الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
"
المسألة الخامسة
"
يجوز اثبات أصول العبادات بالقياس خلافاً للجبائي والكرخي.
لنا: النص (1) والمعقول المتقدمان.
وبنى الكرخي عليه أنه لا يجوز اثبات الِإيماء في الصلاة بالقياس، ويمكن حمل الخلاف على أنه يجب فيه اليقين ببيان الشرع والنقل المتواتر إلينا. وعلى أنه وإن كفى فيه الظن لكن لا يجوز فيه القياس. والأول منقوض (2) بالوتر.
فإن قلتَ: إذا جاز هذا جاز وجوب صوم شوال مع أنه لم ينقل إلينا.
قلتُ: المعتمد في نفيه الِإجماع. والثاني (3) محكم إذ لا مانع من جواز القياس فيما يكفي فيه الظن.
"
المسألة السادسة
"
يجوز اثبات التقديرات والحدود والكفارات والرخص بالقياس خلافاً للحنفية (4). وحاصل الخلاف أنه هل في الشريعة جملة من المسائل لا يجري القياس فيها.
لنا: ماسبق (5).
فإن ادعوا امتناع الوقوف فيها على العلة، فذلك إنما يظهر إذا بحث
(1) وهو قوله تعالى: {فَاعْتَبِرُوا} وغيره من الآيات والمعقول وهو أن القياس يفيد ظن دفع الضرر.
(2)
إذ الوتر عندهم واجبٌ مع عدم القطع به والوجوب لا يقتضي القطع به.
(3)
أي الثاني من الوجوه التي اعتمد عليها الكرخي. وهو وإن كفى الظن في إثبات أصول العبادات لكن لا يجوز فيه القياس.
(4)
في المحصول خلافاً لأبي حنيفة وأصحابه، ومذهب الجواز نسبه الإمام الرازي للشافعي - رحمهما الله -، المحصول 2/ 2/ 471.
(5)
وهو قوله: فاعتبروا وحديث معاذ والعمل بدفع الضرر المظنون.
عن مسألةٍ مسألة، فإذا وجد فيها العلة صح القياس وإلَّا فلا. لكن كل مسألةٍ بهذه المثابة.
والشافعي ذكر مناقضتهم في هذا الباب فإنهم قاسوا في الحدود وتعدوا إلى الاستحسان. فأوجبوا الرجم بشهود الزوايا بالاستحسان (1) مع مخالفته للعقل، وقاسوا الإفطار بالأكل على الإفطار بالوقاع (2). وقتل الصيد ناسياً على قتله عامداً مع تقييد النص بالعمد.
فإن قلتَ: إنما أثبتنا بالاستدلال: قلت: فالاستدلال قياس إذ يجب فيه أن يقال حكم الأصل إمَّا ليس بمعلل أو معلل بالفارق أو المشترك. والأولان باطلان وهذا هو القياس واستخراج العلة بالتقسيم. وأثبتوا تقديرات الدلو والبئر بالقياس وقاسوا في الرخص حتى انتهوا في الاستنجاء إلى نفي استعمال الأحجار، وحكموا بذلك في كل النجاسات. وقاسوا العاصي بسفره على المطيع (3) مع أن القياس ينفي الرخصة إذ الرخصة إعانة والمعصية لا تناسبها.
احتجوا في الحدود بقوله عليه السلام: "ادرؤوا الحدود بالشبهات"(4)،
(1)"سقط من "ب" بالاستحسان ، ومسألة شهود الزوايا: هي أن يشهد أربعة أشخاص على شخص بأنه زنى بامرأة. وعين كل شاهدٍ منهم زاوية غير الآخر فعند الحنفية يجب الحد على المشهود عليه استحساناً. وعند الشافعي لا يحد حتى لو تقاربت الزوايا. وعند أحمد ومالك يحد إذا تقاربت الزوايا، انظر المغني لابن قدامة 10/ 183، ومختصر المزني بهامش الأم 5/ 259.
(2)
قال صاحب الهداية: ولو أكل أو شرب ما يتغذى به أو يتداوى به فعليه القضاء والكفَّارة، لأنَّ الكفارة تعلقت بجناية الإفطار في رمضان على وجه الكمال وقد تحققت، انظر فتح القدير 2/ 338.
(3)
قال صاحب الهداية: والعاصي والمطيع في سفرهما سوإء لأن نفس السفر ليس بمعصية وإنما المعصية ما يكون بعده أو يجاوره فصلح تعلق الرخصة به. انظر فتح القدير 2/ 46.
(4)
رواه الحارثي في مسند أبي حنيفة عن ابن عباس مرفوعاً. وأخرجه ابن السمعاني عن عمر بن عبد العزيز وأخرجه ابن أبي شيبة وابن حزم ورواه البيهقي والحاكم والترمذي وأبو يعلى عن عائشة وغيرها بلفظ: "ادرؤوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلو سبيله فإن الإمام أن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوية"، وروته كتب أخرى عن كثير من الصحابة (كشف الخفا 1/ 71).