل، ولأن ترك المباح أولى من فعل الحرام فالحكم بالتحريم أحوط. وأما الخطأ في الاعتقاد فهو مشترك.
(62)
قال الكرخي: المثبت للطلاق والعتاق مقدم على النافي لهما، وقال قوم سيان. له: إن ملك اليمين والنِّكَاح على خلاف الأصل فزوالهما على وفق الأصل فمزيلهما أولى.
(63)
قال بعض الفقهاء: النافي للحد مقدم على المثبت (4) له خلافًا للمتكلمين.
له: أن الحد ضرر فشرعيته على خلاف الأصل فالنافي له أولى، ولأن خبر النفي يورث شبهةً فيسقط الحد لقوله عليه الصلاة والسلام:"ادرؤوا الحدود بالشبهات"(5). ولأن تعارض البينتين يسقط الحد فتعارض الخبرين أولى ولم يتقدم له ثبوت.
(64)
ترك بعض أئمة (6) الصحابة العمل به، أو عمله بخلافه يوجب نسخه أو رده عند قوم، وعند الشافعي يوجب رجحان ما لا يكون كذلك عليه.
(65)
عمل أكثر السلف ممن لا يجب تقليدهم به يوجب ترجيحه عند عيسى ابن أبان لأن قول الأكثر أوفق للصواب خلافًا لقوم.
(66)
ورود خبر الواحد فيما تعم به البلوى إن لم يوجب الرد يوجب المرجوحيَّة.
تنبيه: الترجيح بالكمية قد يعارض الترجيح بالكيفية، فعلى المجتهد النظر في ترجيح إحداهما على الأخرى.
(1) تقدم تخريج الحديث في صفحة (1/ 284) من هذا الكتاب.
(2)
في "أ، ب، "(عمر) بدل (عثمان).
(3)
تقدم تخريج الأثر في هامش صفحة (1/ 371) من هذا الكتاب.
(4)
في جميع النسخ خلافًا للمتكلمين له، وصححت العبارة.
(5)
تقدم تخريج الحديث في هامش صفحة (2/ 244) من هذا الكتاب.
(6)
سقط من "هـ" أئمة.
" الفصل الرابع"(1) في ترجيح الأقيسة
يرجح أحد القياسين من وجوه:
(1)
بتعليل أصله بالوصف الحقيقي، لأنه متفق عليه فتقل فيه المقدمات الظنية.
(2)
وبتعليله بالحكمة. أما بالنسبة إلى التعليل بالعدم، فلأن العلم بالعدم لا يدعو إلى الحكم ما لم يعلم اشتماله على الحكمة والمصلحة، وقضية هذا رجحانه على التعليل بالوصف، ولكن (2) ترجح ذلك عليه لكونه أضبط. والعدم في نفسه غير مضبوطٍ إذ لا يتقيد (3) ما لم يضف إلى الوجود وأما بالنسبة إلى التعليل بالوصف الإضافي، فلأن (4) الإضافة ليست أمرًا وجوديًا. أما بالنسبة إلى التعليل بالحكم الشرعي والوصف التقديري، لأنه تعليل بنفس المؤثر، ترك العمل به في الوصف الحقيقي بالإجماع ولكونه أشبه بالعلل العقلية.
(3)
التعليل بالعدم أولى من التعليل بالحكم الشرعي، لكونه أشبه بالأمور الحقيقية ويحتمل أن يقال: الحكم الشرعي أولى لكونه أشبه بالموجود.
(4)
التعليل بالعدم أولى من التعليل بالوصف التقديري، لأن محذور (5) العدم حاصل فيه مع محذور آخر. وهو إعطاء المعدوم حكم الموجود.
(1) في "هـ" الثالث.
(2)
في "ب" أمكن وفي "أ" ليكن.
(3)
في "ب" يتقدر.
(4)
في "أ"(فأما أن) بدل (فلأن).
(5)
وهو الخلاف في التعليل بالعدم.
(5)
تعليل الوجودي بالوصف الوجودي أولى من تعليل العدمي بالعدمي، والوجودي بالعدمي والعدمي بالوجودي إذ العلية والمعلولية ثبوتيتان لا يمكن قيامهما بالعدم إلَّا إذا قدر موجودًا، وتعليل العدمي بالعدمي أولى من الباقيين للمشابهة وفي الباقين نظر.
(6)
التعليل بالحكم الشرعي أولى من التعليل بالوصف المقدر، إذ التقدير خلاف الأصل.
(7)
التعليل بالمفرد أولى من التعليل بالمركب، إذ المركب يتوقف وجوده على وجود الأجزاء (1) فيكثر فيه (2) الاحتمال.
(8)
إذا عُلم وجود وصفي القياسين (3) في الفرع فلا ترجيح بكون أحدهما بديهيًا، وكون الأخر نظريًا إذ القطعيات لا تقبل الترجيح. وكلام أبي الحسين يدل على أنها تقبله، وإن كان أحدهما ظنيًا ترجح المعلوم. وإن كانا ظنيين فلما كانت المقدمات المفيدة للظن أقل كان أولى (4)، وينبغي أن تقابل كمية المقدمات بكيفية إفادتها للظن. إذا ثبت هذا فنقول: دليل وجود العلة إما النص أو الإجماع، إذ القياس ينتهي إليهما، وقد عرفت ترجيح النص، والإجماعان إن كانا قطعيين لا يقبلان الترجيح. وإن كانا ظنيين فإن كانا مختلفًا فيهما عند المجتهدين كالإجماع السكوتي والمنقول آحادًا قبِلا الترجيح، وإن كان أحد الإجماعين متفقًا عليه والآخر مختلفًا فيه ترجح الأول (5) لتقدم المعلوم (6) على المظنون.
(1) في "هـ"(الآخر) بدل (الأجزاء).
(2)
في "ب" فيكون أقل، وفي "د" فيكون أقل للاحتمال، وفي "هـ" فيكون الاحتمال.
(3)
في "ب، جـ، د"(العلتين) بدل (وصفي القياسين).
(4)
في "أ"(أقل) بدل (أولى).
(5)
تعبير الرازي في العمل بالإجماع القطعي مع المظنون أدق، حيث قال يعمل بالقطعي ولا يجرى فيه الترجيح. وأقول: من شرط التعارض الَّذي يقبل الترجيح كون كلا المتعارضين حجة (المحصول 2/ 2/ 603).
(6)
في "هـ". (القاطع) بدل (المعلوم).
(9)
ما يثبت عليته بالتنصيص بلفظ لا يحتمل غير العليَّة، كقولنا لعلة كذا أو لسبب (1) كذا، أو منِ أجل أنَّه كذا مقدم على غيره. ثم ما يثبت عليته بلفظ ظاهر كاللام وإنَّ والباء.
واللام مقدم لأنه ظاهر في التعليل و"أن" قد يكون للتأكيد والباء للإلصاق، كقوله كتبتُ بالقلم ولكونه محكومًا به كقوله:"أنا أقضي بالظاهر"(2). وحيث لا يكون لهما فهو كاللام إذ لا فرق بين قولنا قتلته بجنايته (3) أو لجنايته وفي إنَّ والباء احتمال.
(10)
ما ثبت عليته بإيماء النص، وهو مناسب مقدم على غير المناسب، وإيماء (4) الدلالة اليقينية مقدم، وإن ثبتت عليَّة الوصف بخبر الواحد عادت التراجيح المذكورة في الخبر، ثم اتفقوا على أن دلالة الإِيماء على العلية راجحة على دلالة الوجوه العقلية من المناسبة والدوران والسبر. وفيه نظر، إذ الإيماء لا يدل بلفظه على العليَّة بل بواسطة أحد الوجوه والأصل راجح. ثم النظر في ترجيح أقسام الإِيماءات وأقسام أقسامها موكولة إلى الناظر.
(11)
ما ثبت عليته بالمناسبة راجح على ما ثبت عليته بالدوران، وقد يعبر عنه بالمطرد المنعكس وقال قوم: المطرد المنعكس أولى.
لنا: أن تأثير الوصف في الحكم لمناسبته، فهي علة لعليَّة العلة لا لدورانه معه. إذ العليَّة قد توجد بدون الدوران إذا كانت العلة أخص من المعلول، ويوجد الدوران بدون العليَّة كما تقدم.
احتجوا: بأن المطرد المنعكس أشبه بالعلل العقلية وصحته مجمع عليها.
(1) في "ب"(ليست) بدل (لسبب).
(2)
تقدم تخريج الحديث في صفحة (1/ 282) من هذا الكتاب.
(3)
في "ب" بخيانته ولخيانته والصواب بجنايته تبعًا للمحصول 2/ 2/ 604.
(4)
في "أ"(إنما) بدل (إيماء).
والجواب عن:
أ - لا نسلم وجوب العكس (1) في العلل العقلية. ولا نسلم أن الأشبه بها أولى.
ب - أن ذلك في (2) مطرد منعكس مناسب، والكلام في مناسب غير مطرد منعكس ومطرد منعكس غير مناسب.
(12)
دلالة المناسبة راجحةٌ على دلالة التأثير إذ لا يلزم من كون الوصف مؤثرًا في شيء كونه مؤثرًا فيما يشاركه في جنسه، وكون الوصف مناسبًا هو الَّذي لأجله يصير الوصف مؤثرًا في الحكم.
(13)
السبر إن كان قاطعًا في مقدماته تعين العمل به، وإن كان مظنونًا في مقدماته كانت المناسبة راجحة عليه، إذ دليل تلك المقدمات (3) لا يكون نصًا وإلا كانت يقينيَّة، فهو إما إيماء (4) والمناسبة راجحة عليه أو مناسبة، والمناسبة المستقلة راجحة على غير المستقلة، وأما غير المناسبة والمناسبة راجحة على غيرها لما تقدم، وإن كان (5) قاطعًا في بعض مقدماته عاد الترجيح المذكور في المقدمة الظنية.
(14)
المناسبة أقوى من الشبه والطرد.
(15)
المناسبة من باب الضرورة راجحة على التي من باب الحاجة وهي على التي من باب الزينة. ثم الوصف المناسب نوعه لنوع الحكم راجحٌ على المناسب نوعه لجنس الحكم وجنسه لنوع الحكم وجنسه لجنس الحكم، والثاني والثالث متقاربان وراجحان على الرابع، والجنس الأقرب أقدم، ثم المناسب الجلي وهو ما يلتفت الذهن إليه في أول الوهلة كقوله عليه السلام:"لا يقضي القاضي وهو غضبان"(6). إذ
(1) في "أ، ب"(الطرد) بدل (العكس) وفي "هـ" صححت في الهامش وفي المحصول 2/ 2/ 608 العكس.
(2)
سقط من "د" في.
(3)
في "ب، جـ، د" المقدمة وفي المحصول 2/ 2/ 611 المقدمات.
(4)
سقط من "ب، د"(إيماء والمناسبة راجحة عليه أو مناسبة) وموجود في "جـ" تعليقًا.
(5)
أي إن بيان السبر.
(6)
تقدم تخريج الحديث في هامش صفحة (1/ 424) من هذا الكتاب.
الذهن يلتفت عند سماع هذا إلى أن الغضب إنما يمنع لمنعه من استيفاء الفكر راجح على الخفي.
(16)
المناسبة المؤيدة بغيرها راجحة، والخالية عن المعارضة راجحة والمناسب من وجهين مقدم. ثم عليك باعتبار الجهات المرجحة.
(17)
الدوران في صورةٍ واحدة راجحة على الدوران في صورتين، لأن العصير لما لم يكن مسكرًا لم يكن حرامًا، فلما صار مسكرًا صار حرامًا، فلما زالت المسكرية عادت حلالًا، قطعنا بأن الصفات الحاصلة في الأحوال الثلاثة لا تصلح للعليَّة، وإلَّا لزم وجود العلة بدون الحكم وهذا القدح (1) لا يحصل في الدوران في الصورتين.
(18)
الشبه في الصفة أولى من الشبه في الحكم الشرعي، لأنه أشبه بالعلل العقلية.
(19)
دليل الحكمْ في الأصلين إن كانا قطعيين فلا ترجيح، وإن كان أحدهما قطعيًا تعين وإن كانا ظنيين، فقالوا الإجماع أقوى (2) من الدليل اللفظي، لأنه لا يقبل التخصيص والتأويل. وفيه نظر. إذ الدليل اللفظي أصل الإجماع فهو أقوى.
(20)
ما ثبت حكم أصله بالنص راجح على ما ثبت حكم أصله بالقياس إن جوزناه، لأن النص أصل القياس، وإلا تسلسل والأصل راجح.
(21)
الدليل اللفظي إما قاطع في المتن أو الدلالة أو فيهما أو في واحدٍ منهما، ولا يخفى عليك تعيين البعض وترجيح البعض على البعض بالاستعانة بما سلف.
(22)
القياس المثبت للحكم الشرعي راجح على المثبت للحكم العقلي، إذ حكم الدليل الشرعي يجب كونه شرعيًّا، ولأن تقديم العلة المثبتة للحكم الشرعي يوجب النسخ مرتين. ويمكن استخراج علة شرعية من أصل عقلي إذا لم ينقلنا الشرع عنه. أما إذا كان أحد الحكمين نفيًا
(1) في "هـ"(القطع) بدل (القدح).
(2)
في "جـ"(أولى) بدل (أقوى).
والأخر إثباتًا وهما شرعيان، فقيل هما سِيَّان وقد عرفت ما فيه في ترجيح الأخبار.
(23)
المثبت للحظر الشرعي راجح على المثبت للإباحة الشرعيَّة لما عرفت ثمة، فإن كان الحظر عقليًا فكونه حظرًا جهة الرجحان وكونه عقليًا جهة المرجوحية، وقد عرفت كيفية النقل عن حكم العقل ثمة.
(24)
المثبت للعتق والطلاق راجح على النافي لهما، والنافي للحد راجح على المثبت له.
فإن قلتَ: النافي يثبت حكمًا عقليًا، قلتُ الشرع لمَّا ورد بالنفي صار حكمًا شرعيًّا، إذ لا يجوز نسخه إلَّا بما ينسخ به الحكم الشرعي.
(25)
المثبت لزيادة الحكم راجح على غيره (1)، كالمثبت للندب بالنسبة للمثبت للإِباحة إذا كانت الزيادة شرعية.
(26)
القياس على الحكم الوارد على وفق قياس الأصول (2) راجح، لأنه مجمع عليه ولأنه خالٍ عن المعارض.
(27)
القياس على أصل أجمعوا على تعليل حكمه راجح.
(28)
القياس الكثير الأصول راجح، والمعاضد بقول الصحابي أو بقياس آخر راجح.
(29)
ما لا يلزم منه محذور كتخصيص عام، وترك ظاهر وترجيح مجاز على الحقيقة راجح.
(30)
العلة المطردة راجحة على المخصوصة.
(31)
العلة المتعدية أولى من القاصرة عند الأكثرين، لأنها متفق عليها وأكثر فائدة وأنكر بعض الشافعية، لأن التعدية فرع الصحة والفرع لا يقوي الأصل. وجوابه أنَّه يدل على قوته.
(32)
أعم العلتين أولى إذ تكثر أحكام الشرع بكثرة الفروع وأنكره بعضهم قياسًا على أعم الخطابين، والفرق أن العمل بأعم الخطابين يسقط
(1) سقط من "هـ" على غيره.
(2)
في "هـ"(الأصل) بدل (الأصول) وفي المحصول الأصول 2/ 2/ 622.
الأخص من غير عكسٍ، والعمل بكلِّ واحدٍ من القياسين يسقط الآخر.
فإسقاط ما تقل فائدته أولى.
(33)
العلة التي تعم أفراد الفرع أولى لما عرفت. ولأن دلالته على كل فردٍ كالدلالة على الكل ضرورة عدم القائل بالفصل (1) فهي كالأدلة الكثيرة.
(34)
ما يرد الفرع إلى جنسه راجحٌ على ما يرده إلى غير جنسه، كقياس الحلي على التبر بالنسبة إلى قياسه على الثياب (2).
(1) في المحصول (بالفرق) بدل (بالفصل) 2/ 2 / 628.
(2)
في المحصول على سائر الأموال بدل الثياب 2/ 2/ 628.